ربما يبدو العنوان صادمًا أو عنصريًا إلى حد كبير، إلا أنه ليس تعميمًا على المصريين وحدهم، بل تشترك في ذلك العديد من الدول العربية حينما يصل الأمر إلى علاقة الذكر بالأنثى، هنا يعلو صوت دين المجتمع الجديد.
لعلاقة المرأة بالرجل آداب معروفة في كل الأديان السماوية، أما تأثير تربية الأهل عليها لم يكن نابعًا قط من تلك الآداب الواضحة، بل تبلور وأخذ طابعًا مجتمعيًا جديدًا، فاختلطت الأمور ببعضها، ولم تكن هناك معالم واضحة بين كل ما هو ديني وما هو مجتمعي، وبين الحرام والحلال، والصح من الخطأ، وما هو غير مقبول مجتمعيًا وحرام دينيًا، ليتم التعميم عليهم جميعًا بالحرام، على الرغم من أن الحرام بيّن أكثر من كل ما سبق.
هناك من يُحمّل الدين أعباء ثقافته القبلية أو ثقافته المتمدينة، ليختلطا معًا ويكونا مفهومه الخاص عن العادات والتقاليد داخل قالب ديني، ومنها يتخذ الدين حجة قوية لفرض رأيه، وبهذا من يعارضه سيعارض الدين في المقام الأول ولن يعارض رأيه الشخصي، ليتم استخدام سلطة الدين لفرض آراء مجتمعية، تأخذ مكانة أقوى من مكانة الآداب والتعاليم الدينية.
لا يحب العرب الانتقاد، هذا من طابعهم الثقافي منذ قرون، فالعرب يمتعضون عند الإشارة لكل ما يحتاج تصحيحًا، فالكلام يخرج من أفواههم، وينتهي الأمر عند ذلك ولا يهم كيف كان تأثيره على المستمع، ما يهم أنه لا يقبل النقد أو التصحيح أو الإشارة لأية مواضع نقص فيه، وهو ما يقود بالتبعية إلى شر الاستبداد، ليقوموا بشكل جماعي بالتفكير الأحادي، يتبعونه جميعًا ويهابون فيه التعديل، وهو ما يقود كذلك إلى اتباع نفس العادات والتقاليد لمدة طويلة دون تكيفها مع التغيرات التي تطرأ على المجتمعات.
لا يتوقف الأمر عند العادات المجتمعية ذات القوالب الدينية فحسب، بل يزيد عليه العواقب الاقتصادية، التي تجعل من الزواج على الطبقة المتوسطة أمرًا مستحيلًا، فيعرض الوالد قائمة الطلبات على المتقدم للزواج، يبدأها بوجود المسكن، وهو ما يفضله الأهل أن يكون ملكًا للعريس وليس بيتًا للآجار لضمان مستقبل ابنتهم، وهو ما يتطلب من المتقدم دفع ما هو في المتوسط يعادل 300 ألف جنيه مصري للحصول على منزل في مكان متوسط، أو يتطلب منه تقسيط ذلك المبلغ على عدة سنوات من راتبه الشهري وهو ما يتطلب اقتطاع ثلثي مرتبه لسداد ذلك الدين!
لا للزواج في مصر
أصاب المجتمع المصري الكثير من التشوهات المجتمعية طالت مفهوم الزواج كذلك، فبدلًا من تسهيل أموره على الشباب في تلك الأزمة الاقتصادية التي يمر به الاقتصاد المصري، والتعاون المرن من أجل توفير بيئة أقل تعقيدًا على الشباب، إلا أن الكثير من الأهل يختارون الاختيار الأصعب دومًا على الشباب، وهو الالتزام بما يرغبون أن يجدوه في مواصفات العريس المتقدم، أي في أنه يمتلك شقته الخاصة، وراتب يفوق الحد المتوسط، وكذلك يستطيع أن يقيم للفتاة عرسًا يليق بها أمام عائلتها، لتكون تكلفته هو الآخر عشرات الآلاف من الجنيهات.
“الشّبكة”، هو مصطلح يطلق على ما يقدمه العريس هدية زواج للعروس، إلا أنه تجاوز مفهوم الهدية بمعناها المعنوي ليختزله في قيمته المادية، فيجب أن تكون مجوهرات إما من الذهب الخالص أو الألماس، حيث يحدد العديد من الآباء مبلغًا معينًا بل ووزنًا معينًا لتلك الهدية من أجل أن تكون هدية مقبولة للعروس، فعلى الرغم من أن العبارة الشائعة هنا هي “الشبكة هدية العريس للعروس ونقبل بها مهما كانت فهي ذات قيمة معنوية”، إلا أن تلك أشهر العبارات الخادعة التي يُرفض بسببها الكثير من المتقدمين للزواج إن لم يقدموها بالشكل المناسب كما يراه أهل العروس.
إذا ما نجح العريس في اجتياز ما سبق من اختبارات، فعليه أن يستعد لتحضير أثاث المنزل، ومن ثم مراسم العرس التي تتكلف عشرات الآلاف، وبالتبعية عليه شراء فستان العرس كهدية أخرى للعروس تتطلب بضعة آلاف من الجنيهات كذلك، ومن ثم يمكنهم بدء حياتهم الزوجية بعد إنفاق مئات الآلاف من الجنيهات.
إحدى فرق الموسيقى الشعبية في الأعراس المصرية
ما رأي الشباب في ذلك؟
كما ذكرنا من قبل، يفضل المجتمع المصري التفكير بالشكل الأحادي، أي يتبع أغلبهم نفس المنهاجية في التعامل مع تلك الأمور، وعليه فإن النقد أو الجرح أو التعديل في ذلك يعد أمرًا غير مقبولًا لدى الأهل، وعليه فإن رأي الشباب ليس محوريًا بقدر رأي آبائهم في ذلك، وهذا لا يعود إلى استبدادية الأهل في المجتمع المصري فحسب، بل يعود إلى أساليب التربية كذلك.
المجتمع المصري هو مجتمع نصف منغلق ونصف منفتح
لم يختر المجتمع المصري النموذج المتبع في العلاقة بين الرجل والمرأة بعد، فهناك من يحرم ويجرم التعارف بين الرجل والمرأة خارج الإطار الرسمي للخطبة أو الزواج، وهناك من يتساهل في ذلك إثر ظروف المجتمع المتغيرة بشكل كبير ونتيجة الأزمات الاقتصادية التي تجبر الأهل على التغاضي عن كثير من متطلبات الزواج التي اعتادوا عليها، وفي النهاية تعود الأزمة للتنشئة التي تؤثر بشكل ضخم علي تعامل الرجل والمرأة فيما بعد.
تبدأ الأم المصرية بشراء “جهاز العروس” وهو ما يتضمن أدوات المطبخ كاملة ومستلزمات الفراش وغيره قبل أن تصل الفتاة إلى عمر الثامنة عشر، مما يجعل فكرة الزواج مبكرًا تهيمن على عقل الفتاة، بعدها تدخل في سباق مع الزمن ومع أقرانها ممن يتزوجون قبلها، ويهددها خطر العنوسة التي تخشاه أمها منذ تبلغ الفتاة الثامنة عشر، ليكون تفادي العنوسة سببًا منطقيًا جدًا لزواج بعض الفتيات.
من يدفع أكثر!
اختزال كل متطلبات الزواج في الأمور المادية يجعل من الفتاة ملكية الرجل الخاصة به، لا ننكر من ذلك وجود المهر كمطلب أساسي من حق الوالد أن يطلبه من المتقدم لزواج ابنته، إلا أن إنفاق مئات الآلف من الجنيهات لم يكن أبدًا مطلبًا دينيًا لإتمام الزواج، كما لم يكن كذلك تحميل أعباء فوق طاقة العريس من الأمور المتممة للزواج بسلاسة ويسر كما يدعو إليها الدين، فليس من ذنب ذلك الشاب مجاراة والد العروس في توفير احتياجاتها من منزل فخم وسيارة ومستوى معيشة مناسب، حيث استغرق والدها قرب الثلاثين سنة لفعل ذلك، فما ذنب الشاب الذي لم يتم الثلاثين من عمره بعد في ذلك!
يعاني أغلب المصريين من الذكور والإناث بشكل عام من فقدان للثقة، ذلك لأنهم نتاج تربية كان الطابع الأغلب فيها طابع استبدادي مسلوب الإرادة، يقرر فيها من يختار تلك الطريقة في التربية الكلمة الأخيرة في كل شيء، وهو ما خلق جيل سهل جدًا التحكم فيه والتلاعب بقرارته، وهو ما جعل الكثير من الشباب اللجوء للزواج من جنسيات أخرى للفرار من كل المتطلبات صعبة التحقيق تلك، أو الدخول في علاقات خارج إطار الزواج.
ربما ولدت تلك الأجيال في المرحلة الانتقالية للأجيال الخاصة بالشعب المصرى، إلا أن أولادهم من المفترض أن يعيشوا في بيئة أكثر استقرارًا واتزانًا من ناحية التربية، فعلينا قبل أن نفكر في أنفسنا أن نفكر فيهم كذلك، ولكي نفعل ذلك، يجب علينا البدء بأنفسنا.