ترجمة وتحرير نون بوست
في الواقع، هناك العديد من القواسم المشتركة بين كل من المملكة العربية السعودية وباكستان، إذ تعتبر كل منهما نفسها في طليعة العالم الإسلامي، فضلاً عن أن كلتاهما تحتضن شعوبًا ذات أغلبية سنية، وعلى الرغم من أوجه التقارب بينهما، كلا البلدين يكافحان لتوطيد علاقاتهما العسكرية.
وفي هذا الإطار، أعلن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في كانون الأول/ ديسمبر سنة 2015، عن قيادة الرياض لحلف عسكري يضم العشرات من الدول المسلمة، وكخطوة لمد جسور التواصل بين المملكة وباكستان، أعلن الأمير سلمان عن ضمّها إلى قائمة دول التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة، وفي الوقت الذي أثار فيه هذا القرار استغراب العديد من الباكستانيين، لم تمتنع الحكومة الباكستانية عن المشاركة في هذا التحالف وإقحام جيشها في التزام بقضية خارجية جديدة.
وفي المقابل، نشرت إسلام أباد يوم الأربعاء، بيانًا مثيرًا للجدل، جاء فيه أن “رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال رحيل شريف، سيرفض قرار تعيينه لقيادة التحالف العسكري الإسلامي، في حال بقيت إيران خارج قائمة الدول المشاركة في الحلف العسكري”.
تعد أولويات باكستان السياسية والأمنية عائقًا فعليًا أمام حاجة الرياض لإرساء وضبط أسس وقواعد التحالف، الذي لن يسهل فقط عمليات القتال ضد الجماعات المتشددة مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، بل سيساعد أيضًا على التصدي لإيران
وعلى مر السنين، وجدت باكستان نفسها محاصرة، وفي علاقة مد وجزر مع قطبي السلطة الإسلامية، السنية والشيعية، نظرًا لأنها تقع شرقي كل من إيران والمملكة العربية السعودية، علاوة على ذلك، تعكس باكستان الصعوبات التي تواجهها الدول المسلمة في الحفاظ على سمة الحياد، خاصة عندما يتعلق الأمر بالرياض وطهران.
ومن الواضح أن التحالف العسكري الإسلامي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، يعتبر من بين آخر التحديات التي تواجهها باكستان في محاولتها للتوفيق بين كلا الطرفين.
عمومًا، يتمثل المغزى الرئيس للتحالف الإسلامي العسكري إلى حد كبير في العمل على مكافحة الإرهاب، لا سيما في مناطق النزاع وبؤر التوتر في العالم العربي الإسلامي، بما في ذلك العراق وسوريا واليمن وليبيا.
وفي هذا السياق، تعتبر الرياض أن إيران السبب الجوهري وراء حالة عدم الاستقرار في المنطقة والراعي الرسمي للصراع الطائفي فيها، وبالتالي، فإن جهود المملكة لبعث تحالف الإسلامي تنطوي على رمزية ضمنية تتمثل أساسًا في بناء جبهة موحدة ضد طهران، منافسها الإقليمي.
ومن ناحية أخرى، فإن انضمام باكستان لهذا التحالف، سيضعها في موقف حرج مع إيران، ففي حين تعجز باكستان، ثاني البلدان المسلمة من حيث عدد السكان، عن إدارة ظهرها لبلاد الحرمين الشريفين، لا يمكنها أيضًا أن تخاطر بعلاقاتها مع إيران، المتاخمة لحدودها.
وعلى الرغم من القواسم المشتركة التي تجمع بين باكستان والمملكة العربية السعودية، فإنها تتقاسم بدورها مع إيران العديد من الروابط الثقافية واللغوية والدينية، بالإضافة إلى ذلك، تحتضن باكستان ثاني أكبر نسبة من الجالية الشيعية في العالم، على الرغم من كونها بلدًا ذا أغلبية سنية، وبالتالي، فإن الحفاظ على سلاسة العلاقات مع إيران، موطن أكبر عدد من الشيعة في العالم، تمثل أولوية قصوى بالنسبة لإسلام أباد.
وفي الوقت الراهن، تعد أولويات باكستان السياسية والأمنية عائقًا فعليًا أمام حاجة الرياض لإرساء وضبط أسس وقواعد التحالف، الذي لن يسهل فقط عمليات القتال ضد الجماعات المتشددة مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، بل سيساعد أيضًا على التصدي لإيران.
على الرغم من القواسم المشتركة التي تجمع بين باكستان والمملكة العربية السعودية، فإنها تتقاسم بدورها مع إيران العديد من الروابط الثقافية واللغوية والدينية.،بالإضافة إلى ذلك، تحتضن باكستان ثاني أكبر نسبة من الجالية الشيعية في العالم
وفي المقابل، أصابت خيبة أمل كبيرة صفوف القادة السعوديين، نتيجة لإصرار باكستان على ضم إيران إلى التحالف، في الوقت الذي تواجه فيه المملكة صعوبة في إقناع الدول العربية الأخرى بضرورة الانضمام إلى هذا الكيان الجديد، بما في ذلك لبنان ومصر وأحدث الأعضاء عمان.
وبعيدًا عن التقارب الديني، تتشاطر السعودية وباكستان العديد من المعطيات التاريخية، التي قد تساعد الرياض على إقناع إسلام أباد بالمشاركة في التحالف، ففي سنة 2000، فتحت المملكة العربية السعودية أبوابها أمام رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، بعد الإطاحة به عن طريق انقلاب عسكري، واستضافته في أراضيها لعدة سنوات، ومنذ ذلك الحين، لم تنس الرياض المعروف الذي يدين به نواز شريف، للمملكة مقابل كرمها وحسن ضيافتها له، والجدير بالذكر أن نواز شريف قد عاد إلى منصب رئاسة الوزراء في سنة 2013.
وتعتبر باكستان، القوة النووية الوحيدة الرسمية في العالم الإسلامي وصاحبة سادس أكبر جيش في العالم، فخرًا ومكسبًا لأي تحالف عسكري، وعلى الرغم من مساعي السعودية لنيل الدعم العسكري الباكستاني في اليمن، الذي يعد من بين المطالب التي تردد صداها على مسامع جل أعضاء التحالف، فإن إسلام أباد رفضت الانخراط في التدخل العسكري في اليمن بأي شكل من الأشكال.
وفي الحقيقة، رفضت باكستان المشاركة في التدخل العسكري في اليمن، لعدة أسباب، إذ إن جيشها موزع في مختلف مناطق البلاد ومنهمك في عمليات مكافحة الإرهاب في المناطق القبلية في الشمال الغربي لباكستان، وفي الوقت ذاته، يعد السهر على حماية البلاد من التهديدات المحتملة على طول حدودها مع الهند، من الأولويات الأخرى التي تمنع باكستان من المشاركة في هذه العملية.
ومن ناحية أخرى، صوت البرلمان الباكستاني بالإجماع ضد إرسال قوات الجيش الباكستاني إلى اليمن في سنة 2015، حتى تتجنب بذلك إسلام أباد مرة أخرى الإقدام على خطوة قد تضع علاقتها مع طهران على المحك.
ومع ذلك، تشير مصادر “ستراتفور” إلى أن نواز شريف، يؤيد تعيين رحيل شريف، لرئاسة التحالف السعودي كجزء من خطة استرضاء الرياض، ومن الملفت للنظر أن نواز شريف قد عبر عن تأييده لمثل هذا القرار في حين أنه يعلم علم اليقين أن رحيل شريف، لن يقبل بمثل ذلك المنصب.
ومن البديهي أن تبحث المملكة العربية السعودية عن مرشح آخر لهذا المنصب من بين دول الحلف، بما أن الجنرال شريف قد طالب مؤخرًا بضم إيران إلى التحالف.
رفضت باكستان المشاركة في التدخل العسكري في اليمن، لعدة أسباب، إذ إن جيشها موزع في مختلف مناطق البلاد ومنهمك في عمليات مكافحة الإرهاب في المناطق القبلية في الشمال الغربي لباكستان، وفي الوقت ذاته، يعد السهر على حماية البلاد من التهديدات المحتملة على طول حدودها مع الهند، من الأولويات الأخرى التي تمنع باكستان من المشاركة في هذه العملية
وفي الوقت الراهن، تحاول المملكة العربية السعودية فرض دورها القيادي على بقية دول العالم الإسلامي، وستسعى لتحقيق هذا الهدف حتى لو اضطرها الأمر إلى الوقوف في وجه العديد من الدول على غرار إيران وباكستان، التي تحاول كلاهما تحقيق نفس الغاية.
وفي الوقت ذاته، تعتبر الجهود التي تبذلها الرياض لتشكيل تحالف ضد طهران، مخاطرة جسيمة إذ قد تؤدي إلى تنفير بقية حلفائها من بين أعضاء التحالف العسكري الإسلامي،
وبغض النظر عن العلاقات التي تربط المملكة العربية السعودية بشركائها في العالم الإسلامي، وعن حجم الحوافز التي قدمتها والتي ستقدمها لحلفائها، فإنه لا يمكن للدول المسلمة أن تغير من أولوياتها من أجل التوافق مع منهج المملكة العربية السعودية.
ومن ناحية أخرى، أصبح جليًا أن الالتزام بالانخراط في التحالف العسكري مع المملكة، قد تحول إلى عملية مكلفة للغاية خاصة بالنسبة لبعض شركائها المحوريين، في إطار تعاضد هش لتحقيق هدف رمزي بحت.
المصدر: ستراتفور