تمر سوريا بتطورات مفصلية هي الأخطر منذ اندلاع الثورة السورية، فالصراع في سوريا تحول من القطرية إلى الإقليمية وصولاً لتحوله إلى “صراع عالمي” لم يعد يخفى على أحد.
فرغم أن إيران وعبر عشرات الآلاف من مليشياتها الشيعية متعددة الجنسيات فرضت هيمنتها شبه الكاملة على أركان ومفاصل الدولة السورية، مستغلة كذلك انشقاق مئات الآلاف عن الجيش السوري، ومقتل عشرات الآلاف من المنتسبين للجيش في المعارك الدائرة مع الثوار منذ أكثر من 5 سنوات، فإن روسيا تحاول الآن أن تهيمن هي على سوريا بدلاً من إيران.
هناك حاجة ملحة لنظام الأسد لتشكيل فيلق عسكري يتم ضم فيه عشرات الآلاف من المقاتلين، وبالفعل أعلن عن تشكيل “الفيلق الخامس اقتحام”، في 22 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في محاولة من روسيا لتعويض النقص البشري الفادح في العناصر السورية المقاتلة
لذا كانت هناك حاجة ملحة لنظام الأسد لتشكيل فيلق عسكري يتم ضم فيه عشرات الآلاف من المقاتلين، وبالفعل أعلن عن تشكيل “الفيلق الخامس اقتحام”، في 22 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في محاولة من روسيا لتعويض النقص البشري الفادح في العناصر السورية المقاتلة، والتي يضطر النظام إلى تعويضها بمقاتلين من ميليشيات أجنبية إرهابية تدعمها إيران وحرسها الثوري، فضلاً عن رغبة روسيا في إحكام سيطرتها على معظم التشكيلات العسكرية في سوريا.
كما أن روسيا أدركت أن قوات الأسد منهكة، ولا تستطيع استغلال الغطاء الجوي الروسي، لذا فقد أرادت روسيا لهذا الفيلق أن يكون “اقتحاميًا”، ولا يخفى على أحد أن المليشيات الشيعية وبقيادة الحرس الثوري لإيراني هي التي قادت معارك حلب الشرقية بغطاء جوي روسي.
ولأن إيران أدركت ما ترمي إليه القيادة الروسية من منع استفرادها بالقرار على الأراضي السورية، خصوصًا بعد التقارب التركي – الروسي الأخير، فقد شاركت طهران وبقوة عبر قيادات في الحرس الثوري الإيراني ومليشيا “حزب الله” اللبنانية في تدريب كوادر هذا الفيلق في بعض المناطق باستثناء عناصر الفيلق الذين تم تدريبهم في قواعد روسية في الساحل السوري، فإيران لن تقبل أن تخسر مكاسبها في سوريا، ولهذا فهي ستسعى لتحويل ذلك الفيلق لقوات باسيج يخضع لها في المقام الأول.
عمليات تجنيد قسرية
يشن النظام منذ أشهر حملات اعتقالات واسعة في المناطق التي يسيطر عليها لتجنيد أكبر عدد ممكن من شباب دمشق وريفها خاصة ومختلف المدن السورية عامة، والغريب أن النظام ضرب عرض الحائط بوعوده التي قدمها للبلدات التي تصالحت معه خصوصًا في الغوطة الغربية، حيث اعتقل المئات من شبابها وزج بهم في المعارك الدائرة في الغوطة الشرقية ودرعا ووادي بردى وحماة وريف حلب وغيرها.
وتحدثت مصادر في الفصائل الثورية بدمشق وريفها، عن أن قوات النظام رفعت معدلات التجنيد خلال أعمال الاعتقال، مستهدفة الشباب والرجال الذين تتراوح أعمارهم بين الـ18 و50 عامًا، بعد أن كانت المعدلات العمرية في الأسابيع السابقة حتى سن الـ48 عامًا.
وعمليات التجنيد “القسرية”، بحسب ما أكده الناشط الميداني في ريف دمشق رامي الدمشقي، ليس هدفها تعزيز قوات النظام، وإنما جل اهتمامها موجه لتجنيد أكبر عدد من “الشباب السني” في العاصمة وريفها ضمن “الفيلق الخامس اقتحام”، المدعوم عسكريًا وماليًا من قاعدة حميميم العسكرية الروسية في الساحل السوري.
لكن مراقبين يرون أن الفيلق الخامس سيتشكل من فرقتين فأكثر، وسيكون وعاءً يستوعب مليشيات “جيش الدفاع الوطني” (يقدر عددها بـ90 ألف مقاتل) التي شكلها نظام بشار الأسد بدعم من إيران وحزب الله عام 2012 بعد اندلاع الثورة السورية في 2011، وهي المقصودة بمصطلح “القوات الرديفة”، خاصة أن هناك مطالب سابقة بتنظيم هذه القوات لتتحول إلى تشكيلات عسكرية رسمية.
موقف الثوار
أما هيئة الأركان في “جيش الإسلام” بالغوطة الشرقية، فقد نددت بالاعتقالات الإجبارية التي ينفذها نظام الأسد ضمن مناطق المصالحات، حيث أورد بيان رسمي لجيش الإسلام صدر السبت، 14 كانون الثاني/ يناير، بأن هذه الاعتقالات هي “انتهاك صارخ لكل المعايير والأخلاق الإنسانية”، ووجهت هيئة الأركان في جيش الإسلام نداءً إلى الشبان القاطنين في مناطق سيطرة الأسد بضرورة مقاومة أعمال التجنيد ضمن الفيلق الخامس، وطالبتهم بالالتحاق بالثوار للدفاع عن الأطماع الطائفية والخارجية.
قد ناشدت الفصائل السورية المعارضة، الشباب السوري بعدم الانضمام إلى هذا “الفيلق”، لأن النظام يزج بعناصره في معارك خاسرة، كما حدث في معارك الغوطة الشرقية الأخيرة، حيث قتل العشرات من منتسبي الفيلق الجدد
هل تحاول روسيا إعادة التجربة الفرنسية؟
ويرى الدكتور رامي الدلاتي القيادي في السابق في الجيش الحر أن تشكيل الروس حاليًا للفيلق الخامس ونحن على أبواب “حل سياسي”، يعيدنا بالذاكرة لجيش الشرق الذي أسسته فرنسا ليكون رديفًا لها بعد الاستقلال، فجيش الشرق الذي أنشأته فرنسا صار نواة للجيش السوري لاحقًا وخرج كبار ضباط المؤسسة العسكرية واﻷمنية ممن قادوا سوريا كعبد الحميد السراج وأديب الشيشكلي وحسني الزعيم، وجيش الشرق غلب على عناصره اﻷقليات ذاك الوقت والفيلق الخامس اليوم الذي تنشئه روسيا يغلب عليه أهل الساحل والدروز، فروسيا تخطط لكامل سوريا والفصائل الثورية تخطط لإدلب.
وقد أكد العقيد الطيار الركن عمار النمر قائد المجلس العسكري لدمشق وريفها (المعارضة)، أن الفيلق مدعوم ماليًا من روسيا، بعد تيقنها أن الجيش السوري منهك، وغير قادر على تنفيذ العمليات الموكلة إليه، وذلك من خلال التجارب التي خاضتها منذ تدخلها في سوريا في نهاية سبتمبر 2015.
الدور الإيراني
إيران إذًا ضالعة “بنسبة ما” في تشكيل الفيلق الجديد وذلك تفاديًا لزج جيشها في الحرب ولمنع روسيا من الهيمنة على القرار في سوريا، يقول الدكتور خليل المقداد “إيران تحاول تعويض النزيف البشري الكبير لجنودها وقادتها العسكريين، ولسد العجز الحاصل على الجبهات، وعدم رغبتها بإرسال جنود إيرانيين، وعدم قدرتها على إرسال مزيد من أشياعها العراقيين واللبنانيين، المنخرطون في معارك الموصل الطاحنة، ولحين تجهيز وتخريج دفعات جديدة من الشيعة الأفغان والباكستانيين، أعلنت إيران وعلى لسان وكيلها في دمشق عن تشكيل الفيلق الخامس اقتحام، وأسمته إيران “باسيج سوريا”، وذلك على لسان العميد محمد رضا نقدي قائد قوات التعبئة الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني المعروفة باسم “الباسيج” الذي أكد أنه سافر إلى سوريا وساهم مع الجنرال همداني في تشكيل قوات الباسيج هناك، وأن نتائج تشكيل هذه القوات قد ظهرت على الأرض”.
“الفيلق الخامس اقتحام” ليس التجربة الأولى للنظام في محاولة إنشاء كيانات عسكرية جديدة، ورغم الحملة الإعلامية الكبيرة للترويج لهذا الفيلق والدعاية والإغراءات المالية بل وإجبار الموظفين في قطاعات الدولة بالمشاركة فيه، فإن التجارب السابقة كالمغاوير وكتائب البعث والدفاع الوطني، وصقور الساحل وغيرها
“الفيلق الخامس اقتحام” ليس التجربة الأولى للنظام في محاولة إنشاء كيانات عسكرية جديدة، ورغم الحملة الإعلامية الكبيرة للترويج لهذا الفيلق والدعاية والإغراءات المالية بل وإجبار الموظفين في قطاعات الدولة بالمشاركة فيه، فإن التجارب السابقة كالمغاوير وكتائب البعث والدفاع الوطني، وصقور الساحل وغيرها، والتي بدأت عملها منذ نحو عامين وضمت عشرات الآلاف من المقاتلين، فشلت وتلاشت دون أن تؤدي أي دور لها.
كما أن ضم الشباب السوريين للفيلق الخامس (ينتمي الكثير منهم للفصائل السورية أو للمناطق التي قاتلت قوات النظام والمليشيات الإيرانية سابًقا)، يعني أن تلك القوات ستكون مخترقة وأنها ستحمل بذور فنائها، خصوصا أن الأقليات التي دعمت الأسد شهدت استنزافًا هائلاً في صفوفها.
وكل ما سبق، يؤكد أن الانشقاقات الكبيرة التي عانت منها قوات الأسد على مدار سنوات ستتكرر.