بحالة من الفتور واللامبالاة، استقبل الفلسطينيون النتائج التي خرجت من اللقاءات الحوارية التي جمعت الفصائل الفلسطينية في العاصمة الروسية “موسكو”، التي خُصصت للبحث عن مخارج لأزمة الانقسام الراهنة التي كوت نيرانها كل فلسطيني في الداخل والخارج.
الفلسطينيون لم يعلقوا أي آمال على نتائج تلك اللقاءات وكأن لسان حالهم يقول “شبعنا لقاءات ومؤتمرات”، خاصة وأن روسيا كانت بالنسبة لهم محل “شك وعدم ثقة” في قدرتها على حمل ورعاية الملف الفلسطيني وتقديم أي حلول عملية لأزماتها الشائكة، بقدر ما كانوا ينظروا لدور موسكو الأخير بأنه مصلحة روسية وبداية لاتساع نفوذها في المنطقة على حساب الفلسطينيين.
فقد شهدت العشر سنوات الماضية عشرات اللقاءات في العواصم العربية والأجنبية، تمخضت عن توقيع اتفاق في القاهرة عام 2011، يقضي بإنهاء الانقسام، حينها خرج الفلسطينيون للشارع فرحاً بتحقيق الحلم، إلا أنه سرعان ما تحول إلى سراباً حينما عادوا إلى القطاع ولم يتغير شيئاً على الأرض.
وتردد داخل الأوساط السياسية، أن روسيا تسعى من وراء اللقاءات التي استضافتها، للتعرف عن قرب على المشاكل الفلسطينية التي تعيق تطبيق اتفاقيات المصالحة، كمقدمة لدخولها على الخط الفلسطيني، من أجل التحرك مستقبلا كوسيط رئيسي في حل الأزمة، ولعب أدوار أخرى في المنطقة بشكل عام.
لماذا فشلت لقاءات موسكو؟
مسئول فلسطيني رفيع المستوى في الضفة الغربية المحتلة، ومطلع على لقاءات الفصائل التي جرت في العاصمة الروسية “موسكو”، كشف أن اللقاءات الحوارية بين الفصائل وما نتج عنها من قرارات تتعلق بملف المصالحة الداخلية لن تجد أي طريق للتنفيذ على أرض الواقع.
وأكد المسئول في تصريح خاص لمراسل “نون بوست” في غزة، أن ما جرى خلال لقاءات موسكو التي استمرت ثلاث أيام مجرد طرح للأفكار من قبل الفصائل الفلسطينية بما فيها حركتي “فتح وحماس” حول كيفية الخروج من مأزق الانقسام المستمر منذ سنوات طويلة فقط.
سيكون الدور الروسي في تحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية سيكون بدون جدوى وهو مظهر تجميلي لروسيا بعد ارتكاب المجاز في سوريا
وأضاف:” كافة الفصائل قدمت رؤيتها لإتمام وتحقق المصالحة وتجاوز العقبات القائمة والتي تعرض الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وحل أبرز الملفات الشائكة وهو رواتب موظفي الحكومة في غزة، والتي يصل عدد لأكثر من 40 ألف موظف”.
وأوضح لم يتم الاتفاق في اجتماع “موسكو” على آلية واضحة لتحريك الملفات الفلسطينية العالقة، ولا حتى عن كيفية تذليل تلك العقبات القائمة حتى اللحظة، وإنما استمرار المشاورات لتشكيل الحكومة فقط، مشيراً إلى أن المصالحة تحتاج إلى قرار وخطوات فورية للتنفيذ وليس فقط مجرد لقاءات وتقديم تصورات جديدة.
وتوقع المسئول الفلسطيني ذاته، أن يعود ملف المصالحة الداخلية إلى “الثلاجة” مجدداً بعد مغادرة الفصائل من العاصمة الروسية، مؤكداً أنه حتى اللحظة لا يوحد أي قرار رسمي للتنفيذ من غزة والضفة، وأي ضغوطات خارجية سواءً كانت روسية أو مصرية أو حتى قطرية لن تنجح طالما لم تتوفر الإرادة للمصالحة وإنهاء الانقسام الداخلي.
ويتضح مما سبق أن الحالة الفلسطينية تمر بحالة استعصاء تحول دون إيجاد حلول جدية تنهي حالة الانقسام، وهنا يبرز عجز القيادة الفلسطينية والسياسي الفلسطيني للوصول لحلول حقيقية لهذه المعضلة، وفق ما يرى الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب.
ويؤكد حبيب، أن الواقع السياسي الفلسطيني المُعقد يحتاج لإرادة حقيقية للخروج من الوضع الحالي، مستبعدًا أن يكون هذا الاتفاق الذي ترعاه روسيا مخرجًا لإنهاء الانقسام.
وأضاف “تفكير الفصائل لم يتجاوز بند تشكيل الحكومة الوطنية وكأّن المشكلة تتعلق في تشكيل الحكومة وليس وجود أسباب معقدة ومستعصية تحتاج لتوفير الحلول الحقيقية لها”، موضحاً أن توقف التفكير عند فكرة -حكومة وحدة وطنية-باعتبارها أرضية الخلاص الوحيدة لإنهاء الانقسام يعتبر شكلًا من أشكال استمرار القيادة الفلسطينية في خداعها للشعب.
والمعروف أن غالبية الحاضرين لمؤتمر موسكو، شاركوا في اجتماعات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني التي عقدت قبل أيام في العاصمة اللبنانية بيروت، وانفضت دون الوصول إلى نتائج رسمية، حيث أعلن عن اجتماع آخر للجنة الشهر المقبل، لمواصلة بحث توافق بين قادة الفصائل، خاصة في ظل مشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في تلك الاجتماعات، ضمن المساعي الرامية لضمهم لمنظمة التحرير.
تشاؤم فلسطيني كبير
القيادات الفلسطينية كذلك لم تعقد أي آمال على إمكانية إحداث لقاءات الفصائل في العاصمة الروسية موسكو، التي تخللها عقد لقاء مع وزير الخارجية سيرغي لافروف، اختراقا جدي في عملية الانقسام، والوصول إلى مرحلة تنهي الخلافات الداخلية تحديدا بين فتح وحماس، تفضي لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وذكر مسئول في السلطة الفلسطينية، أن اللقاءات التي استضافتها موسكو، غير مخصصة للوصول إلى اتفاق رسمي، لإنهاء الانقسام بإشراف ووساطة روسية، وإنه مخصص لوضع أفكار لحل المشاكل العالقة بين فتح وحماس، موضحاً أن إنهاء الانقسام وارد في اتفاق القاهرة الذي وقعت عليه الفصائل الفلسطينية في عام 2011، وأن الخلاف لا يزال مستمرا حول كيفية تطبيق هذا الاتفاق.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك وبعد لقاءات استمرت لثلاث أيام، أعلنت الفصائل الفلسطينية (الثلاثاء)، التوصل إلى اتفاق يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية قبل عقد الانتخابات.
وقال القيادي في حركة فتح ورئيس وفدها في حوارات المصالحة عزام الأحمد: “اتفقنا على أن نتوجه إلى الرئيس أبو مزن خلال الساعات الـ 48 القادمة حتى يبدأ مشاوراته لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
بدوره، قال القيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق “نحن نعتبر أن لروسيا دورا كبيرا يمكن أن تلعبه في (اللجنة) الرباعية التي هيمنت عليها الإدارة الأميركية بصورة أو بأخرى”.
ويفترض أن يتم بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، عقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني وتنظيم انتخابات تشريعية.
وأجرى ممثلون عن فتح وحماس والجهاد الإسلامي وفصائل فلسطينية أخرى منذ (الأحد) مشاورات غير رسمية في موسكو بهدف استعادة “وحدة الشعب الفلسطيني”، والتقى ممثلو الفصائل الفلسطينية وزير الخارجية لافروف وطلبوا منه بذل كل ما بوسعه لمنع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، كما وعد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
ماذا تريد روسيا؟
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون مع “حبيب”، متوقعًا أن يبقى هذا الاتفاق حبرًا على ورق، كونه يأتي محاولة لاسترضاء روسيا لأنها رعت هذا اللقاء، وقال المدهون: إن إصرار رئيس السلطة محمود عباس على شروطه في تطبيق المصالحة وعدم ذهابه إلى ترتيب البيت الفلسطيني وإجراء الانتخابات يُبقي هذا الأمر مجرد كلام”.
وأكد أن تعقيدات الواقع الفلسطيني تحول دون تشكيل حكومة وحدة نتيجة لاختلاف البرامج السياسية والفجوة الجغرافية وعدم توفر أي إرادة حقيقية لإنهاء هذا الملف، داعياً في الوقت ذاته الفصائل إلى عدم تكرار أخطاء الماضي؛ لأن الشعب الفلسطيني ملّ الحديث عن المصالحة.
استقبل الفلسطينيون النتائج التي خرجت من اللقاءات الحوارية التي جمعت الفصائل الفلسطينية في العاصمة الروسية “موسكو” بحالة من الفتور واللامبالاة
لكن باحثون متخصصون في الشأن الفلسطيني، أكدوا أن روسيا أرادت أن تستغل الملف الفلسطيني لصالحها، في ظل محاولاتها استعادة مكانتها على المستوى الدولي كقوة عظمى يوماً بعد يوم، وهي تعلم أنها بحاجة إلى شروط وجهود كبيرة من العمل لتحقيق هذه الغاية، في الوقت الذي تقوم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بمحاولات لتقويض ذلك التوجه.
وأشار الباحثون إلى رغبة موسكو في تعزيز دورها في المنطقة من خلال عدة مداخل وملفات وملف القضية الفلسطينية يعد مدخلاً مهماً لروسيا للبروز على الساحة الدولية، والدور الروسي في تحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية سيكون بدون جدوى وهو مظهر تجميلي لروسيا بعد ارتكاب المجاز في سوريا.
وذكروا أن الإستراتيجية الروسية قائمة على المحافظة على مصالحها الحيوية وخصوصا الاقتصادية، وأن السياسة الخارجية الروسية لا يوجد لديها إستراتيجية ثابتة في التعامل مع القضايا العربية ولا مع القضية الفلسطينية، وتحاول روسيا كسر الجليد الأمريكي في المنطقة والإقليم، وما أنتجته السياسة الأمريكية في المنطقة دعم باتجاه التدخل الروسي في الشرق الأوسط.
يذكر أن حركتا “فتح” و”حماس” وقعتا في 23 نيسان/ أبريل 2014 اتفاقًا للمصالحة (اتفاق الشاطئ) نصّ على تشكيل حكومة وفاق وطني، ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن.
وفي الثاني من حزيران/ يونيو 2014، أدت حكومة الوفاق اليمين الدستورية أمام الرئيس محمود عباس، غير أنها لم تتسلم مهامها في قطاع غزة، بسبب الخلافات السياسية بين الحركتين.