اختتمت مجموعة بريكس التي تضم كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، الخميس، قمتها التي عقدتها على مدار 3 أيام في جوهانسبرغ بالموافقة على توسعة غير مسبوقة، كما كان متوقعًا، وتأكيدها على السعي لنظام عالمي متعدد والتخلص من هيمنة الدولار.
ضمن التوسعة مفاجئات، إذ ضمت أسماء لم تكن متوقعة وسقطت منها أسماء دول أخرى كان قادتها إلى وقت قريب يؤكدون أن الانضمام لهذا التكتل مسألة وقت فقط.
الغريب في المسألة أيضًا، أن القائمة الجديدة ضمت دولًا متخاصمة، فالبعض منها تجمعه علاقات عداوة وصراع تاريخية بناء على ملفات شائكة استحال حلها في السابق، فهل تكون هذه التوسعة في صالح بريكس أم ستكون عامل انهيار وتصدّع لها.
6 دول جديدة
تقدمت أكثر من 20 دولة بطلب رسمي للانضمام إلى بريكس، التي تمثل ربع الاقتصاد العالمي، وأكثر من ثلاثة مليارات نسمة، إلا أن الموافقة شملت 6 دول فقط، اثنين منها تنتمي إلى القارة الأفريقية و3 للقارة الأسيوية، فيما تنتمي الأخيرة لأمريكا الجنوبية.
بريكس -التي تضم 5 دول تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم- قررت رسميًا دعوة كلّ من الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات، للانضمام إلى المجموعة الطامحة لتصبح قوة اقتصادية عالمية.
وأوضح رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، الذي ترأس القمة المنعقدة في عاصمة بلاده، أن انضمام هذه الدول سيكون بداية من الأول من يناير/كانون الثاني 2024، لتلتحق بذلك بمجموعة الدول الناشئة الساعية إلى تعزيز نفوذها في العالم.
الغريب في القائمة، غياب الجزائر عنها، رغم تأكيد رئيسها عبد المجيد تبون في أكثر من مرة بأن لبلاده حظوظًا في الظفر بمقعد إلى جانب الدول المؤسسة للمجموعة، وتأكيده أن “سنة 2023 ستتوج بانضمام بلاده للمنظمة”.
توتر العلاقات لا يقتصر على مصر وإثيوبيا فقط، وإنما يطال أيضا السعودية وإيران
قبل سنة من الآن، بدأ الحديث عن توسعة عضوية المجموعة، وذلك عندما ترأست الصين قمة بريكس السنة الماضية، سعيا منها لتعزيز نفوذها لمواجهة هيمنة الدول المتقدمة في الأمم المتحدة، ذلك أن الصين نددت في أكثر من مرة بوجود حملات ممنهجة ضدّها في المحافل الدولية.
دعمت روسيا الصين في هذا التوجه الرامي لتوسعة المنظمة، خاصة بعد حربها ضدّ أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وارتفاع حدّة العقوبات الاقتصادية والسياسية التي اتخذها الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ضدّها.
وترى كل من الصين وروسيا وباقي دول بريكس، أن انضمام دول جديدة لمجموعتهم التي تشكّلت سنة 2006، سيمكنهم من كسر هيمنة الغرب وإنهاء نظام القطب الواحد الذي تتزعمه أمريكا وخلق توازن أمني مع حلف الناتو، فزيادة عدد الأعضاء وتنويعهم جغرافيًا وعرقيًا ودينيًا، يخدم توجّههم.
عداء وغياب انسجام
الملاحظ في قائمة الدول المنظمّة حديثًا لمجموعة بريكس وجود غياب انسجام بينها، ويصل في بعض المرات إلى العداء، خاصة إذا تحدّثنا عن العلاقات بين مصر وإثيوبيا وبين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية.
وشهدت العلاقات بين مصر وإثيوبيا في العقد الأخير توترًا كبير بسبب ملف سدّ النهضة، فرغم مرور 12 سنة من المفاوضات والمحادثات ومحاولات الوساطة، ما زالت الخلافات قائمة بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة والجدول الزمني لملء السد، مع اتهامات متبادلة بالتعدي على السيادة وتهديد حياة الملايين.
يعد سد النهضة، رمزًا لهدف إثيوبيا في أن تصبح لاعبًا إقليميًا رئيسيًا. ويهدف المشروع لتغطية احتياجات 60% من المنازل الإثيوبية من الكهرباء والذين ما زالوا خارج نطاق شبكة الكهرباء، وتبلغ كلفة المشروع 4.5 مليار دولار.
6 دول ستنضم إلى بريكس وستصبح كاملة العضوية في المجموعة اعتبارًا من يناير 2024، هي:
– السعودية
– الإمارات
– الأرجنتين
– إثيوبيا
– إيران
– مصر pic.twitter.com/AX2KXEYw2J— الأحداث الأمريكية🇺🇸 (@US_World1) August 24, 2023
في مقابل ذلك، ترفض مصر خطوات أثيوبيا، وترى القاهرة أن سدّ النهضة سيهدد نهر النيل –منبع المياه الأساسي في البلاد- حيث يعيش معظم المصريين، الذين يتجاوز عددهم 100 مليون نسمة، ويعتمدون عليه في كل شيء من مياه الشرب إلى الصناعة والري.
وفي مارس/آذار الماضي، اتهمت إثيوبيا مصر بخرق ميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، تعقيبًا على تصريحات أدلى بها وزير خارجيتها سامح شكري بشأن سد النهضة أكد خلالها أن “كل الخيارات مفتوحة وتظل جميع البدائل متاحة”.
توتر العلاقات لا يقتصر على مصر وإثيوبيا فقط، وإنما يطال أيضًا السعودية وإيران، فرغم توصل الطرفين في مارس/آذار الماضي إلى اتفاق ينهي سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية وإعلانهم استئناف العلاقات الدبلوماسية الثنائية إلا أن العلاقات بينهما غالبًا ما تعرف توترًا كبيرًا.
وعرف البلدان حروبًا بالوكالة في العديد من المناطق، من العراق إلى اليمن ولبنان وسوريا وساحات أخرى، رغبة من البلدين لتعزيز نفوذهما في المنطقة، فهما قوتان إسلاميتان كبيرتان ومصدران كبيران للنفط، تحظيان بموقع جيوبولوتيكي واستراتيجي مهم في الشرق الأوسط والخليج.
ويتوقع أن يتجدد الخلاف بين البلدين في أي لحظة، ذلك أن ما يفرقهم أكثر مما يجمعهم، وكادت جهود المصالحة تنهار قبل شهر بسبب نزاع حول حقل غاز يدعى “آرش” في إيران وفي السعودية والكويت “الدرة”، وتدّعي طهران ملكيتها له، فيما تؤكد الرياض والكويت أنهما “فقط” تملكان الحق في استغلال ثرواته.
ورقيا، يخدم ادراج هذه الدول الستة برامج مجموعة بريكس، الرامية إلى منافسة الدول الغربية، لكن واقعيا من الصعب تحقيق ذلك
نفس الشيء بالنسبة إلى الإمارات وإيران، فلئن عرفت العلاقات بينهما تحسنا ملحوظا في الأشهر الأخيرة، إلا أن التوتر كان سيد الموقف، وقد عاينا ذلك في العديد من الملفات، ومن أبرزها ملف الجزر الاستراتيجية الثلاث التي تقع في الخليج قرب مضيق هرمز الذي يمرّ عبره خُمس إنتاج النفط العالمي، وهي منذ سنوات مصدر خلاف بين الإمارات وإيران.
حتى العلاقات بين مصر والإمارات والسعودية، ليست كما يرام، إذ عرفت في الفترة الأخيرة تراجعا ملحوظا، وتم معاينة ذلك في اليمن وليبيا وعديد المناطق الأخرى، فكل دولة تبحث عن تحقيق مصالحها بعيدا عن حلفاء الأمس.
هل تكون بداية تراجع المجموعة؟
إدراج هذه الدول الستة في المنظمة يعد عامل قوة لها، ذلك أنها من أكبر منتجي ومصدري النفط في العالم، خاصة السعودية والإمارات وإيران، فالأولى تنتج في اليوم 10 ملايين برميل نفط في الظروف الطبيعية، بينما تنتج الثانية متوسط 3.5 ملايين برميل، وإيران 3.8 ملايين برميل.
أما مصر وإثيوبيا فيستمدان قوتهما من موقعهما الجغرافي إذ يقعان على إحدى أهم طرق الملاحة العالمية، ممثلة بقناة السويس، التي يمر منها أكثر من 10 بالمئة من التجارة العالمية، ونحو 17 مليون برميل نفط ومشتقات يوميًا.
كما أنهما يمثلان سوق استهلاكية كبيرة، فمصر تحصي أكثر من 104 ملايين نسمة، وهي سوق رئيسة للسلع الزراعية الأساسية، أما إثيوبيا فيبلغ عدد سكانها 120 مليون نسمة، ما يفتح أفاقًا كبيرة أمام منتوجات المجموعة.
بأي معيار تم اختيار مصر والسعودية والإمارات لعضوية “بريكس”.. لافروف يقدم الإجابة
صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن المعايير التي أخذت في الاعتبار لدى مناقشة توسع مجموعة “بريكس”، كانت تشمل وزن وهيبة الدولة ومواقفها في الساحة الدولية. pic.twitter.com/rAMplmBj89
— روسيا الآن✪ (@Russianowarabic) August 24, 2023
ورقيًا، يخدم إدراج هذه الدول الستة برامج مجموعة بريكس، الرامية إلى إثبات حضورها على المسرح الدولي كلاعب منافس للغرب والناتو، لكن واقعيًا من الصعب تحقيق ذلك، نتيجة غياب الانسجام بين هذه الدول، والتوتر الكبير بينهما، وهو ما سيعرقل عمل المجموعة.
نتيجة ذلك، قد تكون التوسعة الأخيرة في دول بريكس عامل ضعف لا قوة، فالاختلافات كثيرة، وسيتعيّن العمل على إصلاح العلاقات البينية، عوضًا عن تدعيم التعاون بينهما، الأمر الذي يمكن أن تستغله الدول الغربية لصالحها.