يزداد زخم الاحتجاجات الشعبية في سوريا المتطلعة إلى تحقيق العدالة والحرية للمعتقلين ورحيل نظام الأسد عن السلطة، فمع دخولها اليوم السادس أعلنت عدة محافظات سورية انضمامها إلى الاحتجاجات الشعبية بأساليب متنوعة كما في محافظات دير الزور والرقة وحماة وحمص واللاذقية وطرطوس ودرعا والسويداء ودمشق وريفها وحلب وإدلب.
تأتي هذه المظاهرات الواسعة وسط ترقب حذر تشهده عموم المدن السورية من ردود فعل وتحركات الأجهزة الأمنية والميليشيات الموالية لنظام الأسد التي فرضت قبضة أمنية محكمة في الأحياء السكنية في معظم المناطق السورية منعًا للاحتجاجات التي دعا إليها السوريون اليوم الجمعة تحت عنوان “ثورة لكل السوريين”.
الاحتجاجات مستمرة وتتصاعد
تجمع الآلاف من أبناء عدد من مدن وبلدات محافظة السويداء جنوبي البلاد صباح الجمعة 25 أغسطس/ آب الجاري، في ساحة السير/الكرامة وسط مدينة السويداء للمشاركة في مظاهرة مركزية، تطالب برحيل نظام بشار الأسد.
وفي بلدة القريا، نظم محتجون من أهالي قرى وبلدات في ريف المحافظة وقفة احتجاجية أمام ضريح سلطان باشا الأطرش، بمشاركة عدد من رجال الدين (مشايخ العقل) مع استمرار الإضراب العام والعصيان المدني لليوم السادس على التوالي.
رفع المتظاهرون علم الثورة السورية، ولافتات تحتوي على مطالبهم من بينها الافراج عن المعتقلين من سجون نظام الأسد، وأخرى تدعو إلى تطبيق القرار الأممي 2254 (ينص على الانتقال السياسي في البلاد).
#شاهد: الرايتان اللتان يختلف عليهما السوريون، ترتفعان إلى جانب بعضهما في ساحة السير/الكرامة وسط مدينة السويداء#السويداء #مظاهرات_السويداء#إضراب_السويداء pic.twitter.com/gojrcKWNLg
— السويداء 24 (@suwayda24) August 25, 2023
كما رددوا شعارات تطالب بالحرية، ورحيل رأس النظام بشار الأسد، مثل “الشعب يريد إسقاط النظام”، و”هي ويلا بشار يطلع برا”، و”عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد”، و”سوريا لينا وماهي لبيت الأسد”، و”الشعب السوري واحد”.
كما أكد المتظاهرون أنهم لا يقبلون بحلول جزئية في محاولة لتغيير المطالب التي يقر بها الشارع، في إشارة إلى المطالب التي تحدث عنها الشيخ يوسف الجربوع، والتي نصت على تغيير الحكومة وفتح معبر مع الأردن لإنعاش المحافظة اقتصاديًا.
وفي محافظة درعا تشهد مدن طفس وجاسم وبصرى الشام ونوى والحراك، وبلدات الطيبة والمزيريب في ريف محافظة درعا جنوبي البلاد عقب صلاة الجمعة 25 أغسطس/آب مظاهرات شعبية تطالب برحيل نظام الأسد والإفراج عن المعتقلين.
كتب محتجون عبارات مناهضة لنظام الأسد على جدران مدن درعا البلد وبصر الحرير وبعض البلدات، كما رفعوا علم الثورة السورية في المدرج الروماني وأمام الأجهزة الأمنية في المنتشرة بين الأحياء السكنية في بمدينة بصرى الشام التابعة لمحافظة درعا جنوبي البلاد
وفي محافظة دير الزور، شهدت بلدتي الجرذي والشحيل وأبو حمام التي تسيطر عليها ميليشيا “قسد”، مظاهرة عقب صلاة الجمعة 25 أغسطس/آب الجاري، للمطالبة بإسقاط نظام الأسد ودعمًا للحراك الشعبي في الجنوب السوري.
وتضامن ناشطون في محافظة دير الزور الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد، مع الحراك الشعبي في سوريا، ونشروا صوراً من الساحات العامة على مواقع التواصل الاجتماعي يقولون فيها “أبناء السويداء الكرام دير الزور معكم ولكنها محتلة من قبل الميليشيات الإيرانية”، مشيرين إلى أنهم مع إضراب الكرامة في جميع أنحاء البلاد.
كما شهدت المدينة انتشارًا أمنيًا مكثف ودوريات داخل وخارج أحياء المدينة وتوقيف عدد المارة بهدف تفتيش جوالاتهم وذلك بعدما أطلق أبناء المدينة وسم “اختنقنا” للمطالبة بإسقاط النظام وخروج الميليشيات الموالية لإيران منها.
في هذا السياق، أكدت شبكات محلية، أن قوات نظام الأسد مدعومة من المخابرات الجوية والأمن السياسي فرضت حظر تجوال ونفذت حملات اعتقال ضخمة في مدينة دير الزور، ليل الخميس/الجمعة، مع قطع للاتصالات عن أجزاء متفرقة من المدينة، بهدف منع أي نشاطات احتجاجية سلمية.
بينما تظاهر أهالي بلدة الحصان الواقعة غربي دير الزور وتسيطر عليها ميليشيا “قسد”، طالبوا خلالها بإسقاط نظام الأسد، كما أعلنوا دعمهم للحراك الثوري في عموم الجغرافيا السورية، سيما محافظتي درعا والسويداء.
وفي محافظة الرقة الواقعة تحت سيطرة ميليشيا “قسد”، فقد خرج أهالي المدينة بمظاهرة جالت شوارع المدينة وتركزت في ساحة الساعة وسط المدينة، وطالب خلالها المحتجون بإسقاط نظام الأسد، كما أعلنوا عن تضامنهم مع الاحتجاجات والمطالب الشعبية في عموم الجغرافيا السورية.
بينما خرج السوريون في مدينة تل أبيض شمال الرقة على الحدود السورية – التركية وتخضع لسيطرة الجيش الوطني السوري، طالب خلالها المتظاهرون برحيل نظام الأسد عن السلطة كما عبروا عن دعمهم للحراك الثوري في عموم المحافظات السورية.
وفي محافظة حلب، تضامن أهالي المدينة التي يسيطر عليها نظام الأسد مع الحراك الشعبي، من خلال مشاركة صور من داخل ساحات المدينة يظهر فيها دعمهم للحراك الثوري في سوريا، في وقت تواصل الأجهزة الأمنية انتشارها داخل الأحياء السكنية.
كما شهدت مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، ومارع وإعزاز والباب والراعي في ريفي حلب الشمالي والشرقي (تحت سيطرة المعارضة) تظاهرات مركزية طالب خلالها المتظاهرون بإسقاط نظام الأسد، والإفراج عن المعتقلين، كما تضامنوا مع الحراك الشعبي في عموم الجغرافيا السورية.
وفي العودة إلى مدينة حلب الواقعة تحت سيطرة النظام، لا تزال القبضة الأمنية التي تفرضها الأجهزة الأمنية والميليشيات التابعة لنظام الأسد تعرقل خروج الاهالي في المظاهرات نتيجة الاحتقان والغضب الشعبي الذي تعيشه البلاد.
ونقلت شبكات محلية، عن قيام الأجهزة الأمنية في بلغت الأهالي في أحياء الأنصاري وسيف الدولة والراشدين وصلاح الدين، عبر مكبرات الصوت، في الالتزام بالمنازل، وفي حال وجود تجمعات سيجري التعامل معهم بالرصاص الحي.
وأكدت مصادر محلية لـ “نون بوست”: “أن الأجهزة الأمنية نشرت حواجز داخل أحياء بستان القصر والفردوس والسكري وصلاح الدين، عقب الاحتجاجات الأخيرة، كما نفذ فرع أمن الدولة حملت اعتقالات طاولت عددًا من شباب المدينة فضلًا عن استدعاء الأجهزة الامنية عددًا من شبان المدينة خشية خروج مظاهرات مناهضة لنظام الأسد”.
وفي الساحل السوري، تتعالى أصوات النشطاء المعارضين لنظام الأسد بشكل يومي، تزامنًا مع نشاط مكثف لدوريات الأجهزة الأمنية والميليشيات الموالية لنظام الأسد في الأحياء السكنية محاولة منها لمنع أي حراك سلمي يشرع به الأهالي في ظل دعوات للخروج إلى الشوارع والاحتجاج.
ووفقًا لمصادر خاصة لجريدة ليفانت، فإن الأجهزة الأمنية اعتقلت عددًا من الطلاب في المدينة الجامعية بسبب اتهامهم بالتورط في دعوات للتظاهر والاحتجاجات حيث لا يزال قلق الأجهزة الأمنية متصاعدًا من الاحتجاجات والتحركات المناهضة للنظام في الساحل.
تظاهر أهالي قرى جبل السماق في منطقة حارم بريف إدلب، ذات الغالبية الدرزية، للمطالبة بإسقاط نظام الأسد
وأعلنت الناشطة منى فاضل، صاحبة معهد موتيف، في مدينة جبلة في محافظة اللاذقية غربي البلاد، عن انضمامها للحراك الشعبي في وجه نظام الأسد، من خلال صفحتها على موقع فيس بوك، وذلك عقب إعلان عدد من الناشطين داخل الحاضنة الشعبية لنظام الأسد في الساحل السوري عن وقوفهم إلى جانب الاحتجاجات الشعبية.
وفي محافظة إدلب شمال غربي البلاد، خرج السوريون في تظاهرات حاشدة في مركز المدينة ومدن وبلدات دركوش ومشهد روحين وجسر الشغور وبنش، طالبوا خلالها بإسقاط نظام الأسد، كما أعلنوا عن دعهم للحراك الثوري في مختلف أنحاء البلاد.
وتظاهر أهالي قرى جبل السماق في منطقة حارم بريف إدلب الخميس 24 أغسطس/آب، ذات الغالبية الدرزية، للمطالبة بإسقاط نظام الأسد، والوقوف إلى جانب أهاليهم في الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء جنوبي سوريا.
لم تسجل محافظات حمص ودمشق وريف دمشق وحماة أي تظاهرات شعبية نتيجة القبضة الأمنية التي يرفضها النظام، لكنها لم تمنعهم من التضامن مع الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها البلاد حيث نشر ناشطون صورًا من داخل العاصمة السورية وحماة وحمص يعبرون من خلالها عن وقوفهم إلى جانب مطالب السوريين.
ردود فعل دولية تجاه الاحتجاجات السورية
أكدت الولايات المتحدة الأمريكية أن المظاهرات السلمية التي تشهدها المدن السورية في السويداء ودرعا، “دعا المتظاهرون خلالها تغيير السياسية واحترام كل الأطراف للقرار 2254. ولفتت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، إلى أن “هذه المناطق شهدت بداية الثورة تظاهرات ومن الواضح أنه لم تتم تلبية مطالبها السلمية”.
جاء ذلك خلال جلسة مجلس الامن بشأن سوريا، حيث أكدت السفيرة موقف بلادها في استمرار العقوبات المفروضة على نظام الأسد، “ستظل قائمة وسارية حتى تحقيق تقدم ملموس نحو الحل السياسي”، مشيرةً إلى أن اللاجئين السوريين لن يعودوا إلى بلادهم طالما هم معرضون لخطر الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب.
نظام الأسد واجه تدهور الليرة المفاجئ، بمضاعفة الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 13 دولارًا شهريًا، بينما بلغ ثمن سلة الغذاء خلال حزيران/يونيو الماضي، 81 دولارًا أمريكيًا تقريبًا
وذكرت أن مجلس الأمن الدولي: “أكد مرارًا وتكرارًا على ضرورة التنفيذ الكامل لكل جوانب القرار 2254، لأنه بداية خارطة الطريق المشتركة، إلا أنه من الصعب إحراز تقدم”. كما أوضحت “أن البعض يدعي أن النزاع انتهى بعد 12 عاماً، لكن معاناة الشعب السوري مستمرة، بفعل الضربات الجوية والهجمات الصاروخية وعمليات التعذيب والاعتقال، ومنع وصول المساعدات الإنسانية”.
من جانبه، شدد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، على ضرورة معالجة الأزمات التي تعاني منها سوريا في حال التحرك، وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، معبرًا عن قلقه الشديد بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد وتأثيره على المدنيين.
يراقب المجتمع الدولي تطورات الحراك الشعبي في سوريا عن كثب حتى تتضح الصورة الأقوى من هذه الجولة، في وقت لا زال المجتمع الدولي يصر على تقديم المساعدات للسوريين وإعادة الإعمار
كما قال خلال جلسة مجلس الأمن بشأن سوريا: “إن أحد المؤشرات الأخيرة للمعاناة هو استمرار انهيار الاقتصاد، الذي كان سيئاً للغاية وأصبح الآن أسوأ”. أشار أيضًا إلى فقدان الليرة السورية لأكثر من ثمانين بالمئة من قيمتها خلال ثلاثة أشهر فقط، مما أدى إلى خروج أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء والوقود، عن نطاق السيطرة.
أوضح بيدرسون كذلك أن نظام الأسد واجه تدهور الليرة المفاجئ، بمضاعفة الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 13 دولارًا شهريًا، بينما ثمن سلة الغذاء التي تشمل المواد الأساسية خلال حزيران/يونيو الماضي، بلغت 81 دولارًا أمريكيًا تقريبًا، وذلك وفق برنامج الأغذية العالمي.
وفي السياق ذاته، أشاد المبعوث الألماني إلى سوريا ستيفان شنيك، بشجاعة أهالي السويداء ودرعا المطالبين بالعدالة والحرية والمواطنة، خلال تغريدة على موقع تويتر، الخميس 24 أغسطس/آب الجاري.
كما أكد وقوف بلاده، مع المطالبين بالحوار السلمي وإطلاق سراح المعتقلين وتحقيق تطلعاتهم المشروعة، مشيرًا إلى أنه “يستحق كل مواطن أن يكون له صوت والحق في العيش بكرامة”، ودعا النظام السوري إلى الامتناع عن ممارسة العنف ضد الاحتجاجات السلمية.
أكد المجتمعون بما فيهم سفيرة الولايات المتحدة وسفير تركيا وسفير ألمانيا لدى مجلس الأمن، على ضرورة اتخاذ خطوات دولية جدية في تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، بهدف الوصول إلى حل دائم في سوريا فضلًا عن إعادة تفعيل دور اللجنة الدستورية وتطويرها بالتشاور مع جميع الأطراف السورية والأمم المتحدة.
يراقب المجتمع الدولي تطورات الحراك الشعبي في سوريا عن كثب حتى تتضح الصورة الأقوى من هذه الجولة، في وقت لا يزال المجتمع الدولي يصر على تقديم المساعدات للسوريين وإعادة الإعمار وإعداد خارطة طريق للحل السياسي مرورًا بالقرار الأممي 2254، لكن ربما تتراجع تلك الدعوات مجدداً إلى المربع الأول من انطلاقة الثورة السورية 2011، في ظل توسع الاحتجاجات وعدم قدرة نظام الأسد على تلبية مطالب المحتجين.