وأصبح دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، في يوم 20 يناير/كانون الثاني 2017 الذي أشرق شمسه على أمريكا والعالم أجمع بانتظار حفل التنصيب الكبير للرئيس الـ45 للولايات المتحدة، بعدما باءت كل المحاولات بتنحيته وعدم وصوله إلى هذا اليوم بالفشل، وانتظر الكثير أن تحدث معجزة أو مفاجأة خصوصًا أن تصريحاته دائمًا ما تصب الزيت على النار وتشعل انتقادات حادة ضد الرجل سواءًا من قادة سياسيين وفعاليات مدنية مختلفة حول العالم، إلا أن المعجزة لم تأتِ!، ما أتى هو رجل فرض الرعب والجدل والغموض سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا عبرت الحدود والقارات، ومن الغد سيكون على العالم انتظار ما سيطبقه من سياساته وقراراته ومآلات ما سيحدث عقبها.
الرئيس الخارج عن المألوف
إذن سيدخل ترامب إلى البيت الأبيض رئيسًا وصفه الكثيرون بأنه “خارج عن المألوف” والأكثر جدلا فهو كاره الأقليات ومحتقر النساء والغير خبير في العمل السياسي وممثل جبهة اليمين المتطرف والمعجب بالزعماء من الأحزاب والرؤساء الذين من أمثاله والمتورط في فضائح جنسية وصاحب النظريات والبرامج الاقتصادية الغامضة والغريبة عن الولايات المتحدة قلعة الرأسمالية العالمية، وعاشق إسرائيل ومنتقد الاتحاد الأوروبي ومناصر لخروج بريطانيا وصديق روسيا ورئيسها بوتين.
إنه الرئيس دونالد ترامب، الرئيس الصدمة بالنسبة للأمريكيين والذي قاطع حفل تنصيبه 50 عضوًا من الكونغرس الأمريكي في سابقة هي الأولى من نوعها، وانخفضت شعبيته إلى 32% بينما يستلم الرئاسة من أوباما صاحب أكبر شعبية بين رؤساء الولايات المتحدة الـ44 بحيازة 60% شعبية عند تنصيبه.
إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لن تصمد طويلا وستبقى فقط عامًا أو عامين على أبعد تقدير
سيتخلل حفل تنصيبه حضور متظاهرين غاضبين من تصريحاته المستفزة والمثيرة للجدل، إذ تم نشر نحو 28 ألف رجل أمن في واشنطن العاصمة والأخذ بإجراءات أخرى ضمن خطة أمنية لتأمين المنطقة، وصفتها النيويورك تايمز بأنها واحدة من أصعب التهديدات الأمنية التي تواجه الولايات المتحدة منذ تنصيب أوباما في العام 2009.
حيث حصلت نحو ثلاثين فاعلية مدنية على تصاريح للاحتجاج والتظاهر في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة خلال يومي الجمعة السبت، ويقدر المنظمون أن الاحتجاجات ستجتذب نحو 270 ألف شخص، وتعد هذه الأعداد كبيرة مقارنة بمراسم التنصيب السابقة، ومن المتوقع أن يكون الاحتجاج الأكبر هو مسيرة للنساء غدًا السبت في واشنطن، وينتظر أن يشارك فيها نحو مئتي ألف شخص من مختلف أنحاء الولايات المتحدة.
جورج بوش: لن أبقى أسوأ رئيس في الولايات المتحدة
بين كل الأحقاد التي تحيط بترامب وازدحام الأخبار التي تشوه صورته ومستواه فإن هناك رجلًا انتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، إنه جورج بوش الابن الذي ينتظر تنصيب ترامب الليلة بفارغ الصبر كما جاء في حديث معه على موقع نيويوركر حيث ذكر أنه لم يعد يقوى على الانتظار الذي سيجعله رسميًا خارج تصنيف أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من امتعاض معظم الأمريكيين من تنصيب ترامب رئيسًا إلا أن بوش أعرب عن أمله في أن يمكّن الآخرين من الاستيعاب نوعًا ما من الدواقع التي تجعله يرى الأمور بشكل مختلف.
جورج بوش الإبن: تنصيب ترامب يعني إخراجه من تصنيف أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة
أما جون كيري وزير الخارجية الذي سيترك منصبه مع دخول ترامب للبيت الأبيض، ذكر في كلمة له في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس ما معناه أن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لن تصمد طويلا وستبقى فقط عامًا أو عامين على أبعد تقدير. ففي معرض رده على إمكانية قيام الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب بالتخلي عن الاتفاق النووي قال كيري إن القيام بهذا سيضرب مصداقية الولايات المتحدة وقد يتسبب بأذى قد يمتد عامًا أو عامين أو أكثر خلال مدة تواجد إدارة ترامب.
الكونغرس لا يمرر نصف حكومة ترامب الثرية
يدخل ترامب إلى البيت الأبيض ولمّا يتم الموافقة على كامل طاقمه الحكومي بعد! حيث لم يمرر الكونغرس الأمريكي سوى نصف الفريق بينما بقي النصف الآخر شاغرًا حيث بقيت كراسي وزارات الخارجية والصحة والتربية والمال شاغرة بانتظار الموافقة من الكونغرس على الأشخاص الذي عينهم ترامب.
إذ عمد ترامب إلى تشكيل حكومة أغنياء وعسكريين لم يسبق لها مثيل في تاريخ أمريكا بحسب صحيفة لوفياغرو الفرنسية، حيث أصبح الجنرال جيمس ماتيس أول وزير معين في إدارة الرئيس ترامب يتلقى ضوءًا أخضر من الكونغرس ليصبح وزيرًا للدفاع علمًا أنه عسكري سابق، والقانون الأمريكي يحظر على العسكريين السابقين تولي مهام وزير الدفاع لسبع سنوات بعد انتهاء خدمتهم وسيصبح ماتيس أول جنرال سابق يتولى وزارة الدفاع منذ جورج مارشال في العام 1950 في عهد هاري ترومان. ويذكر أن الرجل لم يواجه معارضة شديدة من قبل أعضاء الكونغرس في تمرير تعيينه بسبب مواقفه المعارضة لترامب، وخصوصًا حيال دول مثل روسيا وإيران.
الجنرال جيمس ماتيس أول وزير معين في إدارة ترامب يتلقى ضوءًا أخضر من الكونغرس ليصبح وزيرًا للدفاع
بينما لا يزال وزراء آخرين يلاقون معارضة شديدة من قبل الكونغرس مثل بيتسي ديفوس المحافظة الثرية التي عينها ترامب وزيرة للتربية على الرغم من عدم امتلاكها لشهادة جامعية، وقدرت ثروتها بنحو 130 مليون دولار، وتوم برايس الطبيب الجراج السابق المعين وزيرًا للصحة. وقبيل تنصيبه بساعات قرر ترامب ترشيح حاكم ولاية جورجيا السابق سوني بيرديو لمنصب وزير الزراعة في حكومته.
بموافقة الكونغرس على تنصيب ماتيس وزيرًا للدفاع يصبح أول جنرال سابق يتولى وزارة الدفاع منذ جورج مارشال في العام 1950
تشكيلة الوزراء الذين اختارهم ترامب ليشغلوا مناصب وزارية هم أثرياء من الوسط السياسي والمالي والتجاري في الولايات المتحدة ومن بينهم ويلبور روس وزير التجارة والذي تصل ثروته إلى 2.9 مليار دولار، وليندا مكمون وزير المشروعات الصغيرة تصل ثروتها إلى 1.35 مليار دولار، وستيفن منوشن وزير الخزانة تصل ثروته إلى 655 مليون دولار وريكس تيلرسون وزير الخارجية تصل ثروته إلى قرابة 365 مليون دولار، وإلين تشاو وزيرة النقل تصل ثروتها إلى 25.6 مليون دولار ولعل أقلهم مالًا هو نائبه مايك بينس حيث تقدر ثروته بـ635 ألف دولار.
سفارة أمريكا إلى القدس الشرقية
أشار المتحدث باسم ترامب شون سبايسر أمس الخميس أن أعلانًا سيصدر بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس. حيث تعهد ترامب في حملته الانتخابية أنه سينقل سفارة أمريكا من تل أبيب والمتواجدة هناك منذ ما يقرب من 68 عامًا إلى القدس المحتلة، ونشرت صحفة “يسرائيل هيوم” العبرية أمس الخميس 19 يناير/كانون الثاني عن ترامب قوله أنه “لن أخلف بوعدي الذي قطعته لإسرائيل حول القدس”.
الكونغرس الأمريكي لم يمرر سوى نصف الفريق الحكومي لترامب بينما بقي النصف الآخر شاغرًا مثل وزارات الخارجية والصحة والتربية والمال
ما أثار غضب الفلسطينيين وقالوا أن هكذا خطوة ستقضي على أية فرصة للسلام، إذ تعتبر القدس الشرقية بالنسبة للفلسطينيين عاصمة الدولة التي يسعون لإقامتها، واعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية على لسان وزير الخارجية أن نقل السفارة مخالف للقانون الدولي وتجاوز لكل الخطوط والأعراف والمواثيق الدولية التي أكدت أن المدينة محتلة وتم التعامل معها من كافة الهيئات الدولية على هذا الأساس.
ترامب لم يكتفي بتعهده بذلك بل وانتقد أوباما أنه لم يتخذ موقفًا وديًا بدرجة كافية تجاه إسرائيل حليف الولايات المتحدة منذ وقت طويل، إذ اتخذت إدارة أوباما موقفًا معارضًا للمستوطنات الإسرائيلية في الصفة الغربية والقدس الشرقية واعتبرها أنها غير شرعية كما العديد من الدول حول العالم.
وحسبما ذكر سابيسر أن الرئيس ترامب يعتزم أن يظهر احترامه لإسرائيل وأهميتها في الشرق الأوسط حيث لم تحصل على الاهتمام الذي تستحقه في السنوات الثمانية الماضية فترة حكم الرئيس أوباما.
ترامب ينوي نقل سفارة بلاده إلى القدس الشرقية
ومن جانبه أعرب أوباما عن قلقه العميق من هكذا خطوة وأن الوضع هناك قابل للتفجر فعدم قيام دولة فلسطينية يعني أن إسرائيل تواجه خطر توسيع الاحتلال على حساب ملايين الناس المحرومين من الحقوق.
ترامب: البريكست سيكون أمرًا عظيمًا
وزع ترامب انتقاداته الغير محسوبة على رؤساء ودول العالم قبل أيام من تنصيبه في صحيفتي “تايمز” البريطانية و”بيلد” الألمانية، حيث اعتبر حلف شمال الأطلسي “تخطاه الزمن” وأن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ارتكبت خطأ كارثيًا باستقبال المهاجرين وأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمرًا عظيمًا وأن واشنطن قد تبرم اتفاقًا مع روسيا.
وبعد كل تلك التصريحات انهالت عليه انتقادات لاذعة كان أعنفها من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حيث رد على ترامب قائلا أن “أوروبا ليست بحاجة لنصائح خارجية تقول لها ما عليها فعله” وقال في وقت سابق أن على أمريكا وترامب ألا تخاف من نفسها ومن العالم. وردت ميركل قائلة أن مصير الأوروبيين يبقى في أيديهم، في إشارة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد والذي أشاد به ترامب ودعمه، كما صرّح وزير خارجية ألمانيا أن وزراء خارجية من دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي يشعرون بقلق من تصريحات الرئيس ترامب، وأشار أن تصريحاته تدلل أنه لا تخفيف لحدة التوتر فيها.
حرب باردة مرتقبة بين أمريكا والصين
حتى قبل تنصيبه بساعات لم تصدر أيه صريحات إيجابية تلطف الأجواء مع الصين حيث لم يهدأ من التصعيد معها منذ ترشحه للرئاسة، إذ يتبنى ترامب سياسة حمائية تجارية مع الدول التي تصدر سلعها إلى الولايات المتحدة، وينذر بحرب تجارية مع الصين.
حيث ينوي فرض ضرائب قد تصل لحدود 50% لتقليص انتشار السلع والخدمات الصينية الرخيصة داخل الأراضي الأمريكية وهو ما من شأنه أن يضر بالعلاقات التجارية بين واشنطن وبكين. وأعلن أكثر من مرة أن الصين دولة تتلاعب بالعملة لصالحها ضد الولايات المتحدة والدولار وتعهد بفرض عقوبات تجارية لتحجيم تمددها التجاري في الولايات المتحدة، وتعزز هذا بعد تعيينه فريقًا تجاريًا في إدارته معاديًا للصين ويتبنون نظام الحمائية التجارية وسياسة الإنعزال.
ترامب يتبنى نهجًا اقتصاديًا انعزاليًا
رجل الأعمال والملياردير والرئيس يخالف ما تم التعارف عليه في أمريكا من الانفتاح والعولمة وأنها الراعية للهندسة المالية وتدفع دول العالم للانضمام لسياسات الرأسمالية العالمية وتحرير اقتصادات العالم بما يحوي هذا المفهوم من أمور كثيرة والتي خططت لها بعد الحرب العالمية الثانية وأسست لهذا الشأن بالتعاون مع دول العالم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
بينما الصين باتت على خلاف ما عرف عنها من حيث أنها أصبحت تشجع على الانفتاح والعولمة، ففي كلمة الرئيس الصيني الافتتاحية في المنتدى الاقتصادي في دافوس والتي اعتبرها مراقبون دليلا على رغبة الصين في تحرير الاقتصاد، مؤكدًا أنه لا أحد سيخرج منتصرًا من أي حرب تجارية، في إشارة إلى ترامب الذي تعهد بفرض قيود جمركية على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة.