كيف تقطف إيران ثمار تدخلها في سوريا الآن؟

تُطوى الأيام يومًا بعد يوم وتظهر معها الأطماع ومصالح الدول الأجنبية المتدخلة في سوريا. بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة عمل على تعزيز علاقته بالاتحاد السوفيتي التي ضخت مساعدات عسكرية ومالية على النظام آنذاك بآلاف الأطنان من الأسلحة في سنوات حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 وما بعدها بغرض تسليح الجيش السوري، وأنشأ السوفييت في العام 1970 ميناء بحري في طرطوس تحول فيما بعد إلى “قاعدة” عسكرية ثابتة للسفن الروسية في العام 2005 مقابل اتفاق تم فيه شطب 73% من الديون الروسية على سوريا، فضلا عن اتفاقات أخرى شملت الدفاع والصناعة والتجارة والسياحة والثقافة والطاقة والري والصحة وتسهيل التبادل الضريبي بين البلدين.
واليوم يعيد التاريخ نفسه في سوريا ولكن من خلال دولة أخرى، فإيران التي بذلت خلال السنوات الست الماضية المال والسلاح والرجال والدعم السياسي للنظام السوري، سعت هي الأخرى أن تأخذ نصيبها في سوريا كما سعت روسيا من قبلها.
أكبر صفقة اقتصادية في تاريخ سوريا
ظهرت خلال السنوات الماضية أخبار كثيرة تفيد أن إيران تشتري عقارات وتستثمر في قطاعات مختلفة في الاقتصاد السوري إلا أن ما حصلت عليه إيران أول أمس الثلاثاء يعد صفقة لم تكن تحلم بها في أيام مجدها. حيث تمكنت من إبرام ستة اتفاقات مع النظام السوري في مجال الاتصالات والنفط والزراعة والصناعة وغيرها، في إطار أكبر صفقة اقتصادية بتاريخ سوريا اتخذت طابع إعادة الإعمار، خلال زيارة رسمية قام بها رئيس الحكومة السورية عماد خميس مع وزراء حكومته التقوا فيها المسؤولين الإيرانيين وعقدوا عدة جلسات تم فيها التوقيع على تلك العقود.
رد الائتلاف على اتفاقيات إيران مع النظام بأنها تهدف لسرقة ونهب السوريين وأنها لاغية وغير شرعية
ومن ضمن الاتفاقيات التي تم توقيعها اتفاقية تعاون باستثمارات إيرانية في منجم الفوسفور شرق حمص وخمسة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية ورخصة تشغيل الهاتف المحمول وخمسة آلاف هكتار لإنشاء المستودعات والمحطات النفطية وحقل زاهد لتربية الماشية والأراضي المحيطة، بالإضافة إلى عقد باستثمار أحد الموانئ السورية في اللاذقية.
رئيس الحكومة عماد خميس أثنى على الدور الإيراني الذي تقوم به إيران في سوريا، وتكلم إسحق جهانغيري النائب الأول للرئيس الإيراني في مؤتمر صحافي مشترك مع خميس أن إيران تدعم الحكومة والشعب السوريين، إلا أنه قصد حكومة وشعبًا مختلفين في المنظور الثوري السوري. فإيران اتبعت خلال السنوات الماضية استراتيجيات مختلفة في التهجير وتفريغ البلدات والمدن من سكانها الأصليين وإحضار سكان آخرين بهدف التغيير الديمغرافي للمنطقة كما حصل مؤخرًا في داريا ومعظمية الشام والوعر في حمص وحلب الشرقية وغيرها.
ولتكتمل القصة التي بدأها نظام الأسد منذ أكثر من أربعين عامًا حول فتح الأوراق السورية لروسيا ومن ثم إيران اعتبر رئيس الحكومة السورية عماد خميس أن العقود التي تم توقيعها ومن بينها العقد المتعلق باستثمار أحد الموانئ السورية، تشكل نواة لتعاون ضخم بين البلدين في مجال الصناعة والاستثمار ولفت إلى أن الآلية التي تم فيها توفيع العقود تترجم العلاقة المتميزة بين سوريا وإيران.
ويبدو أن إيران بدأت تتلمس طريقها نحو حصاد ما زرعته خلال السنوات الست الماضية لاسترجاع القروض التي منحتها طهران للنظام على شكل خطوط ائتمان والبالغة نحو 4 مليارات دولار فضلا عن فتح خط ائتمان جديد بقيمة 3.5 مليارات دولار، فاختارت القطاعات الأكثر ربحية وحيوية حيث ركزت على قطاع الطاقة والاتصالات، ومن جهة أخرى اختيار أماكن استثمارات في المدن القريبة من لبنان.
اختارت إيران القطاعات الأكثر ربحية وحيوية في سوريا والقريبة من لبنان
وكما روسيا التي حصلت على ميناء في طرطوس منح نظام الأسد ميناء في مدينة اللاذقية اعتبره معارضون سوريون أنه بمثابة احتلال وتحكم بمقدارت السوريين حتى بعد التوصل لحل سياسي ورحيل بشار الأسد، كما أن منح مشغل ثالث للخلوي يعد مخالفة وخاصة المشغل الثالث ينص على منح الشركة الإيرانية نسبة 40% و60% للجانب السوري موزعة بين مؤسسة الضمان الاجتماعي بـ20% و40% لصندوق الشهداء.
إيرانيون أمام مسجد الحميدية في دمشق
ويجدر الذكر أن عائدات شركة الخلوي في سوريا تقدر بنحو 12 مليار ليرة سورة سنويًا، أما بالنسبة للفوسفات والتي حصلت إيران أيضًا على عقود للاستثمار فيها فقدر مراقبون أن صادرات سوريا من الفوسفات إلى أكثر من 1000 طن بقيمة 120 مليون دولار.
ومن جهة التبادل التجاري بين طهران ودمشق فقد وصل إلى نحو 22 مليار ليرة سورية ويميل الميزان التجاري لصالح إيران فالصادرات السورية إلى إيران بلغت نحو 6 مليارات ليرة في حين تستورد سلعًا بقيمة 16 مليار ليرة سورية.
الائتلاف السوري: إيران قوة احتلال سافرة
بدوره الائتلاف السوري أشار أن كل تلك الاتفاقات تهدف لسرقة ونهب السوريين وتوزيع حصص الأطراف المقاتلة في سوريا، حيث ندد بها وذكر أنها مدانة وغير شرعية ولا يمكن القبول بها تحت أي ظرف وأنها انتهاكات إضافية لسيادة سوريا ومحاولة احتلال سافرة تأخذ مغانم لقاء مشاركتها في سفك دماء السوريين والسعي لكسر إرادتهم.
تعتبر الاتفاقات الموقعة مع إيران من الناحية القانونية نافذة ومُلزمة بالعرف الدولي بحكم أن النظام السوري عضو في مؤسسات الأمم المتحدة التي تضمن شريعتها سيادة أعضائها التامة، وبالتالي فإن بيع شركات القطاع العام، ومنح عقود التنقيب والاستخراج للغاز والنفط على الساحل السوري وعقود إعادة الإعمار ومنح ميناء في اللاذقية وآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية وغيرها من اتفاقات سيكون قانونيًا.
تم توقيع اتفاقية تعاون باستثمارات إيرانية في منجم الفوسفور شرق حمص وخمسة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية ورخصة تشغيل للهاتف المحمول
وعلى المعارضة أن تلجأ لرفض تلك الاتفاقات بالمحافل الدولية لانتزاع قانونيتها من النظام وتجريده من كافة أدواته الاقتصادية، التي يتحكم بها ويوزعها بين روسيا وإيران وعلى الحكومة السورية المستقبلية التصدي لهذه المسألة وفق ثنائية الشرعية المحلية والدولية بكافة السبل السياسية والدبلوماسية، وابتكار طرق ووسائل للتفاوض مع إيران وروسيا من خلال التأميم وسن تشريعات وقوانين تردعها وتحاول إعادة الحقوق والثروات المسلوبة للشعب السوري، ويمكن استصدار قوانين وتشريعات من البرلمان تبطل أو تخفف من حدة تلك العقود والاتفاقات المجحفة.