في تصعيد جديد للوضع في سيناء، أعلن تجمع عدد من القبائل والعائلات السيناوية، في بيان له أمس السبت، رفضه التام لما أقدمت عليه وزارة الداخلية بقتل عشرة شباب من أهالي العريش بدعوى تورطهم في بعض الأحدث الإرهابية التي وقعت مؤخرًا، مهددًا بالعصيان المدني حال عدم الكشف عن الحقيقة.
يأتي هذا التصعيد بعد ستة أيام فقط من استهداف كميني “المطافئ” و”المساعيد” والذي أسفر عن مقتل 8 شرطيين ومدني، وما تبعه من استهداف لبعض العناصر المشتبه في تورطها في هذا الحادث، من أهالي سيناء، وبعضهم ممن تم إلقاء القبض عليه منذ عدة شهور، ما عزز فرضية التصفية المتعمدة لدى قبائل العريش، لتدخل العلاقة بينها وبين الداخلية نفقًا جديدًا من الصدام الذي تراجع حدته الفترات الماضية.
الداخلية ترد على استهداف “المطافي”
أعلنت الداخلية المصرية، في بيان لها، الجمعة الماضية، تصفية عشرة مسلحين من شباب العريش، قد وجهت لهم اتهامات باستهداف قوات الشرطة والجيش، بجانب التعدي على كمينى “المطافئ” و”المساعيد” بالعريش منذ أيام.
يذكر أنه وفي مساء التاسع من يناير الحالس، تعرضت نقطة كمين “المطافئ” بدائرة قسم ثالث العريش بمحافظة شمال سيناء، لهجوم مسلح شارك فيه ما يقرب من 20 مسلحًا، باستخدام قذائف “آر. بي. جي” وسيارة ملغومة، فضلًا عن إطلاق النار من أسلحة آلية ومتوسطة وزرع عبوات متفجرة في نطاق الكمين، حسبما أشار بيان الداخلية.
وقد أسفر الهجوم عن مقتل 7 من رجال الشرطة “أمين شرطة و6 مجندين” إضافة إلى أحد المواطنين الذي تصادف مروره في نطاق الكمين، إضافة إلى إصابة 6 من القوات و6 من المواطنين، ونقل المصابون إلى المستشفى لتلقي العلاج.
قبائل سيناء تهدد بالعصيان المدني
في أول رد فعل لأهالي سيناء على بيان الداخلية بشأن تصفية عشرة من شباب العريش بدعوى تورطهم في الهجوم على كميني “المطافئ” و”المساعيد” اجتمعت كبريات قبائل وعائلات العريش بديوان آل أيوب، مساء أمس السبت، لمناقشة هذا البيان، وقد خلص الاجتماع بثماني قرارات كالتالي: “رفض لقاء وزير الداخلية لأنه خصم للبلد، مطالبة نواب شمال سيناء بتقديم استقالتهم من مجلس النواب، الإفراج الفوري عن المعتقلين والمختفين قسريًا الذين لم تصدر ضدهم أحكام قضائية لأننا لم نعد نأتمن عليهم أحد، التهديد بالعصيان المدني في حالة عدم تنفيذ المطالب، معرفة مصير جثث أبناؤنا الذين صدر باسمهم بيان وزارة الداخلية، فتح ديوان آل أيوب يوميًا لأبناء العريش حتى تنفيذ المطالب، دعوة كل عائلات ودواوين العريش لدعم قرارات المؤتمر تباعًا، تشكيل لجنة لمتابعة قرارات المؤتمر”.
بيان قبائل وعشائر سيناء ردًا على تصفية عشرة من شباب العريش
حقوقيون: مجازر متعمدة
أدانت منظمة سيناء لحقوق الإنسان تصفية الشباب العشر على أيدي قوات الداخلية، مشيرة في بيان لها أنه وبحسب ما تمكنّت من جمعه من معلومات، بعد إجرائها لحوارات وتحقيقات ولقائها مع أقرباء الضحايا ومصادر قبلية، أن المدنيين كانوا معتقلين لدى السلطات الأمنية المصرية منذ مدد طويلة متفاوتة، ولم تستطع عائلاتهم التواصل معهم أو معرفة أماكن احتجازهم التي تم إخفاؤهم فيها قسرًا منذ اعتقالهم.
وتابع البيان: بحسب المعلومات التي تمكنّت المنظمة من جمعها، فإن ما حدث للضحايا يرقى لمصاف المجازر، وتعرب سيناء لحقوق الإنسان عن قلقها البالغ جراء عمليات القتل خارج نطاق القانون التي تنفذها السلطات المصرية ضد سكان سيناء، وعدم تقديم المسؤولين عن حوادث القتل للمحاسبة والعدالة، وتغاضيها عن فتح تحقيقات عاجلة وجادة لإيقاف تكرار هذه الحوادث، وهو ما يعطي الضوء لقتل وتصفية المزيد من المدنيين دون أدنى رادع.
سيناويون: بيان الداخلية “تدليس”
ميدانيًا، أثار بيان الداخلية حالة من السخط والاستنكار داخل الشارع السيناوي، متهمين إياه بـ”المضلل” والساعي إلى “قلب الحقائق” حسبما جاء على لسان بعض أهالي سيناء، حيث قال خالد أيوب، قريب أحد القتلى، في حديث له على الجزيرة مباشر: “الصدمة مروعة علينا فابن عمي عبد العاطي علي عبد العاطي الديب ورد اسمه بين القتلى وهو تم اعتقاله في كمين متحرك بشارع القاهرة بالعريش يوم 8 من أكتوبر الماضي بالعريش وجرى احتجازه في مبنى الأمن الوطني منذ ذلك اليوم ولا نعرف عنه شيئًا، فكيف نصل لهذه الدرجة من التضليل والتلفيق؟ لماذا يفعل بنا الأمن كل هذا، هل السبب أنهم عجزوا عن قتل المسلحين الحقيقين فينتقمون منا؟
وفي نفس السياق قال الناشط الحقوقي وأحد سكان مدينة العريش حازم أسامة على صفحته الشخصية عبر فيس بوك: “ربما تكون هذه المرة هي الأولى التي أقول فيها هذا الكلام سيادة وزير الداخلية، إن ما يقوم به جهاز الشرطة بشمال سيناء ما هو إلا تدليس للواقع فهؤلاء الشباب الذين تم قتلهم على أساس أنهم ينتمون إلى أنصار بيت المقدس كانوا محتجزين لدى جهاز الأمن الوطني وأكبر دليل على هذا الكلام إنني كنت متابع لأحد هؤلاء الشباب والله على ما أقول شهيد، وبالنسبة للسادة الضباط ليس كل من بشمال سيناء إرهابي، وبالنسبة للأصدقاء لو حصل لي حاجة ممكن تكون من كتابتي لهذا البوست والجاني معروف”.
ناشط سيناوي: إن ما يقوم به جهاز الشرطة بشمال سيناء ما هو إلا تدليس للواقع، فهؤلاء الشباب الذين تم قتلهم علي أساس أنهم ينتمون إلي أنصار بيت المقدس كانوا محتجزين لدى جهاز الأمن الوطني
الانتهاكات ضد السيناويين.. عرض مستمر
تحت دعاوى أمنية، تعرض أهالي شبه جزيرة سيناء – شمال وجنوب – طيلة العقود الماضية للعديد من صور الانتهاكات والمضايقات، كونهم مواطنين درجة ثانية، كما وصفهم البعض، فتلك المنطقة ذات الأهمية الجيوبوليتكية الاستراتيجية ظلت طيلة سنوات عديدة خارج حسابات القيادات السياسية منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني 1978.
وقد ساهمت هذه النظرة المتحيزة ضد أهالي سيناء في إحداث شرخ كبير في مفهوم المواطنة لديهم، فضلاً عن إسقاطها من دوائر الاهتمام، مما جعلها فريسة سهلة وأرضًا خصبة لنمو الجماعات المتطرفة، وحين تم النظر إليها من قبل النظام الحاكم كان التنكيل والاعتقالات وهدم المنازل الوسائل التي تقربت بها أجهزة الأمن للسيناويين.
وخلال السنوات الثلاثة الأخيرة بصورة خاصة تعرضت سيناء وأهلها لأشرس حملة من الانتهاكات والمداهمات والعنصرية، رافقها 30 شهرًا من الطوارئ، والمضايقات في الأرزاق والخناق المعيشي، فضلاً عن إلصاق التهم المتتالية بالتواطؤ مع الجماعات الإرهابية المتطرفة، مما دفع بعض المقربين من النظام الحالي إلى المطالبة بـ”نسف” المدينة بالكامل، وهو ما ترك أثرًا سيئًا في نفوس أهالي سيناء، ثم جاءت حادثة الأمس وتصفية عشرة شباب من العريش، لتضاف إلى هذا السجل الأسود لممارسات الداخلية ضد السيناويين.
ساهمت هذه النظرة المتحيزة ضد أهالي سيناء في إحداث شرخ كبير في مفهوم المواطنة لديهم، فضلا عن إسقاطها من دوائر الاهتمام، مما جعلها فريسة سهلة وأرضًا خصبة لنمو الجماعات المتطرفة
الموت يحاصر أهالي سيناء بالقصف المستمر من قوات الأمن
1100 جريمة تصفية جسدية خلال 3 سنوات
تأتي حادثة تصفية عشرة من شباب سيناء، لتضاف إلى سجلات التصفية الجسدية خارج القانون والتي باتت منهجًا وعقيدةً لدى الداخلية المصرية في السنوات الأخيرة، وهو ما كشف عنه مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب في تقريره الذي عنون له بـ”كشف حساب.. عامان من حكم عبد الفتاح السيسي“، حيث تم رصد حالات القتل خارج القانون، الإهمال الطبي داخل السجون، التعذيب داخل المعتقلات، التكدير، عنف الدولة، وغيرها من وسائل انتهاكات حقوق المواطن المصري، في الفترة من 8 من يونيو 2014 وحتى 7 من يونيو 2016.
التقرير أشار إلى 1083 حالة قتل خلال هذه الفترة، 3 منها خلال الـ 206 يوم في 2014، و326 حالة في 2015، و754 حالة في 2016، وبإضافة الحالات التي تم رصدها بعد يونيو 2016 يصبح الإجمالي التقريبي 1100 حالة قتل غير قانوني تمت خلال هذ الفترة.
أما عن أبرز الحالات التي تطرق إليها التقرير كانت كالتالي: الأول من يوليو 2015.. تصفية 9 من جماعة الإخوان داخل شقة بالسادس من أكتوبر، السابع من أغسطس 2015.. تصفية خمسة مواطنين داخل مزرعتهم بالفيوم، الرابع والعشرين من مارس 2016.. تصفية أربعة أشخاص بتهمة قتل الإيطالي ريجيني، الثالث من أكتوبر 2016.. تصفية القيادي الإخواني محمد كمال، ثم الرابع عشر من يناير 2017.. مقتل عشرة شباب من مدينة العريش بسيناء.
التقرير أشار إلى 1083 حالة قتل خلال هذه الفترة، 3 منها خلال الـ206 يوم في 2014، و326 حالة في 2015، و754 حالة في 2016، وبإضافة الحالات التي تم رصدها بعد يونيو 2016 يصبح الإجمالي التقريبي 1100 حالة قتل غير قانوني تمت خلال هذ الفترة
لا شك أن العلاقة بين الدولة بنظامها الحاكم ممثلة في الداخلية والجيش من جانب، وسيناء بقبائلها وعشائرها المختلفة من جانب آخر، باتت على صفيح ساخن، وربما جاء رد الفعل حيال حادثة أمس ليعكس حجم الاحتقان الدفين لدى أهالي سيناء، فماذا لو لم يتحرك الجيش أو أي من مؤسسات الدولة لاحتواء الأزمة؟ وكيف يكون الوضع حال التصميم على المضي قدمًا في تحميل السيناويين مسؤولية الفشل الأمني؟ العديد من المخاوف تفرض نفسها بقوة حال نشوب أي صدام بين الأمن والشعب السيناوي، خاصة في ظل الفوضى الأمنية التي تحياها مصر خلال الفترة الأخيرة والتي تجاوزت 1165 عملية مسلحة في آخر 3 سنوات حسب دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.