دماج قرية تقع في وادٍ جنوب شرق مدينة صعدة بشمال اليمن، وهي تابعة إداريًا لمديرية الصفراء من محافظة صعدة، وتأتي شهرة هذه البلدة لوجود مركز دار الحديث الذي أسسه الشيخ الراحل مقبل بن هادي الوادعي أحد مشايخ السلفية باليمن.
ودماج أو بالأحرى وادي دماج يقع في الجنوب الشرقي من محافظة صعدة ويبعد عنها نحو 7 كم طوله يقارب 25 كلم وعرضه لا يتعدى 3 كم يحده من الجنوب جبال الحناجر والتي هي من دماج، يليها درب وادعة ثم آل عمار مركز مديرية الصفراء، ومن الشمال يحده جبل المدور والعفاري ومن الشرق يحده العبدين من بلاد سحار ومن الغرب يحده آل سالم.
وتسكن في الوادي قبيلة وادعة التي تنقسم تقريبًا لأربعة أفخاذ هي: آل خلال، آل خميس، آل قريش، آل عوران، ولكل فخذ شيخ، ولكن شيخ مشايخ وادعة دماج ووادعة كاملة أي شيخ الشمل هي للشيخ علي حمود بختان آل راشد التي منها الشيخ مقبل بن هادي قايدة آل راشد الوادعي، ثم بعد أن أسس الشيخ الراحل مقبل بن هادي الوادعي مركزه دار الحديث رحل إليه الناس من كل حدب وصوب، فصار الوافدون لطلب العلم في دماج يضارعون السكان الأصليين (أهل وادعة) في العدد، وهناك فئة من طلبة العلم هاجرت إلى دماج واستقرت بها وأصبح ارتباطها بموطنها الأصلي ضعيفًا جدًا.
تشير إحصائية التعداد السكاني لعام 2004م التي نشرها الجهاز المركزي للإحصاء اليمني أن عدد سكان دماج 15626 نسمة وعدد المساكن 2419 مسكنًا، وعدد الوافدين لطلب العلم الشرعي تقريبًا حسب الإحصائية 4027 نسمة أي ما يعادل 25% من السكان
وتشير إحصائية التعداد السكاني لعام 2004م التي نشرها الجهاز المركزي للإحصاء اليمني أن عدد سكان دماج 15626 نسمة وعدد المساكن 2419 مسكنًا، وعدد الوافدين لطلب العلم الشرعي تقريبًا حسب الإحصائية 4027 نسمة أي ما يعادل 25% من السكان، وعدد مساكن الطلبة 1058 أي ما يعادل 43% من نسبة المساكن، وسبب الفجوة بين عدد المساكن والسكان من الطلبة أن بيوت أهل دماج واسعة كبير تتسع لأكثر من أسرة غالبًا بينما بيوت طلبة العلم صغيرة ضيقة لا تتسع غالبًا إلا لأسرة واحدة.
ودماج منذ القدم تشتهر بمنتجاتها الزراعية العالية الجودة، ففيها أفخم صنف من الأعناب على مستوى اليمن والجزيرة العربية، واشتهر العنب الدماجي في اليمن وفي المملكة العربية السعودية لأنه لا يسوَق لجودته وقلة المعروض منه، كما تنتج الفواكه بجميع أصنافها وقل أن تجد فواكهًا على وجه الأرض ليست موجودة بدماج، أشهرها كما قلنا العنب والرمان والفرسك (الخوخ).
من أشهر المعالم في دماج جبل براش الذي يشاهد على بعد 25 كلم من جميع الجهات وهو مذكور في كتاب الكامل لابن الأثير وفي صفة جزيرة العرب وهو علامة يهتدي بها المسافرون في القدم، وكان المسافرون يضربون به الأمثال فيقولون (إذا غاب براش فبشر بصعدة) ويعني أنه إذا غاب براش عن ناظره فقد اقترب من صعدة، اكتشف فيه مؤخرًا نفق طويل في قاعدة الجبل يصعب متابعة نهايته، ويقال إن الداخل إلى الجبل ينطفئ فيه المصباح، اشتهر لدى عامة أهالي دماج بسكنى الجن – والعياذ بالل ه-، لذا لم يكن الأهالي يقتربون منه، حتى حضر الشيخ مقبل الوادعي وصعد إليه وانتهت تلك الأسطورة.
وأهل دماج من حيث الديانة مسلمون بالجملة، وكان أهل دماج على المذهب الزيدي ابتداءً، وقاتلوا قتالًا مريرًا مع القوات الملكية في الحرب بين الجمهورية والملكية، حتى جاءهم الشيخ مقبل بن هادي الوادعي وكان قد درس في السعودية، فَتحوَّل غالبية أهالي دماج بفعل وجود المركز والدار ثم بجهود الشيخ الراحل مقبل الوادعي إلى السنة.
وحين أسس الوادعي مدرسة علمية في دماج أسماها بدار الحديث، وفد إليه الطلاب من جميع أنحاء الجمهورية ومن أنحاء العالم فصارت لدماج شهرة عالمية، وحاليًا أكثر من نصف سكان دماج هم ممّن وفد إليها لطلب العلم الشرعي في هذه الدار، وقد ساهموا في تطوير هذه البلدة وفي النهضة العمرانية والثقافية فيها.
وفي المدرسة كانت تعقد كثير من الدروس والحلقات في جميع الفنون الشرعية، ابتداءً بأمهات الكتب وأشرفها وأعلاها: كتاب الله، حفظًا وتجويدًا وتفسيرًا، فيعتنون بتدريس تفسير الحافظ ابن كثير، وكذلك بتدريس مقدمات في التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرها من الكتب.
وكثيرًا ما كانوا يعتنون في دماج بتدريس الصحيحين: صحيح الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، وصحيح الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ويدرسون غير هذين الكتابين من كتب الحديث، أما دروس العقيدة فيهتمون بها اهتمامًا كبيرًا ودروسها تربو إلى خمسة وثلاثين كتابًا من كتب العقيدة، وأكثر ما يهتمون بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب النجدي، وشرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي، وغيرها من كتب أئمة المسلمين وعلمائهم إلى زماننا هذا.
وبالنسبة للفقه فقد كانوا في دماج يهتمون كثيرًا بشرح بلوغ المرام وعمدة الأحكام والدراري المضيئة للشوكاني وصفة صلاة النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – للعلامة الألباني، وغيرها من كتب الفقه، كما لم يغفلوا جانب تدريس وتعليم فقه المواريث المشهور بعلم الفرائض وأصول الفقه ومصطلح الحديث، ولديهم اهتمام منقطع النظير باللغة العربية، فقد كانوا يهتمون بها نطقًا وتدريسًا، ويلحق بذلك علم النحو والبلاغة والصرف والعروض والقافية والإملاء والقراءة والكتابة.
وفي دماج يعطون التدرج في التدريس أهمية، تبدأ بتدريس الكتب الصغيرة، ثم الكبيرة وتجعل من يرتب الدروس، ومن يرشد إخوانه للدروس اللائقة بهم، حتى يستفيدوا من أوقاتهم ولا تضيع عليهم سدى، وتولى التدريس بالدار الشيخ يحيى بن علي الحجوري بوصية الشيخ مقبل له، وتوسعت الدار كثيرًا في عهده فقد تم توسعة المسجد فأصبح بسعة المسجد القديم ثلاث مرات وكذلك تزايد عدد الطلبة فيها.
وكانت كثير من قبائل صعدة قد نفرت نفورًا شديدًا من دعاة التشيع نظرًا لممارستهم العنصرية الاستعلائية خلال حكم الأئمة الزيدية لليمن، وبسبب انتشار الخرافات والشعوذة على أيديهم مع ما صاحب ذلك من حرمان القبائل من التعليم، واعتبار هذا الحق من خصوصيات بعض الأسر الهاشمية! وأما القبائل فلا حظ لهم في التعليم إلا من شذ عن هذه القاعدة ولم يستسلم لها، ومنهم الشيخ مقبل بن هادي الوادعي والشيخ زاهر وقلة قليلة آخرين.
وحينما ترك الشيخ مقبل إدارة المعهد التابع للمعاهد العلمية تفرغ في منزله للراغبين في طلب العلم (وأغلبهم ممّن سمع بالشيخ مقبل عليه رحمه الله من خارج محافظة صعدة واليمن)، فبدأ الطلاب يتوافدون لا سيما الحريصون على علم الحديث النبوي القادرون على التضحية والصبر على شظف العيش والقناعة، وكان للشيخ الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله – تواصل جيد مع الشيخ مقبل الوادعي، إذ كان يرعى هذه المجموعة رعايةً خاصة وشخصية لعدة سنوات حرصًا منه على نشر السنة في هذه المنطقة، ومواساة للشيخ مقبل الذي لم يكن لديه أي تواصل مع أي جهة أخرى.
وقد رحبت جملة من القبائل بدعوة الشيخ الراحل مقبل بن هادي الوادعي، وفتحت قلوبها لدعوته ولطلابه الذين كانوا يخرجون للمحاضرات والخطب سواء في رازح أو خولان عامر أو كنى أو المهاذر أو بني عوير أو غير ذلك من مناطق سحار وهمدان ووائلة، ولم يبقَ على التعصب المذهبي سوى مناطق محدودة مثل ضحيان ورحبان والطلح وبعض مناطق ساقين في خولان عامر.
ظلّت منطقة دماج ولأكثر من 30 عامًا مضت، قبلة لطلاب العلم والدارسين من كل أطياف العالم ومختلف محافظات الجمهورية اليمنية، بسبب وجود مركز علمي يحمل مسمى “دار الحديث” أنشأه الشيخ الراحل العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله
وظلّت منطقة دماج ولأكثر من 30 عامًا مضت، قبلة لطلاب العلم والدارسين من كل أطياف العالم ومختلف محافظات الجمهورية اليمنية، بسبب وجود مركز علمي يحمل مسمى “دار الحديث” أنشأه الشيخ الراحل العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله، ولم يكن مركز دماج قط يحشر نفسه في الصراع السياسي الدائر في البلد، بل كان معظم تركيز القائمين عليه والموجودين في فنائه منصب على طلب العلم من المشايخ، وتلقي دروس في مختلف علوم الشريعة والعقيدة والحديث والفقه واللغة وغيرها من العلوم.
وعلى الرغم من حدة حالة الخلاف في الرؤى والتصورات التي نزعت إليها واتسمت بها مدرسة دماج مع الآخر، وسار عليها مؤسس المدرسة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي واتخذها من بعده طريقة خليفته الشيخ يحيى الحجوري وبدا قاسيًا على من يخالفه في بعض الأفكار، فإنه وطلابه من خلال الاستقراء والتتبع لم تسجل عليهم حالة اعتداء أو جناية على أحد من عامة الناس وخاصتهم، ولم يقدموا على مخالفة تمس جانب المجتمع والدولة على السواء.
واشتهر عن أهالي دماج على المستوى العام أنهم يدينون بالولاء لمن يحكم البلاد ويطيعون أمره، ولا يخرجون عليه بقول أو فعل، واتسمت علاقتهم مع مخالفيهم بإجراء سلسلة من الحوارات والردود العلمية بمعزل عن استخدام أية طريقة أخرى سواها في التعامل مع المخالفين لهم في إطار المدرسة وخارجها.
ومركز دماج لم يكن لديه أي تطلعات سياسية، ولم يكن له أيضًا موقف من الحروب الست في أثناء تمرد الحوثيين على الدولة، بل كانوا منصرفين تمامًا لشأنهم الخاص، وعندما سيطرت جماعة الحوثي على محافظة صعدة إثر اندلاع الثورة الشعبية وسقوط النظام في صنعاء بدأت قصة الإيذاء وإخراج أهل قرية دماج من بيوتهم، وحصارهم ومحاولة تصفية المنطقة من وجودهم ليس لشيء إلا لأنهم يختلفون معهم في الفكر والمعتقد.
بدأ الحصار من يوم 22 من ذي القعدة 1432 هـ الموافق 20 من أكتوبر 2011م، منع فيه الحوثيون دخول أية مواد غذائية أو أدوية أو مستلزمات طبية، ومن دخول الطلبة المستجدين، كما منعوا من أراد الخروج من أجل العلاج، بل منعوا أهل دماج من الخروج لتأدية مناسك الحج آنذاك، برّر الحوثيون حصارهم بأن الشيخ يحيى بن علي الحجوري خليفة الشيخ مقبل الوادعي على دار الحديث بدماج يجهز لحربهم بالاستعانة بقائد الحرس الخاص طارق محمد عبد الله صالح والحكومة السعودية، ونشروا ورقة منسوبة للشيخ يحيى لإثبات دعواهم، الأمر الذي أنكره الشيخ الحجوري وأخرج بيانًا في نفيه على موقعه.
بعد نحو 100 يوم من الحصار والنار قدمت لجنة وساطة رئاسية معززة بشخصيات حكومية وقبلية وطرحت خيارين أمام أهالي دماج إما النفاذ بأجسادهم وإما البقاء وتحمل تبعات ذلك من حصار وتجويع وقصف وموت
وبعد نحو 100 يوم من الحصار والنار قدمت لجنة وساطة رئاسية معززة بشخصيات حكومية وقبلية وطرحت خيارين أمام أهالي دماج إما النفاذ بأجسادهم وإما البقاء وتحمل تبعات ذلك من حصار وتجويع وقصف وموت، فاختار الأهالي مرغمين الخروج من دماج والبحث عن وطنٍ بديل حتى يحكم الله من عنده، فكان موعد تهجيرهم هو يوم الخميس 15 من ربيع الأول 1435هـ الموافق 16 من يناير 2014م حيث قدموا إلى العاصمة صنعاء منطقة سعوان وافترشوا الخيام والمساجد القريبة وظّلوا فيها فترة من الزمن ثم نزحوا إلى مناطق شتى ومختلفة في جنوب ووسط اليمن.