تشير التحركات الروسية الأخيرة في ليبيا، إلى عزم الروس اختراق منطقة المغرب العربي والعودة إلى شطرنج المنافسة الإقليمية بعد غياب طويل، من خلال البوابة الليبية وتثبيت حضورها في المنطقة التي تعتبر امتدادًا للنفوذ الغربي، في وقت يشهد فيه القرار الغربي بعض التردد.
سعي لتوسيع النفوذ في المنطقة
تعمل روسيا تحت ستار مكافحة الإرهاب إلى زيادة نفوذها في المغرب العربي، حيث استغلت موسكو عدم وضوح السياسة الأمريكية الجديدة الخاصة بليبيا وبلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والتردد الغربي من التورط في الشؤون المعقدة للبلدان العربية ومخاوف دول العالم من المجابهة معها، لبسط نفوذها في منطقة المغرب العربي من البوابة الليبية ودعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر بعد تعزز موقعه داخليًا منذ أن سيطرت قواته على أغلب المنشآت النفطية وعلى أجزاء كبيرة من الشرق الليبي.
انعكس هذا التقارب بين روسيا وحفتر خلال زيارة قام بها الأخير لحاملة الطائرات الروسية أميرال كوزنتسوف
وتجلى هذا السعي الروسي لتوسيع نفوذها في ليبيا من خلال التقارب مع حفتر ودعمه لبسط سيطرته على هذا البلد الغني بالنفط، وانعكس هذا التقارب بين الطرفين خلال زيارة قام بها حفتر لحاملة الطائرات الروسية أميرال كوزنتسوف في 11 من يناير حيث التقى ضباطًا روسيين، وأفراد الطاقم قبل أن يبحث في اتصال بالفيديو مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو موضوع مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط.
خليفة حفتر في موسكو في تشرين الثاني الماضي
وسبق للواء الليبي المتقاعد زيارة موسكو مرتين العام الماضي، إحداهما كانت في نهاية نوفمبر حيث طلب مساعدة روسيا لرفع حظر السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا منذ العام 2011، وقبل ذلك تولى محافظ البنك المركزي في شرق ليبيا إدارة عملية شحن 2.9 مليار دولار، في مايو الماضي، من غوزناك، المؤسسة الرسمية لسك العملة التابعة للكرملين، من أجل الحد من أزمة السيولة المتفاقمة في منطقة نفوذهم.
الاهتمام الروسي بليبيا، حسب عديد من الخبراء، يندرج في إطار استراتيجية أوسع تهدف من خلالها موسكو إلى استعادة دور جيوسياسي بارز في المنطقة، وتؤكد تقارير إعلامية عزم روسيا توسيع دائرة نفوذها في منطقة شمال إفريقيا حيث عادت إلى الواجهة بقوة عبر دعمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في مسعى منها أن تلعب دورًا أساسيًا في مستقبل ليبيا وهو ما سيشكل قاعدة أمامية أخرى لها في المنطقة.
وجود قواعد بحرية أو جوية روسية في السواحل الليبية يعني أن” الساحة الخلفية الأوروبية تحت التهديد”
وتهدف روسيا من خلال دعمها لحفتر إلى الحصول على تسهيلات عسكرية من ليبيا، في الواجهة المتوسطية (البحر الأبيض المتوسط)، وتأسيس قاعدة روسية في شواطئ ليبيا أو قاعدة مشتركة بين البلدين تكون محطة للسفن الحربية الروسية، على غرار قاعدة طرطوس (الروسية) في سوريا (شرق البحر الأبيض المتوسط). ومن شأن قاعدة عسكرية روسية في المنطقة أن تخلق الرعب لدى الدول الغربية خاصة أن وجود قواعد بحرية أو جوية روسية في السواحل الليبية يعني أن” الساحة الخلفية الأوروبية تحت التهديد”، حسب عديد من الخبراء، وسبق لروسيا أن قامت بمحاولات عديدة مع الجزائر والمغرب للسماح لها بإقامة قاعدة عسكرية على شواطئ إحدى البلدين، لكن الرد الجزائري والمغربي كان حاسمًا بالرفض.
تحركات غربية موازية
التحركات الروسية في ليبيا، قابلتها خطوات أوروبية وإن كانت بصفة منفردة، للحد من خطورتها، حيث سارعت إيطاليا بفتح سفارتها في طرابلس وإنزال وحدات عسكرية فيها، إلى جانب إرسال بوارج حربية إلى السواحل الغربية الليبية، في حين حذرت مالطا من دور روسيا في ليبيا.
تسعى إيطاليا إلى إيقاف مساعي روسيا في بسط نفوذها في ليبيا، والضغط من أجل إرجاع الدور الغربي هناك
وتعتبر شمال إفريقيا تاريخيًا، منطقة نفوذ لدول الاتحاد الأوروبي، حيث تمتلك الدول الأوروبية الواقعة على شاطئ البحر المتوسط مصالح كثيرة في المنطقة. وفي تعليقه على التحرك الروسي، قال وزير الخارجية الإيطالي إنجيلينو ألفانو، الذي تترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي: “الاتفاقيات المحتملة بين الجنرال حفتر وروسيا والتقدم الروسي في الساحة الليبية بعد سوريا يدفعنا إلى مزيد من العمل ليكون لنا دور قيادي في المشهد الليبي حتى من خلال الحوار مع حفتر”، وتؤكد تصريحات الوزير الإيطالي خشية بلاده من التقارب الروسي مع السلطات في شرق ليبيا.
وتسعى إيطاليا إلى إيقاف مساعي روسيا في بسط نفوذها في ليبيا، والضغط من أجل إرجاع الدور الغربي هناك، في وقت اعتبر فيه وزير خارجية مالطا جورج فيلا في تصريحات صحفية، أن روسيا التي مولت حفتر، لها مصلحة استراتيجية في وضع موطئ قدم في وسط البحر الأبيض المتوسط، وأضاف: “أنا لست مرتاحًا، ونحن نعرف جميعًا أن الروس كانوا يحلمون بأن تكون لهم قواعد عسكرية في البحر الأبيض المتوسط”.