ترجمة: حفصة جودة
سيكون لموت مؤسس وزعيم جماعة فاغنر في تحطم طائرة بروسيا عواقب هائلة على معظم الأنظمة وقادة الحروب في أفريقيا، كما أنه سيؤثر أيضًا على مئات ملايين السكان والغرب والقوى المتصارعة على النفوذ في تلك القارة.
يعتقد بعض المحللين أن موت، يفغيني بريغوجين، قد يعزز سيطرة الكرملين على أفريقيا، وسط القوى الفاعلة التي كانت معتمدة على شبكة من الشركات الغامضة التابعة لفاغنر والقوات شبه العسكرية، لفرض قوتها وإقناع الآخرين الذين يفكرون في القيام بالأمر نفسه.
تقول إنريكا بيكو، مديرة مشاريع وسط أفريقيا لمجموعة الأزمات الدولية: “ما زلنا بحاجة إلى تحديد المسؤول عن الحادث، لكن ربما يزيد ذلك من قرب قادة أفريقيا من الكرملين، فهو يكشف عن القوة والسيطرة والقيادة التي يقدرها قادة أفريقيا ويرون أنها أكثر فاعلية من الخطابات الرسمية التي تصدرها السفارات الغربية“.
لكن آخرين يعتقدون أن القادة قد يشعرون الآن بأن أصدقاءهم في موسكو ليسوا صامدين، مثلما تفاخر محاوروهم الروس.
خلال السنوات الخمس الأخيرة، تحالف عشرات الحكام والمنافسين الطموحين في الدول الاستراتيجية بأفريقيا، مثل مالي وليبيا والسودان، مع الشيطان، ما سمح لبريغوجين بنشر النفوذ الروسي في أنحاء القارة، مع استخراج كميات هائلة من المعادن الخام المربحة كالذهب والأخشاب، ليجني الكرملين مبالغ طائلة.
وقعت الدول الصغيرة أيضًا تحت سيطرة فاغنر، ما سمح لهذه الجماعة المرتزقة ببناء شبكة تصل الآن من شواطئ البحر المتوسط إلى موزمبيق.
في الأسبوع الماضي، ظهر بريغوجين مسلحًا ببندقية هجومية ومرتديًا زيًّا قتاليًّا في فيديو مصور في أفريقيا، وقالت عدة مصادرة إن بريغوجين كان في مالي، حيث انتشر أكثر من 800 من رجاله لدعم القوات المسلحة المحلية في قتالها ضد الإسلاميين وغيرهم من المتمردين، يأتي ذلك عقب اتفاق مع النظام العسكري في البلاد في ديسمبر/ كانون الأول 2021 بعد انقلاب أطاح بالحكومة الديمقراطية.
أقامت فاغنر علاقة مع أمير الحرب محمد حمدان دقلو المعروف بـ“حميدتي“، ما أدى إلى تصدير كميات هائلة من الذهب
قبل مالي، ربما زار بريغوجين أيضًا بانغي عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث بنت فاغنر أكثر عملياتها نجاحًا وشمولًا، منذ دعوتها إلى تلك الدولة الفقيرة الفوضوية لدعم نظامها الفاسد الجشع بقيادة رئيسها فوستان آرشانج تواديرا قبل 5 سنوات.
في مقابل امتيازات الذهب والخشب، دعمت فاغنر المقاتلين الذين اشتهروا بعنفهم العشوائي ضد المدنيين والمتمردين، نشرت الجماعة أيضًا متخصصين في الاتصالات وبنت مركزًا ثقافيًّا روسيًّا ومحطة راديو، كما تضمّنت المشاريع التجارية إنتاج وبيع الفودكا والبيرة بالإضافة إلى تجارة الألماس غير الشرعية.
عملت فاغنر كذلك على التوسع في الكاميرون وبوركينا فاسو والكونغو الديمقراطية، أما محاولة مساعدة الحكومة في موزمبيق ضد المتمردين الإسلاميين فقد تحولت إلى صراع دموي خطير، لكنها نجحت في السودان حيث أقامت فاغنر علاقة مع أمير الحرب محمد حمدان دقلو المعروف بـ“حميدتي“، ما أدى إلى تصدير كميات هائلة من الذهب.
نجحت فاغنر في ليبيا أيضًا، حيث نشرت آلاف المقاتلين تحت قيادة خليفة حفتر الذي يدير الجزء الشرقي من البلاد.
حتى وقت قريب، أنكر الكرملين أي علاقة له ببريغوجين أو مقاتليه أو رجال أعماله المشبوهين، لكن دور مقاتلي الجماعة البارز في حرب أوكرانيا، ومقتل الآلاف منهم في معركة باخموت العنيفة، ودورهم المتزايد في أفريقيا، دفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الاعتراف بالصلة بهم.
ما زالت موسكو تتطلع إلى أفريقيا لنشر حلفائها في مواجهة الغرب، كما أن الذهب والموارد الأخرى التي تستخرجها شركات فاغنر تساعد روسيا في مواجهة العقوبات التي تضرب اقتصادها
بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها بريغوجين في يونيو/ حزيران الماضي، لم يكن هناك أدلة تذكر على أي جهود فورية للكرملين لفرض سيطرته على شبكات فاغنر وممتلكاتها في أفريقيا.
لكن مع احتمالية موت بريغوجين الآن، يرى المحللون أن الوضع قد يتغير، في ذلك الحادث أيضًا ورد مقتل ديمتري أوتكين، وهو جندي وحشي سابق في القوات الخاصة للنازيين الجدد، وقد لعب دورًا بارزًا في نشر رؤية بريغوجين، كما قيل إن عددًا من عملاء فاغنر المخضرمين كانوا على متن تلك الطائرة.
تقول بيكو: “من المرجح أن تتولى وزارة الدفاع الروسية ومقاولوها العسكريون العمليات العسكرية والاقتصادية لفاغنر“.
يرى الخبراء أن الولاء للقومية الروسية سيساعد في دمج موظفي فاغنر في هياكل جديدة يسعى الكرملين لبنائها
يتفق معظم المراقبين أن فاغنر ناجحة لدرجة لا يمكن للكرملين أن يخسرها، وما زالت موسكو تتطلع إلى أفريقيا لنشر حلفائها في مواجهة الغرب، كما أن الذهب والموارد الأخرى التي تستخرجها شركات فاغنر تساعد روسيا في مواجهة العقوبات التي تضرب اقتصادها.
يقول دينو ماهتاني، محلل مستقل ومراقب مخضرم للشؤون الأفريقية: “إنهم يودون المحاولة والحفاظ على ما حققه بريغوجين، لكن بوضعه قيد المحاسبة“.
وتقول مصادر في طرابلس إن نائب وزير الدفاع الروسي سافر إلى بنغازي هذا الأسبوع، لمناقشة التعاون العسكري مع حفتر الذي بدا منزعجًا للغاية.
ربما لا يتمكن الكرملين ببساطة من تحقيق الانتقال السلس، فرغم الأجور المرتفعة والتعويضات الجانبية المجزية التي قد تحفّز الآلاف من مقاتلي فاغنر والتقنيين ومتخصصي الاتصالات والإداريين في أفريقيا، إلا أن الولاء الشخصي لبريغوجين والالتزام بقوميته الروسية العنيفة كان مهمًّا أيضًا.
يرى الخبراء أن الولاء للقومية الروسية سيساعد في دمج موظفي فاغنر في هياكل جديدة يسعى الكرملين لبنائها، لكن العلاقات الشخصية ذات أهمية كبيرة أيضًا.
تقول علياء الإبراهيمي، الخبيرة في مركز أبحاث مجلس الأطلسي والمضيفة في بودكاست “Guns for Hire”، إنه بتولي روسيا مسؤولية عمليات فاغنر علانية في أفريقيا، فإن الكرملين يشارك في مجازفة عالية المخاطر.
في عام 2018، قتلت القوات الأمريكية في شرق سوريا عددًا كبيرًا من مقاتلي فاغنر في اشتباك مع القوات الحكومية السورية بشأن حقل نفط هام، نفى الكرملين حينها علاقته بفاغنر تجنّبًا لأي خلاف دبلوماسي، لكن الوضع الآن سيكون أصعب.
تقول الإبراهيمي: “أعتقد أنه من الآمن أن نقول الآن إن عبادة الأشخاص انتهت، وقد لا يكون هذا الأمر سيئًا، خاصة عندما تحاول التوسع مع إضفاء الطابع المؤسسي، لكن بوتين الآن يواجه مخاطرة جيوسياسية مع فقدانه عنصر الوكالة، ولا مجال للإنكار الآن، كانت فاغنر فعّالة في مناطق استراتيجية ذات أهمية كبيرة لأمريكا وحلفائها، لذا إن خطر التصعيد أصبح متزايدًا الآن“.