أشعلت تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الأخيرة حول الاتحاد الأوربي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، غضبًا وانتقادات واسعة وصلت حتى واشنطن نفسها. حيث لم يقتصر الرد على تصريحات ترامب على الزعماء والمسؤولين الأوروبيين فقط، بل تعداهم إلى واشنطن نفسها. إذ ندد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بما أسماها “تصريحات ترامب غير اللائقة حول المستشارة الشجاعة أنجيلا ميركل”.
كما رد الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند بحزم أمس الاثنين على ترامب الذي انتقد الاتحاد الأوروبي والمستشارة أنغيلا ميركل في مقابلة له مع صحيفتين ألمانية وبريطانية. وقال أولاند إن الاتحاد “ليس بحاجة لنصائح خارجية تقول له ما عليه فعله”.
هجوم هولاند الحاد على ترامب كان أمام السفيرة الأمريكية في باريس- أ ف ب
وأضاف أولاند خلال حفل تقليد وسام للسفيرة الأميركية في باريس جين هارتلي “أؤكد لكم أن أوروبا ستكون دائمًا على استعداد لمواصلة التعاون عبر الأطلسي، لكنها ستتحرك وفق مصالحها وقيمها، وهي ليست بحاجة لنصائح خارجية تقول لها ما عليها فعله”.
وكان أولاند قد قال في وقت سابق اليوم إن على أميركا دونالد ترامب “ألا تخاف من نفسها ومن العالم”. وأضاف متسائلًا: “إذا بدأت تخاف من نفسها ومن العالم، بماذا يمكنها أن تؤثر؟ وما هو التأثير الذي ستنتجه لتجذب الآخرين إليها؟.
قلق بالغ في أوروبا
تصريحات ترامب للصحيفتين، أثارت غضبًا في ألمانيا وانتقادات واسعة في الولايات المتحدة، وقلقًا بالغًا في أوروبا، وذلك بعدما طعن بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وتلميحه برفع العقوبات عن روسيا.
فبعد انتقاد ترامب للاتحاد الأوروبي وإشادته بخروج بريطانيا، أكدت ميركل أن مصير الأوروبيين يبقى “في أيديهم”. وناشدت المستشارة دول الاتحاد الأوروبي “عدم السماح للانتقاد اللاذع من ترامب بتثبيط عزيمتهم”.
ويبدو أن ميركل -التي استقبلت بلادها أكثر من مليون طالب لجوء منذ 2015- لم تشأ الرد بالتفصيل على هذه الانتقادات، معتبرة أن “الآراء التي عبر عنها ترامب معروفة”.
ميركل: مصير الأوروبيين بأيديهم
وقالت ميركل، التي سئلت في مؤتمر صحفي الاثنين عن دعم ترامب لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وتوقعه خروج بلدان أخرى: “أعتقد أن مصيرنا نحن الأوروبيين في أيدينا، أريد أن أواصل السعي حتى تعمل الدول الأعضاء الـ27 سوية نحو المستقبل، لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين”.
وأضافت ميركل إن مواقف الرئيس المنتخب معروفة، مضيفة:”سنعمل بشكل طبيعي مع الإدارة الأميركية الجديدة، وسنرى ما هي الاتفاقات التي سنتوصل إليها”. كما رفضت ميركل مجددا أي خلط بين التهديد “الإرهابي” واللاجئين الذين هربوا من الحرب في سوريا ووصل مئات الآلاف منهم ألمانيا.
وكان وصف تصريحات ترامب حول الاتحاد الأوروبي وميركل بـ “غير اللائقة” قد صدر عن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وذلك خلال مقابلة له مع شبكة (سي إن إن). وقال كيري للمحطة الأمريكية “أعتقد بصراحة تامة أنه كان من غير اللائق لرئيس منتخب للولايات المتحدة أن يتدخل في شؤون دول أخرى بهذه الطريقة المباشرة”.
ميركل وكيري (أرشيفية)
وأضاف كيري الموجود في لندن في طريقه إلى منتدى دافوس: “أعتقد أن ميركل كانت شجاعة جدًا وأن سياستها لا تتطابق البتة مع هذا التوصيف”. مؤكدًا: “أعتقد أنه يجب أن نكون حذرين جدًا قبل أن نقول بأن أحد القادة الأقوى في أوروبا ارتكب خطأ”.
من جانبها قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، في ختام اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين في بروكسل “أعتقد أن الاتحاد الأوروبي سيبقى موحدًا وأني مقتنعة بذلك تمامًا”. بيد أن الاستثناء جاء من بريطانيا، التي أشادت بتصريحات ترامب. إذ رحبت حكومة تيريزا ماي بـ “الحماس الذي يظهره الرئيس المنتخب وفريقه في تعزيز التجارة بين بريطانيا والولايات المتحدة”.
هل ستشهد العلاقات الأمريكية الأوربية سنين عجاف؟
من ناحية أخرى، طالب حزب الخضر الألماني بأن تعزز ألمانيا دورها في أوروبا، وأن تعمل على تقوية الاتحاد الأوروبي كرد فعل على تصريحات ترمب. وتوقع رئيس الحزب جيم أوزديمير مرور “أوقات عجاف” في العلاقة بين أوروبا وأميركا، وعليه يجب البحث عن شركاء جدد مثل كندا أو ولايات أميركية بعينها بشكل منفرد.
شتاينماير: تصريحات ترامب مقلقة
كما أعرب وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير اليوم الاثنين، أن حلف شمال الأطلسي تلقى “بقلق” تصريحات ترامب بأن الحلف الأطلسي “تخطاه الزمن”. وقال شتاينماير عقب لقاء مع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ وقبل اجتماع مع نظرائه الأوروبيين في بروكسل “سنرى ما سيكون تأثير هذه التصريحات على السياسة الأميركية، مع تولي ترامب الرئاسة في 20 كانون الثاني/ يناير.
وقال وزير الخارجية الألماني إن “تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب ستؤثر أو بالأحرى ستحدد” مضمون اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي الـ28 الاثنين في بروكسل، مشيرا إلى أنها “أثارت الدهشة والاضطراب في بروكسل، وليس فقط في بروكسل على ما أعتقد، بل أنا واثق من ذلك”.
من جهته اعتبر نائب المستشارة الألمانية سيغمار غابريل أن على أوروبا إبداء “الثقة” في مواجهة الانتقادات الشديدة التي وجهها ترامب إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. وقال غابريل وهو أيضًا وزير الاقتصاد في تصريحات لصحيفة “بيلد” الألمانية “أعتقد أن علينا نحن الأوروبيين ألا نستسلم لأي إحباط شديد”، مضيفًا “لا أقلل من أهمية ما يقوله ترامب، ولا سيما بشان الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، لكن إبداء القليل من الثقة سيعود علينا بالفائدة في مثل هذا الوضع”.
إلى ذلك، فقد نشرت صحيفة سليت الإلكترونية والناطقة باللغة الفرنسية تقريرًا اليوم تحت عنوان: “هل تدخل الولايات المتحدة في قطيعة تاريخية مع أوروبا في عهد ترامب؟”، حيث أكدت الصحيفة فيه على خطورة مهاجمة ترامب لأوربا ووصفها بالقارة العجوز واعتبارها ضعيفة عسكريًا، وأنها دومًا تستعين بالولايات المتحدة التي أسست حلف شمال الأطلسي لحماية القارة العجوز.
مجسم كاريكاتوري ساخر من ترامب في مدينة دوسلدورف بألمانيا
وقالت الصحيفة إن حلف الناتو أُسس من أجل حماية الدول الأوروبية من الهيمنة الروسية. مضيفة أن الدولتان الأوروبيتان اللتان لم تنضمان إلى هذا الحلف، وقع غزوهما من قبل موسكو، وهما جورجيا وأكرانيا. واعتبرت الصحيفة أن تصريحات ترامب لا تنبئ بخير، حيث أنها تهدد مستقبل حلف الناتو، خصوصًا بعد محاولات ترامب التقرب من موسكو.
وقال الصحيفة إن دونالد ترامب لا يوجد لديه تعاطف خاص حول قضية وحدة أوروبا، وهو قد صرح حول ذلك قائلًا: “مقسمة أو موحدة، لا يهمني”. واعتبرت الصحيفة الرئيس الأمريكي الجديد من مؤيدي Brexit – انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي- حيث علّق ترامب حول ذلك: “في النهاية، سيكون ذلك شيء عظيم”. وتقول الصحيفة إن موقف ترامب على العكس تمامًا من سابقه باراك أوباما حول هذه القضية، حيث كان موقف أوباما قبل الاستفتاء الـ23 من يونيو يؤكد على الحفاظ على بريطانيا العظمى وحضورها في الاتحاد الأوروبي، كما أنه حذر البريطانيين من تراجع العلاقات التجارية بين بريطانيا والولايات المتحدة اذا ما خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوربي.