انضمام مصر لـ”بريكس”.. ماذا ينتظرها؟

احتفاء من طراز خاص يخيم على الأجواء المصرية بعد إعلان قادة مجموعة “بريكس” (تضم البرازيل وجنوب إفريقيا وروسيا والهند والصين)، الخميس 24 أغسطس/آب 2023 انضمام 6 دول جديدة إلى التكتل الاقتصادي، اعتبارًا من يناير/كانون الثاني 2024، من بينها مصر، إلى جانب السعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين.
انقسام كبير على منصات التواصل الاجتماعي وعبر النوافذ الإعلامية إزاء تلك الخطوة، بين من يراها طوق نجاة للقاهرة في ظل أزمتها الاقتصادية الخانقة التي تواجهها خلال السنوات الأخيرة، وآخرين يقللون من شأنها في ظل الفارق الكبير في الإمكانات بين مصر ودول التكتل، وافتقاد القاهرة لمعايير المنافسة المطلوبة لتحقيق الاستفادة المرجوة من مزاحمة القوى الاقتصادية الكبرى داخل هذا الكيان.
التعاطي مع هذا الإعلان تجاوز قراءته الموضوعية إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث بدأ العزف عليه كأحد المرتكزات الدعائية التي يستند إليها الداعمون لترشح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها نهاية هذا العام، بوصفها إنجازًا يحسب له ولسياساته الاقتصادية والسياسية بحسب تعبير البعض.
شاهد: لحظة إعلان رئيس جنوب إفريقيا -اليوم الخميس- دعوة 6 دول جديدة رسمياً للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، من ضمنها #السعودية ومصر والإمارات 🇸🇦 🇪🇬 🇦🇪 pic.twitter.com/RSYuw2RaTf
— The Saudi Post (@TheSaudi_post) August 24, 2023
السيسي في بيان له تعليقًا على تلك الخطوة أكد تطلع بلاده للعمل على “إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا والتحديات التنموية التي تواجهنا، بما يدعم حقوق ومصالح الدول النامية”، معربًا عن اعتزازه بما وصفه بـ”ثقة دول التجمع كافة التي تربطنا بها علاقات وثيقة، ونتطلع للتعاون والتنسيق معها خلال الفترة المقبلة”.
يسعى تكتل “بريكس” إلى كسر هيمنة الغرب على المنظومة الاقتصادية من خلال خلق كيان موازٍ، يمتلك القدرات والإمكانات التي تؤهله لمناطحة المعسكر الغربي، ويعد مشروع العملة الموحدة أبرز محاور هذا التكتل، بجانب زيادة استخدام العملات المحلية في التجارة البينية وإنشاء نظام دفع مشترك.
ما المعايير التي على أساسها وقع الاختيار؟
تقدمت لعضوية “بريكس” 23 دولة هي: الإمارات ومصر والجزائر والأرجنتين والبحرين وبنغلاديش وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وإثيوبيا وهندوراس وإندونيسيا وإيران وكازاخستان والكويت والمغرب ونيجيريا وفلسطين والسعودية والسنغال وتايلاند وفنزويلا وفيتنام.
نجحت 6 فقط منها بالانضمام، فيما استبعدت الدول الأخرى، دون كشف المعايير الدقيقة التي اعتمد عليها التكتل في القبول أو الرفض، فيما كشف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بعض تلك المعايير بقوله إنها تشمل “وزن وهيبة الدولة ومواقفها على الساحة الدولية”.
أما مصر وإثيوبيا فثقلهما الإستراتيجي هو العامل الأبرز في قبول عضويتهما، فمصر تمتلك قناة السويس أحد أبرز الممرات المائية في العالم، بجانب موقعها اللوجستي الهائل في وسط الشرق الأوسط ولاعب مهم في خريطة الصراع العربي الإسرائيلي، وعدا عن أنها سوق كبير لسلع العالم وذات كتلة سكنية هائلة تبلغ أكثر من 105 ملايين نسمة، كما تحتضن جامعة الدول العربية وتعد ثاني أكبر اقتصاد في إفريقيا بعد نيجيريا.
وفيما يتعلق بإثيوبيا فتحتل المرتبة الثانية داخل إفريقيا من حيث القوة البشرية، كما أنها تسيطر على منابع نهر النيل الأزرق، وتحقق معدل نمو بلغ 9% في عام 2019، وفوق هذا فهي تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي، التكتل الرسمي الأبرز داخل القارة الإفريقية، ومن هنا جاء الاختيار.
ما هى اسباب عدم قبول #الجزائر في #البريكس ؟!! pic.twitter.com/uKehDzNR4L
— Dr.Sam Youssef Ph.D.,M.Sc.,DPT. (@drhossamsamy65) August 24, 2023
وفي إطار سياسة التنويع الجغرافي ومحاولة استقطاب حلفاء في مختلف قارات العالم، جاء اختيار الأرجنتين، لتمثل منطقة أمريكا اللاتينية داخل التكتل، بجانب البرازيل، هذا بخلاف أنها تعتبر ثاني أكبر اقتصاد بالقارة، وناتجها المحلي يبلغ نحو 633 مليار دولار رغم غرقها في الديون نتيجة السياسات الخاطئة التي تبنتها خلال السنوات الماضية.
ويمثل استبعاد الجزائر إحدى علامات الاستفهام التي فرضت نفسها بعد الإعلان عن قائمة الدول المختارة لعضوية “بريكس”، كونها تتفوق على إثيوبيا من حيث حجم الاقتصاد، وعلى الإمارات والسعودية ومصر وإثيوبيا من حيث حجم صادرات الغاز، بجانب عدد سكانها الذي يتجاوز سكان السعودية والإمارات معًا ويقترب من الكتل البشرية الكبرى.
رغم الأسباب التي طرحها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لعدم قبول عضوية بلاده في هذا الكيان، المتعلقة بعدم إكمال برامج الإصلاح الاقتصادي بشكل نهائي للخروج من الأزمة الحاليّة، وعدم القدرة على تحقيق خطوات إيجابية في سياسة تنويع مداخيل الاقتصاد، إذ يعتمد البلد على موارد بيع الغاز بنسبة وصلت أحيانًا إلى 98%، ما جعله متأثرًا بتقلبات أسعار برميل النفط صعودًا أو هبوطًا، فإن استبعاد البلد العربي الإفريقي الكبير كان مثار جدل، وسط تلميحات أن تكون هناك حسابات سياسية ما.
ما هدف مصر من الانضمام لهذا التكتل؟
هرولة مصر للانضمام لـ”بريكس” جاءت مدفوعة بعدد من الأسباب والأهداف أبرزها:
– الحصول على المنح والقروض الميسرة التي تمنحها البنوك المنضوية تحت لواء دول المجموعة، وأبرزها بنك التنمية، وذلك بفوائد مخفضة، مقارنة بالفوائد التي تقرها المؤسسات المالية الكبرى الأخرى التي اقترضت منها مصر خلال السنوات الماضية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي وشروطه القاسية.
– يرى الخبير الاقتصادي الأمريكي، ديفيد باين، أن هدف مصر الأبرز من الانضمام للتكتل يتمثل في التعامل بعملات أخرى كبديل للدولار، وكذلك إمكانية الحصول على قروض لحل أزمتها الاقتصادية وفوائد الديون، لافتًا إلى أن البلاد تعاني من أزمات خانقة نتيجة نقص الدولار، بحسب تصريحاته لموقع “الحرة“.
الحكومة المصرية تأمل أن يساعد انضمامها الوشيك إلى مجموعة "#بريكس" في تخفيف عجز العملات الأجنبية وجذب استثمارات جديدة فيما يقول محللون اقتصاديون إن الأمر قد يستغرق وقتًا لظهور نتائج إيجابية بحسب "رويترز" pic.twitter.com/rfoJnK4LCb
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) August 25, 2023
– انضواء اقتصادات كبرى بحجم الصين وروسيا والهند تحت مظلة هذا الكيان من الممكن أن يساعد في إنعاش السوق المصري بالاستثمارات الأجنبية خاصة في ظل ما يمتلكه من فرص استثمارية جيدة في مجال الرقمنة والتنمية الزراعية والاستثمارات البيئية والبنية التحتية.
– كما تحاول القاهرة الاستفادة من الضربات التي تلقتها مؤخرًا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والتهديدات التي تعرض لها أمنها الغذائي، ومن ثم تحاول تأمين احتياجات البلاد من السلع الغذائية الضرورية على رأسها القمح، بجانب العمل من أجل زيادة عدد السائحين الأجانب بما يُنعش خزانة الدولة بالعملات الأجنبية.
ما الفوائد المحتملة من وراء تلك الخطوة ؟
وفق الرواية الرسمية التي أعلن عنها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، فإن الانضمام لـ”بريكس” وفق التحليل الصادر عنه ونشرته وسائل الإعلام المصرية والعربية، من الممكن أن يحقق عدد من الفوائد منها:
– الترويج للإصلاحات التي شهدتها البيئة المصرية الاقتصادية والاستثمارية في السنوات الأخيرة، بالصورة التي ترفع من فرص مصر لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.
– استهداف التكتل تقليل التعاملات البينية بالدولار الأمريكي سيخفف من الضغط على النقد الأجنبي في مصر الذي يمثل الدولار الحصة الكبرى منه، وهو ما يصب في صالح تحسين عدد من المؤشرات الاقتصادية المحلية.
– وجود مصر كدولة عضو ببنك التنمية التابع لتكتل “بريكس” سيمنحها فرصًا للحصول على تمويلات ميسرة لمشروعاتها التنموية، بالإضافة إلى أن وجودها داخل التكتل يعني استفادتها من ثمار نجاح مستهدفاته التي تقترب من التحقق، فيما يخص خلق نظام عالمي يمنح مزيدًا من الثقل للدول النامية والناشئة.
– انضمام مصر لـ “بريكس” يتيح لها فرصة التبادل التجاري مع دول كبرى مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل بعملاتها المحلية، ما يقلل الضغط عليها، كما أنه بمثابة طوق نجاة من العديد من المشكلات التي كانت تواجهها خلال الفترة الماضية وذهابها إلى جهة أكثر نشاطًا، بحسب تعبير أستاذ التمويل والاستثمار، هشام إبراهيم.
– خطوة مهمة لكسر هيمنة الدولار وتعزيز الاقتصاد الوطني لبلد يستورد معظم متطلباته واحتياجاته من الخارج بالعملة الصعبة، وفق أستاذ الاقتصاد بجامعة الفيوم أشرف حبيب، الذي يرى أن انضمام مصر يسمح لها بالحصول على قروض ميسرة من بنك التنمية التابع للتكتل، بما يساعد على الهروب من حصار صندوق النقد الدولي.
– بحسب تصريحات مسؤول بوزارة التعاون الدولي المصرية لـ”الجزيرة” فإن هناك مزايا أخرى من وراء عضوية هذا التكتل، أبرزها تحسين شروط التجارة الخارجية وتوسيع حجم تصدير المنتجات المحلية وتعزيز تنافسيتها مع العديد من الدول وجذب الاستثمارات إلى قطاعات تستهدف الدولة تنميتها.
ماذا عن العلاقات مع الغرب؟
البعض أبدى تخوفاته من أن تنعكس تلك الخطوة على علاقة القاهرة بالغرب، فيما ذهب رأي آخر إلى أن التخوف الأبرز من أن تنتقل مصر من الاستعمار الغربي إلى الاستعمار الشرقي، وأن تحل الصين محل أمريكا، والهند وروسيا محل أوروبا، وبنك التنمية بدلًا من صندوق النقد الدولي، ومن الرضوخ لهيمنة الدولار إلى سيطرة اليوان والروبية.
مديرة برنامج مصر بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن ميريت مبروك، ترى أن مصر لن تسمح بأن يكون انضمامها لـ”بريكس” على حساب علاقتها مع الولايات المتحدة، فالعلاقات بينهما مهمة وإستراتيجية وعميقة، على حسب تعبيرها، لافتة إلى أن مثل هذه التجمع يمكن أن يؤدي إلى نوع من التوازن في العلاقات الدولية الإستراتيجية فيما بعد.
وزير المالية محمد معيط يقول إن انضمام #مصر لتجمع #البريكس يعزز الفرص الاستثمارية مضيفًا أن بنك التنمية الجديد التابع للمجموعة يوفر قروضًا تمويلية ميسرة للمشروعات التنموية pic.twitter.com/w0psuEjl8B
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) August 25, 2023
تميل مبروك إلى فرضية أن مصر لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تضحي بعلاقتها بأمريكا، منوهة أن “مصر تبذل جهدًا كبيرًا جدًا كي تحافظ على هذه العلاقة، لكنها منذ بضعة أعوام، تحاول توسعة نطاق علاقتها الدولية، كي لا تكون معتمدة بشدة على دولة واحدة”.
كثيرون يميلون إلى نفس الرأي، إذ إن الخيوط المتشابكة التي تربط القاهرة وواشنطن لا يمكن بأي حال من الأحوال تفكيكها بهذه السرعة وبتلك الطريقة، خاصة أن تكتل “بريكس” لا يمكن التعويل عليه في المجمل، في ظل الخلافات والاختلافات الأيديولوجية والفكرية والسياسية التي تجمع بين أعضائه، عكس الوضع في الغرب، وهو ما يجعل التعويل عليه في التحول الكامل لمصر من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مسألة بعيدة عن المنطق والواقع والموضوعية.
تحديات وعقبات
خبيرة الشؤون الإفريقية والدولية بجامعة القاهرة، غادة كمال، رئيس تحرير مجلة صوت أفريقيا، تطرقت في دراسة لها إلى أبرز التحديات والصعوبات التي ستواجه مصر بشأن تحقيق أهدافها المنشودة من وراء الانضمام لـ”بريكس”، لافتة إلى أن الحديث عن طموحات دون تحديات مسألة غير موضوعية ومن السابق لأوانه تقييم الخطوة.
يتمثل التحدي الأول في أن معظم الاحتياطي الأجنبي لدى مصر هو لودائع خليجية موجودة بالدولار، ومن ثم لا يمكن تغييرها في الوقت الحاليّ، متسائلة: هل بمقدور مصر استبدال الاحتياطي النقدي بسلة عملات مختلفة عوضًا عن الدولار (سوف يوضح المستقبل القريب الإجابة عن هذا السؤال).
كذلك صعوبة توفير العملات الأخرى التي من المتوقع التعامل بها بديلًا عن الدولار، في حال تم الاستيراد مع دول بريكس بعملة بديلة، وهو ما يتطلب إجراء مشاورات نقدية بين البنكين المركزيين المصري والصيني، يتم بموجبها تفعيل صفقة اتفاق مقايضة عملات currency swap deal بين مصر والصين.
ضرورة إجراء تعديلات في إستراتيجيات التصدير والسياسات التجارية، فالانضمام إلى بريكس يعني أن على مصر التنافس مع أعضائه في قطاعات معينة، وهو ما قد ينشأ عنه اختلالات في الميزان التجاري إذا لم تتماش صادرات مصر مع متطلبات دول المجموعة، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى عجز تجاري كبير يزيد أعباء مصر ويحولها في الغالب إلى سوق لترويج منتجات وبضائع دول التكتل دون أي استفادة.
تحديات اقتصادية أخرى منها ضعف العملة السيادية (الجنيه الذي تراجعت قيمته بنسبة 50% خلال عام واحد فقط) وزيادة معدلات التضخم بنسب قاسية، والقفزة الكبيرة في معدلات الدين الخارجي الذي بلغ 163 مليار دولار، فضلًا عن انسحاب أكثر من 20 مليار دولار من السوق المصري بسبب السياسات الاقتصادية المتبعة.
التحديات المتوقعة من صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الغربية التي اقترضت منها مصر خلال الفترة الأخيرة، فمن المحتمل أن تمارس تلك المنظمات ضغوطًا على بقية المؤسسات المالية للامتناع عن منح أي تمويلات لمصر خلال المرحلة المقبلة مع التأثير على خريطة الاستثمار المصري من خفض التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري.
محدودية الاقتصاد المصري وضعف إمكاناته مقارنة بدول أعضاء التكتل يمثل تحديًا كبيرًا أمام القاهرة، كما يرى الباحث الاقتصادي بمركز دراسات الجنوب مصطفى السيد، الذي أشار إلى ما أسماه “القلق المشروع” الناجم عن قلق بعض الاقتصادات الكبرى داخل الكيان مثل الصين والهند من الاندماج مع اقتصاديات ذات معدلات ضعيفة بما يؤثر عليها ويستنزف قدراتها المالية.
هل تنجح المهمة؟
“هل ستقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي وهي ترى انتهاء عصر الدولار أم ستتحرك لمواجهة هذا التكتل بشتى الطرق؟”، بهذا السؤال يحاول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مصر للعلوم حسني الشاهد، استشراف ما يمكن أن يكون عليه تكتل “بريكس” خلال السنوات القادمة، لافتًا إلى أن مستقبل هذا الكيان سيكون مرهونًا بالتقلبات على الساحة الدولية.
مراقبون يرون أن الولايات المتحدة ومعها دول أوروبا ربما يراهنون على انهيار هذا التكتل في وقت قصير، كما حدث مع حركة عدم الانحياز التي تأسست عام 1955 من 29 دولة في مواجهة المعسكر الغربي، مستندين في ذلك إلى أن الخلافات والنزاعات الكبيرة بين الصين والهند قد يكون لها تأثيرات سلبية محتملة على صمود واستمرارية المجموعة.
ويعتقد أستاذ العلاقات الدولية المصري أن فكرة كسر هيمنة الدولار وتصعيد سلة معاملات جديدة لتغيير المعادلات الاقتصادية العالمية أمر غير وارد في الوقت الحاليّ، إذ إن 60% من احتياطي العالم وكل الأصول المملوكة للدول مقومة بالدولار، ما يعني أن انهيار العملة الأمريكية يعني انهيار اقتصادات الدول العظمى، وتابع “فقد يحتاج العالم إلى حرب عالمية ثالثة تتلقى فيها الولايات المتحدة هزيمة كبرى حتى يمكن البدء في تغيير النظام الاقتصادي العالمي”.
يرى الخبير الاقتصادي وزميل معهد واشنطن، ديفيد شينكر، أن الأزمة في مصر ليست الاعتماد على الدولار، وهو ما يعني أن التعويل الكامل على الانضمام لـ”بريكس” في حل المعضلة توجه خاطئ، لافتًا في تصريحاته لـ”الحرة” إلى أن “الأزمة الاقتصادية في مصر ناتجة عن سلسلة من القرارات الاقتصادية الخاطئة وعدم وجود دراسات واضحة لأولوية المشاريع والإنفاق”، منوهًا أن الصين وروسيا لن يهدرا أموالهما على دول متعثرة مثل مصر والأرجنتين “حتى لو كان الهدف نفوذًا سياسيًا”، على حد قوله.
أهنئ #مصر و #السعودية و #الامارات علي دعوتها الي الإنضمام الي تجمع #البريكس. هذا تجمع دولي ذو شأن وانضمام دول عربية اليه يعكس تأثيراً عربياً متزايداً في القرار الدولي وأتطلع الي إنعكاسه إيجاباً علي المصالح العربية.@MfaEgypt @KSAMOFA @mofauae
— الأمين العام لجامعة الدول العربية (@lassecgen) August 24, 2023
يمكن القول إن انضمام مصر لـ”بريكس” حتى لو كان لأسباب سياسية، فهي خطوة جيدة يمكن أن تحقق القاهرة منها حزمة مكاسب سياسية واقتصادية كبرى، مستغلة الظروف والتحديات الراهنة وحرب الاستقطابات المشتعلة بين المعسكرين، الغربي والشرقي.
يتوقف الأمر على مدى رؤية مصر لتوظيف تلك الخطوة لصالحها، بعيدًا عن فكرة الانكفاء على مسألة القروض والتمويلات والمنح من بنك التنمية التابع للتكتل، وألا تتحول مع الوقت إلى سوق لمنتجات دول التجمع، دون أن تشارك بنسبة ولو ضئيلة في خريطة الصادرات السلعية والخدمية.
يمكن أيضًا النظر إلى الانضمام لـ”بريكس” على أنها خطوة في طريق التحسن الاقتصادي، لكنها ليست الحل النهائي لأزمة الاقتصاد المصري الذي يعاني في الأساس – بحسب كل الخبراء – نتيجة السياسات الخاطئة، المالية والنقدية، كما يجب الوضع في الاعتبار أن حل المعضلة الاقتصادية المصرية يكون من الداخل عبر زيادة موارد الدولة من العملات الأجنبية وتعزيز الاستثمار الأجنبي وتشجيعه من خلال حزم تحفيزية مدروسة، وليس عن طريق الإستراتيجيات والروشتات الجاهزة المستوردة من الخارج.
بعيدًا عن حالة الاحتفاء المبالغ فيها – السابق لأوانها بطبيعة الحال – عقب الإعلان عن عضوية مصر للتكتل، التي في الغالب سيتم توظيفها دعائيًا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن الأشهر الأربع المتبقية على الموعد الرسمي لدخول مصر تجمع “بريكس” (حتى يناير/كانون الثاني 2024) ستكون مؤشرًا عامًا لتعاطي القاهرة مع هذه الخطوة التي من المرجح أن تكون سلاحًا ذا حدين.