كيف استطاع العقل المدبر لهجمات باريس الهروب من المخابرات إلى حد الآن؟

ترجمة وتحرير نون بوست
في الواقع، يتحمل جهاز المخابرات الفرنسي جزءًا كبيرًا من مسؤولية هجمات 13 من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2015، التي أدمت باريس، وبعد هذه الحادثة، ظهرت للعيان عيوب جهاز المخابرات الفرنسي الخارجي، وتبعًا لذلك تم استدعاء مديرها برنارد باجولي، لحضور جلسة استماع خلال سنة 2016، وخضع خلالها للاستجواب من قبل محققين عيّنهم البرلمان، مباشرة بعد الحادثة الإرهابية.
وعن الاتهامات التي نسبت إليه، صرح باجولي مدافعًا عن نفسه أنه لا ينكر أن العملية الإرهابية الأخيرة تعتبر فشلاً ذريعًا للمخابرات الفرنسية الخارجية، لكن لا يخفى عن الجميع أن هذه العملية قد خطط لها خارج حدود البلاد ونظمت في بلجيكا، قبل أن تنفذ داخل التراب الفرنسي، “لسنا المسؤولين الوحيدين عن هذا التقصير، فحتى المخابرات الداخلية تتحمل نصيبها من المسؤولية عن هذه الثغرة الأمنية التي تسببت في كارثة داخل حدود فرنسا”.
ومن جهة أخرى، طالت موجة الانتقادات وزير الدفاع الحالي جان إيف لودريان، الذي أكد أن فرنسا لا زالت في طور فك شفرة تنظيم الدولة، الذي ما زالت طريقة تحركاته أمرًا مبهمًا بالنسبة لأجهزة المخابرات والدبلوماسيين والجامعيين.
وفي هذا الصدد، تساءل عدة مراقبين ونقاد فرنسيين عن “الدور الذي يضطلع به جواسيس وأجهزة استخبارات فرنسا ومدى نجاعتها”، وفي الأثناء، لم يقدم المسؤولون أية إجابة واضحة عن هذا التساؤل.
ومن الواضح أن “ظاهرة الإرهاب” أقوى من أجهزة الأمن الأوروبية والعالمية، والدليل على ذلك، هو ما وقع مؤخرًا في كل من برلين وإسطنبول وبغداد، وعن هذا المعطى، لم يخف بعض المراقبين مخاوفهم من إمكانية تحوّل الانتخابات الفرنسية القادمة، سواء الرئاسية أو التشريعية، إلى مسرح للعمليات الإرهابية بهدف توجيه ضربة موجعة أخرى لفرنسا.
عمومًا، لا يزال هذا البلد الأوروبي على رأس قائمة الدول المستهدفة من قبل تنظيم الدولة، إذ إن توجيه ضربة للديمقراطية في فرنسا خلال الانتخابات القادمة، يعد انتصارًا كبيرًا لهذه الجماعة المتطرفة التي تسعى لإثبات وجودها.
تنافس شديد بين مختلف الأجهزة الأمنية
تعتبر قضية الحرب ضد الإرهاب هاجسًا بالنسبة للحكومة الفرنسية، التي وضعتها على قائمة أولوياتها، وفي الوقت نفسه، تعد أجهزة المخابرات، أحد أهم ركائز هذه الحرب، فمهمتها الأساسية هي مطاردة المشتبه بهم وإحباط العمليات الإرهابية قبل حدوثها، في المقابل، لا زالت هذه الأجهزة تعاني من عدة نقائص رغم نجاحها في إحباط نحو 17 عملية إرهابية في فرنسا، خلال سنة 2016 فقط، وبالتالي فإن البلاد وأجهزة استخباراتها يواجهان تحديات مصيرية.
تشكو أجهزة المخابرات في فرنسا من ضعف تقني أمام تنظيم الدولة، فقد وظف التنظيم “التقنيات الإلكترونية” لخدمة دعايته ونشرها، فضلاً عن أنها تعد سلاحًا أساسيًا لتنفيذ عملياته في كل من سوريا والعراق
في السياق نفسه، تشكو أجهزة المخابرات في فرنسا من ضعف تقني أمام تنظيم الدولة، فقد وظف التنظيم “التقنيات الإلكترونية” لخدمة دعايته ونشرها، فضلاً عن أنها تعد سلاحًا أساسيًا لتنفيذ عملياته في كل من سوريا والعراق، وبهدف دعم استراتيجيته، أحدث التنظيم تطبيقات وبرامج يمكن تحميلها على الهواتف الذكية، بهدف نشر تعاليمه وأفكاره في الوقت الذي تعاني فيه أجهزة الاستخبارات الفرنسية من ثغرات فادحة.
أن عمليات التنصت التي تشرف عليها الأجهزة الفرنسية، لا تتسم بالناجعة، إذ تعجز عن فك شفرة الرسائل الضمنية المتبادلة بين الأشخاص المشتبه بهم
ومن ناحية أخرى، لوحظ أن عمليات التنصت التي تشرف عليها الأجهزة الفرنسية، لا تتسم بالناجعة، إذ تعجز عن فك شفرة الرسائل الضمنية المتبادلة بين الأشخاص المشتبه بهم.
وتعليقًا على ذلك، أكد مسؤول أمني مختص في محاربة الإرهاب لصحيفتي “لوفيف” و”إكسبراس”، أن المشكل الحقيقي الذي تعاني منه أجهزة الاستخبارات لا يكمن في عملية التنصت، وإنما يتجلى أساسًا من خلال عملية التتبع، في المقابل نجحت بعض الدول المحاذية لفرنسا في تجاوز هذه العقبة.
وفي الوقت الحالي، إن السؤال الجوهري الذي أسال كثيرًا من الحبر بشأن هذه المسألة هو “أين العملاء والجواسيس؟”، خصوصًا وأن مصدر نحو نصف المعلومات الاستخباراتية، التي تتلقاها المخابرات الداخلية الفرنسية، هي دول أجنبية لعل أهمها الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من الإخفاقات التي تشوه سجل الاستخبارات الفرنسية، فلا يمكن إنكار أن قوات الأمن الفرنسي نجحت في إحباط عدة عمليات إرهابية، بعد أن تلقت معلومات من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية.
والجدير بالذكر أن هذه الوكالة قد أرسلت للفرنسيين تحذيرًا قبل أيام من هجمات باريس، مفاده أن خلايا تنظيم الدولة في فرنسا بصدد إعداد مخطط إرهابي لتنفيذه في فرنسا.
وفي الوقت الحاضر، لا يمكننا وصف المسؤولين عن مكافحة الإرهاب “بالحمقى”، خصوصًا أمام النجاحات العسكرية التي حققها التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا.
خلافًا لذلك، لا يمكن الجزم بأن الإرهاب وتهديداته ستتوقف، فعلى عكس ذلك، سيبقى هذا التهديد قائمًا، خاصة مع وجود خلايا تابعة للتنظيم قد استقرت داخل القارة العجوز منذ فترة طويلة.
عبد الحميد أبا عود: “الله سبحانه قد أعمى بصرهم”
إن عبد الحميد أبا عود موجود بيننا، تحديدًا في اليونان، ويختفى بين قرابة ثلاثة ملايين شخص وراء اسم مستعار، وفي إحدى المرات، وقع تحديد مكانه في العاصمة أثينا تحديدًا في ميناء “بيرايوس” جنوبًا وفي الحي الشمالي لمدينة ماروسي.
وفي هذه المرحلة، يمكن القول إن اليونان أصبحت “مرتعًا للجواسيس” التابعين للمخابرات الفرنسية والأمريكية والموساد الصهيوني، التي تراقب تحركات أبا عود.
وتجدر الإشارة إلى أن المخابرات الفرنسية استطاعت تحديد موقع مجموعة بأسرها من الأفراد بمدينة “تراب” المحاذية للعاصمة باريس الذين بايعوا تنظيم الدولة والذين يتحركون عن طريق استعمال أسماء حركية مثل “أوباما” “والشلغوم” “وستيف أوستن” “وواغادوغو”.
وتبين فيما بعد أن هذه المجموعة كانت تقاتل سابقًا في سوريا تحت راية تنظيم الدولة ضمن ما يسمى بالكتيبة الفرنكوفونية التي يقودها أبا عود، وحسب مصادر أمنية، فإن اثنين من هذه المجموعة موجودان حاليًا في اليونان، في حين لم يتفطنا إلى أن المخابرات الخارجية الفرنسية تتبع خطواتهم.
وبعد مرور عدة أشهر، نجحت المخابرات الفرنسية في الحصول على عدة معلومات ثمينة وبالغة الأهمية تتعلق بأبا عود، وذلك بفضل مساعدة حلفائها، وفي أعقاب ذلك، نسقت المخابرات مع الشرطة اليونانية عملية تتبع أبا عود، من خلال تسليمهم لأرقام هواتف يحتمل أنه استعمالها، ولتحقيق نتائج ملموسة، طالبت السلطات الأمنية في اليونان ببعض الوقت للتحري عن هذا الرجل.
وفي الوقت ذاته، وضع الأمن البلجيكي رقابة صارمة على شخصين كانا يقاتلان في سوريا قبل أن يعودا للاستقرار في مدينة “فرفيي” البلجيكية،
وحسب تصريحات بعض المحققين فإن الرجلين يعملان تحت قيادة شخص يدعى “عمر” وهو اسم مستعار يستعمله أبا عود، وخلال ليلة 15 من كانون الثاني/ يناير، أيقن البلجيكيون أن عملية إرهابية بصدد الحدوث داخل أراضيهم، خصوصًا بعد التأكد من أن الرجلين قد باركا سابقًا عملية “شارلي إبدو” في فرنسا، بالإضافة إلى ذلك، تلقى هذان العنصران سلاحًا من نوع كلاشنكوف وصل من فرنسا إلى شقتهم في “فرفيي”، قبل أن تعلن وحدات مكافحة الإرهاب البلجيكية عن إطلاقها لعملية أمنية حتى تقتحم الشقة.
أما في اليونان، فقد نجح الأمن في تعقب مكالمة لأبا عود مع تحديد مكانها في ميدان أمونيا المعروف بأنه من أشد الأماكن ازدحامًا في العاصمة أثينا، وكان من المفترض أن تبحث قوات الأمن عن أبا عود داخل هذا الازدحام، تمامًا مثل من يبحث عن إبرة في كومة قش، واقتحمت قوات الأمن الميدان وفتشت بعض المشتبه فيهم، لكن من دون جدوى، فلم تعثر على منفذ هجمات باريس.
وفي أعقاب هذه العملية، تمكن الأمن اليوناني من اكتشاف مخابئ أبا عود، التي تتمثل بالأساس في شقتين مختلفتين قام أبا عود بكرائهما والتواري فيهما عن الأعين، وقد ألقت الشرطة القبض على شخصين آخرين داخل الشقتين.
وفي الأثناء، أكدت عناصر الشرطة أن الأول جزائري الأصل يدعى عمر دماش، ويبلغ من العمر 32 سنة، ويعيش في اليونان منذ عشر سنوات تقريبًا بصفة غير شرعية بعد أن رُفض طلبه في اللجوء سنة 2011، وخرج دماش مؤخرا من السجن بعد أن قضى مدة سبعة أشهر وراء القضبان على خلفية اتهامه في قضية سرقة.
“صورة من هجمات باريس”
وعلى الرغم من أن تاريخ دباش يؤكد أنه من الصعب أن يكون إرهابيًا، فإن هذا لم يشفع له، فقد أتهم بوجود علاقة تربطه بمقاتلي تنظيم الدولة العائدين من سوريا من أجل تأسيس خلايا داخل أوروبا الشرقية.
أما بالنسبة للرجل الثاني، فقد تبين أنه لاجئ سوري معروف لدى السلطات اليونانية باسم محمود محمد، وقد سُمح له سابقًا بقضاء ستة أشهر في اليونان إلى حين النظر في طلب لجوئه، وبعد إلقاء القبض عليه أتهم بالتعاون مع دباش، وإثر الحصول على بصماته، صدم المحققون، إذ اكتشفوا أن بصمات الرجل مطابقة لبصمات مهاجر فرنسي أصيل مدينة “تراب”، وفي مرحلة لاحقة، اكتشف الأمن أن اسم هذا الرجل الحقيقي هو وليد همام، وكان في سوريا، وهو الآن مطارد من قبل الاستخبارات الفرنسية.
وفي سياق آخر، عبّر أحد القضاة عن خيبة أمله أمام تمكن أبا عود من الفرار من قبضة قوات الأمن، التي كانت بصدد الإطاحة به وقريبة جدًا من تحقيق هدفها، ليضاف هذا الإخفاق إلى قائمة هزائم الأمن الأوروبي، وفضلاً عن ذلك، أعطى هذا الإخفاق فرصة أخرى لأبا عود ليحتاط أكثر ويتوارى عن أنظار الأمن الأوروبي.
وفي أعقاب هذه الأحداث، نشر أبا عود، أو كما يسمى أيضًا بأبو عمر البلجيكي، بيانًا عبر الانترنت في 12 من شباط/ فبراير سنة 2015، جاء فيه الخطاب التالي: “لقد أعمى الله سبحانه بصيرتهم، بإمكاني الرحيل في أي وقت للالتحاق بمقاتلي الشام، على الرغم من أنني ملاحق من كل أجهزة الأمن والمخابرات في أوروبا، فصورتي وهويتي أصبحت حديث الشارع، وتذكروا جيدًا، أن بإمكاني البقاء في أوروبا، أخطط وأدبر لعمليات تطال أجهزة أمنكم”.
فابيان كلان أو أبو آدم الفرنسي
بدأت رحلة فابيان كلان خلال سنة 2015، انتقل خلالها مع كل من زوجته “ميلان” وأطفاله الثلاثة مريم وعبديل ونسيم، من فرنسا نحو اليونان بهدف قضاء عطلة أسبوعية في أحضان الطبيعة اليونانية.
وفي الأثناء تغيرت وجهة الرحلة، إذ واصلت العائلة طريقها نحو مدينة ألكسندروبولي التي لا تبعد سوى بعض الكيلومترات عن الحدود التركية،
وخلال هذه الرحلة، اعترض الأمن اليوناني طريق كلان وعائلته، نظرًا لتتبع الأمن اليوناني لرب العائلة، الذي ادعي فيما بعد أنه ذاهب رفقة عائلته في رحلة سياحية دينية، لزيارة بعض المعالم الإسلامية.
وفي مرحلة لاحقة، تبين أن فابيان كلان مسجل لدى أجهزة المخابرات الداخلية والخارجية الفرنسية، مما يسمح للأمن الفرنسي تتبع تحركاته وتحركات المقربين منه وتفتيش حقائبه بعناية خلال سفره.
ويعتبر “السجل المدني” لدى المخابرات أحد أقوى الأسلحة التي يستعملها الأمن الأوروبي خلال مراقبته للمشتبه بهم، فهي تحتوي على أهم المعلومات المتعلقة بالمفتش عنهم أو من تحوم حولهم شبهة الإرهاب.
لكن، كيف وصل فابيان كلان وعائلته إلى الحدود التركية؟ وكيف أصبح على بعد خطوات من سوريا رغم تتبعه من قبل أجهزة الأمن ومعرفة المخابرات بتحركاته؟ هل هو تقصير أمني؟ ما الذي حصل فعلاً؟
اكتشفت المخابرات الخارجية الفرنسية بمساعدة الأمن اليوناني، آثارًا لبصمات فابيان كلان، في فندق بمدينة يونانية تبعد بعض الكيلومترات عن الحدود التركية، والجدير بالذكر أن كلان قد سجن سابقًا بتهمة تسهيل خروج متطوعين للمشاركة في حرب العراق، وقد استغل فترة عقوبته ليؤثر على بعض السجناء وإقناعهم بتبني فكره المتطرف.
ومن جانب آخر، تأكدت المخابرات الفرنسية في شهر كانون الثاني/ يناير سنة 2014، من أن بعض أقارب كلان قد رحلوا من فرنسا نحو سوريا قبل سنة فقط من وصوله لنفس الدولة، ومن بين الذين وصلوا لسوريا من نفس هذه العائلة، نذكر أخاه جون مشال، وأخته غير الشقيقة أميلي، وكذلك أمه التي التحقت ببقية العائلة خلال ربيع سنة 2015.
علاوة على كل ذلك، شاركت عائلة كلان في تدريب بعض الشباب عندما كانوا في تولوز، مسقط رأسهم، ومن بينهم، سعاد مراح شقيقة محمد مراح التي قضت فترة طويلة في سوريا صحبة أبنائها الأربعة، وهي إحدى صديقات أميلي كلان زوجة فابيان.
ومن جانب آخر، غادر فابيان كلان فرنسا خلال شهر شباط/ فبراير سنة 2015، تحديدًا بعد شهر فقط من هجمات شارلي إبدو في باريس، ولم تتفطن أية جهة أمنية فرنسية لمغادرته، واكتشفت قوات الأمن غياب عائلة كلان كلها، عندما اتصلت إحدى المقربات من العائلة لتعلم السلطات بمغادرة فابيان كلان للتراب الفرنسي للحاق بباقي العائلة في الشام.
وفي الأثناء، نجح فابيان كلان في تجاوز الحدود اليونانية نحو تركيا قبل الذهاب إلى سوريا، رغم مراقبة الأمن اليوناني له والتنصت على اتصالاته الهاتفية، في المقابل، تأخرت الاستخبارات الفرنسية كثيرًا قبل أن تطالب بإلقاء القبض عليه وتسليمه بسرعة وترحيله نحو فرنسا.
منذ وصوله للشام، أصبح فابيان كلان قيمة ثابتة في صفوف تنظيم الدولة، وأدرجته أجهزة الأمن الفرنسي ضمن أحد المدبرين والمخططين لهجمات 13 من تشرين الثاني/ نوفمبر
وبعد هذه الأحداث، اتضح للعيان أن السجل الذي تعتمده المخابرات الفرنسية ليس سوى حبر على ورق، ولعل أبرز دليل على ذلك، نجاح فابيان كلان في الوصول إلى سوريا عن طريق البر، على الرغم من الرقابة الأمنية الفرنسية واليونانية المسلطة عليه، وفضلاً عن ذلك، لم تصدر محكمة الجنايات أية برقية جلب أو إيداع في حقه، وهو ما أثار دهشة الكثيرين.
وفي هذا الصدد، تساءل مراقبون عن الأسباب الكامنة وراء تفويت فرصة القبض على كلان، مؤكدين على أن هذا التقصير يعكس النقص الذي يعاني منه الأمن الفرنسي وعدم جاهزيته التامة للتصدي للإرهاب ومحاربته، إذ إن الرقابة وعملية الإيقاف جزء لا يتجزأ من التدابير الأمنية لمحاربة الإرهاب، التي أبدت الشرطة عدم جدارتها في توظيفها في الحالات المناسبة.
راديكالية الشرطة: العدو الداخلي
رجال أمن راديكاليون؟ هل هذه الظاهرة موجودة فعلاً في فرنسا؟
في الحقيقة، تعاني فرنسا خلال هذه الفترة من تفشي هذه الظاهرة الغريبة عنها، بالإضافة إلى ذلك، وقع التعتيم على بعض الأحداث المتعلقة بتطرف رجال الشرطة، وهو ما أقلق أجهزة المخابرات، التي تولي اهتمامًا كبيرًا للتصريحات والخطابات المنشورة على وسائل الاتصال الاجتماعي، التي تدعو لعصيان بعض رجال الأمن.
وفي السياق ذاته، أعلنت المفتشية العامة التابعة للشرطة الوطنية، أو كما تسمى “بشرطة الشرطة”، تكفلها بالبحث والتقصي في هذه الظاهرة، إذ إن هناك مخاوف عن تفشي ظاهرة التطرف بين أعوان الأمن الفرنسي، خصوصًا أن الانتدابات في صفوف هذا السلك ليست بالقدر الكافي، والجدير بالذكر أن هناك اختلال في التوازن داخل الأمن الفرنسي من ناحية التنوع، إذ يتكون من عدد قليل من رجال الشرطة وعدد كبير من خبراء الإعلامية واللغة والبحث الأمني.
ومن بين أكثر الحوادث التي أكدت وجود أعوان أمن فرنسيين متطرفين، تلك التي وقعت خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2014 بين شرطيتين، وخلال هذه الواقعة، رفضت إحدى الشرطيتين التي ترتدي الحجاب أن تخضع إلى الفحص الطبي أمام طبيبة تابعة لإدارة الخدمات الطبية ضمن سلك الأمن، عندما لاحظت رموز لائكيه وعلمانية على قميص الطبيب، واحتجت قائلة: “يوجد الكثير من الأطباء الذين يرتدون الصليب”، وصرحت أيضًا “أرفض أن يفحصني علماني ملحد، أريد على الأقل وجود شخص متدين حتى ولو كان مسيحيًا”.
وخلال شهر كانون الأول/ ديسمبر سنة 2015، كتبت نفس الشرطية بعد خضوعها لفحص طبي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: “أيها المسلون، لقد حان وقت المقاومة، الإسلام هو الحق، هناك الكثير من الصهيونيين الذين قلبوا حياتنا رأسًا على عقب، إنهم مجرد جرذان، كل الأحداث التي عاشتها فرنسا من شارلي إبدو إلى هجمات باريس، ليست سوى فيلم هوليودي بإخراج أمريكي وفرنسي”.
ومنذ شهر شباط/ فبراير سنة 2015، تغيبت هذه الشرطية، التي لم يذكر اسمها، عن العمل بدعوى مرضها.
وفي واقعة أخرى، رفضت شرطية ثانية مصافحة أحد زملائها من الأمنيين الذكور ورفضت خلع حجابها خلال اجتيازها للفحص الطبي، كذلك، لم تتقبل فكرة وقوف دقيقة صمت على أرواح قتلى عملية شارلي إبدو التي كان زميلان من زملائها الأمنيين أحد ضحاياها، وهما أحمد مرابط، وفرانك بنسولارو.
وفي هذا الإطار، علقت الشرطية عن رفضها قائلة إنها لن تترحم على أشخاص أهانوا دينها، ثم كتبت على حسابها في موقع فيسبوك: “أيها المتآمرون والمتآمرات، لست شارلي إبدو”.
وأضافت الشرطية “سوف يحكم الإسلام عاجلاً أم آجلاً في كل شبر من هذه الأرض، وسوف تنتهي قريبًا كل هذه الانتهاكات بحق ديننا”.
وإثر هذه الكلمات، تقدم أحد زملائها بشكوى ضدها لدى إدارة الأمن الوطني الفرنسي، التي أصدرت قرارا بطردها نهائيًا من سلك الشرطة الفرنسية.
المصدر: لوفيف