في الوقت الذي تخرج فيه تقارير سياسية واقتصادية عن هبوط مؤشرات عديدة في الاقتصاد التركي في العام الماضي وفي الأيام الأولى من العام الحالي، تخرج شركة أمريكية كبيرة تعلن نيتها الاستثمار في تركيا ضمن هذه الظروف وتقول أنها ستسعى لتوجيه الشركات والبنوك العالمية وشبكتها المالية التي تقدر بـ2 ترليون دولار للاستثمار في تركيا.
ضخ 20 مليار دولار في استثمارات في الاقتصاد التركي
خفضت مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني الدولية تصنيف تركيا الائتماني إلى درجة Ba1 الثلاثاء الماضي وحذرت في تقريرها من تزايد المخاطر المحلية والجيوسياسية وتصاعد الهجمات الإرهابية في تركيا خلال الشهور الأخيرة على الوضع الاقتصادي وأن تلك الأوضاع ساهمت في هروب رؤوس الأموال من تركيا وأضعفت الليرة ورفعت التضخم، كما أكدت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن تركيا بحاجة إلى تدفق عملات أجنبية من الخارج وهناك احتمال بأن تقدم على خفض درجتها الائتمانية في تقريرها الذي سيصدر في 27 يناير/كانون الثاني الجاري.
ومع ذلك كشفت إحدى الشركات الأمريكية وهي ناشيونال ستاندر فايننس أنها تنوي استثمار 20 مليار دولار في تركيا في السنوات الأربعة المقبلة وذكر المدير العام لللشركة أنه من الممكن زيادة قيمة الاستثمارات خلال المرحلة المقبلة بناء على النجاحات التي ستتحقق في السنوات الأولى.
خفضت مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني الدولية تصنيف تركيا الائتماني إلى درجة Ba1
قطاع البنوك والعقارات والطاقة والبنية التحتية تعد من أهم القطاعات التي تنوي الشركة ضخ استثماراتها فيها وأضاف مدير الشركة “ديوك” أن استثمارات شركته ستساهم في حل مشكلة السيولة التي تعاني منها تركيا حاليًا.
الشركة الأمريكية ناشيونال ستاندرد فايننس تعد إحدى الشركات الرائدة في الولايات المتحدة وهي شركة متعددة الجنسية تستثمر في أصول مالية متنوعة حول العالم تبلغ قيمتها 2 ترليون دولار وتمول مشاريعها وأنشطتها من خلال شبكة من البنوك الاستثمارية العالمية الرائدة.
وتعد الشركة مؤسسة رائدة في الاستثمار الأجنبي المباشر وتنشط في أفريقيا وآسيا وأوروبا والهند والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، وتعرّف نفسها أنها مستثمر في البنية التحتية حول العالم ومن بين القطاعات التي تستثر فيها قطاع الطاقة والصناعة والصحة والدفاع والعقارات والتعليم والمواصلات والاتصالات والتطوير الاقتصادي، ومن جملة المشاريع التي تستثمر فيها المطارات، والموانئ، والمصانع، والسفن، والطائرات وأنواع أخرى من المشاريع وتعد استثمارات من النوع الطويل الأمد تتراوح بين 20 – 30 سنة وتترواح قيمة استثماراتها بين 20 – 500 مليون دولار ولدى الشركة علاقات قوية مع صناديق الثروة السيادية والوكالات المالية الحكومية والمؤسسات الاستثمارية.
استثمارات شركة ناشيونال ستاندرد فايننس ستساهم في حل مشكلة السيولة التي تعاني منها تركيا حاليًا
الشركة ومن خلال تصريحات مديرها تسعى لسد العجز التجاري الذي تعاني منه الميزانية التركية والذي يقدر بين 50 – 60 مليار دولار من خلال استيراد احتياجات الخليج العربي من المواد الصناعية والخدمية من تركيا لتسهم بهذا في ضخ العملة الصعبة إلى تركيا وتحسين قيمة الليرة مقابل العملات الأجنبية التي وصف ضعفها بأنه آني وستزول مع الأيام وأن تراجع قيمة الليرة لن يمنع الشركة من القيام باستثمارات في تركيا.
ما وراء اختيار الشركة الأمريكية لتركيا
سبب اهتمام الشركة الأمريكية بالاستثمار في تركيا هو العلاقة التركية الأمريكية والتي من المتوقع أن تكون أفضل من السابق في عهد الرئيس ترامب وتأكد هذا بعد الاتصال الحميم الذي جرى بين الرئيسين أردوغان وترامب، وأن الشركة بنت قرارها في الاستثمار هناك على تحسن العلاقات بين البلدين بعيدًا عن التصنيف الائتماني لتركيا والمشاكل الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
والجدير بالملاحظة أن الشركات الأمريكية الكبرى والتي تملك فروع إقليمية في تركيا كمايكروسوفت وكوكاكولا وغيرها لم تنقل فروعها أو تغلقها عقب كل الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد منذ محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو/تموز الماضي وحتى الآن.
تسعى شركة ناشيونال فاينننس لسد العجز التجاري الذي تعاني منه الميزانية التركية والذي يقدر بين 50 – 60 مليار دولار
ومن وجهة نظر اقتصادية فإن المسثمرين حول العالم يرون في الأسواق الناشئة فرصة كبيرة للاستثمار فيها مجددًا وإعادة الأموال إليها بعد ما يقرب من 3 سنوات من الهروب منها، بسبب الظروف الجيوسياسية المضطربة والتي أثرت على اقتصادات الدول عامة، إذ تشير مؤسسات مالية إلى تحسن فرص الاستثمار في الاقتصاد الناشئة في العام الجاري وخصوصًا بعد ارتفاع أسعار النفط العالمية.
وهناك تحليلات تشير أن الاقتصاد الأمريكي لن يخرج من حالة الركود في فترة الرئيس ترامب، فترامب يواجه مشكلة كبيرة في معدلات الدين العالية التي تقف عند 19.5 ترليون دولار وهو ينوي إنفاق نحو ترليون دولار على البنية التحتية، وارتفاع الدين وبند خدمة الدين من أقساط وفوائد ستكون سببًا في منعه من رفع معدل الفائدة تجنبًا لمصاعفة عجز الميزانية وبالتالي بقاء الاقتصاد الأمريكي تحت وطأة الركود، وهذا سيقود الأموال للعودة مرة أخرى إلى تركيا والأسواق الناشئة الأخرى مجددًا للاستثمار فيها.
ومن هذا الباب فإن استثمار هذه الشركة في تركيا في المرحلة المقبلة سيكون بوابة لعودة الاستثمارات الأجنبية إلى الاقتصاد التركي وتعافي مؤشراته وأرقامه إلى حد معقول من جديد.
استثمار الشركة الأمريكية في تركيا سيكون بوابة لعودة الاستثمارات الأجنبية إلى الاقتصاد التركي في المرحلة المقبلة
كما أن الشركة الأمريكية ستستفيد من العلاقات التركية الخليجية وخصوصًا السعودية وتسهم في الدخول باستثمارات بينية بين تلك الدول وتركيا في مجال الإنشاءات والزراعة وتصدير السلع والخدمات التركية إلى دول الخليج العربي، والاستفادة من صنادق التمويل الخليجية المشتركة مع تركيا في تمويل تلك النشاطات.
ومن جهة أخرى فإن تركيا ترتبط مع الاتحاد الأوروبي بعلاقات اقتصادية تجعل من الشركات الأمريكية القدوم للاستثمار فيها أمرًا مرجحًا، حيث أن 50% من الصادرات التركية تذهب إلى الاتحاد الأوروبي و 40% من الواردات تأتي من الاتحاد و 65% من رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة تأتي من الاتحاد أيضًا كما يشير لذلك وزير الاقتصاد التركي، كما أن تركيا ستصبح مركزًا لتزويع الغاز إلى أوروبا في السنوات المقبلة وهذا يجعلها محط اهتمام العديد من الشركات الكبرى ويقوي من مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية.