رد العبادي على سؤال يتعلق برغبة التحالف الإسلامي بقيادة السعودية، بمحاربة الإرهاب في الموصل العراقية والرقة السورية، أنه يرحب بالتحالف في إطار إعادة الاستقرار وإعمار المدن والقرى التي دمرها تنظيم داعش تمهيدًا لإعادة النازحين إلى مدنهم.
يُذكر أن التحالف الإسلامي وعلى لسان المتحدث الرسمي له أحمد عسيري، كان قد صرح في مقابلة صحفية، عن رغبة التحالف بالمشاركة الفعالة مع التحالف الدولي في محاربة داعش في سوريا والعراق، ويبدو أن التحالف الإسلامي يتحدث عن شيء، وترحيب العبادي يتحدث عن شيء آخر مختلف تمامًا عن رغبة التحالف.
إن التحالف الإسلامي بقيادة السعودية لم يعلن عن هذه الرغبة إلا قُبيل استلام ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة، وهذا يعني أن هناك ضوء أخضر قد أُعطي للسعودية من الإدارة الأمريكية الجديدة في البيت الأبيض، ذلك الضوء الأخضر الذي فشلت السعودية في الحصول عليه سابقًا من إدارة أوباما
يُذكر أن اقتراحات كان قد أبداها السيناتور الجمهوري جون ماكين رئيس لجنة الدفاع في الكونغرس الأمريكي خلال زيارته للعراق في كانون الأول/ ديسمبر 2014 وعرض خلالها على القيادة العراقية مقترح تأسيس قوة عربية من 100 ألف مقاتل إضافة إلى 10 آلاف مقاتل أمريكي لدحر داعش من المناطق التي تسيطر عليها، تلك الخطة التي جوبهت بالرفض حينها من قبل الحكومة العراقية، مستندةً على الدعم الإيراني لها، حيث كانت إيران ترتبط بعلاقة وثيقة بأوباما، نشك أن تكون لها نفس القوة مع الرئيس الجديد ترامب.
ضمَّ اجتماع الرياض 14 دولة كان من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، وهما دولتان مهمتان ومعنيَّتان بشدة فيما يتعلق بالوضع العراقي والسوري، فالإعلان الصادر عن هذا الاجتماع، والذي يبدي فيه المجتمعون الرغبة بالمشاركة في تحرير الموصل والرقة، يعني وجود موافقة وإرادة أمريكية وموافقة ومشاركة تركية في هذا الأمر.
لذلك جاء الترحيب من الحكومة العراقية لهذه الرغبة، لأن الأمر يتعلق بالتوجه الجديد لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية بعهد ترامب بما يخص العراق وسوريا، والذي لا يستطيع العراق ولا تستطيع إيران أن يفعلان حياله شيئًا يُذكر، ولكن العبادي وبتنسيق إيراني حاول أن يُحرف مسار تلك الرغبة في التدخل العسكري، إلى مشاركة بإعمار ما دمرته الحرب، وإرجاع اللاجئين إلى ديارهم، وحصر تلك المشاركة بالمستوى الإغاثي فقط، ولا أظن أن محاولته تلك ستنجح أمام التوجهات الجديدة لأمريكا.
فهل هذا يعني، إعادة الحياة لتلك الخطط الأمريكية التي جمدتها إدارة أوباما؟ وهل حان الوقت الذي كانت تنتظره السعودية وتركيا لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة؟ بعدما عبِث بها الدور الأمريكي السلبي طيلة الفترة حكم أوباما؟ نكاد نرى ملامح اتفاق أمريكي روسي ولأول مرة بمنطقة الشرق الأوسط وبالأخص في العراق وسوريا، يتمُ خلاله توزيع مناطق النفوذ بينهما بالاشتراك مع من يمثلهما من الدول الإقليمية، ونقصد بهما تركيا والسعودية.
لكن روسيا ما زالت تنظر إلى هذه التطورات بحذر، إلا أن من المتوقع أن توافق روسيا على خطط الأمريكان والتحالف الإسلامي، عندما يعطي ترامب والتحالف الإسلامي الضمانات للروس بالحفاظ على مصالحهم في سوريا.
وحسب السيناريوهات المتوقعة لتنفيذ رغبة التحالف الإسلامي في المشاركة بمحاربة داعش في العراق وسوريا، يبدو أن إيران هي الخاسر الأكبر فيها، بسبب أن لا دور سيناط لها في تلك الخطط، حيث يرجح كثير من المراقبين، أن يتم تشكيل قوة برية من التحالف الإسلامي وتحت مظلة التحالف الدولي لتحرير المناطق التي تحتلها داعش في سوريا، ويرجح أن تكون غالبيتها من القوات البرية السعودية والتركية بالإضافة إلى عناصر الجيش السوري الحر، وهي أراضٍ شاسعة ستجعل قوة التحالف الإسلامي رقم واحد في سوريا بعد تحريرها من قبضة داعش، مقارنة بالقوى الأخرى المتمثلة بالميليشيات الإيرانية.
كما ويرجح أن يتم الاتفاق مع الروس على تقاسم النفوذ مع الأمريكان من خلال وضع الحلول النهائية في سوريا تضمن حق الروس في سواحلها، إضافة إلى ضمان المصالح التركية في إبعاد المخاطر التي يشكلها الأكراد السوريين الطامحين للانفصال بدولة كردية مستقلة، وأخيرًا تضمن السعودية بقاء نفوذها في سوريا من خلال دولة يحكمها الغالبية العربية السنية، وإبعاد النفوذ الإيراني فيها، ناهيك عن إبعاد خطر داعش عن هذا البلد.
أما فيما يخص الوضع في العراق، فالوضع أكثر تعقيدًا، نظرًا لتفرد إيران في السيطرة على الأرض، ولغياب ممثل حقيقي عن العرب السنَّة عسكريًا أو سياسيًا، إلا أن الدور الأمريكي سيكون حاسمًا في هذا الموضوع، على اعتبار العراق منطقة نفوذ أمريكية بالأصل، فهي التي سهَّلت لإيران أن يكون لها نفوذًا في هذا البلد، بدأ الأمريكان زيادة وجودهم العسكري في العراق ويتوقع أن يصل إلى عشرة آلف مقاتل خلال فترة وجيزة، وبناء القواعد العسكرية الأمريكية في الأنبار ونينوى مستمرًا بوتيرة سريعة تمهيدًا لوجود عسكري أمريكي كبير وطويل الأمد.
إلا أن تلك القوات لن تحتك مع العرب السنَّة، وإنما سوف يتم ذلك من خلال القوات العربية والإسلامية، كما يفعل الروس الآن في حلب حينما جلبوا إليها عسكريين روس مسلمين ليسهل عليهم التعامل من الناس هناك، أما عن بغداد فإن محاولات تكثيف هجماتها على الموصل ليست مصادفة، إنها تحاول تحقيق أكبر عدد من النجاحات العسكرية قُبيل تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، لتؤكد عدم حاجة بغداد لطرف آخر يشارك معها تحرير الموصل، لكنها عمليًا لم تحرر الجانب الأيسر من الموصل بالكامل بعد مرور ثلاثة أشهر، أما المعارك في الجانب الغربي للمدينة، فقد تستمر ربما لثلاثة أو أربعة أشهر أخرى.
من المرجح أن تعمل أمريكا على إقامة الأقاليم على اعتباره الحل المثالي للأزمة الطائفية في العراق، سيضمن التحالف الإسلامي نفوذًا قويًا في المناطق السنية، وسوف يسود السلام مناطق العرب السنة ومناطق الأكراد الذين ربما في ظل هذه التطورات، سيؤجلون السعي لتحقيق طموحاتهم بالاستقلال مؤقتًا، بينما سيبقى جنوب العراق ذو الغالبية الشيعية آخر منطقة نفوذ إيرانية في العراق وستحاول التمسك بها بقوة، إلا أن من غير المرجح أن تسمح أمريكا بهذا الوضع ولا دول التحالف الإسلامي، وسيستغلون حالة الغليان في الشارع الشيعي ضد أحزابهم الدينية، وضد نفوذ إيران، التي يشعرون إنها ورطتهم بمعارك فقدوا خلالها أبنائهم بلا طائل.
ستعمل أمريكا وقوات التحالف الإسلامي، على دعم التوجهات العروبية والليبرالية في المناطق الشيعية لضرب الأحزاب الدينية الموالية لإيران
وستعمل أمريكا وقوات التحالف الإسلامي، على دعم التوجهات العروبية والليبرالية في المناطق الشيعية لضرب الأحزاب الدينية الموالية لإيران، ويتوقع بشدة أن تدور رحى حرب أهلية في المناطق الشيعية، بين الموالين لإيران والرافضين لها، ومن المتوقع أن تنتهي تلك الحرب الأهلية بعد سنوات لصالح الأحزاب العربية والليبرالية.
لكن السؤال، هل السعودية وتركيا مستعدتان للدخول بمواجهة عسكرية جدية ضد داعش إلى جانب الولايات المتحدة؟ السعودية الآن غارقة في حرب اليمن التي لم تُحسم الحرب فيها لحد الآن، فهي تحاول في الفترة الأخيرة وبقوة حسم ملف اليمن سريعًا، لتتفرغ للخطط الجديدة التي تتعلق بالعراق وسوريا، أما الاتراك فقد حسموا أمرهم من خلال تدخلهم العسكري في شمال سوريا، وأبدوا استعدادهم للمشاركة بتحرير الرقة، ذلك لكون الأتراك لا خيار لهم غير ذلك، في ظل التحدي الأمني الذي شكلته الأحداث الجارية في العراق وسوريا.