لطالما اعتبرت المختصة في العلوم السياسية دوزين تيكال، أن برلين تجسد “قلب الديمقراطية الألمانية”، مما دفعها مساء يوم الخميس لزيارة إحدى المؤسسات التي تسعى لبقاء هذا القلب نابضًا بمبادئ الديمقراطية على الدوام.
والجدير بالذكر أن تيكال، البالغة من العمر 38 سنة، تحدثت لما يقارب الساعتين، خلال الاجتماع الذي نظم في الطابق الثالث للبرلمان، بدعوة من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والجمعية الألمانية الإسرائيلية، عن كيفية إنقاذ الديمقراطية نظرًا للخطر الذي يهددها، وعن ضرورة تشخيص الوضع العام في البلاد بصفة دقيقة وعاجلة.
“نتحدث هنا عن القانون الألماني”
وفي الواقع، أظهرت تيكال من خلال مداخلتها التزامها ورغبتها في إنقاذ البلاد، إذ تعتبر الديمقراطية قضية مهمة للغاية، وخلال مداخلتها، ذكرت تيكال، أن والدها الذي كان ينتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، كان يصطحبها معه وهي في سن الرابعة إلى برلمان مدينة سكسونيا السفلى حتى يبين لها كيف تسير الأمور في ألمانيا، وفي الأثناء، نوهت تيكال بحقيقة أن والديها قد هاجرا إلى ألمانيا.
وقالت تيكال مسترجعة حديث أبيها: “انظري صغيرتي، هنا نتحدث عن القانون الألماني، وفي هذا المكان يتم تمرير القوانين، نحن بأمان ما دمنا هنا”، وعموما، تدين تيكال بما وصلت له اليوم إلى والدها الذي مهد لها الطريق للاندماج في المجتمع، ومن خلال تجربتها الشخصية، حاولت تيكال أن تلخص حاجيات ألمانيا الضرورية والتي تتمثل بالأساس في استرجاع قيم الديمقراطية التي نشأت عليها منذ طفولتها والتي تمثل جوهر البلاد، ونقلها للجيل الجديد، وفي المقابل، ترفض تيكال المبادئ القائمة على التنشئة الدينية.
وعلى الرغم من تصريحات تيكال المثيرة للاهتمام، إلا أن شابًا من بين الحضور قاطعها للإدلاء برأيه، كان الشاب يرتدي ملابس رثة، وقدم نفسه على أنه مدرس في مدرسة تقع في وسط برلين.
عندما نستمع إلى كلمة “الله أكبر” في ساحة المدرسة
وتحدث هذا الشاب عن أولياء أمور التلاميذ المسلمين الذين يرفضون قيم الديمقراطية ومصافحة النساء لقناعات دينية، علاوة على ذلك، تطرق الشاب إلى الأطفال الذين يهتفون في ساحة المدرسة بكلمة “الله أكبر”، في حين أن هذه الكلمة يستعملها الإرهابيون عند تنفيذ عملياتهم.
وسارعت تيكال لإخباره بأن تجاهل مثل هذه الظواهر يعتبر تصرفًا خاطئًا، وأضافت تيكال “مفهوم الدولة مرتبط بالتنشئة الدينية والثقافية السابقة، أستطيع أن أتبع ما نشأت عليه في طفولتي فقط”، وأردفت تيكال “لنترك الجمعيات الإسلامية تقدم دروسًا في الدين وستذهلنا النتيجة حتمًا، الدمغجة في ثوب التطرف، وبالتالي سنعاني من تبعات انتشار السلفيين”، وفيما يتعلق بالعائلات المتطرفة، أوردت تيكال “علينا أن نعاقب هذه العائلات إذا استدعى الأمر ذلك”.
تعزى العديد من الإخفاقات إلى سياسة ميركل
في الحقيقة، إن تصريحات تيكال القوية قد تؤدي في النهاية إلى نتائج غير متوقعة، إذ إن ردود فعل الشعب الألماني تجاه هذه المرأة ذات الأصول الكردية، منقسمة ومختلفة بين مختلف الفئات.
وتجدر الإشارة إلى أن تيكال نجحت في الاندماج داخل المجتمع الألماني والانضمام إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في سنة 2016، وفي الواقع، عبرت تيكال خلال حديثها عن شعورها بالفخر بانتمائها إلى حزب أنجيلا ميركل التي لم تهاجمها بطريقة مباشرة طيلة مداخلتها، ويعزى هذا الموقف إلى السياسة الإنسانية التي انتهجتها المستشارة الألمانية تجاه اللاجئين.
وفي المقابل، لم تتوان نيكال عن انتقاد ميركل وحملتها مسؤولية كل الإخفاقات التي شهدتها ألمانيا، خاصة أنها مارست العديد من الضغوط قصد استقبال أكبر عدد ممكن من المهاجرين، مما أدى إلى دخول الملايين من الأشخاص إلى ألمانيا دون التدقيق في هوياتهم.
نقاط قوة الحزب البديل تتلخص في كلمة “فشلنا”
وفي هذا الصدد، صرحت تيكال منتقدة السياسة الخاطئة التي انتهجتها ميركل: “إننا نتحمل ما لا طاقة لنا به ونعرض سلمنا الداخلي للخطر”، خلافًا لذلك، أفادت تيكال، مراسلة قناة “أر تي إل” الألمانية سابقًا، أنها قد حذرت سابقًا من مغبة تسلل مقاتلي تنظيم الدولة في صفوف اللاجئين، لكن تحذيراتها لم تلق آذانًا صاغية في صفوف المسؤولين في الدولة.
وفي الأثناء، أكدت تيكال أن نقاط قوة الحزب البديل تتمثل في اعترافهم بأن “لدنيا نقاط ضعف وفشلنا”.
يبحث الاتحاد الديمقراطي المسيحي عن بديل يخلف ميركل بمواصفات تيكال، منذ إعادة انتخابها على رأس الحزب في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بنسبة 89.5% من الأصوات
ومن الملفت للنظر أن تيكال قد تطرقت لتبعات الهجرة والاندماج، وصرحت في هذا الصدد “يجب علينا أن نضع إصبعنا على الجرح وليس بجانبه”، فضلاً عن أنها أعربت عن ضرورة التعامل مع المجرمين بما يستحقون، والجدير بالذكر أن تيكال ترفض سياسة التهدئة، وفي الوقت نفسه أعربت الناشطة السياسية عن استنكارها من سياسة الحزب البديل.
وفي الحقيقة، يبحث الاتحاد الديمقراطي المسيحي عن بديل يخلف ميركل بمواصفات تيكال، منذ إعادة انتخابها على رأس الحزب في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بنسبة 89.5% من الأصوات.
العديد من القضايا مهمشة
من خلال مداخلاتها، تركت تيكال انطباعًا لدى الحاضرين بأنها شخصية ناقدة وحازمة، ولعل أبرز مثال على ذلك قولها: “يجب علينا أن نخيف كل من يريد أن يشعرنا بالخوف”، بالإضافة إلى تصريحها: “في وقتنا الراهن، علينا أن ندافع عن قيمنا يوميًا”، ومن الواضح أن تيكال تعارض الفكر الشعبوي، إذ أفادت أن “الناطق الرسمي باسم حزب البديل بيورز هوكه، يمثل وطنية جوفاء قديمة، تعارض توجهاتنا الوطنية الواردة في الدستور”.
وواصلت تيكال حديثها عن اليسار الليبرالي قائلة: “لماذا لا نستطيع النقاش مع اليساريين الليبراليين عن التناقض المعرفي بين المهاجر والمثلي؟ يبدو أن الإجابة على هذا السؤال واضحة، يجب حماية المثليين”، علاوة على كل ذلك، تعتقد تيكال أن السياسيين يرتكبون خطأ فادحًا بتهميشهم لهذه القضايا، والتواكل عن معالجتها.
موقف تبشيري
ومن ناحية أخرى، ألقت تيكال باللوم على اليساريين وأعضاء حزب الخضر، خاصة أن أفكارهم تتناقض تمامًا مع طموحاتهم.
وفي هذا الصدد، وصفت تيكال تصريح رئيسة حزب الخضر سيمونا بيتر، بأنه خطاب متعصب، مؤكدة أن بيتر “لا تفرق بين اللاجئ غير الشرعي والآخر الشرعي”.
وعمومًا، يبدو موقف تيكال من الوضع السياسي تبشيريًا، إذ أوردت “نحتاج لكل الناس قصد الدفاع عن قيمنا”، في إشارة إلى كل المواطنين من دون استثناء ساكني مدينة كلاوسنيتتس الذين أوقفوا حافلة باسم الشعب، تقل لاجئين بحجة أنهم غير مندمجين في المجتمع.
الشعبوية والتطرف “توأم الشر”
أكدت تيكال أن “لدعوة للديمقراطية تشكل خطرًا على الذين يدعون لها، إلا أنها لن تتوانى عن المجازفة حتى بحياتها، قصد الدعوة إلى مبادئ الديمقراطية، وفي هذا السياق، قالت تيكال: “الله يعلم أنني فتاة جريئة”.
تيكال تعمل مقدمة برامج، بالإضافة إلى أنها أخرجت فيلمًا يوثق الجرائم التي ارتكبها تنظيم الدولة في حق الإيزيديين، وقالت: “لقد وصلنا إلى مفترق طرق خطير للغاية، فقد أصبحت حرية الصحافة والتعبير محدودة، إنني أشعر بالخوف، إذ إنني أصبحت أفكر قبل القيام بشيء ما، وإلى جانب ذلك، أشعر بأن عائلتي في خطر محدق”
ومن الملفت للنظر، أن تيكال تعمل مقدمة برامج، بالإضافة إلى أنها أخرجت فيلمًا يوثق الجرائم التي ارتكبها تنظيم الدولة في حق الإيزيديين، وقالت: “لقد وصلنا إلى مفترق طرق خطير للغاية، فقد أصبحت حرية الصحافة والتعبير محدودة، إنني أشعر بالخوف، إذ إنني أصبحت أفكر قبل القيام بشيء ما، وإلى جانب ذلك، إني أشعر بأن عائلتي في خطر محدق”.
ومن جانب آخر، تعتبر تيكال أن الديمقراطية تواجه خطر “توأم الشر” المتجسد في الشعبوية اليمينية والتطرف الديني، ومن هذا المنطلق، صرحت تيكال: “الظاهرتان أقوى منا، ماذا نفعل؟ إننا نجلس في منطقة مريحة، يجب أن نضع حدًا لهما، إن خطر هذا التوأم يكمن في كوننا غذيناهما وزدناهما قوة لأننا قدمنا لهما الحقيقة”.
المصدر: فيلت