ترجمة وتحرير نون بوست
صرّحت العضو في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ياسمين سوكا، أن جنوب السودان “يقف على شفا حرب أهلية شاملة”، لكن مجلس الأمن يشهد تناقضات حادة بشأن كيفية مواصلة الجهود لإنقاذ البلاد من جحيم هذه الحرب.
ألقى هذا النقاش بظلاله على أحد النقاشات السابقة داخل لجنة التحقيق عن جنوب السودان، التي تتكون من 5 أشخاص، وقد أُنشئت هذه اللجنة بعد أعمال العنف الشامل في جنوب السودان في ديسمبر/ كانون الأول في سنة 2013، بقيادة الرئيس النيجيري السابق، أولوسينغو أوباناسجو.
والجدير بالذكر، أن بعض أعضاء اللجنة يعملون لدى المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والبعض الآخر ينشطون بمكتب اتحاد المرأة والسلام والأمن، بالإضافة إلى بعض الأكاديميين، ومن بينهم سوكا.
يُعتبر الاتحاد الإفريقي الجهة الوحيدة التي تستطيع رعاية عملية انتقال ديمقراطي ثانية، نظرًا للمصداقية التي يتمتع بها على الصعيد الإفريقي، ودوره البارز في المفاوضات بين شمال وجنوب السودان سابقًا
أمضت اللجنة ما يزيد على سنة في عقد محادثات مع مختلف الأطراف الحكومية والاجتماعية، بما في ذلك رئيس جنوب السودان سيلفا كير، إلى جانب نائبه وغريمه ريك ماشير.
وعلى غرار ما جرى في لجنة الاتحاد الإفريقي، اختلف أعضاء مجلس الأمن بخصوص طريقة فض النزاع بين شمال وجنوب السودان، فقد دعا البعض إلى اتباع نهج العقوبات ولوائح الاتهام، بينما ينادي البعض الآخر إلى تقاسم السلطة والإصلاح، وفضّلت الدول الغربية المنهج القضائي أسوة بمحاكمات نورنبارغ، بينما دعت كل من روسيا والصين إلى الإعداد لمرحلة تقاسم السلطة بدعوى أن النهج القضائي قد يؤدي إلى مزيد من تأجيج الحرب الأهلية، لكن في الحقيقة، فإن كلا الخيارين لا يمكن أن يؤثرا بشكل سلبي على الأوضاع في السودان.
اقتصرت محادثات مجلس الأمن بشأن العنف في جنوب السودان على محاسبة أهالي الجنوب فقط، بينما تغاضت عن الدور السلبي لأفراد بعثة الأمم المتحدة الذين فشلوا في التصدي لأعمال العنف رغم أنّهم حملوا على عاتقهم مسؤولية حماية المدنيين، وتبعًا لذلك، دفعت الضغوط التي سلطتها بعض الأطراف الأمين العام للأمم المتحدة إلى عزل الرئيس الكيني لقوات بعثة الأمم المتحدة، ونفهم من ذلك أن الأمم المتحدة لا تريد تكرار سيناريو الإبادة الجماعية في رواندا أو مجزرة سيبيرينيتشا في حرب البوسنة.
تجدر الإشارة إلى أن أعمال العنف التي بدأت في سنة 2013 تعيد للأذهان ذكرى الفوضى التي جدّت في سنة 1991، والتي أدت إلى مقتل نحو 2000 مدني ينحدر أغلبهم من قبيلة الدينكا، على يد أفراد الجيش الشعبي السوداني الذي تولى السيطرة على جنوب السودان سنة 2011، ورغم أن نائب رئيس جنوب السودان رياك مشار، أعرب عن أسفه لأحداث 1991، يرى العديد من الملاحظين أنه يتحمل جزءًا من المسؤولية عن أحداث 2013، عقب العمليات الإجرامية التي استهدفت أفرادًا من قبيلة النوير.
في الحقيقة، إن معظم القضايا المعروضة على المحاكم تنتهي بإصدار أحكام تقضي ببراءة المتهمين، نظرًا لأن الأحكام التي صدرت في حقهم سابقًا تدينهم بارتكاب جرائم قتل جماعية، في حين أنهم ارتكبوا جرائم قتل فردية، وبالتالي، فإن المقاربة الجنائية تتغاضى عن الأبعاد السياسية للعنف الجماعي كلما حمّلت أفرادًا معينين المسؤولية عنه، ثم إن القضايا الجنائية التي تتراوح بين البراءة والإدانة، تقدم حلولاً تخدم مصلحة الفائزين في الحرب، وتستثني الضحايا من العملية السياسية.
لعب الاتحاد الإفريقي برئاسة الرئيس السابق لجنوب إفريقيا تابو إمبيكي، دورًا مهمًا في المفاوضات بشأن الإصلاح السياسي في السودان طيلة عقد من الزمن
وعلى ضوء هذه الاستنتاجات، يمكن القول بأن المقاربة السياسية والقضائية تخدم إحداهما الأخرى، فسيادة القانون تحتاج إلى نظام سياسي ناجع، لكن لا شيء من ذلك يبقى ممكنًا دون إجراء إصلاح شامل.
عندما أعلن جنوب السودان عن استقلاله في سنة 2013، كان جيشه منقسمًا إلى ثلاثة فصائل، فصيل كير، وفصيل مشار، وفصيل ثالث يدين بولائه للجيش السوداني، ورغم أنّ هذه الفصائل تتصارع فيما بينها، فقد طالبت بالانتماء إلى جيش التحرير الشعبي السوداني، بينما كانت قياداته منشغلة بالتفاوض بشأن الرتب العسكرية والأجور، وقد أدى برنامج يهدف إلى نزع تخفيض عدد الجنود إلى انتشار الأسلحة الخفيفة وعسكرة المجتمع بعد أن سمح للجنود المتخلين بالاحتفاظ بأسلحتهم الفردية.
وفقًا لبيانات الاتحاد الإفريقي، فإن جيش التحرير الشعبي السوداني يتكون من 200.000 جندي، و45.000 فرد من قدماء المحاربين، لكن هذا الجيش خسر عددًا كبيرًا من جنوده خلال الفترة الأخيرة، ويبلغ عدد الجنرالات في الجيش السوداني قرابة 701 جنرال، ما جعله الجيش الوحيد الذي يتكون من أكبر عدد من الجنرالات حول العالم، ورغم هذا العدد الكبير من الجنرالات، فإن هذا الجيش لم يخرج منتصرًا من الحرب، كما أنه لا يملك قاعدة متماسكة نظرًا لقلة عدد جنوده، لكنه يحظى بقاعدة شعبية مهمة بسبب دوره في حرب الاستقلال.
في الحقيقة، دفعت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والنرويج السودان نحو الطريق الذي سار فيه بعد الاستقلال، ثم اصطفوا إلى جانب الهيئة الحكومية للتنمية، واقتناعًا منهم بأن التهديد الذي يتربص باتفاق قادم من شمال، سارعت الأطراف الثلاث إلى تسريع عملية انتقال السلطة، دون إجراء إصلاح ديمقراطي حقيقي.
إن الأطراف المتنازعة حددت شروط اتفاق السلام الذي عُقد في سنة 2005، على أساس أن كل الأطراف المتنازعة شاركت في جلسات النقاش والمفاوضات، لكن ذلك لم يشمل الأطراف السياسية والمدنية التي تمثل الشمال، في الوقت الذي حضرت فيه الأطراف التي تمثل الجنوب.
في شهر تشرين الأول/ أكتوبر2010 ، انعقد مؤتمر يضم كل الأحزاب السياسية، لكن تم تجاهل كل قراراته، بما في ذلك القرار الذي دعا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تضم كل الأطياف السياسة، وعقد مؤتمر دستوري، إلى جانب إجراء انتخابات في غضون سنتين، ولم يشهد جنوب السودان منذ ظهوره تنظيم انتخابات رسمية، رغم تقلّد سيلفا كير منصب نائب رئيس، وفي المقابل، بقي منصب رئيس الدولة شاغرًا،
نجح قادة جنوب السودان في الإفلات من العقاب، في ظلّ الدعم الدولي غير المشروط، والجدير بالذكر، أن الطبقة السياسية السودانية لا زالت عاجزة عن تطبيق الإصلاحات في بلدها نظرًا لغياب المقومات التي تؤسس لدولة القانون والمؤسسات.
عمومًا، لا يُعتبر جنوب السودان دولة فاشلة، بقدر ما يعني ذلك فشل عملية الانتقال الديمقراطي، وبالتالي، فإن الدولة تحتاج إلى عملية انتقال ثانية تحت إشراف جهة أخرى غير الأطراف التي تسببت في فشل العملية السابقة، وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والنرويج.
اقتصرت محادثات مجلس الأمن بشأن العنف في جنوب السودان على محاسبة أهالي الجنوب فقط، بينما تغاضت عن الدور السلبي لأفراد بعثة الأمم المتحدة الذين فشلوا في التصدي لأعمال العنف رغم أنّهم حملوا على عاتقهم مسؤولية حماية المدنيين
وفي هذا الإطار، يُعتبر الاتحاد الإفريقي الجهة الوحيدة التي تستطيع رعاية عملية انتقال ديمقراطي ثانية، نظرًا للمصداقية التي يتمتع بها على الصعيد الإفريقي، ودوره البارز في المفاوضات بين شمال وجنوب السودان سابقًا، فقد لعب الاتحاد الإفريقي برئاسة الرئيس السابق لجنوب إفريقيا تابو إمبيكي، دورًا مهمًا في المفاوضات بشأن الإصلاح السياسي في السودان طيلة عقد من الزمن، وفي المقابل، يجب على كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والنرويج أن تقر بفشلها في عملية الانتقال الديمقراطي، ومن جهة أخرى، على هذه الأطراف أن توفر الشروط اللازمة لإنجاح العملية الثانية التي يجب أن تضم كل الأطراف المتنازعة دون المساهمة في تأجيج الصراع عن طريق الدعم العسكري.
إن الوصاية الإفريقية ترتكز على ثلاث نقاط، أولاً، تعيين وفد متكون من ثلاثة أشخاص على أعلى مستوى في هيكل مجلس السلام والأمن الإفريقي، بتكليف من طرف مجلس الأمن الدولي، ثانيًا، يجب أن يشرف الوفد على تعيين ثلاثة أشخاص من مناطق النيل العليا، ومناطق بحر الغزال والمناطق الاستوائية للإشراف على عملية الانتقال الديمقراطي، وثالثًا، تتخذ عملية الترشيح صفة رسمية بعد موافقة الأطراف السياسية في جنوب السودان عليها، ومصادقة البرلمان.
المصدر: نيويورك تايمز