ترجمة وتحرير نون بوست
هذا الموضوع كتابة مشتركة بين مايكل غوردن وإريك شميت
لم يبق للقائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية باراك أوباما، سوى بضع ساعات قبل مغادرة البيت الأبيض، وفي الأثناء، يواجه أوباما موقفًا صعبًا يتمحور بالأساس حول القرار الذي سيتخذه بشأن المضي قدمًا في خطة تسليح المقاتلين الأكراد في الحرب ضد تنظيم الدولة ومواصلة التجهيزات لشن الغارة التي طال انتظارها لاستعادة الرقة، أهم معاقل التنظيم في المنطقة.
وعمومًا، ينبغي على أوباما اتخاذ القرار المناسب لحسم هذه المسألة، ومن بين الخيارات المتاحة أمامه، تشكيل تحالف عسكري وثيق مع الأكراد السوريين للحفاظ على موقع القوات المسلحة في المعركة ضد تنظيم الدولة، على الرغم من إدراج تركيا للمقاتلين الأكراد ضمن قائمتها السوداء.
ومن جهة أخرى، قد يلجأ أوباما لتأجيل موعد البت في مسألة الاستمرار في تسليح المقاتلين الأكراد في سوريا وترك كلمة الفصل فيها لإدارة ترامب، في المقابل، قد يكون لهذه الخطوة عواقب وخيمة، ففي هذه الحالة سيترك أوباما منصبه دون أن يمد القوات المسلحة باستراتيجية عسكرية واضحة للاستيلاء على معاقل تنظيم الدولة الأكثر أهمية في المنطقة، وبالتالي ستتأخر عملية الرقة لعدة أشهر.
دعى بعض المسؤولين في إدارة أوباما إلى ضرورة عودة القوات العسكرية الأمريكية إلى فسيفساء المعركة في الرقة ومحاولة حشد قوة أكثر تنوعا من ذي قبل لاسترجاع الرقة
وعلى ضوء هذه المسألة الحرجة، عقد الرئيس الأمريكي المنتهية صلاحياته، اجتماعًا مع مجلس الأمن القومي يوم الثلاثاء، لتدارس أبعاد هذا القرار المصيري الذي سيسطر مسار حملة الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم الدولة، وإثر انتهاء الاجتماع، أعرض البيت الأبيض عن الإفصاح عن القرار الذي أفضى إليه الاجتماع، خلافًا لذلك، ووفقًا لبعض المسؤولين في إدارة أوباما، فإنه من البديهي أن النظر في المسألة سيؤجل، إذ إنه من غير المرجح أن يتخذ أوباما قرارًا حاسمًا حيال هذه المسألة المثيرة للجدل في الأسابيع الأخيرة من ولايته.
ونظرًا لمماطلة إدارة أوباما لاتخاذ قرار بشأن هذه المسألة الشائكة، فإنه من الجلي أن النقاش عن التعاقد مع ميليشيات الكردية ما زال يطغى عليه الاحتراز، خاصة أن هناك مجازفة كبيرة في إرسال الجنود الأمريكيين للقتال في تلك المنطقة.
وفي الإطار نفسه، تعهد أوباما باتخاذ التدابير اللازمة بخصوص الضربات الموجهة من قبل تنظيم الدولة في الموصل والرقة قبل تنحيه عن منصب رئاسة الدولة، يوم الجمعة القادم.
وفي المقابل، تزايدت الغارات الجوية التي تشنها قوات التحالف على الرقة والمناطق المجاورة لها في الأسابيع الأخيرة، في الوقت الذي طوق فيه المقاتلون الأكراد والسوريون المدينة للحيلولة دون وصول التعزيزات العسكرية والأسلحة والوقود إلى معاقل التنظيم.
وفي الشهر المنصرم، أمر الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، 200 فصيلة من القوات الخاصة الأمريكية بالتوجه إلى سوريا لمساندة المقاتلين المحليين بهدف إحراز المزيد من التقدم في معركة الرقة، ومن الملفت للنظر أن هذا التعزيز سيضاعف من عدد القوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة.
وعلى الرغم من الإمدادات العسكرية الأمريكية التي عززت من صفوف القوات المحلية في الرقة، فإن الجيش الأمريكي يعتقد أنه لا يمكن استعادة الرقة من أيدي التنظيم ما لم تتأهب الميليشيات الكردية لحرب المدن، وعلى غرار حالة الشك التي تساور قادة الجيش الأمريكي إزاء تقدمهم في الرقة، فإن رؤية الرئيس الجديد دونالد ترامب، للتدخل العسكري في سوريا لا تزال ضبابية.
بالإضافة إلى ذلك، لا يزال مستوى الدعم الذي سيقدمه ترامب للجماعات المعارضة في سوريا لمكافحة تنظيم الدولة، غير واضح للعيان، وخاصة فيما يتعلق بالجماعات التي تعارضها تركيا.
وفي هذا السياق، أكد وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، خلال زيارته لقاعدة فورت كامبل بولاية كنتاكي في كانون الثاني/ يناير سنة 2016، على أهمية الرقة قائلاً: “تنظيم الدولة يتكون من خليتين رئيسيتين أولهما في الرقة بسوريا، وثانيهما في الموصل بالعراق، لذلك فإن استراتيجيتنا العسكرية سترتكز أساسًا على هاتين المنطقتين المحوريتين”.
ووفقًا للمعلومات التي أدلى بها بعض المسؤولين الأمريكيين، الذين طالبوا بالمحافظة على سرية هوياتهم نظرًا لسرية المعطيات المتداولة داخل الإدارة الأمريكية، فإن تنظيم الدولة شرع في تحصين مدينة الرقة، بحفر المزيد من الخنادق وزرع ألغام وتجهيز المزيد من الانتحاريين، في حين لا يزال نحو 250 ألف مدني محاصرًا داخل المدينة.
وفي خضم المعارك المحتدمة بين قوات التحالف ومقاتلي تنظيم الدولة، قررت القوات الأمريكية الاعتماد على تعبئة القوات المحلية لضمها إلى الميليشيات الكردية، بهدف التقليص من وجودها في ساحة المعركة.
وفي هذا الصدد، قال بريت ماكجورك، المبعوث الأمريكي إلى قوات التحالف التي تقاتل تنظيم الدولة، في ندوة صحفية خلال الأسبوع الماضي: “عملية الرقة تعد الأصعب من نوعها على خلاف العمليات العسكرية المنفذة في العراق، لأننا في سوريا لا نتعامل مع الحكومة”، وأضاف ماكجورك “نحن لا نتعامل مع عدو لا يستهان به لذلك ينبغي علينا التعاون مع الجهات المحلية وتنظيم قوة عسكرية قادرة على مواجهته”.
وأورد عدد من المسؤولين العسكريين الأمريكيين أن مسألة استعادة الرقة من تحت سيطرة تنظيم الدولة تعتبر أمرًا ملحًا، إذ إنها تعتبر من أهم معاقل التنظيم في المنطقة، فضلاً عن كونها عاصمة للخلافة وملاذًا للكثير من كبار قادته ومركزًا تعقد فيه الاجتماعات الخاصة بكل الجماعات المتطرفة.
المقاتلون التابعون للميليشيات الكردية في قاعدة قرب الرقة، في تشرين الأول/ أكتوبر.
وفي الوقت الحالي، تحاول وزارة الدفاع الأمريكية حث أوباما على تسليح الأكراد السوريين، الذين يعتبرهم القادة العسكريون الأمريكيون الشريك الأكثر فعالية في الحرب ضد التنظيم، وذلك بتوفير الإمدادات العسكرية اللازمة لقهر العدو التي تتمثل أساسًا في المركبات المدرعة والقاذفات الصاروخية والقنابل اليدوية والرشاشات وغيرها من المعدات الثقيلة. وعلى هذه الوتيرة ستتمكن القوات الأمريكية من إطلاق الهجوم ابتداءً من شباط/ فبراير.
علاوة على ذلك، أقر المسؤولون في الجيش الأمريكي بأهمية الترسانة العسكرية خلال معركة الموصل، إذ إنه من الصعب استرداد المدينة في ظل الأجهزة الدفاعية التي يتحصن بها تنظيم الدولة كالسيارات المفخخة.
بالإضافة إلى ذلك، كثفت وزارة الدفاع الأمريكية من جهودها لإقناع البيت الأبيض بالسماح للقوات الأمريكية باستخدام طائرات الهليكوبتر الهجومية، أباتشي، التابعة للجيش الأمريكي والمجهزة بصواريخ هيلفاير، التي سبق وأن قدمتها البنتاغون للقوات العراقية لدعمها في مسيرة الكفاح من أجل الموصل.
وتجدر الإشارة إلى أن تسليح الأكراد من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوتر بين الرئيس الأمريكي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، الذي يعتقد أن وحدات حماية الشعب لها صلة بحزب العمال الكردستاني المصنف ضمن الجماعة الإرهابية بالنسبة لتركيا والولايات المتحدة.
وفي المقابل، تسعى الإدارة الأمريكية لإيجاد سبل عسكرية ودبلوماسية فعالة للتخفيف من قلق تركيا، على غرار وضع الترتيبات اللازمة لمراقبة الأسلحة الممنوحة إلى المقاتلين الأكراد في الرقة، وبالتالي منع الأسلحة من أن تستخدم في أي مكان آخر من قبل الأكراد.
على الرغم من الإمدادات العسكرية الأمريكية التي عززت من صفوف القوات المحلية في الرقة، فإن الجيش الأمريكي يعتقد أنه لا يمكن استعادة الرقة من أيدي التنظيم ما لم تتأهب الميليشيات الكردية لحرب المدن
والجدير بالذكر أنه من المحتمل أن تتمكن قوات محلية من الاستيلاء على المدينة وعندها سيتم سحب المقاتلين الأكراد من المنطقة تمامًا.
وفي الآونة الأخيرة، أطلقت الولايات المتحدة حملة من الغارات الجوية بالقرب من مدينة الباب، وهي بلدة تقع في شمال سوريا تسعى تركيا جاهدة إلى استرجاعها من تحت سيطرة التنظيم.
ومن وجهة نظر بعض الدبلوماسيين الأمريكيين في أنقرة، فإن توفير الأسلحة للمليشيات الكردية التابعة لوحدات حماية الشعب قد تكون له عواقب وخيمة على العلاقات الأمريكية التركية التي يُتوقع أن تكون ردة فعلها عنيفة حيال هذا الأمر، علاوة على ذلك، ستلقي هذه القضية بظلالها على علاقة الولايات المتحدة مع أردوغان، وفي الوقت ذاته، قد يتخذ الأتراك إجراءات ضد وحدات الشعب في شمال سوريا من شأنها أن تقوض الهجوم الذي تستعد له مختلف الأطراف ضد التنظيم في الرقة.
وفي الأثناء، لا تزال أنقرة تنتظر إلى ماذا ستؤول مسألة تسليح الأكراد، بينما لجأت في الوقت نفسه إلى ممارسة المزيد من الضغط على الولايات المتحدة، عن طريق تأخير الموافقة على المهام الجوية الأمريكية التي ستنفذ انطلاقًا من قاعدة إنجرليك الجوية، التي تعد مركزًا رئيسيًا لتنفيذ الضربات الجوية التركية ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق.
والجدير بالذكر أن القيادة المركزية الأمريكية، التي تشرف على العمليات العسكرية في الشرق الأوسط، نشرت الأسبوع الماضي، بيانًا على تويتر من قبل القوى الديمقراطية السورية ومجموعة أخرى تضم الأكراد السوريين وكذلك المقاتلين العرب السوريين، تؤكد من خلاله على استقلاليتها التامة عن حزب العمال الكردستاني، خلافًا لما تدعيه “بعض الحكومات الإقليمية”، في إشارة إلى الحكومة التركية التي أبدت تضايقها بشأن قضية تسليح الولايات المتحدة للأكراد في سوريا.
قد يلجأ أوباما لتأجيل موعد البت في مسألة الاستمرار في تسليح المقاتلين الأكراد في سوريا وترك كلمة الفصل فيها لإدارة ترامب، في المقابل، قد يكون لهذه الخطوة عواقب وخيمة، ففي هذه الحالة سيترك أوباما منصبه دون أن يمد القوات المسلحة باستراتيجية عسكرية واضحة للاستيلاء على معاقل تنظيم الدولة الأكثر أهمية في المنطقة، وبالتالي ستتأخر عملية الرقة لعدة أشهر
وفي مواجهة هذه المعضلة، دعى بعض المسؤولين في إدارة أوباما إلى ضرورة عودة القوات العسكرية الأمريكية إلى فسيفساء المعركة في الرقة ومحاولة حشد قوة أكثر تنوعا من ذي قبل لاسترجاع الرقة، التي من شأنها أن تشمل القوات الخاصة التركية وجماعات المعارضة السورية المدعومة من قبل تركيا.
وفي هذا الإطار، صرح القادة العسكريون الأمريكيون بأن معركة الرقة تحتاج إلى نحو 20 ألف جندي، وعلى النقيض من ذلك، لم تتمكن تركيا من حشد سوى 2000 من المقاتلين العرب في معركتها لاستعادة الباب، وقد لاقت تلك الحملة مقاومة شرسة من قبل القوات المعادية لتركيا.
وتبعًا لهذه المعطيات حاول مسؤول أمني كردي في منطقة الحكم الذاتي الكردي في العراق مسرور بارزاني، خلال زيارته إلى واشنطن في الشهر الماضي، الضغط على المسؤولين الأمريكيين للعمل مع الأكراد السوريين غير التابعين لوحدات حماية الشعب والمعروفين بقوات البشمرگة الكردية، وفي هذا الصدد، أكد مساعدو بارزاني أن قوات البشمرگة السورية يتم تدريبهم من قبل البيشمركة الذين يقدر عددهم بنحو ثلاثة آلاف، ولعل هذا المعطى سيجعل مسألة التعاقد مع الأكراد أمرًا مقبولاً سياسيًا.
المصدر: نيويورك تايمز