لم يكن الرئيس الغامبي المنتهية ولايته يحيى جامي يتوقّع نزوله من كرسي الرئاسة الذي شغله لأكثر من 22 سنة، حكم خلالها البلاد بيد من حديد، وأن تأتي جيوش المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إكواس) إليه، لإجباره على التخلّي عن السلطة وترك البلاد بعد هزيمته في الانتخابات الأخيرة التي شهدتها الجمهورية الاسلامية الغامبية في الأول من ديسمبر الماضي أمام غريمه آداما بارو.
اعترف بالهزيمة ثم تراجع
أقرّ جامي -الذي يتربع على كرسّي الحكم منذ 22 عاما بهزيمته في الانتخابات الرئاسية التي أقيمت في الأول من ديسمبر الماضي في البداية، واتّصل بمنافسه آداما بارو وهنّأه، وقال “أنت الرئيس المنتخب لغامبيا، أتمنى لك النجاح والأفضل”، مؤكدا أن هذه الانتخابات “كانت الأكثر شفافية في العالم”. لكنه عاد، بعد ذلك في التاسع من ديسمبر الماضي، وشكّك في مصداقية النتائج، وأعلن تمسكه بالسلطة لحين إعادة الانتخابات بعد أن أعلنت هيئة الانتخابات مراجعة نتائج الفرز النهائية وتقلص الفارق في عدد الأصوات بين المرشحيْن من 60 ألفا إلى 20 ألفا فقط.
بحسب النتائج الرسمية للانتخابات الغامبية التي أقيمت مطلع الشهر الماضي، حصل يحي جامي على 36.7% من الأصوات مقابل 45.5% لمرشحّ المعارضة آداما بارو
ووعد جامي في خطاب له بمناسبة العام الجديد بثّ على التلفزيون الرسمي بما أسماه “الدفاع عن غامبيا في وجه أي اعتداء خارجي”. في الوقت الذي دعاه فيه الرئيس المنتخب إلى الإقرار بالهزيمة والقبول بحكم الشعب، مؤكّدا أن جامي لا يملك الصلاحية الدستورية للدعوة إلى استحقاق جديد.
وبحسب النتائج الرسمية للانتخابات الغامبية التي أقيمت مطلع الشهر الماضي، حصل يحي جامي على %36.7 من الأصوات مقابل 45.5% لمرشحّ المعارضة آداما بارو. ودعي للانتخابات نحو تسع مائة ألف ناخب من أصل مليوني نسمة هم عدد سكان البلاد، وبلغت نسبة المشاركة في الاقتراع 65%. ويحكم جامي البلاد منذ انقلاب عام 1994، وقد فاز في جميع الاستحقاقات الرئاسية، بدءًا من عام 1996، مرورا بأعوام 2001، و2006، و2011.
اعلان حالة الطوارئ في غامبيا
وقبل يومين من الموعد المحدّد لتسليمه الحكم وانتهاء فترة ولايته، أعلن جامي، الثلاثاء، حالة الطوارئ في البلاد لقطع الطريق على خلفه المنتخب آداما بارو الذي يقيم منذ بضعة أيام في الجارة السنغال، لتسلم مهام منصبه، وقال إن “حالة الخوف والاضطراب الحالية التي تسبب بها بعض اللاعبين السياسيين في الدولة قد تؤدي إلى انهيار القانون والنظام”، وأكّد أنّ حالة الطوارئ ” ستحول دون حدوث أي فراغ في السلطة”، إثر ذلك مباشرة مرّر برلمان غامبيا قرارا يسمح بالتمديد لجامي لمدة ثلاثة أشهر في منصب الرئيس.
فشل الوساطات وبارو يتقلّد السلطة من السينغال
تراجع جامي عن الاقرار بهزيمته، أجبر رؤساء دول أفريقية عدّة على التدخّل وإقامة وساطات لإقناعه بالتخلّي عن الحكم للفائز في الانتخابات الأخيرة التي شهدتها غامبيا وتجنيب البلاد تدخّل قوات المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إكواس) التي تحشد آلياتها وجنودها على الحدود، حيث انتقل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، مساء أول أمس الأربعاء، إلى العاصمة الغامبية بانجول، والتقى جامى في لقاء مغلق دام ساعات قبل أن ينتقل إلى العاصمة السنغالية داكار، وعقد اجتماعا مع الرئيس السنغالي ماكي صال حضره الرئيس المنتخب آدما بارو.
أدى رئيس غامبيا المنتخب آداما بارو بعد ساعات من انتهاء المهلة التي منحتها “إكواس” لجامي لتسليم السلطة سلميا اليمين الدستورية في مقر سفارة بلاده بالعاصمة السنغالية دكار
الوساطة الموريتانية قيل في البداية إنّها نجحت في إقناع جامى بمغادرة السلطة بشروط، من أهمها إلغاء تنصيب بارو خارج غامبيا، وعدم التدخل الخارجي في بلاده تحت أي ذريعة، إلاّ أنّ ذلك لم يحصل حيث أدى رئيس غامبيا المنتخب آداما بارو بعد ساعات من انتهاء المهلة التي منحتها “إكواس” لجامي لتسليم السلطة سلميا اليمين الدستورية في مقر سفارة بلاده بالعاصمة السنغالية دكار بحضور مفوضة المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وسفرائها، ومسؤولين سنغاليين، ليعلن بذلك أن أزمة الرئاسة الغامبية وصلت إلى طريق مسدود.
تدخّل عسكري وتمسّك بالحل السلمي
فشل الوساطة الإفريقية في اقناع جامي بمغادرة السلطة، جعل الحل العسكري حاضرا بقوة، وهو ما حصل بالفعل حيث أعلن الجيش السنغالي أن قواته دخلت إلى غامبيا ضمن عملية عسكرية أفريقية تهدف لإجبار الرئيس المنتهية ولايته يحيى جامي على التخلي عن السلطة بعد رفضه التنحي سلميا، بعد وقت قليل من تنصيب غريمه الفائز في الانتخابات آداما بارو في حفل أقيم في سفارة غامبيا في دكار، فيما أعلن الجيش النيجيري أنه سينشر قوات في غامبيا لحماية شعبها وحفظ الأمن والسلام الإقليمي.
وكان بارو قد دعا جنود غامبيا للبقاء في ثكناتهم وحذرهم من أن مخالفة قرارته ستجعلهم متمردين. وأكد بعدها رئيس أركان جيش بلاده الجنرال عثمان بادجي أنه لن يصدر أوامر لقواته بالتصدي للتدخل الأفريقي المحتمل، قائلا “لن ننخرط عسكريا، هذا نزاع سياسي”.
القوات السينغالية تجتاز الحدود الغامبية
من جانبه، طالب مجلس الأمن الدولي بإبداء الدعم الكامل لمجموعة دول غرب أفريقيا في التزامها لضمان احترام رغبة الشعب “عبر الوسائل السياسية في المقام الأول”، بعد أن قدمت السنغال، الأربعاء، نيابة عن مجموعة دول غرب إفريقيا، مشروع قرار إلى المجلس الدولي يهدف إلى السماح لدول غرب أفريقيا باتخاذ “كل الإجراءات الضرورية” لضمان انتقال سلمي للحكم في غامبيا، وتعتبر السنغال الدولة الوحيدة الحدودية مع غامبيا.
التدّخل العسكري السينغالي لم يدم كثيرا، حيث قرّرت دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مساء أمس الخميس تعليق عمليتها العسكرية، من أجل إفساح المجال أمام إيجاد حل سياسي للأزمة وإقناع جامي بالتنحي عن الحكم لصالح أداما بارو، وقال مارسيل دي سوزا، رئيس جمعية الإيكواس، في تصريح للصحفيين، إنه تقرر تعليق العملية العسكرية لإفساح المجال أمام الوساطة، ولكنها ستستأنف في حالة فشلت الوساطة. وأضاف، “من المستحيل أن نسمح ليحيى جامي بالبقاء في بلاده، ولكن في حالة نجحت الوساطة يمكنه أن يلجأ في بلد يختاره”.
تنديد دولي بتصرّفات “جامي”
اعلان جامي حالة الطوارئ في بلاده وتمديد البرلمان لفترة رئاسته بعد تراجعه عن الاقرار بهزيمته، قابله تنديد دولي كبير، حيث أعرب مجلس الأمن الدولي والاتحاد الإفريقي والولايات المتّحدة الأمريكية ودول عدّة عن إدانتها الشديدة لرفض جامي نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي شهدتها بلاده وخسر فيها.
ودعا مجلس الأمن الدولي الرئيس المنتهية ولايته إلى احترام الاختيار السيادي لشعب غامبيا ونقل السلطة دون قيد أو شرط أو تأخير إلى الرئيس المنتخب أداما بارو، وأكد أنه سيواصل متابعة تطور الوضع عن كثب.
حذرت واشنطن أمس من انزلاق غامبيا إلى “الفوضى”، مطالبة جامي بتسليم السلطة لخلفه المنتخب
من جهته دعا الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وممثل الأمم المتحدة في غرب أفريقيا -في بيان مشترك- الحكومة الغامبية إلى “احترام حكم صناديق الاقتراع وضمان أمن الرئيس المنتخب وجميع المواطنين الغامبيين”. من جانبها حذرت واشنطن أمس من انزلاق غامبيا إلى “الفوضى”، مطالبة جامي بتسليم السلطة لخلفه المنتخب، وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي ردا على سؤال عن موقف واشنطن من إعلان جامع حالة الطوارئ في البلاد إن “الرئيس جامي يفوت فرصة احترام كلمة الشعب الغامبي وفرصة انتقال سلمي للسلطة يفترض أن يحصل الخميس مع الرئيس المنتخب”.
مجلس الأمن يدين تراجع “جامي” عن الاعتراف بهزيمته
وكانت بريطانيا وهولندا قد دعتا رعاياهما الراغبين بالسفر إلى غامبيا للامتناع عن ذلك إلا في حال الضرورة القصوى، كما دعتا رعاياهما الموجودين في هذا البلد إلى المغادرة. من جهتها سارعت فرنسا مساء أمس إلى تهنئة الرئيس الغامبي المنتخب أداما بارو بمناسبة أداء اليمين الدستوري، وقالت إن الحفل الذي جرى في مباني السفارة الغامبية بدكار “وفق الدستور الغامبي”، تكرس فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة.
من هو جامي صاحب القرارات الغريبة؟
يحيي عبد العزيز جاموس، أو يحي جامي (51سنة)، كما غير اسمه ليتناسب مع ما يدعيه من توجهات إسلامية، وصل سدّة الحكم في يوليو 1994ولم يتجاوز سنّه ال 29 عاما، عن طريق انقلاب عسكري أبيض قاده ضد أول رئيس لبلاده داود جاورا، الذي تولى رئاسة الوزراء بعد استقلال البلاد في 1965 من الاحتلال البريطاني.
حكم جامي غامبيا ل 22 سنة بيد من حديد وفاز في جميع الاستحقاقات الرئاسية في بلاده بدءا من عام 1996 بعد انقلابه بعامين حين أسس حزبه الخاص “التحالف الوطني لإعادة التوجيه والبناء”، مرورا بأعوام 2001، و2006، و2011، وانهزم في الانتخابات الأخيرة.
الرئيس المنتهية ولايته “جامي”
عرف جامي خلال فترة حكمه بتقلّب مزاجه وبإصداره عديد القرارات المثيرة والغريبة وكان أخرها تراجعه عن الاقرار بهزيمته في الانتخابات الأخيرة أمام منافسه بارو، وقبلها إعلانه يوم 11 ديسمبر 2015، غامبيا “جمهورية إسلامية”، معبّرا عن ذلك بأنها تهدف إلى تخليص البلاد من ماضيها الاستعماري قائلا “غامبيا في يدي الله، وابتداء من اليوم فإنها دولة إسلامية، وسنكون دولة إسلامية تحترم حقوق المواطنين”، وقال إن “رئاسته وحكمه في يد الله، وإن الله وحده الذي يمكنه أن ينزعها منه”، وزعم في إحدى المناسبات أنه سيبقى في الحكم “لمليار عام”.وفرض على الموظّفات لبس الحجاب.
وسبق ذلك إصدار قرار سحب بلاده من رابطة الكومنولث (تضم 54 دولة من المستعمرات البريطانية السابقة) في 2013، متهما إياها “بفرض خطط الهيمنة الغربية على جميع دول العالم النامي” وبأنها “تكريس لاستعمار جديد”. كما عرف ولعه بالأضواء وكان كثيرا ما يظهر ماسكا سيفاً.
ويروّج جامي لنفسه أنّه “خبيرا في الأعشاب والعلاج بالأدوية الشعبية”، حيث أعلن في 2007 توصله إلى علاج لمرض الإيدز عن طريق الأعشاب، حسب بيان رسمي للقصر الرئاسي. كما يزعم أيضا اكتشافه علاجا لمرضي الربو والصرع عن طريق الأعشاب.
بارو: “مرشّح المعارضة”
لم يكن أحد يتوقّع أن يصبح رجل الأعمال الغامبي أداما بارو (52سنة) رئيسا لبلاده، إلاّ أن ذلك حصل بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في ديسمبر 2016 أمام منافسه يحي جامي الذي رفض تسليمه السلطة. ودخل بارو الانتخابات كمرشّح لسبعة أحزاب معارضة.
الرئيس الغامبي المنتخب بارو
ينحدر بارو من عرقية الفلان المنتشرة بأقصى غرب البلاد، انتقل من حارس أمن في العاصمة البريطانية لندن إلى رجل أعمال في العاصمة الغامبية مرورا بموظّف في شركة مقاولات. وفي المجال السياسي عرف بارو بنشاطه في صفوف الحزب الديمقراطي الوحدوي المعارض، وشغل منصب أمين مال في الحزب.
ووعد بارو بإحياء اقتصاد بلاده، وإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان والتنحي بعد ثلاث سنوات لإعطاء دفعة للديمقراطية، وفي خطاب تنصيبه،دعا أداما بارو المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة إلى “دعم حكومة وشعب غامبيا في فرض إرادتهم”.