أعلنت نقابة العمال الأتراك، أمس الأربعاء 23 أغسطس/آب، عن مشروع لدعم حقوق العمال السوريين في تركيا وتنظيم واقعهم الوظيفي، في لقاء تعريفيّ عقدته بإسطنبول ودعت إليه وسائل إعلام عربية وقادة رأي أتراك وعرب، وحضره مراسل “نون بوست”.
اللقاء بحث التحديات التي تواجه الأيدي العاملة السورية في تركيا من حيث أوضاعهم القانونية والانتهاكات التي قد يتعرضون لها من أرباب العمل، وقدم رؤية المشروع وأهدافه التي يرمي للوصول إليها خلال 3 سنوات وهي المدة المحددة للمشروع.
واستهلت رئاسة نقابة العمال الأتراك اللقاء بإبدائها الرفض القاطع لخطاب العنصرية المتصاعد تجاه اللاجئين السوريين الذي يغذيه بعض الساسة الأتراك، معربًا عن أسفه من ظواهر الكراهية والتحريض التي استهدفت اللاجئين السوريين خلال فترة الانتخابات الرئاسية.
ويستهدف المشروع العمال السوريين في قطاعات النسيج والجلود والألبسة الجاهزة في كلٍ من ولايتي إسطنبول وعنتاب كمرحلة أولى كونهم يشكلون النسبة العظمى من اليد العاملة السورية في ميادين القطاعات الصناعية والحرف في تركيا، وسيكون المشروع تحت إشراف وزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية وبالتعاون مع منظمة 3F الدنماركية.
التفاصيل
يعد المشروع الأول من نوعه بعد مرور عقد على دخول اليد العاملة السورية إلى سوق العمل التركي الذي شهد حالة من الفوضى وعدم التنظيم في كل ما يتعلق بحقوق العامل السوري، بحسب ما ذكر رئيس نقابة العمال الأتراك، مضيفًا أنه سيتناول كل ما يتعلق ببيئة العمل الوظيفية للاجئ السوري من إصابات أو حالات وفاة أو تعويض.
وسيركز المشروع بشكل أساسي على 4 مسارات للوصول إلى أهدافه من خلال هذا المشروع، يمكن تلخيصها كالتالي:
– دعم اللغة العربية: من خلال نشر التشريعات والحقوق التي يجب على العامل اللاجئ السوري معرفتها باللغة العربية، بعد ملاحظة النقابة من خلال عملها الميداني وجود هوة كبيرة فيما يتعلق بالتواصل والتنسيق بين النقابات والهيئات العمالية مع السوريين.
– توضيح الحقوق القانونية: سيقدم المشروع استشارات قانونية للعمال السوريين الذين قد يواجهون مشكلات في أماكن عملهم، وسيُتيح فرصة توكيل محامٍ لمتابعة القضايا العالقة أو الجديدة، فضلًا عن استقبال جميع الشكاوى.
– التوعية: من خلال نشر المعلومات الحقوقية التي تضمن الأمان الوظيفي للعامل السوري على وسائل التواصل الاجتماعي العربية وإعداد بيانات وإحصاءات عن اليد العاملة السورية، بالإضافة إلى التوعية بمفهوم النقابة وأنشطتها وكيفية الانضمام إليها.
– التنسيق مع الجهات السورية الفاعلة: عقد لقاءات مع منظمات المجتمع المدني السورية والتركية لطرح قضايا العامل السوري وتوصيف المشكلات وبحث مقترحات لحلها.
تحدث مدير المشروع، خلوق دينيز ميديت لـ”نون بوست” عن وجود ضعف كبير في مجال الاستجابة لمشاكل العمال في تركيا، مستدركًا أن نقابة العمال أهم جهة يمكنها تغطية هذا النقص دون التفرقة بين الجنسيات طالما أن العامل التركي والسوري يتشاركان المشكلات نفسها التي تُحل بالطرق ذاتها.
الخوف.. حاجز بين النقابة والعمال السوريين
تنامي خطاب الكراهية ضد السوريين في تركيا وتفاقم الانتهاكات ضدهم، وعدم جدية الحكومة التركية بمحاسبة المسؤولين عن كل ما سبق، ولّد لدى العمال السوريين حالة من التردد بشأن مدى عودة مثل هذه المشاريع بالنفع عليهم.
يرى مدير المشروع أن من أهم العوائق التي تحول دون تنفيذ المشروع كما يجب هو خوف السوري من أن يصدر قرار ضده في حال تواصل أو نسّق مع إحدى النقابات أو الهيئات العمالية التركية كقرار الترحيل مثلًا.
ويؤكد الناشط الحقوقي المتخصص بقضايا اللاجئين طه الغازي في حديثه لـ”نون بوست”، الكلام السابق بقوله: “المشكلة الأساسية التي تعاني منها نقابة العمال والناشطون في مجال الحقوق أن اللاجئ السوري عندما يتعرض لأي انتهاك يخشى تقديم شكوى أو حتى الإبلاغ عن الانتهاك الذي تعرض له، لأنه قد يتعرض للتوقيف، وهذا ما يمنع حل مشكلاتهم العالقة أو توثيق الانتهاكات المرتكبة بحقهم.
وفي إطار تبديد مخاوف العمال السوريين، يشدد ميديت على أن نقابة العمال الأتراك مؤسسة قانونية وتعمل وفق الدستور التركي والانضمام إليها يكون عبر تطبيق “E- Devlet” الحكومي، مضيفًا أن النقابة تحافظ على سرية البيانات التي تحصل عليها ولا يمكن أن تشاركها مع أي جهة، وفي حال وجود مخاوف لدى أي عامل من إبراز هويته تمنح النقابة الفرصة للقاءات عن بعد مع إخفاء المعلومات الشخصية.
غياب المجتمع المدني السوري
اللافت أن مشاركة منظمات المجتمع المدني السوري في اللقاء كانت قليلة، وفي هذا الصدد قال الغازي: “إن كان هناك تخوف لدى المؤسسات والمنظمات السورية بالتنسيق مع نقابة العمال كونها مقربة من المعارضة، أنا أرى بأن هذا التفكير يجب أن يلغى ويجب التخلص منه كمؤسسات وهيئات سورية”.
أكد القائمون على المشروع أنهم التقوا بنائب الرئيس التركي جودت يلماز ووزير العمل وداد هاكان إيشيق قبل إطلاق هذا المشروع وأن الجهات الحكومية على اطلاع وإشراف على حيثيات المشروع.
ويرى الغازي أن رفض جهة التنسيق مع أخرى لأنها تتبع لتيار معين “أكبر طامة وخطأ ترتكبه المؤسسات السورية، لأن قضية العامل السوري إنسانية بحتة وحقوقه جزء من حقوق أي إنسان، لذا يجب أن يكون هذا الملف بعيدًا كل البعد عن ميدان السياسة.
وعزا الناشط الحقوقي معاناة اللاجئين السوريين في تركيا خلال السنوات الماضية إلى غياب البيئة القانونية التي تحفظ حقوقهم والمتمثلة بغياب مؤسسات سورية تعمل على التنسيق والتواصل مع كل أطياف المجتمع التركي من أجل إيجاد هذه البيئة القانونية، مشيرًا إلى أن “الخطوة الأهم من إطلاق المشروع هو مدى تقبل وإصرار المؤسسات السورية على التنسيق مع هذه الجهات”.
العمالة السورية في تركيا
في حين لا توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد العمال السوريين في تركيا كون معظمهم يعملون بشكل غير نظامي، تقدّر دراسة لمنظمة العمل الدولية حجم العمالة السورية بنحو 900 ألف سوري، ووفقًا لتقديرات الحكومة التركية يشكل العمال السوريون نحو 2.9 % من إجمالي حجم العمالة في السوق الرسمي وغير الرسمي التركي.
وأظهرت نتائج دراسة أجراها مركز الحوار السوري على شريحة من العمال السوريين في تركيا، أن نسبة كبيرة من العمالة السورية تعرضت للاستغلال في مجال العمل، سواء من أرباب العمل السوريين أم الأتراك، إذ يعملون لساعات طويلة ويتقاضون أجورًا لا تتناسب مع ذلك دون الحصول على تعويض أو الحق القانوني بالإجازات.
وأشارت الدراسة إلى أن السوريين الذين يمتلكون خبرات سابقة لم يستطيعوا نقل خبراتهم إلى سوق العمل التركي وتركزت أعمالهم بالمهن منخفضة أو متوسطة المهارة، ما أدى إلى إعاقة فرصهم في الاندماج السريع واستمرار استنزاف العديد من الخدمات الاجتماعية.
ومؤخرًا وبسبب حملة الحكومة التركية لمحاربة “الهجرة غير الشرعية” التي تخللتها حالات ترحيل قسري للاجئين سوريين، لوحظ تناقص اليد العاملة السورية في السوق التركي وهذا ما وصفه بعض أرباب العمل بالخسارة الكبيرة، إذ أكد رئيس غرفة صناعة أنقرة سيد أرديتش أن إعادة السوريين إلى بلادهم ستسبب مشكلات كبيرة في الصناعة.
“بما أن هناك أحدًا في هذه البلاد يُنتهك حقه، فهذا يعني أن الجميع معرّض لذلك”، هكذا ختم مدير المشروع اللقاء، مؤكدًا أهمية مناصرة حقوق اللاجئين سواء كانوا عمالًا أم غير ذلك.