“الذكاء الاصطناعي هو أداة قوية يمكن أن تستخدم للخير أو للشر، الأمر متروك لنا أن نقرر كيف نستخدمه” بيل جيتس.
لمدة طويلة، اعتدنا التعامل مع الذكاء الاصطناعي على أنه شيءٌ خطير، لكن لكل ابتكار جانبين، أحدهما مظلم والآخر مُضيء، وهو الحال ذاته مع الذكاء الاصطناعي؛ الأداة التي كما يمكن أن تُستخدم في ارتكاب الجرائم التي تصل إلى القتل، يمكن أن تُستخدم لتحسين كفاءة تنفيذ القانون، مثل التحقيق في الجرائم وتحليل البيانات الجنائية وتحديد المشتبه بهم.
دور الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الجرائم قبل وقوعها
قد تظن هذا غريبًا، أو لا تود تصديق أن الذكاء الاصطناعي قد يلعب دور البطل الخيّر، لكنها الحقيقة وهي قائمة بالفعل، ففي يونيو/حزيران من العام الماضي، نشر مجموعة من باحثي جامعة شيكاغو خوارزمية جديدة مدعمة بتقنيات الذكاء الاصطناعي في مجلة Nature، تعتمد في عملها على البيانات التاريخية للجرائم بدايةً من عام 2014 حتى نهاية 2016، لدراستها وتحليلها، والتنبؤ بالجرائم قبل حدوثها.
لا تهرع إلى التشكيك في هذه الخوارزمية ووصفها بالخيال العلمي، فقد تم بالفعل اختبار هذه التقنية في 7 مدن بالولايات المتحدة من بينهم شيكاغو وفيلادلفيا ولوس أنغلوس، وأثبتت كفاءتها في التنبؤ بالجرائم في نطاق 1000 متر مربع قبل عدة أسابيع من حدوثها وبدقة تصل إلى 90%.
على عكس التقنية المستخدمة في اليابان، التي تساعد دوريات الشرطة في عدد من المدن اليابانية، فإن خوارزمية باحثي شيكاغو لا تعتمد في طريقة عملها على مبدأ اكتشاف الزلازل، فلا تعتمد فقط على تحديد المدن الأكثر عرضة لحدوث الجرائم على هيئة خريطة حرارية، إنما تُضيف عددًا من العوامل الأخرى التي من بينها البيئة الاجتماعية للمدن والرابط بين خطوات الشرطة وحدوث الجرائم.
برر ذلك “جيمس إيفانز” أستاذ علم الاجتماع بجامعة شيكاغو، وهو أحد أعضاء مجموعة الباحثين مع فيكتور روتارو ويي هوانج وغيرهم عندما قال: “النماذج المكانية تتجاهل الطوبولوجيا الطبيعية للمدينة”، لذلك على عكس اليابان، كان لا بد من إضافة عدد من العوامل مثل الشوارع والممرات وخطوط القطارات والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية لكل منطقة على حدة.
ليس هذا كل شيء، فعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، نجد شركة Cloud Walk Technology الصينية المتخصصة في تقنيات التعرف على الأوجه تحاول الوصول إلى إمكانية التنبؤ بإذا ما كان شخص معين مُقدِمًا على جريمة أم لا قبل تنفيذها.
تعتمد الشركة في هذا النموذج على تقنيات التعرُّف على الأوجه وتقنيات تحليل أسلوب المشي – Giat Analysis، لاكتشاف أي تغيير في سلوكهم أو تحركات غير اعتيادية، كأن يسير شخص ما للأمام وللخلف في منطقة معينة، ما يجعله أكثر عُرضة للاشتباه به، في محاولة لمحاكاة أسلوب البشر في اكتشاف المجرمين، لكن مع المزيد من البيانات.
وضربت الشركة مثالًا لجريدة Financial Times في لقائها قائلةً: “بالطبع، إذا اشترى شخص سكينًا للمطبخ فهذا مقبول، أما إذا اشترى هذا الشخص أيضًا مطرقة وكيس، سيُصبح هذا الشخص مشكوكًا فيه”.
كما تتبع الخوارزمية الأشخاص ذوي الخطورة العالية، وتبلغ رجال الشرطة فور وجودهم في أي من المؤسسات الحيوية وعند حدوث أي تغيُّر في سلوكهم.
الذكاء الاصطناعي والقبض على المجرمين
كان ما سبق هو دور الذكاء الاصطناعي فيما قبل حدوث الجريمة، أي مرحلة منع حدوث الجريمة Crime Prevention، لكن كما ذكرت في الفقرة السابقة، فإن نموذجًا مثل النموذج الأمريكي يصيب فقط نسبة 90% من الجرائم، وبالطبع لم يُستخدم بعد في جميع أنحاء العالم، أما ما زاد انتشاره حقًا ومنذ عدة سنوات، فهو دور الذكاء الاصطناعي بعد حدوث الجريمة.
وفقًا لشركة ShotSpotter، فقط 20% من حوادث إطلاق النار يُبلّغ عنها إلى “911” في الولايات المتحدة، وحتى عند التبليغ عن هذه الحوادث، فإن المُبلِّغ في الأغلب قد يوفر معلومات خاطئة أو غير دقيقة، لذلك استفادت الشركة من البيئة التحتية للمدن الذكية، وذلك بالاعتماد على ثلاثة مكونات رئيسية وهم المستشعر الذي يتم تركيبه في المناطق التي تتم مراقبتها، ليكتشف صوت إطلاق النار فور صدوره في نطاق 1000 قدم، ويرسله إلى المكون الثاني، وهو شبكة ShotSpotter.
تتلخص مسؤولية شبكة “شوت سبوتر” في استقبال البيانات من المستشعر، لترسله إلى النظام المدعم بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ويستخدمه رجال الشرطة لتحديد مواقع تبادل إطلاق النار ووقفها.
قد يبدو هذا خيالًا علميًا بعض الشيء، لكن نظام ShotSpotter أثبت نجاحه بالفعل، وأكد ذلك دراسة قدمها المعهد الوطني للعدالة – National Institute of Justice، تفيد بانخفاض العنف المسلح بنسبة 30% في المناطق التي تم نشر مستشعرات ShotSpotter فيها.
أخيرًا، فإن نظام ShotSpotter يستخدم في الوقت الحاليّ في أكثر من 100 مدينة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنه أصبح يستخدم في العديد من الدول الأخرى من بينها المملكة المتحدة وكندا وأستراليا.
على الجانب الآخر، ولأن الجرائم ليست كلها دماء، فهناك جرائم أخرى إلكترونية، وكما يستخدم المحتالون الذكاء الاصطناعي في خداع المستخدمين، طور فريق من باحثي جامعة ولاية سان دييجو نظامًا بالذكاء الاصطناعي يمكنه اكتشاف عمليات الاحتيال للفوز بالعملات الرقمية مجانًا على منصة X (تويتر سابقًا).
منذ يونيو/حزيران العام الماضي وحتى يونيو/حزيران العام الحاليّ، تمكنت أداة GiveawayScamHunter من اكتشاف 95 ألف قائمة أنشأها 87 ألف حساب على منصة X، كما تمكن الباحثون من توفير بيانات عن آلية تنفيذ هذه العمليات بداية من تحديد الضحايا وحتى عدد الضحايا الذين تم خداعهم في فترة الدراسة، وقد وصلت قيمة الخسائر نتيجة هذه الاحتيالات إلى 872 ألف دولار أمريكي.
لا أجد ختامًا لهذه السلسلة القانونية البحتة أفضل مما قاله العالم الأسترالي Rodney Brooks: “الذكاء الاصطناعي هو أداة، وليس تهديدًا”، وهذا تمامًا ما نحتاج إلى فهمه والعمل على أساسه كي نتمكن من تحقيق الاستفادة الحقيقية من الذكاء الاصطناعي، فقط باتباع بعض القواعد والقوانين التي تنظم عملية استخدامه، وتعليمه النسيان تحقيقًا لقانون “حق النسيان” الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي، ومراقبة تطوره وأساليبه في الرد وتنفيذ الأوامر عن كثب.
بهذه الكيفية، يُمكننا أن نضمن عالمًا خاليًا من مخاطر الذكاء الاصطناعي، مع الأخذ في الاعتبار أن استبداله للوظائف الروتينية ليس من مخاطره، بل هو واقع علينا البدء في التكيف معه والبحث عن طريقة لنواكب تطُوره، لنضمن أماكننا في وجوده.