حسين سجواني رجل الأعمال الإماراتي، ربما القليل منا من سمع بهذا الاسم خلال السنوات الستة الأخيرة، لكنه معروف جدًا للساسة العرب والأوروبيين والأمريكيين، وبرز دوره بشدة بعد موجة الربيع العربي التي طالت عدد من الدول العربية منذ العام 2011.
النفوذ الاقتصادي والقوة السياسية
سجواني يعتبر اليد الطولى للإمارات للتغلغل الاقتصادي العربي والإقليمي والدولي في سياق سياسات الإمارات الموجهة، بالاعتماد على نفوذها الاقتصادي لإنجاز مصالحها، والتي كان أبرزها خلال السنوات الأخيرة محاولاتها الدؤوبة للتخلص من جماعة الإخوان المسلمين بمصر، والتي لم تتوقف عند هذا الحد، بل وصل الأمر إلى التهديد بوقف صفقات التسليح مع بريطانيا لدفعها لإعلان جماعة الإخوان تنظيمًا إرهابيًا، ففي نوفمبر 2015 كشفت صحيفة الجارديان استخدام الإمارات لإمكانياتها الاقتصادية كفزاعة للتأثير على رئيس وزراء بريطانيا السابق ديفيد كاميرون، حيث ألغت عقودًا مع شركات في بريطانيا، وأوقفت التعاون الأمني القائم بين الدولتين، بعدما رفض كاميرون توجهات أبوظبي فيما يخص ملاحقة الإخوان المسلمين والتخلص من المتعاطفين معهم.
تصريحات ترامب وضعت داماك والإمارات في مأزق
ترامب يفضح داماك
مؤخرًا أطلق الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب قنبلة من العيار الثقيل بإعلانه رفض عرض إماراتي بقيمة ملياري دولار، من شركة داماك التي أسسها ويرأس مجلس إدارتها حسين سجواني، وهو الإعلان الذي لم تنفه الشركة الإماراتية المتغلغلة بعدد من الدول الخليجية مثل قطر والمملكة العربية السعودية والعربية مثل الأردن ولبنان ومصر، ودوليًا مثل الولايات المتحدة، إلى جانب ظهور الشركة ببورصة لندن، كأول شركة إماراتية تستطيع أن تكون جزءًا من معادلة البورصة اللندنية.
علاقات قديمة
إعلان ترامب في حد ذاته لا يعد مفاجأة للساسة والاقتصاديين، كون العلاقة بين الجانبين قائمة منذ فترة طويلة، حيث تعاونت الشركة العقارية الإماراتية مع العلامات التجارية العالمية الفاخرة (Versace) و(Fendi) لتصميم الشقق، ومع الرئيس دونالد ترامب لإقامة ملاعب رياضة الجولف، حتى إن الأخير وصف سجواني في خطابه الأخير بـ”الصديق الجيد”.
داماك تعيد اسم ترامب لواجهة مشروع بدبي
وبعد تصريحات ترامب المعادية للمسلمين – قبل فوزه بالرئاسة الأمريكية – بررت داماك تعاونها معه بأنها تفصل بين الفكرة الاقتصادية وآراء ترامب السياسية، لكن ردود الفعل على تصريحات ترامب أثارت غضب الكثيرين، وعرضت استثمارات داماك للخسارة، مما تسبب في نزع الشركة لاسم وصور ترامب وابنته، بصفتها نائبة الرئيس التنفيذي لشركة “ترامب أورجانيزيشن”، من واجهة مشروعات شركة داماك، قبل أن تعيدهما من جديد بعد فترة وجيزة.
ماجد بن محمد بن راشد المكتوم في حديث ودي مع حسين سجواني
سجواني وأسرة محمد بن راشد
ما يثير الريبة في تحركات “داماك” هي علاقة مؤسسها سجواني مع أمير دبي محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يعد المحرك الأساسي للسياسات الإماراتية بالمنطقة العربية على وجه الخصوص، في دولة اشتهرت بعد الربيع العربي بتدخلها المستمر في شؤون الدول العربية السياسية الداخلية والخارجية، بسبب محاولاتها الدائمة لبسط نفوذها، وسيطرتها على العالم العربي، وتسعى دائمًا للتحكم في الشرق باتساع دائرة نفوذها الاقتصادي بالغرب، لتضمن ولاء الدول الكبرى لقراراتها وتوجهاتها تجاه العالم العربي.
وفي المثالين المصري واليمني أبرز دليل على تلك التوجهات، حيث دعمت الإمارات المعارضة المصرية قبل 30 من يونيو 2013، وما بعدها لاستئصال حكم جماعة الإخوان، كما تدعم حاليًا تحركات بعض الناشطين الجنوبيين بعدن اليمنية الداعين لفكرة الانفصال عن الشمال، لتضمن السيطرة على الحد الجنوبي لليمن، وبالتالي ضمان استمرار الأهمية الكبيرة لميناء دبي اللوجستي الذي تهدده أية مشاريع مقابلة بباب المندب، والمواني اليمنية الجنوبية، حتى إنها دعمت مجموعة من الشباب اليمنيين، لإقامة مؤتمر بمصر تحت عنوان “عدن تتحدث”، يعرض في ظاهره لانتهاكات جماعة الحوثي بعدن، فيما يحرض باطنه على فكرة الانفصال أو “فك الارتباط”، كما يسميها نشطاء الجنوب، وهو ما أبرزته مشروعات داماك الحالية بمواني عدن والمخاء والحديدة.
أصول إيرانية
الأخطر في الأمر هو ما أثير مؤخرًا من شائعات غير مؤكدة عن سجواني وأصوله الإيرانية، ودعمه لميليشيا حزب الله الطائفية بلبنان وسوريا، ودعمه الحرس الثوري الإيراني بكل من العراق وسوريا أيضًا، قبل أن ينفي رجل الأعمال تلك الأقاويل في حوار له مع الجزيرة، أكد خلاله رفضه لتوجيه التبرعات والمساعدات المالية لأي من الأحزاب أو المؤسسات السياسية، عطفًا على قضية حزب الله.
قضية فساده بمصر
وقبل خمسة أعوام ارتبط اسم سجواني بقضية فساد في مصر، حيث حكمت محكمة الجنايات عليه غيابيًا، في مايو 2011، بالسجن خمس سنوات بعد إدانته بالاستحواذ على أراضي الدولة المصرية بأسعار أقل من سعر السوق، مما دفع شركة داماك لمقاضاة مصر دوليًا، لكن سرعان ما تصالحت الحكومة المصرية مع شركة داماك، بعد أن ردت الشركة الأرض للدولة المصرية، وانتهى الخلاف القائم لترجع العلاقات المصرية الإماراتية لطبيعتها بعد تولي عبد الفتاح السيسي الرئاسة، وإقصاء جماعة الإخوان المسلمين من الحكم، وصرح سجواني استمراره في المشاريع المصرية، على الرغم من بيعه 60% من مشروعه الأكبر “هايد بارك” لبنك الإسكان والبنك العقاري المصري العربي، وشركة قابضة مصرية، لكنه ما زال يملك مشاريع أخرى بالسوق المصرية.
المتهم يوسف صقر ولايتي مع محمد بن راشد
فضائح وفظائع
بشكل أكثر تفصيلاً نعرض هنا لبعض التدخلات الإماراتية المشبوهة بعدد من الدول العربية، والتي تعكس الإيديولوجية الجديدة والاستراتيجية السياسية والأمنية التي تتبناها القيادة الجديدة في الإمارات بعد وفاة الشيخ زايد، والتي بدأت بحادثة الإطاحة بالجاسوس الإماراتي في ليبيا “يوسف صقر مبارك” في مطار العقيقية بطرابلس، وتتهمه المخابرات الليبية بأنه صوَّر مواقع حساسة وسفارات دول أجنبية في العاصمة طرابلس، وأنه كان حلقة الوصل بين العقيد خليفة حفتر المدعوم من نظام الإمارات العربية المتحدة، وحليفها في مصر عبد الفتاح السيسي، ولم يعد يخفى على أحد أن الجيش الإماراتي قدم له دبابات حديثة، وأسلحة متطورة ، لمواجهة “لواء ليبيا الحرة ” و”قوات فجر ليبيَا “، التي سعت لإحباط “عملية الكرامة” التي يقودها حفتر.
بل قامت الإمارات بتقديم نحو 10 ملايين دولار من أجل رشوة القضاء الليبي لتسهيل عملية تهريبه، أو جعل الملف في الأدراج والتكتم عليه إعلاميًا، ولكن الرفض الشديد للمدعي العام في طرابلس والفريق العامل معه، للعرض وكشفه في الإعلام الليبي أدى إلى موجة عارمة من الغضب شعبيًا، وطالب العديد من الساسة بقطع العلاقات الدبلوماسية، وجميع أنواع التنسيق الأمني، أو التعاون الاقتصادي مع النظام الإماراتي المتآمر على الدولة الليبية الحديثة.
وفي تونس، مارست دبي ضغوطًا سياسيةً واقتصادية من أجل بسط سيطرتهم ونفوذهم على مقدرات تونس، وإدخالها ضمن المحور التابع لها في المنطقة، وإلا حولتها إلى دولة تعاني اضطرابات أمنية شديدة.
علاقات البلدين توترت كثيرًا بعد كشف شبكة التجسس
التجسس على عمان
وفي سلطنة عمان كشفت المخابرات العمانية عن شبكة تجسس إماراتية كانت تعمل بالتنسيق مع سفارة الإمارات في السلطنة، وكان من بين أهدافها التَمهيد لمرحلة ما بعد ” السلطان قابوس” حاكم البلاد، وعقد تحالفات قوية مع الأقطاب والقبائل المعادية لحكمه وسياساته ومنها “قبائل الشلوح”، التي تقيم في الحدود بين البلدين، وجزء كبير منها يعيش في إمارة رأس الخيمة، من أجل ضم “سلطنة عمان” لحكمها، وإعلان الاتحاد الفيدرالي بينهما، وجعلها جزء لا يتجزأ من السياسة الإماراتية في الخليج العربي والمنطقة.
هل للإمارات دور في محاولة الانقلاب الفاشلة؟
محاولة فاشلة
لم تكتفِ دولة الإمارات بذلك بل كشفت تحقيقات الأمن التركي عن شبكة تجسس إماراتية في تركيا، لتضاف إلى فضائحها الخارجية التي لا تنتهي في المدة الأخيرة، حيث أشارت تقارير إعلامية وصحفية تركية نقلاً عن مسؤولين أمنيين كبار عن دعم الإمارات للمعارضة السياسية، وبعض ضباط الجيش وأبرزهم المعارضين الأكراد، ومنهم حزب الشعوب الجمهوري المعارض، وأيضًا تقديمها لجميع أنواع المساعدات للداعية التركي العدو الأبرز لرجب طيب أردوغان، والمقيم منذ سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية فتح الله غولن.
ربما لا يتسع المجال لسرد الفضائح الإماراتية، والتي تقوم بالأساس كما أسلفنا على قوتها الاقتصادية الفاعلة غربيًا وأمريكيًا ودوليًا بشكل عام، لاكتساب الدعم اللوجستي لتحركاتها بالمنطقة، وهنا يبقى السؤال المهم: من الضحية المقبل للإمارات بالمنطقة؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة على مثل هكذا تساؤل.