في رسالة إلى الكونغرس الأميركي نشرها البيت الأبيض الجمعة أعلن أوباما رفع بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، مشيرًا إلى تطورات “إيجابية” من جانب السودان حدثت خلال الأشهر الستة الأخيرة.
وأشار أوباما في رسالته إلى “تراجع ملحوظ في الأنشطة العسكرية توجت بتعهد بالإبقاء على وقف القتال، وإلى جهود لتحسين عمل المنظمات الإنسانية في البلاد”، كما أشار إلى تعاون الخرطوم مع واشنطن في “التعامل مع النزاعات الإقليمية والتهديد الإرهابي”.
الجديد في هذا القرار ما قاله اليوم وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور حول قرار أوباما أنه تم بـ”التوافق” مع الرئيس المنتخب ترامب والكونغرس
“الحظر” رُفع بوساطة خليجية دفعت “البشير” لشكر السعودية على دورها، الأمر الذي طرح عدة تساؤلات بشأن دور المملكة في رفع العقوبات، وماذا سيعود على الرياض والمنطقة العربية من رفع الحظر الاقتصادي على الخرطوم؟ وهل ستعود السودان سلة غذاء العالم العربي؟ وما مدى إلزامية هذا القرار للإدارة الأميركية الجديدة، لا سيما أنه صدر في الأيام الأخيرة من رئاسة أوباما؟
القرار المفاجئ للرئيس الأمريكي المنتهي ولايته باراك أوباما أمس، برفع العقوبات المفروضة على السودان منذ 20 عامًا، اعتبر تاريخيًا -بالنسبة للسودان. حيث جاء في آخر أيام أوباما، والذي سيغادر البيت الأبيض خلال اليومين المقبلين، فمن المفترض أن يتم تنصيب الرئيس المنتخب الجديد دونالد ترامب في 20 كانون الثاني/يناير الجاري.
لكن الجديد في هذا القرار ما قاله اليوم وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور حول قرار أوباما أنه تم بـ”التوافق” مع الرئيس المنتخب ترامب والكونغرس.
وأضاف غندور في مؤتمر صحفي عقده بمقر وزارته بالخرطوم بمعية وزراء الدفاع والمالية ومدير المخابرات إن “رفع العقوبات جاء بناء على خارطة طريق تم التفاوض حولها خلال الـ 6 أشهر الماضية”. موضحًا أن الخارطة “شملت خمس مسارات وبحثت خلال 23 اجتماعًا عقدت بين مسؤولين سودانيين وأمريكيين بالخرطوم دون أن تتسرب للإعلام”.
رفع الحصار مقابل التعاون بمكافحة الإرهاب
المسارات الخمس وفقا لغندور كانت “تعاون السودان مع واشنطن في مكافحة الإرهاب ومحاربة “جيش الرب” الأوغندي – ميليشيات مسيحية – والمساهمة في تحقيق السلام في جنوب السودان، وكذلك عملية السلام والتوافق في السودان بجانب الشأن الإنساني، من خلال إيصال المساعدات للمتضررين من النزاعات المسلحة بالسودان”.
وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور
ووفقًا للوزير السوداني فقد تم التوصل لاتفاق مع واشنطن حول هذه القضايا “لأن من مصلحة السودان الاهتمام بها”، مضيفًا: “تأكدوا أننا لا ندعم جيش الرب ونريد تحقيق السلام في جنوب السودان ولا ندعم متمرديه وحريصين على مكافحة الإرهاب”.
وأفاد غندور إن “قرار إلغاء العقوبات الاقتصادية سيدخل حيز التنفيذ في يوليو المقبل لكن مكتب أوفاك -مكتب مراقبة الأصول الأجنبية- أصدر رخصة عامة تتيح استئناف المعاملات الاقتصادية على الفور”.
وأشار إلى إن المفاوضات مع إدارة أوباما خلصت أيضا إلى “رفع التمثيل الدبلوماسي إلى درجة سفير -من قائم بالأعمال- لكن بسبب الفترة الانتقالية نتوقع أن تعين إدارة ترامب سفيرا بعد استلام مهامها”.
كواليس الاتفاق
بدوره قال مدير المخابرات محمد عطا إنه التقى مدير المخابرات الأمريكية CIA مرتين للنقاش حول خارطة الطريق كان الأول في أكتوبر 2015 دون أن يكشف عن موعد الاجتماع الثاني ولا مكان الاجتماعين.
وردًا على سؤال بشأن تعرض السودان إلى رد انتقامي مع الجماعات الإرهابية نظير تعاونها مع واشنطن في محاربتها، قال عطا “نحن متضررين من التطرف وسنظل نكافح الإرهاب وجاهزين لأي نتائج”. وتابع: “نحن لنا استراتيجية لا تعتمد فقط على الإجراءات الأمنية بل على حوار ومعالجات فكرية واجتماعية لاجتثاث التطرف من جذوره”.
وكشف عطا عن زيارة ميدانية قام بها عناصر من جهازه وجهاز المخابرات الأمريكية على حدود السودان مع ليبيا لكنه لم يقدم مزيدًا من التفاصيل حولها خلاف إصرارهم على أن يستغل الفريق المشترك طائرة “انتنوف سودانية وليس طائرة أمريكية”. وأوضح عطا أن الهدف من ذلك “إطلاع الأمريكان على مدى تأثير العقوبات علينا” وذلك في إشارة إلى تدهور قطاع الطيران بالسودان.
جزم مدير المخابرات السوداني بأن حكومته “تكافح الإرهاب لأغراض وطنية ونتحمل أعباء ذلك دون أي تنازلات”
ونبه عطا إلى إن جهازه كان أصلاً متعاونًا مع نظيره الأمريكي في محاربة الإرهاب ما قبل العام 2000، لكن الجديد ما قاله عطا: “أننا تذمرنا في العام 2015 وقلنا لهم لا يمكن أن نتعاون وأنتم تضعونا في نفس الوقت على قائمة الدول الراعية للإرهاب”.
ولم يشمل قرار أوباما الذي أصدره أمس الجمعة شطب السودان من هذه القائمة لكن غندور أكد أن “المشاورات ستستمر لتحقيق ذلك وتطبيع العلاقات بالكامل”. في الوقت الذي جزم فيه مدير المخابرات السوداني بأن حكومته “تكافح الإرهاب لأغراض وطنية ونتحمل أعباء ذلك دون أي تنازلات”.
ماذا عن الدور السعودي؟
تحركات كبيرة قامت بها الخرطوم لإقناع الأميركان بإلغاء العقوبات المفروضة عليهم، ولكن هذه التحركات أتت بثمارها بعد الكشف عن دور سعودي وإماراتي كشف عنه المسؤولين السودانيين، حيث لعبت السعودية دورًا رئيسيًا في رفع بعض العقوبات عن السودان، ومارست دورها بالتواصل مع على الإدارة الأميركية الموشكة على الرحيل.
الملك سلمان حرص على تهنئة الرئيس السوداني عمر البشير، وكذلك وجّه ولي ولي العهد محمد بن سلمان “لبذل مزيد من الجهود من أجل الرفع الكلي للعقوبات عن السودان”. كما قال وزير الدولة بالرئاسة السودانية الفريق طه عثمان الحسين، إن “الدور السعودي المتعاظم في رفع العقوبات عن السودان كان وراء الانفراج الذي تحقق، ولولاه لما تحقق ذلك”.
الملك سلمان وعمر البشير
وقال الحسين في تصريحات صحفية “إن الجهود السعودية بدأت باستدعائه عاجلًا إلى الرياض، بطلب من ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل عامين”، الذي أبلغه عما نتج من لقاءاته بالمسؤولين الأميركيين وبخاصة وزير الخارجية جون كيري، مشيرًا إلى أن الجانب الأميركي أشار إلى 3 نقاط طالب أن تلتزم بها الخرطوم، لرفع الحظر الاقتصادي عن السودان، وهي “وقف الدعم لجيش الرب وزعيمه جوزيف كوني، ووقف دعم الحركات المتمردة ضد حكومة جنوب السودان، وعلى رأسها نائب الرئيس الأسبق رياك مشار، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية لمناطق الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق”.
ولأن السودان دعم السياسة السعودية في المنطقة وتبقى موقفها، واشترك في عملية عاصفة الحزم التي قادتها المملكة ضد ميليشيات الحوثي في اليمن، كذلك المواقف التي اتخذها السودان ضد إيران تضامنًا مع السعودية بعد مهاجمة سفارتها في طهران في يناير 2016، يقول محللون إن هذه كانت المكافئة المقابلة للجهود السودانية. حيث كانت الرياض قد وعدت السودان بمساعدات مادية، أبرزها بقيمة 5 مليارات دولار.
تعاني الخرطوم من أزمة اقتصادية كبيرة بسبب الحصار المفروض منذ 20 عاماً
هذا الدعم السخي يوضح السبب في أن السودان آثر العلاقات الاقتصادية مع السعودية على علاقته مع إيران التي تركزت في معظمها على الأسلحة، في وقت يعاني فيه انهيارًا للعملة وارتفاعًا حادًا في البطالة، حيث سارعت الخرطوم بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، تضامنا مع السعودية.
إلى ذلك، تعاني الخرطوم من أزمة اقتصادية كبيرة بسبب الحصار المفروض منذ 20 عاماً؛ هذا الحصار الذي أنهك السودان، جعل التحدي الاقتصادي يمثل العامل الأكثر ضغطًا على نظام البشير، بل بات يهدد وجوده واستمرار حكمه، خصيصًا بعد محاولات العصيان المدني والاحتجاجات التي قادتها المعارضة السودانية بسبب قرارات رفع الأسعار.
ويقول محللون إن الرفع الجزئي لهذا الحصار سوف ينعش الاقتصاد السوداني بشكل كبير، ويفتح مجالات للاستثمار فيها، كما يحاول الخليجيون الاستفادة من هذا الأمر، وزيادة الاستثمارات في السودان كنوع من المكافئة لنظام البشير، حيث بلغت قيمة الاستثمارات السعودية 13 مليار دولار في نحو 590 مشروعًا.