ضمن 6 قرارات جمهورية، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قرارًا بترقية اللواء محمد أحمد زكي، قائد الحرس الجمهوري والذي كان يشغل ذات المنصب في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، إلى رتبة الفريق، وهو المنصب الأعلى لأي قائد بالمنصب منذ العام 1973 الذي شهد وفاة الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري في عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات.
الليثي ناصف.. مؤسس الحرس الجمهوري في عهد السادات
خطوة نادرة
من المتعارف عليه بالحالة المصرية أن قائد الحرس الجمهوري قد يكون برتبة عميد أو لواء وفي معظم الحالات يكون برتبة لواء، ونادرًا ما يكون عميدًا أو فريقًا، كما حدث في حالتي الليثي ناصف الذي ساعد السادات في القبض على مراكز القوى التابعة لسلفه عبد الناصر وإحكام سيطرته على النظام الحاكم بعد رحيله، وحالة زكي حاليًا.
قوات الحرس الجمهوري
مكافأة أم شراء للولاء؟
إذًا ترقية الليثي ناصف لهذه الرتبة كانت مكافأة على ما فعله ودعمه للسادات، فهل يؤشر ذلك على أن قرار السيسي مشابه للحالة الساداتية؟ هل يكافئ السيسي قائد الحرس الجمهوري بترقيته على فعل مهم قام به، أم على فعل مهم سوف يقوم به، أم يضمن ولاءه في مواجهة خطر قادم محتمل أو محقق، أم يضمن ولاءه في المطلق دون خطر مرتقب؟
الاحتمالات كلها واردة، كون الفريق محمد زكي، قد بات الآن هو الرجل الثالث في القوات المسلحة من حيث الرتبة، إذ يسبقه كل من وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي، ثم رئيس الأركان الفريق محمود حجازي، وبحكم قربه من السيسي كقائد حرسه الجمهوري، فقد بات رقمًا مهمًا في المعادلة، أما قائد القوات الجوية الفريق يونس المصري، لا يمكن وصفه بالرقم الكبير في المعادلة، وباقي قادة الأسلحة.
وطبقًا لتشكيل المجلس العسكري، فإن قائد الحرس الجمهوري ليس عضوًا، ولكن بحكم أنه ثالث أعلى رتبة في الجيش، فربما سيكون الأمر مختلفًا، وبالتالي سيكون عضوًا به في أقرب اجتماع، كما أن هذه الترقية صعدت زكي ليتجاوز جميع قادة الأفرع الرئيسية – عدا قائد القوات الجوية -، وهم قادة البحرية والدفاع الجوي، والجيشين الثاني والثالث، وقادة المناطق العسكرية الخمسة، وهو تعديل داخلي مهم بالمجلس العسكري، يضاف لقرار السيسي في نهاية العام المنقضي 2016 بتعيين قائدين جديدين للقوات البحرية والدفاع الجوي، هما اللواء بحري أ. ح أحمد خالد حسن سعيد، وتعيين اللواء أ. ح علي فهمي محمد علي فهمي.
وبهذه التغييرات في بنية المؤسسة العسكرية، فإن كثيرًا من أعضاء المجلس العسكري وقادة الجيوش والأفرع الرئيسية، بالإضافة لرئيس الأركان ومدير المخابرات الحربية، صاروا أكثر ولاءً للسيسي، وبات شبه مسيطر على المجلس، فهل هذا ما يريده الآن، ولماذا؟
السيسي يجري تغييرات كبيرة بالمجلس العسكري
أزمة التوقيت
تولى زكي منصبه كقائد لقوات الحرس الجمهوري في 8 من أغسطس 2012، وقبل أن يتولى منصبه شغل قيادة ورئاسة أركان وحدات المظلات، في الفترة بين 2008 و2012، وكان له دوره البارز في إقصاء الرئيس مرسي في 3 من يوليو 2013 بجملته الشهيرة “أنتم معتقلون” التي قالها للرئيس مرسي وقيادات الإخوان بالقصر الرئاسي، حسب شهادته في النيابة فيما بعد، فيما يعرف بقضية قتل متظاهري الاتحادية، وأمام المحكمة في قضيتي قتل المتظاهرين والتخابر، واحتجز الرئيس الأسبق مرسي بدار الحرس الجمهوري الذي انتقل إليها خلال تظاهرات 30 من يونيو 2013، ونقله فيما بعد إلى قاعدة بحرية، احتجز فيها لفترة، قبل أن يظهر في أول جلسة محاكمة علنية في 4 من نوفمبر 2013.
اللواء محمد زكى قائد الحرس الجمهوري
ربما الترقية في حد ذاتها مثيرة للجدل، كما أسلفنا لندرتها في النظام المصري، لكن الأكثر إثارة للريبة هو توقيتها للواء – أو فريق الآن – عاصر ثلاثة رؤساء “مرسي ومنصور والسيسي”، كونها تأتي في ظل وضع سياسي واقتصادي وأمني مرتبك للنظام المصري، مع التركيز على أن سلاح الحرس الجمهوري، طول تاريخه، وإن كان ضمن منظومة الجيش، إلا أن ولاءه الكامل يكون للرئيس، ولديه تسليحه الخاص، وخط قيادي مختلف عن الجيش، ومسؤوليته تتمثل في تأمين النظام الجمهوري ككل، بدءًا من حماية الرئيس إلى منشآت الرئاسة ومراكز القيادة ومطارات الرئاسة، بل وتمتد صلاحيتهم لحماية مؤسسات مثل مجلس الشعب والمحكمة الدستورية ومجلس الدولة في أثناء الحروب والأزمات.
هل يكون السيسي آخر رئيس عسكري يدعمه الجيش؟
صراع مراكز القوى
والسؤال الآن هل مصر في حالة حرب أو أزمة؟ الإجابة بالطبع نعم، وهو ما يراه عدد من المحللين السياسيين، حيث تبرز تحليلاتهم العديد من الاحتمالات عن وجود صراع بين مراكز القوى بمصر، ووقوف جهات سيادية كبيرة موقف المناهض لنظام السيسي للرغبة في إحراجه والإطاحة به، للتخفيف من حدة الاستقطاب السياسي الداخلي بالحالة المصرية الآن، بين مؤيديه ورافضيه.
سواء من الإخوان أو العديد من القوى الثورية والشباب، هذا الصراع تجلى مؤخرًا في أزمة التعيينات بمجلس الدولة وحكم المحكمة بخصوص مصرية تيران وصنافير وبطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية برمتها، وهو ما أشارت إليه العديد من الصحف عن وقوف جهة سيادية مصرية وراء إمداد المحامي المعارض خالد علي، بوثائق تثبت مصرية تيران وصنافير ضد الحكومة لإحراج السيسي أمام الشعب وقبله أمام المملكة، لتأزيم علاقته بها أكثر مما هي عليه الآن.
ناهيك عن واقعة اغتيال العميد عادل رجائي قائد الفرقة التاسعة التي يقع على عاتقها حماية القاهرة والقيام بأدوار قتالية وتأمينية، والتي أشارت أصابع الاتهام فيها إلى تورط جهات داخل الجيش بها، كنوع من تصفية الحسابات، بينما أعلنت الداخلية المصرية عن تورط حركة لواء الثورة “المسلحة” – غير معلوم من يقف وراءها – في عملية الاغتيال، بالإضافة إلى قرار وزارة الداخلية الأخير بإقرار حرم آمن للمؤسسات والمنشآت الحيوية المهمة، وقدره 800 متر.
تجهيز البديل
هذه الأمور مجتمعة تجعل من ترقية زكي في هذا التوقيت مثيرة للجدل لنعود لسؤالنا الأساسي: هل هي مكافأة على ما فعل أم على ما سيفعل مستقبلاً؟ وما الذي يخشى السيسي حدوثه ويعد العدة له؟
المجلس العسكرى يبحث عن بديل للسيسى
الإجابة على هذا السؤال تطرقت لها العديد من وسائل الإعلام العالمية والإقليمية والمصرية خلال الأشهر الأخيرة الماضية، خصوصًا مع توتر الأجواء إبان دعوات ثورة الغلابة في 11 من نوفمبر من العام الماضي، حيث نشرت صحيفة الشعب المصرية نقلاً عن إحدى الصحف أن مصادر سياسية وصفتها بالخاصة، أكدت لها أن المجلس العسكرى يبحث عن بديل للسيسى، من خلال اجتماعات سرية، بسبب الأوضاع الداخلية التي تزداد اشتعالاً.
مؤكدة أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يقوم بعمل نقاشات موسعة داخله بشأن سيناريوهات المرحلة المقبلة، فيما يتعلق بإدارة البلاد، عبر ما وصفته المصادر بـ “إعادة ترتيب البيت من الداخل، وطرح كافة السيناريوهات بما في ذلك أسوأها”، وهو البحث عن بديل للسيسي في انتخابات 2018، مع العمل بالطبع على تدشين معركة تكسير عظام، لحرق أي نموذج من الممكن أن يكون صالحًا لخوض منافسات الانتخابات الرئاسية المقبلة، لا يكون تحت سيطرة المؤسسة العسكرية.
مخاوف مبررة
مخاوف السيسي إذًا لها ما يبررها، لكن في حال كانت المعلومات التي نقلتها الصحيفة المصرية عن المصادر “الخاصة”، صحيحة، هل يخشى الرئيس الحالي انقلابًا عليه من قبل قيادات بالجيش ويسعى عبر تغييرات المجلس العسكري لاحتوائه؟ أم يكافئ رئيس الحرس الجمهوري لضمان ولائه كي لا يكرر ما فعله مع مرسي، أم كل تلك الاحتمالات؟ ننتظر لنرى.