“هذا هو جزء واحد منك، فنحن نتكون من العديد من الأجزاء الأخرى، فالجنسية ليست كل شيء”، كان هذا تعبير عضو من أعضاء فريق “موموندو”، وهو الفريق صاحب موقع “Cheapflights” الخاص برحلات الطيران رخيصة الثمن، والذي عقد مسابقة دولية سُميت برحلة الحمض النووي DNA، التي جمعت قاعدة بيانات الآلاف حول العالم من مختلف البلاد، لعقد مسابقة فيما بينهم عن طريق تحليل حمضهم النووي، واكتشاف أصولهم بالفعل التي تعود لعشرات السنوات أو حتى القرون الماضية.
هل تخيلت أن يكون لك ابن عم منذ قرن مضى، شاء القدر أن تتشاركوا في نفس الجد الأكبر للعائلة التي انحدرت من سلالته لمدة مئة عام وتفرقت في بقاع الأرض المختلفة، لتكون أنت في الدنمارك وهو في العراق ولكنكما شاركتما نفس الأصل الذي نبع منه جذر تلك العائلة؟
قام فريق “موموندو” بتحليل الأحماض النووية للمتسابقين بالتعاون مع شركات الـ DNA، ليقدم تذاكر مجانية لكل من اكتشف أن له ابن عم من دولة أخرى تشارك معه في الجد الأكبر لشجرة العائلة، مع السماح له بتلك التذاكر أن يزور البلاد التي تتشكل منها أسلافه كما أظهرتها نتيجة تحليل الحمض النووي الخاص به.
“نحن هنا لنفتح قلبنا على العالم، ونحتفل بالتنوع الذي نملكه في جميع بقاع الأرض المختلفة، ذلك لأننا لسنا مختلفين عن بعض بهذا القدر الذي يتحدث الجميع عنه”
هكذا كان شعار حملة فريق موموندو المعروفة باسم رحلة الحمض النووي، التي حققت 120 مليون مشاهدة على مختلف المنصات الإلكترونية التي عرضتها، كما سجلت 6 مليون مشاهدة لها في بداية عرضها على موقع يوتيوب وقت نشرها في شهر يونيو في عام 2016، لتنال 7 مليون مشاركة تفاعلية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة تمثلت في التعليقات والإعجاب والنشر على كل من تويتر وفيس بوك ويوتيوب.
إلها، دينماركية من أصل كردي، متعصبة للأكراد وتكره موقف الأتراك منهم، اكتشفت من تحليل الحمض النووي الخاص بها بأن النسبة الأكبر التي تشكل حمضها النووي تعود إلى جينات الأتراك
كانت الفكرة الأساسية التي يركز عليها ذلك المشروع هي أننا كلنا مواطنون عالميون، أي أن عالم منفتح الحدود أفضل من دول منعزلة خلف أسوارها، وأن أيادٍ تنبش في التاريخ من أجل إظهار الحقيقة التي تعمل على اتحادنا أفضل من أيادٍ تطمس التاريخ وتظهر الوجه الأسود منه متمثلًا في العبودية والحروب والاتفاقات المدمرة وملايين الضحايا والجثث جراء الحروب والنزاعات وجرائم الكراهية والعنصرية.
ما تقوم عليه التجربة هو فعل بسيط، يبصق المتسابق في أنبوبة زجاجية صغيرة، تلك التي تحمل أسرار قصة حياته كلها، ومن ثم يعطيها للفريق القائم على البحث ليوصلها للشركات المختصة في فحص وتحليل ذلك الحمض النووي، فنحن نرث ذلك الحمض من أبوينا، 50% من كليهما، وهما كذلك يحصلون على 50% من أبويهما، وهكذا تستمر رحلة الحمض النووي حتى نصل إلى مصدر شجرة العائلة الممتدة عبر القرون.
كارلوس، متعصب لبلده كوبا، إلا أنه يكتشف من نتيجة التحليل، أنه ينتمي لجينات الإسبانيين بنسبة 22%، ويحمل جينات للهنود الحمر بنسبة 17%.
يتمثل التحدي الأكبر في المتسابقين أنفسهم، فهل يريد المرء منا حقًا معرفة ما إن كان عربيًا، أمازيغيًا، أوروبيًا، أو إفريقيًا أم لا؟ لقد تربينا في مجتمعات معينة، حملت معنا تاريخها، قبلناه وارتضيناه حياة لنا، ندافع عنه، بل ومستعدون أن نقييم الحروب من أجله، والآن بتجربة بسيطة ونتيجة لتقدم العلم، يمكنك أن تكتشف أنك لست عربي الأصل على الإطلاق، وأنك محمل بجينات لأجداد ربما هم من أعراق تمقت وجودها على وجه الأرض!
قامت “ناشونال جيوجرافيك” بعرض تقرير مفصل عن أصول الأعراق والجنسيات المختلفة في هذا العالم، عن طريق فحص نتائج تحليل الحمض النووي لـ67 شخصًا من رقع جغرافية مختلفة، وأيضًا من أعراق مختلفة، في محاولة لمعرفة ما أقرب تلك الأعراق مماثلة في الجينات لكل شخص منا في بلده الأم، لتكون النتيجة بأن كل شخص منا يحمل في جيناته 18 عرقًا مختلفًا من مختلف الانتماءات الإقليمية، والتي شكلت الكثافة السكانية الحالية للعصر الحديث.
إذا ألقينا نظرة على العرق المصري، فبحكم مبدأي نجد أن الحضارة المصرية من أقدم الحضارات التي سكنت الأرض، لذا فيجب أن يكون أحفادها فريدين من نوعهم من حيث العرق، بحيث من المنطقي أن يمتازوا بعرق خاص بهم، إلا أن حقيقية تحليل الحمض النووي الخاص بالمصريين بحسب تقرير “ناشونال جيوجرافيك” تقول بأن العرق المصري هو:
خليط من شمال إفريقيا يمثل 67% منه، بالإضافة إلى 17% من عرق العرب، كما يحتوي على 4% من العرق اليهودي، أما النسب المتبقية فكانت 3% بالتساوي ما بين غرب إفريقيا، و جنوب أوروبا وكذلك العرق الآسيوي
وإذا ألقينا نظرة على التاريخ المصري، نجد أنه امتلأ بالهجرة الزراعية منذ آلاف السنوات، بالإضافة إلى مسار هجرة السكان الأقدم للقارة التي عبرت من غرب إفريقيا مرورًا بشمالها ووصولًا بالجزيرة العربية بالاتجاه نحو غرب آسيا، لذا يعود الأصل الإفريقي إلى الهجرات الزاعية التي تمركزت حول نهر النيل تحديدًا، كما يعود العنصر العربي إلى القرن السابع الميلادي وقت ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية ومن بعدها الفتح الإسلامي لمصر، أما العناصر الآخرى فتعود للانفتاح الثقافي والاقتصادي مع جنوب أوروبا وغرب آسيا.
المصدر: ناشونال جيوجرافيك
5% من العرق الألماني هو عرق يهودي
ربما كانت المفاجآت الكبرى الناتجة عن تلك التحليلات، هي أن الأعراق والجنسيات المتطاحنة في الواقع تبدو أنها أقل حدة وخلافًا وأكثر تقاربًا مما نتخيل إذا ألقينا نظرة على الجينات، فهم بالفعل من أصول مشتركة، وجيناتهم لا تبدو شديدة الاختلاف كما هم في الواقع، فإذا ألقينا نظرة على العرق الألماني الذي كان يأمله هتلر أن يكون نقيًا خالصًا للألمان فحسب ولا عرق غيرهم، بحسب تقرير ناشونال جيوجرافيك، يتكون العرق الألماني من 42% من أوروبا الغربية ومنتصف أوروبا، أما النسب الباقية فتوزعت كالآتي:
كانت النسبة الأكبر في صالح أوروبا الشرقية بنسبة 16%، تليها الدول الإسكندنافية، وبعدها بريطانيا وآيرلندا بنسبة 11%، أما المفاجأة الكبرى، كانت من نصيب اليهود.
أثبتت التحاليل أن العرق الألماني يحتوي على نسبة 5% منه تعود إلى جينات العرق اليهودي
علاقة إيران بالدول العربية تعود إلى الجينات
إذا نظرنا على تاريخ الهجرات القديمة في العالم، سنجد ذلك المسار الذي جاء من إفريقيا راغبًا العبور إلى أوراسيا مرورًا بجنوب غرب القارة الآسيوية، حيث استقر البعض منهم في منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، لتكون نماذج جينية فريدة من نوعها على مر التاريخ.
تنعكس كل من الجينات العربية والجينات من جنوب غرب آسيا في الجينات الإيرانية، ليتكون الإيرانيون من 56% من الجينات العربية، و 24% من جينات جنوب غرب آسيا، وتتوزع النسب الصغيرة ما بين شمال وشرق إفريقيا ووسط آسيا، كما نال جنوب أوروبا النسبة الأصغر وهي 2%.
المصدر: ناشونال جيوجرافيك
لبنان ما بين العرب واليهود
بحسب تقرير ناشونال جيوجرافيك، كان لبنان من بين تلك البلاد التي شكلها المهاجرون من إفريقيا والمارين إلى أوراسيا قبل أن يقرروا الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فكانت النسبة الأكبر في جينات اللبنانين تعود إلى العرب بنسبة 44%، إلا أن جينات العرق اليهودي كان لها وجود بارز في تحليل الحمض النووي لمن هم لبنانيو الأصل، فكانت نسبته في الجينات نحو 14% من جينات اليهود المشتتين حول العالم، أما النسب الباقية فتوزعت بشكل نسبي بين شمال إفريقيا بنسبة 11%، وكذلك آسيا وشرق إفريقيا، بالإضافة إلى 5% تعود إلى جينات من جنوب أوروبا.
من الممكن الاطلاع على خريطة الجينات من خلال التقرير كاملًا، إلا أنه لا يوفينا بمعلومات إحصائية فحسب، بل تمتد الأرقام إلى ما هو أعمق من ذلك بكثير، فالأمر ليس بضعة جينات كونت من نكون عليه الآن فحسب، بل هي أعراق وبلاد ارتضيناها تاريخًا لنا، واتخذناها سببًا للقومية التي أدت لكثير من جرائم الكره والعنصرية، فهل أنت مستعد لخوض تلك الرحلة؟