شوارع واشنطن تكشف الانقسامات السياسية التي يعيشها المجتمع الأمريكي

ترجمة وتحرير نون بوست
يوم تنصيب ترامب، جابت ثلاثة حيوانات من اللامة شوارع واشنطن وقد جسدت ثلاثة مجموعات مختلفة وهي التالية؛ واعظ يصرخ بشعارات معادية للمسلمين والمثليين، ونساء يهتفن بأعلى أصواتهن بألفاظ بذيئة، وأناس يتبادلون الشتائم، فضلا عن صناديق القمامة التي حرقت في منتصف الطريق.
في الحقيقة، إن يوم تنصيب ترامب لم يكن يوما عاديا، لطالما افتخرت الولايات المتحدة الأمريكية بعملية تداول السلطة بطرق سلمية منذ أن سلم أول رئيس للولايات المتحدة، جورج واشنطن مفاتيح البيت الأبيض لجون آدمز في سنة 1797. في المقابل، عندما أدى دونالد ترامب، اليمين الدستورية يوم الجمعة، ليحل محل باراك أوباما، هزت موجة من الاضطرابات الشارع الأمريكي.
عموما، انقسم الشارع الأمريكي إلى نصفين، فمن جهة يرفض بعض الأميركيين ترامب ويشككون في شرعيته، ومن جهة أخرى يعتبر البعض الآخر ترامب الشخص المناسب الذي سيجعل الولايات المتحدة بلدا عظيما مرة أخرى. وفي الأثناء، انعكس هذا الانقسام السياسي والأيديولوجي بشكل واضح في شوارع العاصمة الأمريكية، ففي حين كان الكثيرون يهتفون فرحين باسم ترامب، كان العديد من المحتجين يصرخون “ترامب ليس رئيسي“.
في الواقع، لا يرى المتظاهرون ترامب مجرد رئيس يمتلك آراء سياسية متناقضة، بل يؤمنون بأنه يجسد القومية البيضاء المعادية للإسلام ومفترس جنسي غير مؤهل لمسؤولية رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
عندما أدى دونالد ترامب، اليمين الدستورية يوم الجمعة، ليحل محل باراك أوباما، هزت موجة من الاضطرابات الشارع الأمريكي
وخلافا لذلك، صرح مؤيدي الرئيس الجديد أن “النظرة الخاطئة التي كونها الكثيرون على ترامب هي من نتاج وسائل الإعلام المعادية”. ومن ناحية أخرى، أفاد العديد من موالي ترامب أنه “رجل أعمال ناجح سيضع مستقبل الولايات المتحدة من ضمن أولوياته الرئيسية. هو شخص يمكن أن يكرس جميع إنجازاته الشخصية لضمان رخاء جميع الأميركيين”. كما عمد المدافعون على ترامب إلى دحض كل الآراء التي تقول إنه سياسي فاسد.
وفي هذا الصدد، صرّح طالب مؤيد لترامب لموقع ميدل إيست آي البريطاني أن” ترامب هو أول رئيس للولايات المتحدة لم يكن يعمل في الجيش أو في الحكومة سابقا، كل هذه المعطيات تمنحني المزيد من الثقة في قدراته”. وأضاف الطالب أن “ترامب ليس جزءا من أي منظومة كبيرة، هو حقا مستقل ويريد أن نتمتع جميعا بالاستقلالية”.
خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 2015، اقترح ترامب حظرا مؤقتا على المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وذلك بعد فترة وجيزة من هجوم باريس الذي شنه مقاتلي تنظيم الدولة. وأثار هذا الاقتراح ضجة بين منظمات الحقوق المدنية، وموجة من الانتقادات حتى في صفوف بعض رفاق ترامب الجمهوريين.
الإسلاموفوبيا
وردًا على سؤال يتعلق بحقيقة مقترح الحظر، قال ماورينع إن “الرئيس ليس ضد المسلمين، ولكنه حاول حماية الأمريكيين، بما في ذلك المسلمين المتواجدين في الولايات المتحدة، من المسلحين والمتطرفين”. والجدير بالذكر أن، ترامب تعهّد في خطاب تنصيبه بالقضاء على “الإرهاب ” من على وجه الأرض.
وفي هذا الإطار، أشارت منسقة التوعية لمركز واشنطن للسلام، رامة كودايمي إلى أن “خطاب ترامب كان يحرض على كراهية الإسلام بشكل علني”. وأضافت كودايمي “لقد تمت شيطنة المسلمين إلى درجة أنه بات يُنظر إليهم على أنهم إرهابيون فقط”.
وأردفت كودايمي إن “الرئيسين السابقين، باراك أوباما، وجورج دبليو بوش، قد قصفا الدول ذات الأغلبية المسلمة ولكنهما تظاهرا بأنهما لم يكونا في حالة حرب مع الإسلام، بيد أن نوايا ترامب كانت مختلفة من البداية عن تلك التي كان يحملها الرئيسين السابقين، وهذا أمر مثير للخوف حقا”.
لا يرى المتظاهرون ترامب مجرد رئيس يمتلك آراء سياسية متناقضة، بل يؤمنون بأنه يجسد القومية البيضاء المعادية للإسلام ومفترس جنسي غير مؤهل لمسؤولية رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية
وفي السياق نفسه، رفض معظم أنصار ترامب الاتهامات التي وجهت له ووصفته على أنه كاره للمسلمين والإسلام، في حين هتف عدد قليل منهم علنا بشعارات متعصبة ضد المسلمين.
وفي صباح يوم الجمعة، عندما كان العديد من الأشخاص مصطفين لمتابعة حفل تنصيب ترامب، قام واعظ مع حفنة من أتباعه بالوقوف بين الجموع وطفق بإلقاء افتراءات ضد المسلمين، والمثليين جنسيا، والنساء، عن طريق استعمال مكبر للصوت.
وفي هذا الإطار، صرح هذا الواعظ الذي يقود مجموعة تسمى المؤمنين بالكتاب المقدس، “نحن ندعم رئيسنا في مساعيه لترحيل هؤلاء المسلمين”. في المقابل، تعالت صيحات استهجان من قبل الجماهير المؤيدة لترامب ضد مجموعة المؤمنين بالكتاب المقدس إثر اعترافهم بأن “المرأة لا يمكن أن تحتل منصب الرئيس في البلاد”.
وفي الوقت نفسه، أشارت إحدى الحاضرات، كارولين سبيتزال، والبالغة من العمر 19 سنة، إلى أن “الصمت الذي أبداه مؤيدي ترامب إزاء المتظاهرين المناهضين للمسلمين يُبين أنهم متواطئون في عملية التغاضي عن التعصب التي تدعو إليه هذه المجموعة”.
وردا على سؤال حول مقترحات ترامب السياسية التي أثارت بلبلة في البلاد، بما في ذلك قضية حظر المسلمين والترحيل الجماعي للمهاجرين الذين لا يملكون وثائق رسمية، أجابت سبيتزال “أعتقد أن ترامب سيواجه صعوبة في القيام بذلك، ولكن مقترحاته تمثل تهديدا حقيقيا”.
“لا يبدو مثلهم”
صرّح ترامب خلال الحفل الرسمي لتسلمه للسلطة أن “اليمين الدستورية الذي أقسمته اليوم هو بمثابة يمين ولاء لجميع الأميركيين”، إلا أن هذا التصريح لم يقنع جميع المواطنين.
وفي الوقت الذي كان فيه ترامب يقدم خطاب تنصيبه، تجمع محتجون قرب نصب لنكولن التذكاري، مرددين بعض العبارات البذيئة في إشارة إلى فيديو الذي سُرب لترامب وهو في مواقف جنسية لا أخلقية.
ومن جانب آخر، كرر العديد من المتظاهرين شعارات مؤيدة للمسلمين، والأمريكيين من أصول إفريقية والمثليين. وفي الأثناء، عانق المحتجون بعضهم البعض ليظهروا لجميع الموجودين وحدتهم وتضامنهم، هاتفين بأن “الصمت الأبيض هو العنف” في إشارة إلى أنصار ترامب الذين لا يؤيدون التعصب، ولكنهم على استعداد للتغاضي عن سياساته العنصرية من أجل تحقيق أغراض أخرى.
ومن ناحية أخرى، قال أحد الموجدين في الحشد إن “المحتجين انتصروا بالفعل عندما وقفوا في صف واحد ضد الرئيس الجديد منذ يومه الأول”. وتابع قائلا “إذا كانت الولايات المتحدة ستبقى مثلما عهدناها، فإنها سوف تعكس التعدد والتنوع الذي يمثله كل الجموع الحاضرة اليوم. إن الولايات المتحدة لا تبدو مثلهم (أي المدعوين لحفل التنصيب). كل شخص فينا بإمكانه أن يتعلم من الآخر، وإذا لم نتمكن من استيعاب ذلك، إذا نحن لا نمثل الهوية الحقيقة للأمريكيين”.
على الرغم من الفوضى التي عمت واشنطن، إلا أن الأحداث التي جابت الولاية في يوم تنصيب ترامب زرعت في قلوب المتظاهرين أملا كبيرا حول مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية
عندما شرع أنصار ترامب بمغادرة منطقة ناشونال مول، تواجه بعض المؤيدين لترامب مع المتظاهرين، وأخذوا يتبادلون الشتائم ويتنابزون بالألقاب. وفي الأثناء، قال أحد أنصار ترامب للمحتاجين أثناء مغادرته للمنطقة ” خاسرون، لقد هزمتم، ارجعوا إلى دياركم”.
وفي الوقت نفسه، تعالت صيحات مؤيد آخر لترامب في وجه المتظاهرين قائلا “غير ديمقراطيين”. وأدلى نفس الشخص بتصريح لصالح موقع ميدل إيست آي قال فيه “لم أتفق يوما مع سياسات أوباما لكنني لم احتج خلال حفلتيْ تنصيبه احتراما لنتائج الانتخابات”.
وتجدر الإشارة إلى أنه في أعقاب حفل التنصيب، أشاد العديد من مؤيدي ترامب بمقاربته شبه التوافقية للسياسة الأمريكية.
وخلافا لذلك، صرخ أحد المحتجين “ترامب رئيس عنصري، يكره النساء. لا يمكن أن يكون رئيسا لجميع الأميركيين بسبب مواقفه السابقة، خاصة إثر استهزائه من مراسل معوق تابع لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية”.
ثم أضاف ” دعنا نلقي الضوء على مسألة الموافقة على كافة أنواع الدعم من وإلى الحكومة اليمينية الإسرائيلية، وقضية المساواة والعدالة الاجتماعية. في نهاية المطاف، سيحتكر الأشخاص الذين يملكون المال السلطة، ولن يكون لبقية الشعب الذي يمثل 99 بالمائة أي أهمية في هذه الدولة ما لم نتوحد معا ونقاوم هذه السلطة يدا بيد”. في حين أفادت متظاهرة، يهودية أمريكية بأن “اليهود ملتزمون أخلاقيا بالتحدث علنا ضد ترامب، فوضع قائمة لتسجيل المسلمين يعتبر أمرا غير مقبول، ولكنه مألوف في الوقت نفسه {في إشارة إلى ألمانيا النازية}”.
المهرجان
في الواقع، بدت واشنطن وكأنها تعيش مهرجانا سياسيا على نطاق واسع، أين تجد باعة غير أيديولوجيين يبيعون دبابيس وقمصان لمجموعات ذات وجهات نظر متطرفة وآخرين يبيعون لافتات ساخرة من ترامب. علاوة على ذلك، كان هناك رجل يطوف بالمكان مصحوبا بثلاثة حيوانات لاما، للدلالة على مناهضته لسيطرة الشركات وتأيده للمشاريع الزراعة.
وفي خضم هذا المهرجان، يمكنك أن تلاحظ من جهة أنصار ترامب يرتدون ملابس رُسم عليها العلم الأمريكي، بينما كان الناشطون المسيحيون يحملون لافتات كبيرة منادين برسائل دينية غير سياسية، ومن جهة أخرى كان الناشطون المؤيدون لاستهلاك الحشيش، يدخنون الماريجوانا علنا. وفي الأثناء، كان بعض المتظاهرين الآخرين يحملون لافتات يتهكمون من خلالها على علاقة الرئيس الجديد المزعومة بروسيا، وإفراطه في تسريح شعره.
تم الإبلاغ عن بعض الاشتباكات بين مؤيدي ترامب والمتظاهرين، وألقي القبض على أكثر من 90 شخصا بتهمة السلوك غير المنضبط. وازدادت المخاوف من أن تصبح هذه المظاهرات أعمال شغب عندما خيم الظلام.
وعلى الرغم من الفوضى التي عمت واشنطن، إلا أن الأحداث التي جابت الولاية في يوم تنصيب ترامب زرعت في قلوب المتظاهرين أملا كبيرا حول مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية.
بدت واشنطن وكأنها تعيش مهرجانا سياسيا على نطاق واسع، أين تجد باعة غير أيديولوجيين يبيعون دبابيس وقمصان لمجموعات ذات وجهات نظر متطرفة وآخرين يبيعون لافتات ساخرة من ترامب
وفي هذا السياق، قالت الناشطة الفلسطينية الأمريكية، بيان جابر إن “ترامب وحكومته يشكلان تهديدا للحريات المدنية لجل الأمريكيين، ولاسيما للنساء ذوات البشرة الملونة”.
وأضافت جابر “ينبغي أن نقف تضامنا مع إخواننا وأخواتنا، ونحمي أرضنا وثرواتنا المائية، وحياتنا. إن الشيء الإيجابي الوحيد الذي يمكن أن يحدث أثناء رئاسة ترامب هو أننا سوف نشهد المزيد من التضامن في صفوف الشعب الأمريكي خاصة في مواجهة الصراعات المقبلة التي ستعيشها أنحاء مختلفة من البلاد “.
المصدر: ميدل إيست آي