الأمثال الشعبية هي حكمة الأجداد الشفاهية، وموروث التاريخ الثقافي للمجتمع، بل وتوصف بأنها عصارة حكمة الشعوب، فالمثل قصة حياة ترويها الأجيال، وحكاية حكمة الأجداد الصالحة لكل زمان ومكان مع اختلاف اللهجات، فهو نتاج الثقافة الشعبية، ويبقي ابنًا للبيئة واللغة والحدث الذي نتج منه.
المثل الشعبي ببساطة هو نتاج الماضي، فيعبر عن حدث كان في الماضي وصار عبرة للحاضر، فالمثل الشعبي هو شيء عام أكثر من كونه يمتاز بالخصوصية، فهو في النهاية نوع من أنواع الفنون، يستمد إبداعاته من اللغويات أو اللفظيات، وهو أكثر الفنون الشعبية انتشارًا، فلا يقارن بفن الفلكلور الشعبي مثلًا، فهو متوارث بين الأجيال، يتخذ العرب منه صفة، فلا تخلو أي منطقة جغرافية عربية من وجود الأمثال فيها، حتى ولو قل استخدامها.
المثل العربي هو جملة مستدلة على موقف ما حدث في الماضي، تتكون من عدة كلمات تصف وضعًا أو موقفًا ما يحدث في الحاضر، أو بمعنى آخر تشبيه لموقف ما شهير حدث بالماضي تناقلته الألسن عبر التاريخ، يقال في سوريا “أهل أول ما تركوا شي ما قالوه”، هذه الجملة كثيرًا ما تكون مقدمة لأحدهم للإدلاء بأحد الأمثال الشعبية، لتعزيز الرأي باستخدام المثل الشعبي باعتباره حكمة تاريخية من الماضي.
في كتاب موسوعة الأمثال الشعبية، وضح الكاتب اعتناء العرب بالأمثال الشعبية منذ قديم الزمان، فكان لكل ضربٍ من ضروب حياتهم مثلٌ يُستشهد به، وبلغت عناية اللغويين العرب حدًا مميزًا عن سواهم، إذ كان المثل بالنسبة لهم يجسد اللغة الصافية إلى حدٍ كبير، فأخذوا منها الشواهد وبنوا على أساسها بناءهم اللغوى، حيث كانت عناية الأدباء العرب بهذا الشكل التعبيري لها طابعٌ مميز، نظرًا للأهمية التى يكتسبها المثل الشعبى فى الثقافة العربية، فالمثل الشعبي ليس مجرد شكل من أشكال الفنون الشعبية، وإنما هو عمـل يستحث قوة داخلية على التحرك.
المثل الشعبي حجة وبيان
حظى المثل بثقة الناس لأنه يهدي لحل مشكلة قائمة بخبرة مكتسبة من حدث قديم، إذ يبقى المثل دليلاً وحجة في معنى وحكمة نتيجة لحكايات وقعت في الماضي، ولذا فهو يكتسب قوة شعبية تجعله يحسم النقاش والجدال في دقائق معدودة، لا سيما أنه يحمل عبق التاريخ، وحكمة من سبقونا، فهذا يمنحه هالة من القدسية المجتمعية التي لا تشكك فيه كثيرًا.
على الرغم من أن كثيرًا من الفنون الشعبية قد اندثرت مع عصر الحداثة، فالكثير منها كان محط اهتمام العديد من الدراسات الأكاديمية وبالأخص السوسيولوجية منها ومن يهتم من علماء الاجتماع بدراسة تاريخ بعض المجتمعات من فنونها الشعبية، كالفلكلور الشعبي على سبيل المثال، إلا أن المثل الشعبي لم يكن من ضمن سعداء الحظ من تلك الفنون، واندثر كاندثار غيره من الجذور الثقافية للمجتمع العربي.
المثل الشعبي من وإلى المجتمع
المثل الشعبي مجهول المصدر أو القائل، كونه من وإلى المجتمع، إذ إن المثل يأتي نتيجة حادث أو خرافة معينة، ويختلف عن المثل الفصيح والمعروف من ناحية اللغة والتعابير، فما يميز المثل الشعبي أنه أصيل، فهو مأخوذ من الدين الإسلامي أو من الثقافة العربية على وجه التحديد، كما أنه لا يخلو من خصائص العرب الشعرية، باحتوائه على الكناية والسجع والجناس، وهو ما يمنحه طابعًا فريدًا من نوعه.
لكل مثل حكاية، ليس من المؤكد صدقها من عدمه، فكما ذكرنا من قبل المثل مجهول المصدر، إلا أن للأمثال العربية موسوعة وعالم خاص بها، تختلف لهجات قائلها من منطقة جغرافية لأخرى، فعلى سبيل المثال، كانت المرأة مبدعة الأمثال بالنسبة لمصر ومنطقة الشام، فكانت الأمثال تدور في محيط المرأة، تمدح الجميلة وتذم القبيحة، تصف العروس، وتنهي العريس عن إغضابها، تندب حظها إذا ما كان زوجها فقيرًا، وتجدها تصف فيه الجيران والبيئة المحيطة بها، ترى فيها غضبها من المجتمع في اعتباره إياها مواطن من الدرجة الثانية، كما تراها تتخده موضع قوة وسلاح لغوي فتاك.
لا تكون قصص الأمثال الآتية بالضرورة أكيدة المصدر، إلا أنه في حياتنا اليومية، سنجد على الأقل موقفًا واحدًا تنطبق عليه تلك الأمثال.
يقول المصريون:
“اللي اختشوا ماتوا”
هي عبارة يرددها أغلب المصريون في الأفلام المصرية إلى اليوم، تعود قصتها إلى زمن الحمامات التركية القديمة، حيث اعتادت النساء على الاستحمام فيها، وفي أحد الأيام نشب حريق هائل بأحد الحمامات، فهرولت بعض النساء بملابس الاستحمام لتنجو، في حين خجلت الأخريات من الخروج بهذا الشكل، فكان مصيرهن الموت داخل الحمام، لينتشر بعدها مثل “اللي اختشوا ماتوا”.
كما تردد المصريات دومًا:
“إحنا دفنينه سوا”
وفي قصته يحكى أنه كان يوجد تاجران زيت يبيعان بضاعتهما على حمار، وفي يوم من الأيام مات الحمار فظنا أن تجارتهما توقفت، فاقترح أحدهما أن يدفنا الحمار ويشيدان فوقه مقامًا، ويدعيان أنه ضريح أحد أولياء الله الصالحين، ليأتي إليه الناس بالقرابين، وفي أحد الأيام سرق أحدهم القرابين دون مشاركة صاحبه، فهدده الثاني بأن يدعو عليه صاحب المقام، فضحك الأول قائلاً: “أي صاحب مقام! إحنا دفنينه سوا”، ويقال إن مثل “تحت القبة شيخ” يرجع لنفس القصة.
أما الأمثال الشامية، فكان للمرأة فيها دور محوري، تعرف منها ثقافة المجتمع ووضعية المرأة فيه بشكل مختصر من تلك الأمثال، فتقول السوريات على سبيل المثال:
“لسان البنت متل شعرها كل فترة بدو قص”
ذلك في إشارة أن الفتاة العربية الشامية كثيرة الكلام، ولن تسكت عن تلك العادة إلا في حالة قطع لسانها.
مهما اختلفت المرأة عن عائلتها طباعًا وسلوكًا، سواء كان ذلك بالتعليم وبالدراسات الأكاديمية العليا، أو بخبراتها العملية في مجال العمل واختلاطها مع زملائها من بيئات وثقافات مختلفة، لا ينظر المجتمع إليها إلا من منظور العائلة، فيقول السوريون:
“طب الجرة على تمها بتطلع البنت لأمها” ويشاركهم المغربيون في ذلك قائلين ” قلب البرمة على فمها، تطلع البنت لمها”
الرجل في الأمثال الشعبية المغربية
أما عن مفهوم الرجل في المخيال الشعبي المغربي، من خلال المثل الشعبي الذي يعتبر سندًا مركزيًا في الخطاب الشفهي، فيرى المغربيون أن المرء لا يصل إلى الكمال في الرجولة إلا بعد أن يكون قويًا، وهو ما يؤهله للعمل وكسب الرزق، أما مظهره فلا يهم، ولا يحدد رجولته على الإطلاق، فيقول المغاربة في المثل التالي أن الرجل بقوته وليس بما يملكه من جمال أو حسن:
“الراجل بدراعو ماش بمتاعو”
أيضًا من الأمثال الشهيرة في المغرب العربي يكون:
“الراجل بالهمة، أما اللحية عند العتروس”
أي أن المرء لا يثبت بأنه رجل إلا بعد أن يظهر ما يؤهله من القوة الجسمانية التي تجعله رجلًا كامل الرجولة، أما كونه يطلق لحيته وشاربه، فهذا الفعل ممكن ويراه المغاربة في الحيوانات الذكور كذلك كونهم مشعري الجسد أيضًا.
فلسطين: المقاومة في الأمثال الشعبية
أما في فلسطين فموسوعة الأمثال الشعبية لا تعد ولا تحصى تختلف في كلماتها مع الأمثال الشامية والمصرية، فهي تتشابه في المعنى والمضمون، إلا أنها ذات طابع فريد من نوعه، ألا وهو طابع الشجاعة والمقاومة.
في الحديث عن الرزق، يقول الفلسطينيون إن لرزق المرء مقدار معلوم مهما اجتهد في طلبه، فسيأتيه على قدره، فيقولون:
“اجري جري الوحوش غير رزقك ما بتحوش”
كما يقول الفلسطينيون:
“آب اللهاب اقطف العنب ولا تهاب”
في لمحة للشجاعة والمقاومة وعدم مهابة الصعاب، حتى ولو كان ذلك في سبيل قطف العنب!
تحتمل الأمثال الشعبية التأويل، ذلك لأنها مجهولة المصدر، إلا أن هذا لا يمنع كونها سريعة الانتشار، فالمثل الشعبي سهل وسريع التداول لأن البشر بطبعهم ميالون لما هو طريف ومختصر لا طويل، فمن خلال تداوله يسعى العامة إلى تعميق وترسيخ معاييرهم الاخلاقية، ونظراتهم الاجتماعية وعاداتهم وتقاليدهم ونظرتهم إلى الأمور، لذلك كانت الأمثال الشعبية دالة التراث ومرآة الشعوب.