هل تخيلت نفسك تسمح لطفلك بخوض طريق أنت متأكد أن نهايته الفشل لا محالة؟ ربما لأنك اتخذت نفس الطريق مسبقًا وآل بك إلى الفشل، أو ربما لأنك لم تتخذ ذلك الطريق من قبل أصلًا، ولجهلك به، افترضت نهايته الفاشلة، حينها يبدأ الدور الأبوي عندك في الظهور وفي السيطرة على الأمور، ويتجاوز مرحلة نصيحة الابن إلى قمعه وإجباره بكل الطرق على عدم سلك طريق لا تراه يصب في مصلحته.
عليك معرفة ما الذي تسعى إليه فعلًا، هل تسعى أن يكون أطفالك سعداء أم تسعى أن تراهم قلقين وخائفين من الفشل في كل مرة يتخذون فيها قرارًا في حياتهم؟ وعليه يجب عليك أن تحدد أي نوع من الآباء ستكون عليه، هل ستكون ضمن ذلك النوع الذي يخوض سباقًا خياليًا لإثبات قدرته على التربية، لتكون له الكلمة الأخيرة في كل شيء، ويرضي غروره الأبوي؟! أم ستكون ذلك النوع المساند، أي يساعد أبناءه وقت الحاجة، ولا يتدخل في قرارتهم الشخصية إلا بالنصيحة؟
لا يهم أي نوع ستختار، ما يهم أن أولادك هم من سيدفعون الثمن في النهاية، فقرارك سيحدد كيف ستكون شخصية ابنك في المستقبل، وكيف سيواجه الواقع بناءً على تمرينك له على مواجهته، فالنوع الأول، وهو النوع المتسلط الراضخ لغروره الأبوي، يؤثر بشكل كبير على ثقة الطفل بنفسه، فحينما يجد الطفل نفسه مُسيرًا وليس مُخيرًا، أي أن لوالده الكلمة الأخيرة، وأن أمه تخشى عليه من الفشل أكثر من أي شيء، حينها تهتز ثقة الطفل بنفسه، ويظن نفسه غير قادر على الاعتماد على نفسه، واتخاذ قرارات تخصه دون العودة إلى أمه وأبيه، لتكون المشكلة الأكبر في عدم استطاعة الطفل مواجهة الفشل المحتمل حدوثه في حياته بعد ذلك، ذلك لأنه لم يتعود من قبل على مواجهته وحده.
يجب على المدارس أن تعلّم الفشل
ربما يبدو هذا غريبًا، لا سيما أن الآباء عادة ما يصابوا بالفزع حين يرون أن علامات أبنائهم ليست على المستوى المطلوب ليكونوا طلابًا ناجحين، كما يهرعون للأطباء إذا ما شكوا أن أطفالهم متأخرين نسبيًا عن أقرانهم في السنة الدراسية، فعلى الرغم من أن عبارة الفشل هو سر النجاح تتردد كثيرًا على لسان الآباء أنفسهم، فتطبيقها على أرض الواقع يعد من أصعب المهام تجاه الأبناء.
المدارس لا تعلم الفشل، ولكن ربما يجب عليهم أن يبدأوا في التفكير في تعليمه، ربما ليس فقط للطلاب، بل للآباء كذلك، حيث أثبتت الدراسات التربوية أن الأطفال لا يستطيعون التعامل مع بيئة مختلفة أو قاسية عليهم طالما لم يعتادوا عليها من قبل، فهم لا يحاولون من الأساس مواجهة الصعاب، بعد أن اعتادوا أن هناك من يحلها لهم، ويجعلهم يتخطوها في سلام، لذا يجب على المدارس تعليم الفشل، ليس بتدريسه كأنه منهجًا للطلاب، بل بجعل الآباء يتقبلونه.
من الصعب مواجهة الأب الذي يشكو من مستوى ابنه الدراسي المتدني، بأنه السبب في ذلك، لا سيما أنه لا يهدأ ولا يتوقف عن لوم المدرسة وأسلوب التعليم في ذلك، إلا أن المشكلة الحقيقية تقع في رغبة الآباء في حصول ابنهم على العلامات النهائية كإشارة واضحة على مستوى ذكائه المرتفع، متجاهلين في ذلك شغفه الحقيقي بالدراسة أم لا، مستخدمين في ذلك الابتزاز العاطفي تجاه الابن، بأنه قد خيّب أملهم وأن ثقتهم فيه لم تكن في محلها.
قام بعض الخبراء النفسيين بإجراء التجربة التالية لإثبات ما سبق، حيث قاموا بتصوير الأم مع الابن وهم يلعبون معًا ويحلون بعض الألغاز المختارة بعناية من قبل الخبراء، ومن ثم قاموا بتصوير الابن يعمل على حل نفس الألغاز وحده بعد استبعاد الأم من الغرفة، لتكون النتائج مدهشة بحق.
لم يستطع الأطفال ممن لهم أم متحكمة ومسيطرة على حل الألغاز واستسلموا من البداية ولم يستطيعوا المحاولة لأكثر من مرة، أما أولئك الذين كانوا لهم أم تساعدهم على حل الألغاز سويًا وتسمح لهم بحرية الاختيار في طريقة الحل، فاستطاعوا المحاولة عدة مرات بعد كل مرة فشلوا فيها، ولم يستسلموا من البداية، ليستطيع بعضهم بالفعل الوصول إلى الحل النهائي دون مساعدة والدته في أثناء إجراء التجربة الثانية.
في كتاب “هدية النجاح” “The Gift of Failure” للكاتبة “جيسكا لاهي” تقول:
نحن ننقذ أطفالنا من الفشل لأن ذلك هو الحل الأسهل بالنسبة إلينا
فنجد في النهاية فتاة بعمر الـ18 غير قادرة على حل مشاكلها مع صديقاتها، ونجد صبي في عمر الـ17 غير قادر على حزم أمتعته قبل السفر دون مساعدة أمه، لأنها متأكدة بأنه لن يستطيع حزمها بالشكل المطلوب، حيث يعتقد الآباء بأن لديهم الوقت الكافي لتربية أطفالهم ليكونوا على أتم استعداد على إدارة حياتهم بأنفسهم، إلا أنهم يصلون إلى سن الثامنة عشر وما زالوا لا يستطيعون على ذلك!
بالعودة إلى فكرة اختيار الحل الأسهل، نجد أن جيسكا على حق، لا تريد الأم أن تعاني مع ابنها مدة طويلة، لذلك تدير الأمور بدلًا منه، حيث شرحت جيسكا في الكتاب الموقف التالي، إذا وجدت الأم ابنها قد نسي واجبه المنزلي على الطاولة قبل أن يذهب للمدرسة، حينها سيقفز فورًا إلى عقلها بأن تسرع به إلى المدرسة خشية أن توبخه المعلمة أو أن يقع في موقف حرج، هنا تسرع الأم لإنقاذ ابنها لأنه الحل الأسهل، إلا أنها إن قررت ألا تذهب به إلى المدرسة، سيختبر الطفل موقفًا جديدًا عليه يتطلب منه مهارات إدارة الأزمة، فربما يعود للمنزل باكيًا فتعاني الأم والابن قليلًا، إلا أن في النهاية يكون الطفل هو من يكسب.
ربما يكمن سر الأبوة في أن الأطفال باستطاعتهم فعل أكثر مما نظنهم قادرين على فعله، والأمر يعود إلى الآباء في النهاية، هل لديهم الصبر الكافي لاكتشاف قدراتهم بالفعل، والأهم من ذلك، هل سيقدرون الجهد المبذول من قبل الأبناء أم سيستمرون في تقدير النتيجة التي ترضيهم فحسب؟