يبدو أن الصراع الطائفي المشتعل في العراق وسوريا واليمن والبحرين، لم يكتف بتلك المناطق فحسب، ساعيًا إلى التمدد والبحث عن ساحات جديدة تتمتع بتربة خصبة لنمو بذور هذا الصراع، مستغلاً الوضع الاقتصادي والأمني السيء لتلك المناطق المستهدفة لتمديد خيوطه بداخلها، لكن الوضع هذه المرة يختلف عن السابق، إذ إن غالبية سكان تلك المناطق من السنة، ما يجعل التحدي غاية في الصعوبة، والآثار المترتبة عليه أكثر سخونة.
معهد الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات في تقرير له تناول مخطط إيران لتجنيد عشرات الآلاف من الشيعة والموالين لها في باكستان وأفغانستان، خلال الخمسة أعوام الماضية، لمشاركة قوات الحرس الثوري في قتالها ضد السنة في سوريا، مما قد يدفع إلى صراع طائفي في تلك الدول، وما يحمله من تهديد لأمن واستقرار منطقة جنوب آسيا التي تعاني – في الأصل – من أزمات أمنية واقتصادية وسياسية منذ عقود.
الفاطميون الأفغان
نجحت الحكومة الإيرانية في تجنيد بعض رجال الدين الشيعة داخل أفغانستان وباكستان للعمل على حث الشباب المقاتلين هناك على المشاركة في القتال بجانب الحرس الثوري في سوريا تحت مسمى “الجهاد الشيعي”، حيث أورد التقرير تصريحات أحد رجال الدين الشيعة في منطقة هرات بأفغانستان، ويدعى أحمد علي جبرائيلي، والذي جاء فيها: “نحن نعتقد أن الجهاد واجب ضد داعش، لأنها منظمة أسسها الكفار، مهما كان المكان الذي يُحارب فيه إخوتنا المسلمون، سواء في سوريا أو العراق أو أفغانستان، يجب على المسلم أن يساعد أخاه المسلم”.
أولى مفاجآت التقرير، تتعلق بأعداد المقاتلين الأفغان المجندين في صفوف جيش الأسد، والتي بلغت قرابة 18 ألف مقاتل، تحت لواء تم تسميته بـ “فاطميون الأفغاني”، حسبما أشار فيديو تم نشره مؤخرًا على بعض المواقع الفارسية، تطرق إلى تصريحات لأحد المقاتلين في صفوف الحرس الثوري الإيراني عن كيفية التجنيد والعمليات التي يقوم بها الجنود الأفغان داخل سوريا.
وبحسب التقرير فإن “فاطميون” هو لواء تم تأسيسه من قِبَل مجموعتين أفغانيتين، الأولى: “جيش محمد” أحد الفصائل الشيعية التي كانت تقاتل ضد حركة “طالبان” في التسعينيات، وهو مدعوم من إيران بصورة كبيرة، وينسب إلى “علي رضا توسلي” تأسيس هذا اللواء، وهو كان مقاتلًا سابقًا خاض حرب الخليج الأولى دفاعًا عن إيران، وله علاقة وثيقة بقاسم سليماني، قائد لواء القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، أما المجموعة الثانية فهي “كتيبة أبي ذر”، التي قاتلت ضد العراق في حرب الخليج الأولى في الثمانينيات، بجانب الجيش الإيراني.
أولى مفاجآت التقرير تتعلق بأعداد المقاتلين الأفغان المجندين في صفوف جيش الأسد والتي بلغت قرابة 18 ألف مقاتل، تحت لواء تم تسميته بـ “فاطميون الأفغاني”
المعهد أكد عدم قدرته على الجزم بالأعداد الحقيقية للمقاتلين الأفغان داخل الأراضي السورية، حيث إنها ووفقًا للعدد المعلن عنه، تفوق قوات الحرس الثوري نفسها، والتي لا تتجاوز على أكثر تقدير خمسة آلاف مقاتل، إلا أنها وبحسب بعض المصادر الإعلامية المقربة من قادة القوات العسكرية الإيرانية، فإن الرقم الذي تضمنه التقرير عن أعداد القوات الأفغانية قابل للتصديق، حيث تناولت هذه الوسائل في وقت قريب أن مجموعة “الفاطميون” تم ترقيتهم من “كتيبة” إلى “لواء”، نظرًا لعددهم وقدراتهم ومسرح عملياتهم المتوسع في سوريا، ومن المعروف أن اللواء في الجيش الإيراني يتراوح عدده بين 10 آلاف و20 ألف مقاتل.
وفي رواية أخرى، وبحسب مجلة “رمز عبور” الإيرانية، فإن عدد المقاتلين الأفغان الذين جندتهم إيران في سوريا، بلغ نحو 14 ألف مقاتل، بتكلفة 77 مليون دولار سنويًّا، مشيرة على لسان قائد الكتيبة الثانية في لواء “فاطميون” المدعو محمد حسن حسيني، أن الراتب الشهري للأفغاني هو 450 دولارًا.
في أغسطس الماضي، أطلق الحرس الثوري الإيراني حملة تجنيد نشطة موجهة للشيعة الهزارة داخل أفغانستان، يتزعمها قربان قلم بور، وهو مبعوث مباشر من المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، كما اعتقلت السلطات الأفغانية إيرانيين مسؤولين عن تجنيد مقاتلين من شيعة أفغانستان وإرسالهم للقتال في سوريا، ويذكر أن قوات “الباسيج” الإيراني قامت باتخاذ مقر لها في مدينة هرات الأفغانية لتجنيد المقاتلين الأفغان وإرسالهم إلى سوريا للقتل بجانب الحرس الثوري الإيراني ضد السنة.
الزينبيون الباكستانيون
أما الفريق الثاني الذي نجحت قوات الحرس الثوري في تجنيده للقتال بجوارها في حربها ضد السنة في سوريا، فهم كتيبة “الزينبيون” الباكستانيون، وهي أصغر في الحجم والقوة من “الفاطميون”، وتضم مئات المقاتلين الباكستانيين من “بلوشستان” و”بارتشينار” من حزام القبائل في باكستان، وكذلك من المُقيمين في إيران نفسها.
أما عن مكان تلقي التدريبات، يشير التقرير إلى قيام إيران بتدريب المقاتلين الأفغان والباكستانيين على أراضيها وداخل سوريا، حيث يتقلى المقاتلون الأفغان والباكستانيين برنامج تدريب من أربعة أسابيع قبل انضمامهم إلى المعركة في قاعدة تدريب خاصة داخل إيران، وقد كشفت وكالات الاستخبارات الأمريكية مؤخرًا عن تسعة معسكرات تدريب داخل إيران لهؤلاء المقاتلين.
الجنسية والمال أبرز الإغراءات
بجانب البُعد الديني، تناول التقرير بعض أساليب الإغراء الأخرى التي قدمتها الحكومة الإيرانية لتجنيد المقاتلين في أفغانستان وباكستان، حيث تركزت هذه الأساليب في محورين اثنين، الأول: منح الجنسية للاجئين غير النظاميين الأفغان والباكستانيين، المقاتلين في صفوف إيران في سوريا، حيث أقر البرلمان الإيراني قانونًا يُعطي الحق للحكومة بمنح الجنسية الإيرانية للمقاتلين غير الإيرانيين الذين يُقاتلون بجانب إيران، وقد أثار هذا القانون غضب الكثير في أفغانستان، وهو ما عبر عنه عبيد الله باركزاي، أحد النواب الأفغان، قائلاً: “هذا خرق للقانون الدولي وحقوق الإنسان، يستغل الوضع السيء للمواطنين الأفغان لدفعهم للقتال في سوريا والعراق واليمن مقابل الجنسية وبعض الامتيازات”.
أما الوسيلة الثانية لكسب دعم المقاتلين غير الإيرانيين للمشاركة في الحرب ضد السنة في سوريا، تتمثل في الإغراءات المالية، حيث يمنح المقاتلون أموالاً طائلة، تصل إلى 3000 دولار للمقاتل، وعدد من الامتيازات الأخرى كتسهيل بعض الإجراءات التجارية والاستثمارية، فضلاً عن تحمل أعباء وتكاليف الإقامات وغيرها، وتوفير فرص عمل لهم.
أقر البرلمان الإيراني قانونًا يُعطي الحق للحكومة بمنح الجنسية الإيرانية للمقاتلين غير الإيرانيين الذين يُقاتلون بجانب إيران
1000 قتيل من المتطوعين الشيعة
دومًا ما كانت تنكر إيران تجنيدها لمقاتلين من أفغانستان أو باكستان للمشاركة بجانب قواتها في سوريا، إلا أن هذا الأمر لم يعد خافيًا على أحد في الفترة الأخيرة، فكما تناول التقرير فهناك عدد من المواقع التابعة للحرس الثوري، نشرت صورًا لقاسمي سليماني، قائد لواء القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهو يزور مقرات لواء “فاطميون” في سوريا، وتقوم هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية كثيرًا ببث وثائقيات عن اللواء، وتحث المزيد من الأفغان على الانضمام إليه.
كما أشار التقرير أيضًا إلى حرص الحكومة الإيرانية على تقديم واجب العزاء في القتلى الأفغان والباكستانيين، من خلال تنظيم مواكب جنائزية لهم، يشارك فيها قوات الحرس الثوري، وقوات “الباسيج” التابعة له، فضلاً عن عدد من القادة العسكريين والمدنيين الإيرانيين.
التقرير لم يذكر عدد القتلى في صفوف المقاتلين الباكستانيين والأفغان داخل سوريا، إلا أنه ووفقًا لتصريحات مسؤولين إيرانيين فإن الأعداد تتزايد في العامين الأخيرين، حسبما جاء على لسان محمد علي شهيدي محلتي مدير مؤسسة الشهداء والمحاربين القُدامى، قائلاً: “في الوقت الحاضر، عدد شهدائنا، الذين قضوا نحبهم دفاعًا عن المزارات المقدسة، تجاوز 1000 شهيد من بلادنا”، وعلى الرغم من عدم تحديد جنسيات القتلى، فإن جملة “المدافعين عن العَتَبات المقدسة” مصطلح تصف به إيران المتطوعين من أفغانستان وباكستان وإيران الذين يُقاتلون في سوريا.
جنائز رسمية للقتلى في صفوف المقاتلين الأفغان والباكستانيين
ماذا عن جنوب شرق آسيا؟
سياسة التجنيد الإيرانية للمقاتلين الأفغان والباكستانيين باسم “الجهاد الشيعي” للقتال في سوريا بجانب قوات الحرس الثوري، لا شك أنها ستلقي بظلالها القاتمة على المشهد الأمني والسياسي في كلتا البلدين، أفغانستان وباكستان، بصورة خاصة، ودول جنوب شرق آسيا بصفة عامة، لا سيما أن هناك مقاتلين سنة أيضًا من البلدين يقاتلون ضد الشيعة في سوريا، مما يعني أن عودة المقاتلين السنة والشيعة من سوريا واليمن يُهدد باندلاع حرب طائفية بينهم في أوطانهم الأصلية.
التقرير أشار إلى بوادر هذه الحرب الطائفية من خلال بعض الأحداث التي وقعت مؤخرًا، منها شن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عدد من الهجمات التي استهدفت المواطنين الشيعة في البلدين، ردًا على مشاركة الشيعة في القتال ضد السنة في سوريا، مهددًا بشن المزيد ضد الشيعة إلا إذا توقفوا عن الذهاب إلى سوريا.
وفي باكستان، قُتل ما يقرب من 2300 شخص معظمهم من الشيعة فيما يقارب 550 هجومًا طائفيًا خلال الأعوام الست الماضية، فضلاً عن القلق من عودة المقاتلين – السنة والشيعة – من سوريا، مما يحمل المزيد من الهجمات الطائفية في الفترة القادمة.
العديد من التخوفات باتت تفرض نفسها على دول جنوب شرق آسيا جراء سياسة التجنيد الإيرانية للمقاتلين الأفغان والباكستانيين، تعود في معظمها إلى أن استمرار النهج الإيراني في التجنيد، يقود مستقبلاً إلى زيادة النفوذ الشيعي داخل تلك الدول، خاصة بعد عودة المقاتلين الشيعة إليها قادمين من سوريا، ما يحمل بين ثناياه تهديدًا واضحًا لمنظومة الأمن والاستقرار لدول المنطقة التي تعاني من هشاشة أمنية واقتصادية وسياسية طيلة السنوات الماضية.