أصدرت الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا “فحص طعون”، برئاسة المستشار أحمد الشاذلي نائب رئيس مجلس الدولة، حكمها برفض الطعن المقام من هيئة قضايا الدولة، ممثلة عن رئاسة الجمهورية والحكومة، وتأييد الحكم الصادر من محكمة أول درجة “القضاء الإداري” ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، والتي بموجبها كان سيتم نقل السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية.
يأتي هذا الحكم الذي جاء على عكس هوى النظام الحاكم، ليسدل الستار مؤقتًا على الماراثون القضائي بين الدولة والشعب في مصرية الجزيرتين، في انتظار تقرير مفوضي المحكمة الدستورية العليا بشأن منازعة التنفيذ المقامة من هيئة قضايا الدولة لإلغاء حكم القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية لمعارضته لمبادئ استقرت عليها المحكمة الدستورية العليا من أن الاتفاقيات السيادية تخرج عن ولاية القضاء باعتبارها من أعمال السيادة.
7 أشهر من النزاع القضائي
تعود القضية إلى مساء الثامن من أبريل الماضي، حيث الاحتفال الصاخب بالزيارة التي وصفت بـ”التاريخية” للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، للقاهرة، والتي زار خلالها جامعة الأزهر والبرلمان، فضلاً عن جامعة القاهرة التي منحته درجة الدكتوراة الفخرية.
وبينما المصريون قابعون في انتظار حصاد هذه الزيارة من استثمارات واتفاقيات ودعم، إذ بالحكومة المصرية تعلن 16 اتفاقية تعاون، من بينها إعادة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والتي بمقتضاها يتم تنازل مصر عن سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين بسيناء، إلى المملكة العربية السعودية، لينتفض الشارع المصري، وهنا كانت البداية.
وتتعلق القضية الأساسية في ترسيم الحدود بصفة أساسية بالسيادة على الجزيرتين، حيث يقول كل طرف من الأطراف إن له حق السيادة عليهما، وإنهما تاريخيًا وجغرافيا تنتميان إليه، فجزيرة تيران تقع عند مدخل مضيق تيران الفاصل بين خليج العقبة والبحر الأحمر، على بعد نحو 6 كيلومترات عن الساحل الشرقي لسيناء وتبلغ مساحتها نحو 80 كليومترًا مربعًا، أما جزيرة صنافير فهي مجاورة لجزيرة تيران من ناحية الشرق، وتبلغ مساحتها نحو 33 كم².
وفي أول تحرك فعلي ضد هذه الاتفاقية، تقدم عدد من المحامين على رأسهم خالد علي المرشح الرئاسي الخاسر، بدعاوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة لوقف تنفيذ الاتفاقية، وقد حددت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري، جلسة 17 مايو 2016 لنظر أولى جلسات الدعوى، وفيها طالبت هيئة قضايا الدولة – ممثلة عن الحكومة – بعدم قبول الدعوى لعدم اختصاص المحكمة، وانتهت الجلسة بتأجيل النظر في الدعوى لجلسة 7 يونيو 2016 وإحالتها إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد التقرير القانوني الخاص بها.
وبعد ماراثون من الجدل صدر تقرير هيئة مفوضي الدولة – وهو تقرير استشاري غير ملزم للمحكمة – وأوصى بضرورة الاستعانة بأهل الخبرة في كل من المجالات التاريخية والجغرافية والخرائط والطبوغرافيا، والعلوم الأخرى ذات الصلة، وقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسة 21 يونيو 2016
توقع البعض أن الحكومة سترضخ لأحكام القضاء في ظل الهبة الشعبية الرافضة للاتفاقية، لكن ما حدث كان صادمًا للجميع، فبالتوازي مع الطعون المقدمة من الحكومة ممثلة في هيئة قضايا الدولة ضد أحكام القضاء الإداري التي أبطلت الاتفاقية، كان هناك طعنًا آخر تقدمت به الحكومة أمام محكمة الأمور المستعجلة
في 21 من يونيو 2016 قضت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، وقف تنفيذ الاتفاقية واستمرار تبعية الجزيرتين للسيادة المصرية، وعلى الفور تقدمت هيئة قضايا الدولة بطعن أمام الدائرة الأولى فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، بمجلس الدولة، لبطلان الحكم الصادر، وحددت الدائرة جلسة 26 يونيو 2016 لنظر الطعن.
وفي الجلسة تقدم أحد محاميي الدفاع عن مصرية الجزيرتين، بطلب رد لهيئة المحكمة وتم إحالته إلى الدائرة السابعة فحص بالمحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار ماهر أبو العينين نائب رئيس مجلس الدولة، وبجلسة 30 من يوليو تم قبول طلب الرد، وبناء على ذلك قرر المستشار محمد مسعود رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة الإدارية العليا إحالة ملف الطعن للدائرة الأولى برئاسة المستشار أحمد الشاذلي، نائب رئيس مجلس الدولة، الذي حدد جلسة اليوم 16 من يناير للنطق بالحكم النهائي.
توقع البعض أن الحكومة سترضخ لأحكام القضاء في ظل الهبة الشعبية الرافضة للاتفاقية، لكن ما حدث كان صادمًا للجميع، فبالتوازي مع الطعون المقدمة من الحكومة ممثلة في هيئة قضايا الدولة ضد أحكام القضاء الإداري التي أبطلت الاتفاقية، كان هناك طعنًا آخر تقدمت به الحكومة أمام محكمة الأمور المستعجلة، والتي قضت في 29 من سبتمبر الماضي ببطلان حكم القضاء الإداري الذي أبطل نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير من مصر للسعودية، وقضت بوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري، مؤكدة أن الحكم باطل، وأنها تغولت على اختصاصات السلطة التنفيذية، وأن الاتفاقيات الدولية تقع ضمن أعمال السيادة التي تنأى عن رقابة القضاء.
وعلى الفور طعن المحامون الرافضون للاتفاقية على حكم الأمور المستعجلة، لكن المحكمة رفضت طعنهم في 31 من ديسمبر الماضي، وأيدت حكم أول درجة، مما يعني تأييد الاتفاقية.
في الثامن من نوفمبر الماضي، قضت محكمة القضاء الإداري بالاستمرار في تنفيذ حكم “تيران وصنافير” ورفض استشكال الحكومة، وأكدت المحكمة في حيثيات حكمها أن الحكم الصادر ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية واستمرار تبعية جزيرتي “تيران وصنافير” لمصر هو حكم واجب التنفيذ
ثم تحولت الحكومة من القضاء الإداري والأمور المستعجلة إلى الدستورية العليا، فعقب صدور حكم محكمة القضاء الإداري لجأت هيئة قضايا الدولة كذلك للمحكمة الدستورية العليا، وأقامت “منازعة تنفيذ” لوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري القاضي ببطلان الاتفاقية، ثم أقامت منازعة أخرى في 6 من نوفمبر الماضي، وتمت إحالتهما لهيئة مفوضي الدستورية لتحضيرهما وإعداد تقرير فيهما، وقررت فيها التأجيل لجلسة 12 من فبراير المقبل.
وبالانتقال سريعًا إلى محور القضاء الإداري بمجلس الدولة، فقد تقدم أحد المحامين الرافضين للاتفاقية في الخامس عشر من أكتوبر الماضي، باستشكال طالب فيه بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من الدائرة الأولى ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على الاتفاقية، بعد أن أقامت هيئة قضايا الدولة ممثلاً عن الحكومة طعنًا أمام محكمة الأمور المستعجلة، وقضت بوقف تنفيذ الحكم، مما دفعه إلى إقامة هذا الاستشكال، مطالبًا بالاستمرار في تنفيذ مقتضى الحكم الصادر في الدعوتين رقم 43709 لسنة 70 ق، ورقم 43866 لسنة 70قضائية وفي الموضوع بإلغاء قرار الطعن، بما يترتب على ذلك من آثار وعدم الاعتداد بحكم الأمور المستعجلة.
وفي الثامن من نوفمبر الماضي، قضت محكمة القضاء الإداري بالاستمرار في تنفيذ حكم “تيران وصنافير” ورفض استشكال الحكومة، وأكدت المحكمة في حيثيات حكمها أن الحكم الصادر ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية واستمرار تبعية جزيرتي “تيران وصنافير” لمصر هو حكم واجب التنفيذ، حيث لم يثبت أن المحكمة الإدارية العليا قضت بإلغائه أو وقف تنفيذه.
وفي جلسة 5 من ديسمبر الماضي، قدمت هيئة المفوضين بالدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا تقريرها في الطعن المقدم من الحكومة، والذي أوصى برفض الطعن وتأييد حكم محكمة القضاء الإداري، وهو ما دفع الحكومة للطعن على هذا الحكم، حيث تقدمت بمذكرة تعقيب على تقرير هيئة مفوضي الدولة، في جلسة 19 من ديسمبر، وبعد أن استمعت هيئة المحكمة إلى مرافعة الطرفين، وبعد أن قدم كل طرف مستنداته التي تؤيد وتعزز موقفه، قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسة اليوم الإثنين 16 من يناير 2017.
المحامي خالد علي من أمام مجلس الدولة
عشر روايات متناقضة من الحكومة
“كنت أشفق على محامى هيئة قضايا الدولة في أثناء نظر القضية، فالنظام وضعهم في ورطة الدفاع عن قراره المخالف للقانون والدستور من ناحية، كما لم يمدهم بمستندات تقيلهم من عثرتهم من ناحية ثانية، وهي الهيئة التي تضم كفاءات مهنية كبيرة)، بهذه الكلمات استهل المحامي خالد علي، حديثه عن تضارب رؤى الحكومة المصرية عن العلاقة بين الجزيرتين والدولة المصرية.
علي في تصريحات له على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي”فيس بوك” أشار إلى النظام لم يرسل أمام محكمة القضاء الإداري أي مستندات تم طلبها منهم وألزمتهم بها المحكمة، وحتى لم يرسل إليهم الاتفاقية موضوع النزاع ، فلم يدفعوا إلا بطلب تطبيق نظرية أعمال السيادة.
محامي القضية ذكر أن الحكومة قدمت عشر روايات مختلفة عن الطبيعة القانونية لهذه العلاقة، والعشر روايات من واقع المستندات المقدمة من الحكومة وهي على النحو التالي:
الرواية الأولى: واردة ببيان مجلس الوزراء المنشور على الموقع الإلكتروني يوم توقيع الاتفاقية بأن الجزر تقع في المياه الإقليمية للسعودية.
الرواية الثانية: من مستند قدمته الدولة بأن مصر وضعت يدها على الجزر باتفاق مع السعودية.
الرواية الثالثة: بأن مصر احتلت الجزر وأبلغت السعودية بذلك والسعودية فرحت بهذا الاحتلال.
الرواية الرابعة: بأن حكومة الوفد اتفقت مع السعودية على ضم هذه الجزر للأراضي المصرية.
الرواية الخامسة: بأن الملك عبد العزيز قام بتأجيرها لمصر بغرض استعمالها فى الحرب.
الرواية السادسة: بأن السعودية تنازلت عن هذه الجزر في الخمسينيات لجمال عبد الناصر ومن حقها استعادتها الآن.
الرواية السابعة: بأن هذه الجزر وضعت تحت تصرف مصر بترتيب خاص مع السعودية.
الرواية الثامنة: بأن هذه الجزر معارة لمصر.
الرواية التاسعة: بأن مصر تمتلك حقوق إدارة على هذه الجزر وليس حقوق سيادة.
الرواية العاشرة: بأن السعودية تنازلت عن هذه الجزر لمصر لمدة 90 عامًا.
مستند يطعن فيه رئيس الجمهورية على مصرية تيران وصنافير ويقول بأنهما “محتلتان”
مستند يثبت فيه رئيس الدولة تأجير مصر للجزيرتين بطلب من السعودية
مناوشات بين الأمن والشعب
قبيل النطق بالحكم في القضية، شهد محيط مجلس الدولة بمنطقة الدقي بالجيزة، عددًا من المناوشات بين قوات الأمن المتمركزة، والمحامين والمواطنين الداعمين لمصرية الجزيرتين، حيث تم منع دخول بعض المحامين لقاعات مجلس الدولة، فضلاً عن بعض الشخصيات العامة الأخرى، في مقدمتهم عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، وهو ما أدانه خالد علي المحامي الأول المسؤول عن القضية، ملوحًا بعدم دخول الجلسة إلا بعد أن يتم السماح بدخول بقية المحامين.
وقد تحول محيط مجلس الدولة إلى ثكنة عسكرية من قوات الأمن المحيطين به من كل جانب، وفي المقابل هتف مئات الحضور المتضامنين مع القضية بمصرية الجزيرتين، مما ترتب عليه بعض الاعتراضات من قبل جنود الأمن الموجودين، وهو ما استنكره المحامون الرافضون للتنازل عن الجزيرتين في مقدمتهم خالد علي وعلي أيوب.
ماذا بعد؟
لا شك أن قرار المحكمة الإدارية العليا اليوم برفض الطعن المقدم من هيئة قضايا الدولة – ممثلة عن الحكومة – سيلقي بظلاله على المشهد خلال الأيام القادمة، على الرغم من التقليل من شأن هذا الحكم كما جاء على لسان المستشار رفيق شريف نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، بدعوى عدم اختصاص مجلس الدولة بنظر القضية، وبالتالي سيكون الحكم منعدمًا لصدوره من محكمة غير مختصة، مشيرًا أن موقف البرلمان هو الحكم النهائي في هذه القضية، باعتباره صاحب الاختصاص بالاتفاقية قائلاً: ” الرأي الأول والأخير سيكون للبرلمان، وذلك بناءً على ما جاء بالدستور”.
وفي المقابل كان للدكتور سمير غطاس عضو مجلس النواب رأي آخر، مشيرًا إلى أن البرلمان مقسم حاليًا لثلاث فرق، أحدهما مؤيد للاتفاقية، والآخر رافض بدرجة شديدة لها، وهناك فريق آخر ينتظر صدور حكم الإدارية ليبدي رأيه في الاتفاقية، وبالتالي سيؤثر الحكم بدرجة كبيرة على عدد من أعضاء البرلمان.
ومن ثم وبعد صدور حكم اليوم، قد تتغير خارطة الموقف البرلماني من الاتفاقية، لكن تبقى التحالفات الداخلية والضغوط التي من الممكن أن يتم ممارستها على بعض النواب، هي الفيصل النهائي في القضية، فإما تأييد لموقف القضاء بمصرية الجزيرتين وهنا ستدخل العلاقات المصرية السعودية نفقًا مظلمًا جديدًا، وإما الموافقة على الاتفاقية ومن ثم الصدام مع الشعب، فأيهما يختار النظام المصري: التصادم مع السعودية أم مع الشعب؟