مساء يوم الثلاثاء الواقع في الـ10 من شهر يناير الحاليّ، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، عشية اجتماعه الذي عُقد في مدينة زيوريخ السويسرية، موافقة أعضائه على مضمون الاقتراح الذي تقدم به رئيسه السويسري جياني إنفانتينو، والذي يقضي بزيادة عدد المنتخبات المشاركة في نهائيات كأس العالم، لتصبح 48 منتخبًا عوضًا عن العدد الحالي البالغ 32 منتخبًا، وذلك اعتبارًا من نسخة عام 2026 من البطولة.
ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، تتوالى ردود أفعال الشارع الرياضي العالمي عن ذلك القرار فصولًا، فمنهم من رآه إيجابيًا ويعود بالنفع على اللعبة الشعبية الأولى، ومنهم من رآه غير ذلك، مستندًا إلى جملةٍ من الحجج والبينات التي ساقها في نقد ذلك القرار، فما أبعاد وملابسات ذلك القرار التاريخي من قبل الفيفا؟ وكيف تم التوصل إليه بكل تلك السرعة؟ وماذا سيترتب عليه من نتائج وتغييرات على صعيد المسابقة الكروية الأهم: كأس العالم؟ وهل سيسهم فعلًا في تطوير كرة القدم وتحسينها، أم أن العكس هو الصحيح؟ دعونا نتابع:
زيادة منتخبات كأس العالم ستكون اعتبارًا من مونديال 2026
البداية كانت مع وعدٍ قطعه رئيس الفيفا الحالي السويسري جياني إنفانتينو، إبان حملته الانتخابية التي انتهت بتتويجه رئيسًا جديدًا للمنظمة في فبراير الماضي، حيث تعهد حينها بضمان زيادة حصص اتحادات آسيا وإفريقيا والكونكاكاف في بطولة كأس العالم، من خلال رفع عدد المنتخبات المشاركة في البطولة، ولم يلق الكثيرون بالًا لتلك الوعود، واعتبروها نوعًا من الدبلوماسية الانتخابية المعهودة، ليس إلا، ولكن الرجل كان جادًا تمامًا، ومضى في طريق البر بوعده، عن طريق عقد سلسلةٍ من الاجتماعات السرية والعلنية مع جميع الأطراف المعنية، انتهت بإقناعهم بتقبل مناقشة الفكرة، التي كانت مرفوضةً تمامًا لدى الكثير منهم، ليتم تحديد موعدٍ للاجتماع من أجل مناقشة 5 اقتراحاتٍ تقدم بها إنفانتينو، بغرض الاتفاق على أحدها، لتكون النظام المعتمد خلال نهائيات كأس العالم، اعتبارًا من نسخة عام 2026، فماذا كان مضمون تلك الاقتراحات الـ5؟
الاقتراح الأول: يقضي بزيادة عدد المنتخبات إلى 40، مع تقسيمها إلى 10 مجموعات، يحتوي كلٌ منها على 4 منتخبات، بحيث يتأهل أبطال المجموعات مع أفضل 6 منتخباتٍ تحتل المركز الثاني إلى الأدوار الإقصائية، التي تبدأ بدور الـ16.
الاقتراح الثاني: زيادة عدد المنتخبات إلى 40، مع تقسيمها إلى 8 مجموعات، يحتوي كلٌ منها على 5 منتخبات، على أن يتأهل أبطال المجموعات فقط إلى الأدوار الإقصائية، التي تبدأ بدور الـ8.
الاقتراح الثالث: يزداد بموجبه عدد المنتخبات المشاركة إلى 48، تقسم على 16 مجموعةً، يحتوي كلٌ منها على 3 منتخبات، على أن يتأهل بطل ووصيف كل مجموعةٍ إلى الأدوار الإقصائية، التي تبدأ بدور الـ32.
الاقتراح الرابع: زيادة عدد المنتخبات إلى 48، على أن يتأهل الـ16 منتخبًا إلى دور المجموعات مباشرةً، في حين تخوض المنتخبات الـ32 الباقية دورًا تمهيديًا إقصائيًا فاصلًا، ينتهي بتأهل 16 منتخبًا خر إلى دور المجموعات، الذي يقام بنفس الطريقة القديمة من 8 مجموعات، في كلٍ منها 4 منتخبات، يتأهل أصحاب المركزين الأول والثاني إلى الأدوار الإقصائية، التي تبدأ بدور الـ16.
الاقتراح الخامس: الإبقاء على النظام الحالي للنهائيات، والمعتمد منذ مونديال فرنسا عام 1998، بمشاركة 32 منتخبًا، تقسم إلى 8 مجموعاتٍ ذات 4 منتخبات، بحيث يتأهل بطل ووصيف كل مجموعةٍ إلى الأدوار الإقصائية، التي تبدأ بدور الـ16.
رئيس الاتحاد الآسيوي سلمان آل خليفة أبرز مؤيدي قرار الزيادة
وبمناقشة الاقتراحات الـ5، تم استبعاد الاقتراح الثاني بدعوى تسببه بإنهاك اللاعبين، نتيجة خوضهم مباراةً إضافيةً في دور المجموعات، كما تم استبعاد الاقتراحين الأول والرابع بداعي تعقيدهما وعدم عدالتهما، ليتبقى الاقتراح الثالث إلى جانب الاقتراح الخامس الذي يمثل النظام القديم، ولترجح كفة الاقتراح الجديد، بفعل عددٍ من المميزات الجذابة، التي وجدها إنفانتينو مواكبةً للعصر، ولخصها بالنقاط الـ3 التالية:
1- مع 16 مقعدًا إضافيًا، ستتاح الفرصة لبلدانٍ جديدةٍ من أجل تحقيق حلمها بالوصول إلى كأس العالم.
2- لن يزيد الحمل البدني على اللاعبين رغم زيادة عدد المنتخبات، فالفريق الذي سيصل للمباراة النهائية لن يخوض أكثر من 6 مباريات، وهو العدد ذاته في النظام الحالي.
3- زيادة عدد المباريات من 64 إلى 80 مباراة، وزيادة عدد المنتخبات المشاركة من 32 إلى 48، سيضمن تحقيق مزيدٍ من الأرباح والمكاسب للفيفا والدول المنظمة، سواء عبر رفع نسبة الحضور الجماهيري في الملاعب، أو عبر زيادة عائدات البث التليفزيوني والإلكتروني، مما يعود بالنفع على كرة القدم ككل.
النجم الألماني السابق فرانس بيكينباور أبرز معارضي القرار
وهكذا، اتُخذ القرار برفع عدد منتخبات كأس العالم إلى 48 وفق الاقتراح الثالث، لتُفتح أبواب الجدل على مصراعيها، بين مؤيٍد للقرار وناقدٍ له، ففي حين لاقى القرار أصداءً إيجابيةً لدى عددٍ من الشخصيات الرياضية الشهيرة، كالأسطورة الأرجنتينية دييغو مارادونا، والمدرب البرتغالي جوزيه مورينو، والنجم الإسباني كارليس بويول، إضافةً إلى البحريني سلمان بن ابراهيم آل خليفة، رئيس الاتحاد الآسيوي للعبة، لم يجد أغلب ممثلي القارة العجوز مسوغًا منطقيًا لذلك القرار سوى الجانب التجاري والاقتصادي، كما عبر عن ذلك رئيس رابطة الأندية الأوروبية الألماني فرانس بيكينباور بقوله:
“إقامة المونديال بـ48 فريقًا جاء لأسبابٍ غير رياضية، ومن غير المفهوم تغيير صيغة الـ32 منتخبًا الناجحة، كما أن الدوريات والأندية الأوروبية لم تشارك بشكلٍ ديمقراطيٍ في اتخاذ القرار”، وحذا حذوه مدرب منتخب المانشافت يواكيم لوف بقوله: “أرى الصيغة الحالية جيدة، ولا أرى أية مكاسب رياضية من زيادة عدد المنتخبات”.
وذهب بعضهم بعيدًا في انتقاده للقرار، معتبرًا إياه ضربةً قاصمةً من شأنها المساس بسمعة كرة القدم العالمية، عبر التقليل من جودة البطولة العالمية الأهم، كأس العالم، كما عبر رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم رينارد جريندل بقوله: “لست سعيدًا بذلك القرار، مصدر قلقي أن يتغير مضمون كرة القدم نفسه، ويصبح أقل جاذبية”، وسانده لاعب المنتخب الألماني السابق أرني فريدريش بقوله: “كأس العالم الممتلئ بالمنتخبات سيجلب مزيدًا من الأموال، هذا كل ما في الأمر، أما جودة المباريات فستصبح مأساة!”.
الخبير الاقتصادي البريطاني باتريك نالي
وحتى فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، توقع الخبير البريطاني باتريك نالي الذي يعتبر أبرز مهندسي صفقات الرعاية الضخمة في الفيفا، أن تأتي الرياح بما لا تشتهي سفن إنفانتينو، بقوله: “يعتقدون أن الأرباح ستزداد بازدياد عدد المنتخبات، ولكن العكس هو الصحيح، فكأس العالم ستصبح أكثر مللاً وأقل جاذبية للرعاة مع احتشاد ربع منتخبات العالم فيها! فمعظم المشاهدين لن يسروا بمتابعة منتخباتٍ مغمورةٍ بلاعبين مجهولين في بطولةٍ يُفترض أنها للصفوة! وعلى البلدان التي تحلم بالمشاركة في كأس العالم أن تحسن من مستواها في اللعبة، وليس أن تنتظر إنفانتينو كي يرفع عدد المنتخبات مقابل انتخابه رئيسًا”.
ولم ينته الجدل عند هذا الحد، بل فتح القرار الجديد الباب أمام مجموعةٍ من القضايا العالقة، التي ينبغي على إنفانتينو والفيفا إيجاد حلولٍ مناسبةٍ لها في القريب العاجل، أبرزها كيفية توزيع المقاعد الـ16 الإضافية على الاتحادات القارية الـ6، والإجراءات التي ستتبع من أجل منع التلاعب بالنتائج في دور المجموعات، مع تعذر إمكانية إقامة مباريات المرحلة الأخيرة في وقتٍ واحد، بسبب وجود 3 منتخباتٍ فقط في المجموعة، إضافةً إلى الأعباء التنظيمية الإضافية التي ستتحملها الدول المضيفة، مع زيادة عدد المنتخبات والمباريات، بما يتطلبه ذلك من ملاعب وتجهيزاتٍ ومنشآت، قد لا تتوفر إلا لدى الدول العظمى، التي يبدو أنها صاحبة المصلحة الأولى في صدور قرارٍ كهذا.