لم يدرِ الإعلامي عبد الله المديفير أن استضافته للشيخ محسن العواجي في برنامجه “في الصميم” على شاشة قناة روتانا خليجية والتطرّق للسياسة الخارجية خلال حقبة الملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز ستكلّفه إيقاف برنامجه للأبد، ومنعه وضيفه من الظهور الإعلامي، شأنه شأن الكاتب مهنا الحبيل الذي لم يكن يعلم هو أيضًا أن تغريداتٍ عابرةٍ على حسابه في تويتر ستكلّفه حكمًا بالسجن ستة أعوام.
فرغم تأكيد الملك سلمان بن عبد العزيز عقب توليه الحكم في المملكة العربية السعودية، أن المواطن السعودي أصبح بمقدوره رفع دعوى قضائية ضد الملك أو ولي عهده أو أي فرد من الأسرة الحاكمة، وأن أبوابه وآذانه مفتوحة لسماع شكواهم، خلال لقائه بكبار المسؤولين والمهتمين بمكافحة الفساد، إلا أن حجم التضييق على الكُتّاب والناشطين السلميين تصاعد في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق.
عدد من الإعلاميين السعوديين تحدّثوا لموقع “نون بوست” عن مناخ حرية التعبير خلال حكم الملك سلمان، لكنهم طلبوا عدم الإفصاح عن أسمائهم خوفًا من ملاحقتهم:
“استبشرنا خيرًا بكلمة الملك سلمان عن اعتماده سياسة الأبواب المفتوحة، واعتبرناها ضمانة لحرية التعبير وإيذانًا برفع سقف الانتقاد للفساد الذي أصبح مستشريًا بشكل مهول، وتسبب بكوارث اقتصادية للبلد انعكست سلبًا على حياة المواطنين، ناهيك عن الإهمال والتقصير والفشل الذي يعشعش في جميع مفاصل الدولة”
يقول “ح. ع” وهو أحد الكتاب في صحيفة معروفة بالسعودية: “استبشرنا خيرًا بكلمة الملك سلمان عن اعتماده سياسة الأبواب المفتوحة، واعتبرناها ضمانة لحرية التعبير وإيذانًا برفع سقف الانتقاد للفساد الذي أصبح مستشريًا بشكل مهول، وتسبب بكوارث اقتصادية للبلد انعكست سلبًا على حياة المواطنين، ناهيك عن الإهمال والتقصير والفشل الذي يعشعش في جميع مفاصل الدولة”.
وأضاف: “لم نكن نتخيّل أبدًا أن هذه الضمانة ستتحول يومًا ما لشريطٍ لاصق يكمم أفواهنا، فقد تصاعد حجم التضييق بشكل لم نعهده سابقًا، مؤكدًا: “هذا التضييق ليس على الكُتّاب والناشطين السلميين فحسب، بل شمل المواطنين البسطاء وحتى الممثلين، فالجميع رأى كيف تم استدعاء الممثل فايز المالكي لمركز أمني لمجرد أنه عرض مناشدات لمواطنين مرضى يطلبون أبسط حق من حقوقهم وهو العلاج”.
بدوره استعرض الإعلامي “أ. م”، أبرز الكتّاب والناشطين الذين اختفوا عن الساحة خلال عهد الملك سلمان، وهم ما بين معتقل أو موقوف أو ممنوع من الكتابة أو مهدد: “الكاتب قينان الغامدي، الكاتب برجس البرجس، الكاتب طراد العمري، الكاتب حمزة السالم، الكاتب جمال خاشقجي، الكاتب مهنا الحبيل، الكاتب وحيد الغامدي، الكاتب محمد الأحيدب، الكاتب محمد معروف الشيباني، الكاتب عبد الله المفلح، الإعلامي عبد الله المديفر، الكاتب زهير كتبي، الكاتب عبد الله الداود، الشيخ سعود الشريم، الشيخ محسن العواجي، الأكاديمي محمد الحضيف، الشيخ إبراهيم السكران، الناشط عبد الله المالكي، الناشط محمد البجادي، الشيخ سليمان الدويش، الشيخ عبد العزيز الطريفي.. والقائمة تطول).
وتابع: “جلّ أسباب إيقافهم هو الحديث عن الفساد أو انتقاد قرارٍ حكومي ما”، مستطردًا: “المصيبة أن بعض هؤلاء بحكم المخطوفين، إذ لا تعرِف عائلاتهم حتى مكان اعتقالهم، فكل جهة أمنية يذهبون إليها تنفي وجودهم لديها، كالشيخ عبد العزيز الطريفي والشيخ سليمان الدويش وآخرين”.
وبسؤلنا للكاتب “ع. و” عن خطورة التعبير عن الرأي، قال: “نعم، فالكتابة والتعبير عن الرأي، أشياء أضحت شأنًا خطيرًا، ويعلم بذلك جميع الذين يعملون في مجال الكتابة ببلدي”، مضيفًا: “مع جملة الاتهامات الفضفاضة، مثل إثارة الفتنة وتهييج الرأي العام وتقليل هيبة الحكم أصبحت الكتابة النقدية أمرًا مستحيلاً، فالقاعدة المعمول بها اليوم هي لك حرية التعبير، ولي حرية سجنك وكسر قلمك”.
وأشار إلى أنهم يعيشون في مناخ مخالف للمنطق، فالكاتب والناشط السعودي أصبح يعيش في دوامة من الخوف والقلق على حياته، فهو يعلم أن مجرد كلمة يقولها بقصدٍ أو دون قصد، قد تُدخله السجن من أوسع أبوابه، لذلك اختار البعض المنفى كالكاتب مهنا الحبيل الذي صدر حكم بسجنه ستة أعوام، أمّا أولئك الذين فضلوا البقاء فإن عليهم الخضوع لرقابة صارمة” بحسب تعبيره.
وعلى صعيدٍ متصل، يرى قانونيون أن القضاء السعودي أصبح متورطًا بشكل كبير في انتهاكات حقوق الإنسان وذلك عبر إصدار أحكام قاسية بحق معتقلي الرأي، وهو ما أكده المحامي إبراهيم المديميغ عقب صدور حكم ضد موكله الناشط عيسى الحامد بالسجن أحد عشر عامًا، بقوله: “إنه لأمر يدعو للحزن والعجب لقسوته، لا سيما أن مجمل الموضوع يتصل بحرية التعبير”.
المحامي عبد العزيز الشبيلي لفت في وقتٍ سابق إلى أن المتابعين في قضايا الرأي لا يحظون بمحاكمات عادلة، موضحًا أنه غالبًا ما تحال ملفاتهم إلى المحكمة الجزائية المتخصصة في قضايا الإرهاب وأمن الدولة التي يصفها بالمجحفة والفاقدة للعدالة والمشروعية.
وتخضع هذه المحكمة بشكل كبير لوزارة الداخلية، حسبما قال الشبيلي، مضيفًا أنه بموجب قانون مكافحة الإرهاب، فإن لوزير الداخلية الصلاحية في نقض الحكم القضائي وفي الأمر بالاعتقال المباشر ومن دون تسبيب قضائي.
ولأن حق حرية التعبير بوصفه الحق الرئيسي الذي تتفرع منه سائر حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية والشريعة الإسلامية، لم يأخذ حقه من النضج والاستقرار في السعودية سواءً على المستوى التشريعي أو القضائي أو الفكري، – وفقًا للمراقبين – فإنها تواجه اليوم انتقادات كثيرة، ففي بيان مشترك طالبت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش السعودية بإطلاق سراح جميع سجناء الرأي فورًا، فيما دعتا بالوقت نفسه إلى تعليق عضويتها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وكجوابٍ على السؤال الذي يطرحه كثيرون هل ستستجيب الحكومة السعودية لضغوط المنظمات الحقوقية، وتغيّر طريقة تعاملها الموصوفة بـ”الأمنية” مع الكتّاب والناشطين؟
نقول: “من تابع مسلسل التضييق والمحاكمات المستمرة ضد الإعلاميين والناشطين السلميين، ومن تابع مواقف المنظمات الحقوقية الدولية الناقدة والرافضة لتلك المحاكمات، يعرف أن السلطات السعودية لا تكترث كثيرًا، وبالتالي في هذا البلد، تبقى حريتك هي الثمن الذي تدفعه كضريبة للتعبير عن رأيك، حتى حين”.