رغم اقرار مبدأ اللامركزية في الدستور التونسي الجديد واعطاء صلاحيات أكبر للمجالس المحلية والجهوية المنتخبة، فإن البرلمان التونسي لم يصادق بعد على مشروع قانون تنظيم الانتخابات، الأمر الذي ترتب عليه تأجيل موعد الانتخابات المحلية التي كان مقرراً إجراؤها في مارس الحالي، وسط اتهامات متبادلة بشأن المسؤولية عن هذا التعطيل.
هل تتمّ المصادقة على القانون الانتخابي خلال شهر يناير الحالي؟
ست سنوات من الثورة وتونس دون مجالس محلية منتخبة، ويخشى التونسيون أن يتواصل هذا ويتسبّب في مزيد عرقلة نشاط البلديات وعملية التنمية في الجهات وتأخّر تحقيق مطلب من المطالب الشعبية الأقرب للمواطنين وهو الحكم المحلي. ووصف رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس شفيق صرصار تأخر الانتخابات المحلية ب “غير المقبول“، منتقدا تعطل البرلمان في تمرير مشروع قانون الانتخابات البلدية بسبب “مصالح حزبية“، حسب قوله. وتحتاج رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ثمانية أشهر لتحضير الانتخابات اعتبارا من تاريخ نشر قانونها في الجريدة الرسمية.
والهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي هيئة أقرها الدستور التونسي الجديد(الصادر في يناير/ كانون الثاني 2014) في المادة 126، للإشراف على الانتخابات ويتم انتخابها من البرلمان وتتكون من 9 أعضاء “مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها ست سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين.”
امكانية اتمام المصادقة على القانون الانتخابي خلال شهر يناير الحالي، شرط إيجاد أرضية توافق بين الأحزاب الممثلة في البرلمان مع الحكومة
وفشل البرلمان التونسي مرات سابقة في المصادقة على فصول ومطالب التعديل المتصلة بمشروع القانون الأساسي المتعلق بتنقيح وإتمام قانون الانتخابات والاستفتاء، نتيجة خلافات بخصوص بعض الفصول أهمها أحقية الأمنيين والعسكريين في الانتخاب، إضافة إلى مسألة حلّ النيابات الخصوصية (هيئات بلدية مؤقتة وغير منتخبة) ثمانية أشهر قبل موعد الانتخابات.
من جهته، عبّر رئيس البرلمان التونسي، محمد الناصر، في تصريح خصّ به نون بوست امكانية اتمام المصادقة على القانون الانتخابي خلال شهر يناير الحالي، شرط إيجاد أرضية توافق بين الأحزاب الممثلة في البرلمان مع الحكومة باعتبارها صاحبة المبادرة التشريعية. وتابع، إذا تمّ المصادقة على القانون الانتخابي فذلك يمهّد الطريق لإجراء الانتخابات المحلية نهاية السنة الحالية.
وأكّد الناصر، في حديثه لنون، أن من أولويّات البرلمان التونسي المصادقة على هذا القانون. وفي وقت سابق دعا محمد الناصر، رؤساء الكتل البرلمانية إلى جلسة توافق حول مسار الانتخابات البلدية في جزئيها ذات العلاقة بالبرلمان. و“لجنة التوافقات” هي لجنة في البرلمان التونسي مكونة من رؤساء الكتل تنظر في المسائل الخلافية قبل عرضها على الجلسة العامة كما تنظر هذه اللجنة في أي إشكال يحصل خلال الجلسات العامة للوصول إلى حلول لها.
وإثر الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011، تم حل المجالس البلدية في تونس واستبدالها بـ“نيابات خصوصية” معينة من السلطات لإدارة الشأن اليومي البلدي.
اتهامات للأحزاب الحاكمة على رأسها “نداء تونس”
تأخّر المصادقة على مشروع قانون تنظيم الانتخابات وما ترتب عليه من تأجيل موعد الانتخابات المحلية، أحدث حالة من الجدل وتبادل الاتهامات بين القوى السياسية في تونس بشأن مسؤولية هذا التعطيل. في هذا الشأن يقول النائب في البرلمان التونسي عن حراك تونس الإرادة (الحزب الذي أسسه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي نهاية 2015)، عماد الدايمي، في تصريح لنون بوست، تعطيل الانتخابات المحلية ليس في مصلحة أي كان وليست في مصلحة تونس وهو ناتج عن حسابات سياسية ضيقة جدا لأحزاب موجودة في التحالف الحاكم تريد أن تربط موعد الانتخابات بمدى استعدادها لخوض هذه الانتخابات.” وتابع” هذا التفكير المبني على المصلحة السياسوية الضيقة فيه خطورة كبيرة على استقرار البلاد وعلى مزيد تأزيم الوضع العام لتونس.
واعتبر الدايمي، أن “بهذه الحسابات الضيقة يضيّعون فرصة تاريخية لتوسيع القاعدة الديمقراطية في البلاد وخفض درجة الاحتقان لأن انجاز الانتخابات في أقرب الأوقات سيساهم مهما كان الفائز في توسيع المسؤوليات المركّزة في مستوى الحكم المركزي إلى ألاف المنتخبين على المستوي المحلي وتخفيف الضغط على الحكومة وفي توسيع التجربة الديمقراطية التشاركية.”
أكبر خطأ يمكن أن يقع فيه التونسيون، هو عدم تنظيم الانتخابات البلدية خلال هذه السنة
من جهته قال المحلّل السياسي صلاح الدين الجورشي في تصريح خصّ به نون بوست، “السبب الرئيسي لتأخر هذا الاستحقاق الهام راجع أساسا إلى الصراع بين الأحزاب السياسية وخاصة الأحزاب الحاكمة”. وحمّل الجورشي، حركة نداء تونس، مسؤولية تعطّل المصادقة على مشروع هذا القانون، وقال في هذا الشأن، “جزء هام من المسؤولية يتحملها نداء تونس الذي يمر بوضعية تفكك، فالمسؤولين عن هذا الحزب يؤجلون المصادقة على هذا القانون وتحديد موعد لهذه المحطة عسى أن يعطيهم هذا التأخير الوقت لحسم خلافاتهم الداخلية.” واعتبر الجورشي أن هذا التأخير ليس في مصلحة الشعب التونسي ولا الانتقال الديمقراطي.”
من جهتها نفت النائبة عن حركة نداء تونس، هالة عمران، الاتهامات الموجّهة إلى حزبها، وقالت في تصريح لنون بوست،” هذه الاتهامات مردودة على أصحابها وإذا كان هناك من هو مضرورة من هذا التعطيل فهو نداء تونس الفائز بالانتخابات الأخيرة والعاجز عن تنفيذ برنامجه الانتخابي بسبب هذا التأخير.”
وسبق لرئيس المكتب السياسي لحركة النهضة، نورالدين العرباوي، أن قال في تصريحات صحفية سابقة، “إن أكبر خطأ يمكن أن يقع فيه التونسيون، هو عدم تنظيم الانتخابات البلدية خلال هذه السنة”، مؤكدا أن “هذا الاستحقاق يمثل أولوية الأولويات بالنسبة إلى الحكومة والأحزاب السياسية والفاعلين في المشهد العام وكل المواطنين، لا سيما بعد مرور 6 سنوات على الثورة، وبالنظر إلى تأثير هذه الانتخابات على حياة التونسيين وتكريس الديمقراطية المحلية، التي تمثل الحلقة الأهم في مسار الديمقراطية الفعلية”.
مشاركة قوات الأمن والجيش في الانتخابات، محور الخلاف
تعطل المصادقة على مشروع قانون الانتخابات البلدية، أرجعه عديد الخبراء إلى خلافات بين أحزاب في البرلمان خاصة حركتي النهضة ونداء تونس حول مشاركة قوات الأمن والجيش في تلك الانتخابات. وفي هذا الشأن قالت هالة عمران لنون، “الخلاف حول منح الأمنين والعسكريين الحق في التصويت هو سبب تعطيل الانتخابات، الأمر الذي يستدعي ضرورة التوافق للمصادقة عن هذا القانون. وجدّد عمران اصرار حزبها على مشاركة قوات الأمن والجيش في الانتخابات المحلية، وأرجعت دفاع نداء تونس عن منح الأمنين حق التصويت في الانتخابات إلى كون هذه الفئة تتمتع بحق المواطنة ومن حقهم اختيار ممثليهم في المجالس البلدية كباقي فئات الشعب.
ويعتبر اتحاد نقابات قوات الأمن التونسي أن تمكين الأمنيين من الانتخاب هو “حق”. وفي وقت سابق قال الناطق باسم اتحاد نقابات قوات الأمن التونسي عماد بلحاج خليفة، إنّ “الاتحاد لن يتنازل عن هذا الحق وسيستخدم كل الوسائل القانونية المتاحة وأشكال النضال النقابية لتحقيق هدف الأمنيين في ممارسة المواطنة.” وعلى مدى عقود حافظت المؤسستين الأمنية والعسكرية في تونس على حيادهما تجاه الأوضاع السياسية في البلاد، وخاصة خلال الثورة التي أطاحت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، حيث قرر الجيش الالتزام بحماية البلاد.
ما فتئت حركة النهضة تؤكّد عدم موافقتها على منح الأمنيين والعسكريين حق الانتخاب
في مقابل ذلك قال المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي لنون، “أرى أنه ربما يكون من المفيد تحييد المؤسسة الأمنية والعسكرية عن العمل السياسي وتأجيل مشاركتهم في الانتخابات إلى مرحلة أخرى لأن العسكريين والأمنيين لهم خصوصية وخاصة في هذا الضرف الذي يفرض عليهم التفرغ لمحاربة الجماعات الارهابية وقد تكون لمشاركتهم في هذه الانتخابات تأثيرات سلبية كبيرة،” حسب قوله.
وما فتئت حركة النهضة تؤكّد عدم موافقتها على منح الأمنيين والعسكريين حق الانتخاب، وذلك بسبب ضرورة حيادية المؤسستين الأمنية والعسكرية بعيدًا عن الشأن السياسي. وينصّ الفصلان 18 و19 من الدستور التونسي، على أنّ الأمن “جمهوري محايد للسلطة المدنية ولا يمكن الزج به في الحملات الانتخابية، خاصة وأنه من الأسلاك الحاملة للسلاح.” وفي وقت سابق، تم توجيه طلب إلى الحكومة لتحديد موقفها بخصوص تغيير مشروع القانون في اتجاه يسمح بمشاركة قوات الأمن والجيش في الانتخابات، ما يستوجب تقديم جملة من الفصول المتعلقة بكيفية المشاركة والتصويت والحملة الانتخابية.