ترجمة وتحرير نون بوست
في الأشهر التي تلت أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر سنة 2001، اضطر العديد من المسلمين للبقاء في الخفاء بعيدًا عن الأنظار، كما لجأ عدد كبير منهم إلى تغيير أسمائهم إلى أخرى أمريكية، في حين تفادوا التحدث علنًا عن ديانتهم كمسلمين، فضلاً عن تجنب حضور المناسبات الخاصة بالجالية المسلمة، وقد وصلت هذه الحالة الهستيرية من الجزع إلى مستويات غير مسبوقة.
وفي أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، تزايد عدد جرائم الكراهية المرتكبة في حق المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى تفشي نوبة من الخوف والقلق في صفوف الجالية المسلمة.
مضى على هذه الحادثة ما يقارب الخمسة عشر عامًا، وها هي الجالية المسلمة تستعد لمواجهة ذات السيناريو، بعد اعتلاء الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين، دونالد ترامب، الكرسي الرئاسي إثر تأدية القسم، في المقابل، لن يختبئ المسلمون هذه المرة ويتواروا في الظلال كالعادة، بل سيتصدون لموجة الكراهية وسيدافعون عن حقوقهم وحقوق الأقليات المهمشة الأخرى.
في الواقع، طرأت الكثير من التغييرات على الجالية المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية، فطريقة تفكيرهم اليوم مخالفة تمامًا للعقلية التي كانوا يتحلون بها في تلك الفترة، التي كانت فيها صفوف المسلمين غير منظمة، ناهيك عن قلة عددهم.
في الحقيقة، لقد كنا بالكاد نشارك في الحياة السياسية، أو نظهر في المنابر الإعلامية، بالإضافة إلى أن العمل المشترك بين مختلف الأديان كان مشتتًا.
نحن المسلمون الأمريكيون مستعدون لمجابهة ترامب، ولن نتصدى للكراهية الموجهة ضد الجالية المسلمة فقط، بل سنحاربه إن لزم الأمر إذا ما حاول تحويل خطاباته المحرضة على الكراهية إلى سياسة موجهة ضد أي جالية، وأنا على يقين بأنّ روح المقاومة ضد ترامب ستسود
أما في الوقت الحاضر، فهناك عدد لا بأس به من المسلمين الأمريكيين، الناشطين في مجال الإعلام والترفيه والسياسة، انطلاقًا من مسؤولين محليين، وصولاً إلى عضوية الكونغرس، علاوة على ذلك، أثبتت الجالية المسلمة الأمريكية جدارتها، من خلال الحراك الاجتماعي ونشاطاتها ضمن المجموعات الشعبية وتطرقها لجملة من القضايا على غرار المشاكل التي يواجهها الأفارقة الأمريكيون وحقوق المهاجرين.
وفي الأثناء، لا يعني هذا أننا لا نشعر بالقلق وإلى حد كبير بالخوف من الحالة التي ستؤول إليها الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة دونالد ترامب.
كيف يمكن للشكوك ألا تساورنا إزاء هذا الرجل؟! وهو الذي عول على الكراهية، ليفوز بأعلى وأهم منصب في البلاد، مركزًا في حملته الانتخابية على المسلمين، فعلى سبيل المثال، أدلى الرئيس المنتخب بالعديد من التصريحات النارية وغير المسؤولة، من قبيل “الإسلام يكرهنا”، كما دعا إلى فرض حظر كامل على المسلمين الوافدين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبالإضافة إلى تلك التصريحات، أثار ترامب موجة كراهية ضد المسلمين في المجتمع الأمريكي، من خلال الافتراء على الجالية المسلمة، والقول بأن “الآلاف” من المسلمين في نيوجيرسي هللوا فرحًا إثر أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر.
وعلى ضوء موجة العنصرية التي ساهم ترامب في انتشارها، ارتكب العديد من أنصاره جرائم كراهية في حق جاليتنا المسلمة، وخير مثال على ذلك، ويليام سيلي، الذي حكم عليه في آذار/ مارس الماضي بالسجن لمدة 90 يومًا، بتهمة التهديد بقتل مسلمين في ولاية كاليفورنيا.
وفي شهر أيلول/ سبتمبر، ألقي القبض على أحد أنصار ترامب بتهمة جريمة كراهية، بعد إقدامه على حرق مسجد في أورلاندو بولاية فلوريدا. والجدير بالذكر أن هذه القائمة ما زالت تطول، خاصة إن بقيت الأوضاع على هذه الوتيرة.
أرجو ألا تخطئوا في فهم مقصدي، فالأوضاع في ظل إدارة أوباما لم تكن على أحسن ما يرام، على الرغم من مساندته للجالية المسلمة طيلة السنوات الماضية، فقد أشار مكتب التحقيقات الفيدرالي في سنة 2015، إلى أن عدد جرائم الكراهية التي ارتكبت في حق المسلمين قد ارتفعت بنسبة 67%، ولعل هذا المؤشر يعكس مدى ارتفاع حالات التنمر والمضايق ضد المسلمين في المدارس التي نفذها عدد من المعلمين بأنفسهم.
وتبعًا لهذه المعطيات، فمن المتوقع أن ترتفع نسبة جرائم الكراهية خلال فترة ولاية دونالد ترامب، وفي هذا الصدد، اعتقد البعض أن وصول ترامب إلى السلطة سيساعد في كبح جماح أنصاره المتعصبين، إلا أن فوز ترامب كان له نتائج عكسية تمامًا نظرًا لتزايد عدد الجرائم المرتكبة من قبل مؤيديه بعد فوزه في الانتخابات، وما يمكن أن يزيد الوضع سوءًا، أن هؤلاء المتعصبين لديهم الآن شخص يدعمهم في السلطة.
ونظرا لخطورة المسألة، عقدت منظمة الأمم المتحدة مؤتمرًا برعاية الحكومة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وكندا، لتدارس “التحديات التي تواجهها الجالية المسلمة بسبب استفحال العنصرية والكراهية في مختلف الأوساط والتركيز على استنباط وسائل موضوعية للتصدي إلى هذه الظاهرة”، كما عُقد منتدى مماثل في أيلول/ سبتمبر في الأمم المتحدة لمكافحة معاداة السامية.
وفي هذا الإطار، استضاف المؤتمر عددًا كبيرًا من الناشطين الذين كان البعض منهم من المسلمين والذين شاركوا بهدف تقديم نصائح عملية عن أفضل السبل لمكافحة الكراهية الموجهة ضد المسلمين (كنت في حلقة نقاش عن كيفية إنشاء السرد الإيجابي من خلال الفنون والإعلام).
كنت أعلم في قرارة نفسي أن توقيت المؤتمر الذي كان قبل أيام معدودة من أداء ترامب لليمين، لم يكن من قبيل الصدفة، أو بالأحرى تم تقديم تاريخ عقد المؤتمر لأن بعض المسؤولين الأمريكيين كانوا يعتقدون أن إدارة ترامب لن توافق على رعاية هذا المنتدى، لمواجهة الكراهية ضد المسلمين.
والجدير بالذكر أنه خلافًا للتحركات التي ترعاها الجهات الحكومية، هناك تعبئة مذهلة على المستوى الشعبي للحشود الإسلامية الأمريكية منذ فوز ترامب، وعلاوة على ذلك، كل التظاهرات الثقافية الإسلامية لاقت نجاحًا باهرًا منذ الانتخابات.
وفي هذا الإطار، أشارت علياء سالم، المديرة التنفيذية لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) بفرع دالاس فورت وورث، إلى أن “كل هذه الاستجابة الايجابية كانت نتيجة لفوز ترامب، فلو فازت هيلاري كلينتون، لما رأينا هذا القدر من الالتزام”.
في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، تزايد عدد جرائم الكراهية المرتكبة في حق المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى تفشي نوبة من الخوف والقلق في صفوف الجالية المسلمة
وبالإضافة إلى ذلك، ارتأى أحد الأئمة الشبان، عمر سليماني، أنه من المتوقع أن يبذل المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية المزيد من الجهود في أثناء إدارة ترامب ولن يكتفوا بالدفاع عن جاليتهم، وفي هذا السياق، أفاد سليماني أن “الجالية المسلمة ستقف جنبًا إلى جنب مع الأمريكيين الذين يشاطرونهم التفكير، ويعتقدون أن ترامب لا يمثلهم، ويتوقون إلى العيش في بلد يقوم على مبدأ التسامح، ويحمي حقوق الأقليات والضعفاء”.
بالفعل نحن نتلقى مساندة من قبل المجتمعات الأخرى، وهذا ما أكدته رئيسة الدعاة المسلمين فرحانة خيرا، التي وضحت أن “المنظمات التابعة لنا تعمل ضمن تحالفات تضم أكثر من 20 منظمة، تضغط على الشركات الإعلامية مثل “غوغل” و”فيسبوك”، للتعهد بأنها لن تساعد ترامب على إرساء منظومة تسجيل المسلمين إذا طلب منها ذلك”.
وتجدر الإشارة إلى أن المسلمين الأمريكيين يوظفون أموالهم وجهودهم لمساندة هذه القضية، وفي هذا الإطار، قال المدير التنفيذي لفرع كير بفلوريدا حسان شبلي: “في سنة 2014، لم نتمكن من جمع سوى 800 ألف دولار من خلال التبرعات، لتغطية تكاليف نفقات أنشطتنا”، وفي المقابل، وضح شبلي أنه “في سنة 2016، ونتيجة للمخاوف والرهانات التي تطرحها مسألة تولي ترامب لرئاسة البلاد، تمكنا من جمع نحو 1.4 مليون دولار، سيتم توظيفها في الدفاع عن حقوق الأمريكيين المدنية بغض النظر عن دياناتهم”.
وباختصار، نحن المسلمون الأمريكيون مستعدون لمجابهة ترامب، ولن نتصدى للكراهية الموجهة ضد الجالية المسلمة فقط، بل سنحاربه إن لزم الأمر إذا ما حاول تحويل خطاباته المحرضة على الكراهية إلى سياسة موجهة ضد أي جالية، وأنا على يقين بأنّ روح المقاومة ضد ترامب ستسود.
المصدر: ديلي بيست