ترجمة منة الله المنذر
غالبًا ما يتعلم الأطفال من خلال تقليد أفعال الأشخاص المحيطين بهم، خصوصًا والديهم، ويشمل هذا الطريقة التي يدير بها الآباء أموالهم: كيف ينفقونها، كيف يضعون ميزانية، أو حتى كيف يدخرون تلك الأموال، يبدأ الأطفال في تشكيل طريقتهم في التعامل مع الأموال، التي غالبًا تستمر معهم طول عمرهم، ابتداءً من سن يافعة وهو سبع سنوات، وذلك وفقًا لبحث قامت به “مؤسسة نصائح المالية”.
لذا إذا قمت بتعليم أولادك مهارة إدارة أموالهم في سن مبكرة، وهي مهارة مهمة في الحياة، فإنك بذلك تساعدهم على تطوير ذاتهم ليصبحوا أشخاصًا ناضجين يتعاملون بذكاء مع أموالهم، وقادرين على التحكم بأنفسهم، ولديهم خبرة ناضجة في كيفية وضع ميزانية.
يقلق الآباء من فكرة تعامل أطفالهم مع الأموال في سن مبكرة، فهم يعتقدون أن ذلك يمثل ضغطًا نفسيًا مبكرًا جدًا عليهم، مع أن العكس هو الصحيح، دكتور إليزابيث كيلبي أختصاصي علم نفس الأطفال، وأم لثلاثة أطفال، تقول في ذلك: “خوض أحاديث حازمة مع أولادنا، جزء لا يتجزأ عن كوننا آباءً، والأموال على وجه التحديد هي أحد تلك الأحاديث التي يجد الوالدان صعوبة في التحدث عنها، خصوصًا إذا كان الآباء أنفسهم يعانون من مشاكل في التعامل معها، وأحد الأسباب الرئيسة لامتناع الآباء عن خوض تلك الأحاديث، اعتقادهم أنه لا يجب إلقاء المسؤوليات التي تخص الناضجين على عاتق الأطفال، كالقلق بشأن الأموال، ولكن في واقع الأمر، يُعد ذلك عاملاً محفزًا ومشجعًا لأطفالهم لاكتساب الثقة ومهارات التعامل مع الأموال، كي لا يضطروا لمواجهة المخاوف المالية في المستقبل”.
وهذه ثماني طرق إذا اتبعتها، سيتعامل طفلك بذكاء مع النقود:
أولاً: عرّف طفلك على النقود في سن مبكرة
فبمجرد أن يتعلم طفلك طريقة عد النقود، علمه شكل العملات المختلفة وقيمتها النقدية، وعلمه أنه يجب عليه الحفاظ على نقوده الخاصة، ووضعها بمكان آمن.
ثانيًا: حاول بطريقة ذكية دمج الأحاديث التي تدور عن النقود واتخاذ القرارات بشأن المشتريات داخل نمط الحياة اليومية
ليس من الضروري أن تُحمِل طفلك عبء الأمور المالية للأسرة، بيد أن الأهم له هو تعلم كيفية استخدام النقود في تبادل الأشياء، لذا دع طفلك – عند عملية الشراء – يعطي النقود بنفسه للبائع ويقوم بحساب الفكة، فلا شك أن أول درس مهم يجب أن يتعلمه هو أن المزيد من العملات المعدنية لا يعني بالضرورة المزيد من المال.
أيضًا يجب أن نرشد الطفل إلى كيفية وضع قائمة لحاجتنا من المشتريات، وكيفية اتخاذ قرار شراء السلع بناءً على سعرها وقيمتها النقدية، فلا يجب الاندفاع في الشراء بل توجد خطة وميزانية يجب الالتزام بهما، كما يجب أن توضح لطفلك أنه لا يمكنه استخدام البطاقة الائتمانية الخاصة بك بكل سهولة وقتما يشاء، أو أنك تستطيع أن توفر له المال في كل وقت! فعليه أن يعلم أن بطاقتك الائتمانية مرتبطة بحسابك المصرفي وبكمية محدودة من النقود.
ثالثًا: اعط طفلك مصروفًا منتظمًا
وذلك حتى تتسنى له فرصة إدارة النقود، واتخاذ قرار ما إذا كان سيدخرها أم سينفقها، كما يجب على الآباء أن يكونوا منظمين ليستطيعوا تسديد المال بطريقة منظمة، وبالتالي يستطيع الطفل تطوير مهاراته في كيفية وضع ميزانية، ولا بأس أن تدع طفلك يرتكب بعض الأخطاء بشأن طريقة إنفاقه لمصروفه، لأنه حينذاك ستلعب الخبرة دورها في تعليمه، فعلى سبيل المثال: سيرتكب طفلك خطأ شراء لعبة ما ليتضح أنها ليست مثيرة للاهتمام كما اعتقد عند شرائها، فيخيب ظنه بها، فوحدهما المحاولة والتكرار كفيلان بإرساء مبدأ “عندما يذهب الشيء، لن يعود مرة أخرى”.
رابعًا: تحدث مع طفلك عن ادخار النقود، بدلًا من إنفاقها على الفور
فعلى سبيل المثال، استغل حماس طفلك في التلوين والرسم لتساعده على صنع “جدول مدَخرات” ملصق به صورة اللعبة أو الشيء الذي يدخر المال من أجله، واحسب معه عدد الأسابيع التي سيستغرقها في الادخار من أجل شراء ما يريد، ويمكنه رسم صندوق لكل أسبوع ويظلله أو وضع ورقة لاصقة عليه عند انتهائه، ليعرف مدى التقدم الذي أحرزه، كنوع من التحفيز له.
واجعل طفلك يضع مصروفه عن كل أسبوع في إناء حفظ المدخرات الخاص به، وبجانبه صورة اللعبة، بهذه الطريقة تكون قد علمت طفلك ماهية الرضا المؤجل، فالأشياء الجميلة لا تحدث إلا لمن يصبر.
خامسًا: تحدث مع طفلك عن كيفية سعيك في العمل للحصول على المال
في مرحلة المراهقة المبكرة، وعند التأكد من إدراكهم مبدأ الأجر أو الراتب اليومي، حاول أن تجعل مصروفهم مترتب على الأعمال المنزلية التي يجب عليهم القيام بها، وذلك كي يتعلموا معادلة بذل الوقت والجُهد مقابل الحصول على مكافأة مالية، وبذلك سيميلون إلى الحفاظ على مالهم الذي بذلوا مجهود للحصول عليه بدلاً من إهداره.
سادسًا: لا تنس المال الافتراضي (غير الواقعي)
بما أننا بصدد العيش في مجتمع “بلا أوراق مالية” فِعلية، لذا من المهم أن تُعلم طفلك الذي يتمتع بذكاء في التعامل مع الرقميات مبدأ استخدام النقود الافتراضية، وأن تلك النقود حقيقية بالفعل، فأنت لا تستطيع إنفاقها ما دُمت لا تملكها، كما يجب أن توجههم إلى كيفية الحفاظ على عملية دخول وخروج الأموال من خلال تطبيقٍ ما على الهاتف، أو الخدمات المصرفية عبر الإنترنت.
سابعًا: ساعد طفلك على فتح حساب توفير خاص به
أن يمتلك طفلك حسابًا شخصيًا خاصًا به مع كشف حساب منتظم، لا شك أن ذلك سيساعده على اكتساب الثقة تجاه التعاملات البنكية والمدخرات، كذلك لا بأس أن يسحب طفلك مبلغًا من المال من وقتٍ لآخر، حتى يشعر أنه يملك سُلطة اتخاذ قراراته.
ثامنًا: امنح ابنك – الذي يعيش مرحلة المراهقة – مصروفًا شهريًا مع مسؤوليات مالية أكبر
في فترة زمنية قصيرة، ستجد ابنك ذاهبًا إلى الجامعة أو العمل، لذا هو في حاجة إلى تدريب عملي وفعلي لعمليتي وضع الميزانية واتخاذ القرار مثل شراء الملابس، أو دفع الفاتورة الشهرية لهاتفه، كما يجب إرشاده إلي عملية التخطيط المُسبق وكيف سيعود ذلك بالنفع فيما يخص أمواله، مثال على ذلك: وضع مقارنات للأسعار الموجودة على الإنترنت وتجنب الشراء العشوائي والاندفاعي.
كذلك شجعه على وضع سجل خاص بالإيرادات والمصروفات، حتى يتعلم ترتيب أولوياته عند إنفاقه النقود، وكيفية التوسع في أمواله عن طريق التخلي عن الرفاهيات كشراء القهوة، فقبل كل شيء، يجب عليكم كآباء الحذر من الوقوع في فخ إعطاء النقود لأطفالكم في كل مرة تنفذ منهم، فعليهم أن يتعلموا أن المال عندما يذهب لا يعود.
لا شك أن إرشاد أبنائكم إلى أشكال العملات النقدية المختلفة وهم صغار، وتعليمهم وضع الميزانيات لشراء الملابس وهم في سن المراهقة، بالإضافة إلى توجيهاتكم، سيساعدهم على بناء عادات إيجابية وعلاقة صحية مع أموالهم، مما سيجعلهم يحظون بمستقبل أسعد.
المصدر: هافنغتون بوست