تذكرتُ كلمة “تماحيك” لما وجدتُ مواقع التواصل الاجتماعي تزيد وتُعيد في صحيح وصف الصيدلي في مصر بلادي، وهل هو مستحق بالفعل للقلب دكتور، ولأنني عهدتُ على مدار نحو ثلاث سنوات ونصف السنة أنه ما من مادة للسخرية، تقريبًا، على صفحات أصدقاء حقيقيين وفي العالم الافتراضي، إلا ووراءها طاغية مصر الأخير، فقد رحتُ أبحث عن فيديوهات له عن الصيادلة، وبعد قليل أدركتُ أن التهمة ليست في محلها هذه المرة، وأن “الاشتغالة” الخاصة بالصيدلي ولقب الدكتور وعدم جواز الوصف الأخير على الأول، بل يُسجن لمدة سنتين كل مَنْ يُطلقه، ورائها شخص آخر هو الدكتور خالد سمير عضو مجلس نقابة الأطباء.
وكأن أسباب السجن ضاقتْ عن عشرات الآلاف من أهالي بلدي الأبرياء الراغبين في تقدمها، فلم يبق إلا سجن الذي يقول للصيدلي “يا دكتور”، مع عدم توضيح اللقب القانوني الذي لا يُسجن صاحبه وينبغي أن يُنادى به الصيدلي، وبالتالي فهل الأستاذ الجامعي يُجرم إذا عرف نفسه على أنه دكتور؟ إذ إن اللقب الأخير لا يُطلق إلا على خريج كلية الطب، بحسب رأي عضو بنقابة الأطباء، الذي أنكرته نقابة الأطباء في يوم الخميس 29 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، دون تحقيق مع صاحبه.
معنى تماحيك في “تاج العروس”، أحد أقدم كتب اللغة، (وقِيلَ: المَحْكُ: التَّمادِي في اللَّجاجَةِ عند المُساوَمَةِ والغَضَب ونَحْوِ ذلك)
وكان من طريف المقادير أنني وجدتُ فيديو لقائد الانقلاب يتحدث فيه مع شاب مسؤول عن الصيادلة، والأخير يطالبه ببدل للعدوى يزيد عن الدولار الواحد شهريًا الذي يأخذه وزملاؤه الذين يبلغ عددهم نحو 200 ألف مصري، ثم يستشهد برواتب ضباط الشرطة والجيش، بالإضافة إلى القضاة، فما كان من قائد الانقلاب إلا أن قاطعه، صامتًا لثوان بعد المقاطعة، ثم مهددًا الشاب بالمحاسبة عما يقول، ثم قال، بعد حين: لماذا تظنني أو أصغر مسؤول في الدولة نرفض أن نعطيك ما نستطيع إعطاؤه؟ أهي “تماحيك” مثلًا؟ أم رغبة في اللجاج؟
وقبل أن يتمادى الرجل في “أسطوانة” لا أملك أن أعطيك، وليس “لا أريد”، تذكرتُ المقولة العربية التي ذهبتْ مثلًا: “يأبى المسيء إلا أن يقول خذوني”، فالسيسي يعترف أنه يتعنت، ويفتعل التماحيك لكي لا يعطي المصريين حقوقهم، ولما نظرتُ في “معاجم اللغة” عن معنى الكلمة الأخيرة، وجدتُ أنها عربية أصيلة، فهمها قائد الانقلاب على حقيقتها، رغم قلة علمه باللغة، وأخطائه فيها التي لا تعد ولا تحصى، حتى ثار عليه محبوه عقب خطاباته الأولى، إذ كانت أخطاء اللغة تتعدى المئات، بعكس بيان الانقلاب الذي أذيع في 3 من يوليو/ تموز 2013م، الذي يبدو أن السيسي تم تدريبه وتأهيله له على أعلى مستوى، ومن ذاك التدريب اللغُوي!
المهم أن معنى تماحيك في “تاج العروس” أحد أقدم كتب اللغة (وقِيلَ: المَحْكُ: التَّمادِي في اللَّجاجَةِ عند المُساوَمَةِ والغَضَب ونَحْوِ ذلك)، فقلتُ في نفسي: صدقتْ اللغة ومعاجمها، وكذب السيسي فإنما هو “مماحك”!
قال قائد الانقلاب إلى إحدى المجلات الأمريكية “نيويوركر” منذ أيام، إنه انزعج من مرأى الدماء في مجزرة رابعة المُسماة إعلاميًا “فض رابعة”، وزوجته أصيبت بالغثيان، أليست هذه تماحيك بالغة الوضوح؟! وأين من الكلمات السابقة، وادعاء “الْمَسْكَنَةُ” ما تناولته تقارير عقب 14 من أغسطس/ أب 2013م من أن السيسي نفسه هو الذي أشرف على “مجزرة رابعة”، بل أين ما قاله السيسي نفسه في أحد خطاباته الأخيرة من تذكيره للإخوان بالمجازر التي ارتكبها في حقهم، ذاكرًا إياها بالتواريخ، ومنها مجزرة رابعة!
على أنه لولا الإعلام، ما أفلحت الرصاصة التي استقرت في أجساد آلاف المصريين، أو بمعنى أصح إن الكلمة الباطلة المُضللة في حق السيسي ضللت ملايين المصريين وساعدت مشاركة الرصاصة التي اغتالت البعض بالموت، وإلا فماذا نُسمي تسبيح الصحف القومية أو الحكومية المصرية ذات الاسم المُضلل، بحمد لفتات السيسي الإنسانية آناء الليل وأطراف النهار حتى وصل الأمر إلى مبالغة جريدة في النفاق حتى لتقول منذ أسابيع قليلة إن السيسي وهو ذاهب إلى صلاة الفجر، لمح وهو في السيارة قطة مختبئة خلف إطار سيارة أخرى، لمحها وهي خلف الإطار، فغادر الموكب والحرس الذاهب معه إلى صلاة الفجر، ليذهب حيث القطة ليدفئها، خلف عباءته المُهداة إليه من الأراضي الحجازية، ثم يصطحب القطة إلى أحد محلات القاهرة الشهيرة ببيع طعام القطط، وكان المحل فاتحًا أبوابه قبيل صلاة الفجر، ليشتري لها طعامًا وصغارها، مُطعمًا إياها بنفسه، ومن بين يديه، حتى انتبه الناس من حوله في الشارع فكبروا ثلاثًا، وهللوا ثلاثًا، وحيّوا مصر ثلاثًا، ثم ذهب الجميع جماعة إلى صلاة الفجر!
قال قائد الانقلاب إلى إحدى المجلات الأمريكية، “نيويوركر” منذ أيام، إنه انزعج من مرأى الدماء في مجزرة رابعة المُسماة إعلاميًا “فض رابعة”، وزوجته أصيبت بالغثيان
بمثل هذه السخافات ينتهز حكام فجرة قتلة ظلمة، عقول ووجدان المصريين ليقلبوا لهم الصورة في ميراث من “التماحيك” للدفاع عن الظلمة منذ الفراعنة وصولًا إلى جمال عبد الناصر الذي قيل عنه الزعيم المُلهم، وحتى بعد هزيمة 1967م المريرة، وقوله عن نفسه وأتباعه: لماذا يصدقنا الناس بعد ما فعلناه بهم؟ فإذا بالإعلام مع الفسدة من بطانته يحشدون الناس للهتاف باسمه في الشوارع، ويقلبون الهزيمة إلى نكسة وينادونه بالبقاء في الحكم إلى ما لا نهاية لولا سبق كلمة الله إليه.
ومن بعده جاء السادات ليُسمى بالزعيم “المؤمن”، رغم سجنه بعض علماء الدين في آخر حياته، ووصف أحدهم بـ”الكلب”، وتحريفه أحد آيات الذكر الحكيم ونسبة قول رب العزة فيها إلى نفسه، ثم جاء مبارك ليقال له في يوم ميلاده (4 من مايو/ أيار) إنه يوم ميلاد مصر، وبسبب حكمته وعبقريته في جميع المجالات لما بقيت مصر متقدمة في خطوها حتى على رئيس الولايات المتحدة، ومَنْ ينسى صورة جريدة “أهرام” أسامة سرايا المتدخل بها بالفوتوشوب في سبتمبر/ أيلول 2010م في محاولة إحياء عملية السلام في شرم الشيخ ليبدو مبارك سابقًا لأوباما ونتنياهو وغيرهما؟ ولما سُئِلَ رئيس التحرير عن تزوير الصورة قال: إنها تعبيرية لبيان دور مصر في إحياء عملية السلام، وكانت الصورة قبل خلع مبارك بأشهر قليلة.
فإلى متى يستمر الإعلام المصري الرسمي في رحلته مع “التماحيك” وتزوير الحقائق لخدمة الطغاة؟!