ككل يناير من كل سنة منذ الثورة، تشهد مدن تونسية مختلفة احتجاجات كبيرة للمطالبة بالتنمية والتشغيل وتنفيذ وعود سابقة بتغيير الأوضاع الاجتماعية، في تأكيد منهم أن ثورتهم لم تكتمل بعد وأن أهدافها لم تحقق رغم الوعود المتكررة.
تجدد مطالب الثورة
مئات المحتجين خرجوا في مدن المكناسي ومنزل بوزيان من محافظة سيدي بوزيد (وسط) مهد الثورة التونسية، وفي مدن الحوض المنجمي بمحافظة قفصة (جنوب)، مطالبين بالتنمية والتشغيل في إعادة منهم للمطالب التي رفعوها خلال الثورة، وكانت احتجاجات اندلعت الأسبوع الماضي في مدينة بن قردان المحاذية للحدود الليبية، وطالب المحتجون السلطات بوقف التضييق على تجارتهم وتوفير فرص عمل، احتجاجات أجبرت الحكومة على إرسال وفود حكومية لهذه المدن والتفاوض مع المحتجين في محاولة لإخماد الاحتجاجات، وتقديم مشاريع تنمية فعلية تهم العاطلين عن العمل.
يشعر عديد من التونسيين رغم مرور ست سنوات على ثورتهم بأن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية لم تتحسن
وتخشى الحكومة التونسية من امتداد هذه الاحتجاجات رغم الهدوء النسبي الذي تشهده إلى مدن تونسية مجاورة، تعاني من نفس المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، خاصة بعد دعوة تنسيقية الحركات الاجتماعية (منظمة حقوقية مستقلة) الجهات الفقيرة تنظيم سلسلة من الاحتجاجات المطالبة بالتنمية والتشغيل.
بالتزامن مع ذلك، أقر رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، في تصريح للتليفزيون الرسمي، بأن الحكومات المتعاقبة على حكم تونس منذ سنة 2011 فشلت في تحقيق التنمية الاقتصادي التي طالب بها الشعب خلال الثورة، وقال الشاهد: “إذا أردنا أن تصبح هذه الديموقراطية صلبة وقوية، يجب أن تحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للثورة، وهي الكرامة والتشغيل، وهنا لم ننجح لأن البطالة زادت، والفوارق الاجتماعية زادت، والمناطق المهمشة لا تزال مهمشة.”
تصاعد الاحتجاجات تزامنًا مع ذكرى الثورة
ويشعر عديد من التونسيين رغم مرور ست سنوات على ثورتهم بأن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية لم تتحسن، بل تفاقمت وازدادت تدهورًا مع ارتفاع نسبة البطالة وتراجع نسبة النمو فلم تكن الثورة منصفة للمطالب الاجتماعية والاقتصادية الملحة، فذات المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي نادت بها حناجر الشباب الذي ثار، ما زالت لم تراوح مكانها، وبلغت نسبة البطالة خلال الثلاثية الثالثة من سنة2016 نحو %15.5، حسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء (حكومي)، وعرف عدد السكان النشيطين المعطلين عن العمل ارتفاعًا إلى حدود 629 ألفًا و600 عاطل عن العمل.
الثورة لم تكتمل بعد
أكد عبد الرحمان الهذيلي رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن مطالب المحتجين تؤكد عدم اكتمال الثورة التونسية وتحقق مطالبها وقال في حديثه لنون بوست: “للأسف الثورة قامت على منوال تنموي فاشل فعوض أن نراجع منوال التنمية بصفو جدية فإن الحكومات تواصل العمل بهذا المنوال كأن شيئًا لم يحدث في تونس”.
ويؤكد الهذيلي رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن الوضع الاجتماعي في تونس لم يتحسن طيلة السنوات الماضية التي تلت الثورة، بل ساء أكثر نتيجة الحكومات المتعاقبة على الحكم، حسب قوله.
أرجع الهذيلي، أسباب تكرر الاحتجاجات إلى غياب التفاوض وعدم فتح الحكومة قنوات الحوار مع المحتجين
وأرجع الهذيلي، أسباب تكرر الاحتجاجات إلى غياب التفاوض وعدم فتح الحكومة قنوات الحوار مع المحتجين، وقال في تصريحه لنون بوست: “غياب التفاوض وعدم فتح قنوات الحوار مع مختلف الحركات الاحتجاجية يزيد من حدة الاحتقان”، وتابع “مختلف الحركات الاحتجاجية تطالب بالحوار ولو جلست الحكومة معهم وقامت بقرارات وإجراءات استباقية لتفادينا هذه الاحتجاجات”، وأضاف “رغم تواصل هذه الاحتجاجات فإن الحكومة لم تبادر بعد بالحوار”، ويرى رئيس المنتدى أنه في حال لم تقم الحكومة بالتحاور مع المحتجين في أقرب وقت فستتخذ الاحتجاجات منحى تصاعديًا.
وسبق للرئيس الباجي قائد السبسي أن دعا في لقاء له برئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى فتح أبواب الحوار مع مختلف الأطراف الاجتماعية بشأن قضايا التنمية والتشغيل في الجهات الداخلية، والتشجيع على توجيه الاستثمارات نحو المناطق التي تحظى بالأولوية على مستوى الاستثمار، وعجزت الحكومات المتعاقبة على حكم تونس خلال سنوات الثورة على تخطي عتبة نسبة 1% في النمو الاقتصادي للبلاد وتقليص عدد العاطلين عن العمل لا سيما من فئة الشباب حاملي الشهادات الجامعية العليا والتحكم في تدهور سعر صرف الدينار في الأسواق العالمية.