أثيرت آراء متناقضة على خطبة قاضي القضاة في الأردن الدكتور أحمد هليل الجمعة الماضية التي وصفت بأنها “غير مسبوقة”، والتي حذّر فيها زعماء الخليج من “ضياع الأردن وانهياره”، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد بشكل غير مسبوق. حيث توجه هليّل في خطبته إلى زعماء الخليج قائلًا: “حذار.. حذار.. من أن يضعف الأردن، لقد بلغ السيل الزبى.. اخوانكم في الأردن ضاقت الأخطار بهم واشتدت”.
وأضاف هليل -والذي يعد إمام للحضرة الهاشمية- من على منبر مسجد الملك الحسين بن طلال، أن الأردنيين “ظهر لدول الخليج لكن الأمور ضاقت بهم”. وتحدث هليل أمام المصلين وبكى مرتين وهو يردد شعار “يا أهل الخليج اسمعوها منا”.
ويرى محللون أنّ هذا الخطاب هو رسالة سياسية تضمنت الحث على المبادرة لإغاثة الأردن التي تعاني من ظروف مالية صعبة. فبالرغم أن أغلب الردود جاءت رافضة لمضمون الخطبة الذي وصف بنداء استغاثة موجه لدول الخليج العربي لمساعدة الأردن وإنقاذه من الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها، شغلت الخطبة شبكات التواصل الاجتماعي في الأردن لساعات طويلة، وكان السؤال الأكثر ترددًا: هل وصل الوضع بالأردن إلى هذا الحد؟
قاضي قضاة #الاردن يطلب دعمًا خليجيًا محذرًا من أنهيار الوضع في البلاد. حبَّذا لو طالب القاضي بمحاسبة الفاسدين من زمن، لما لوصلنا الى هنا
— وسام عبيد (@WissamObeid) January 20, 2017
حيث يقول محللون أن ما خطب به هليل هو، أساساً، إعلان غير مباشر بتوقف المنح العربية، الأمر الذي يزيد من تعقيد المشكلة ويعمقها، خصوصاً أن الموازنة العامة اعتمدت خلال السنوات الماضية على المنحة الخليجية في تمويل النفقات الرأسمالية.
الملك: الأردن يمر بأصعب مراحله
نداء وتحذيرات هليّل سبقها تحذيرات من الملك عبد الله الثاني نفسه، حيث قال قبل نحو أسبوع، إنه يبذل جهودًا في الخارج، عربيًا ودوليًا، لتوفير الدعم اللازم للأردن، مؤكدًا: “ليس لأننا غير قادرين على دعم أنفسنا، بل لأننا نتحمل أعباء غيرنا أكثر من أي دولة حولنا”.
الملك وجه الحكومة خلال اجتماعه نحو التشقف
وأضاف الملك -خلال لقاء استثنائي في قصر الحسينية رئيسي مجلسي الأعيان والنواب وأعضاء المكتب الدائم في المجلسين- أن المنطقة في حالة حرب، مضيفًا: “نحاول جهدنا لزيادة النمو الاقتصادي، والحد من بطالة الشباب في ظل الظروف الصعبة”، مبينًا “أنه لا بد أن نكون واقعيين بالنسبة لما يمكن تحقيقه خلال العام الحالي”.
ولفت الملك إلى أن بلاده “تمر بمرحلة من أصعب المراحل التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، وهذه ليست أزمة أردنية فقط بل أزمة إقليمية”. مشيرًا إلى ضرورة حماية الفئات الأقل دخلًا والطبقة الوسطى، خاصة في ظل هذه الظروف الصعبة. وعليه، فقد وجه الملك الحكومة لتقليل رواتب المسؤولين وامتيازاتهم ومنحهم المالية دعمًا للفقراء.
إقرار موازنة التقشف وترحيل الأزمات
أقر البرلمان الأردني قبل يومين مشروع الموازنة العامة لعام 2017 بنفقات تفوق 12 مليار دولار، وعجز يقدر بمليار دولار، وسط انتقادات من نواب وخبراء رأوا في هذه الموازنة تكريسًا لسياسة ضريبية على حساب جيوب المواطنين، وأرقام صماء في مواجهة الأزمات.
ويقول خبراء أن الأمر لن يقف عند إقرار البرلمان الأردني الخميس الماضي مشروع الموازنة العامة لعام 2017 بنفقات تعادل 12.6 مليار دولار وعجز يناهز المليار دولار، بل إن أرقامها ستظلل عمل الحكومة وحياة الفقراء خلال العام الاقتصادي الذي يصفه خبراء الاقتصاد بـ”الصعب” و”القاسي”.
الملك والملقي
الحكومة الأردنية قالت إن هذه الموازنة ستكون “تقشفية” نظرًا لصعوبة الالتزامات المالية التي يفرضها صندوق النقد الدولي لجهة فرض مزيد من الضرائب على الجمهور، وتوجيهات ملك الأردن عبد الله الثاني الأخيرة التي دعت الحكومة لتقليل رواتب المسؤولين وامتيازاتهم ومنحهم المالية دعمًا للفقراء.
أوضح الملقي أن “الحكومة ستبدأ عملية الترشيد من الأعلى للأسفل، وستبدأ بنفسها وبإجراءات غير مسبوقة”.
وتزيد نفقات الموازنة الجديدة بمقدار 900 مليون دولار عن موازنة العام 2016، وهو ما يعني ترحيلًا لحل المشكلات، وسطحية في المعالجة، بجانب أنها لن تخرج من عنق الزجاجة، بل سيضيق عليها، كما يقول خبراء اقتصاديون.
رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي، وخلال اجتماعه مع الكتل النيابية قبيل إقرار الموازنة، أوضح أن العام 2017 سيكون تنفيذًا للأمر الملكي، وعامًا لضبط النفقات وترشيد الاستهلاك الحكومي، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن أكثر من 70% من المواد الغذائية الأساسية للمواطنين لن يشملها رفع للضريبة أو الجمارك، بل تطال السلع الكمالية. كما أوضح الملقي أن “الحكومة ستبدأ عملية الترشيد من الأعلى للأسفل، وستبدأ بنفسها وبإجراءات غير مسبوقة”.
ضرائب تصاعدية..والمواطن الحلقة الأضعف
إلى ذلك، فقد وصفت رئيس تحرير صحيفة الغد الكاتبة جمانة غنيمات أرقام الموازنة بأنها “صمّاء وكارثية” ولن تجنب المواطن الأردني شرور الأزمات المالية، وستبقى موازنة 2017 على عيوبها، لكونها لم تشرع في حل مشكلات الاقتصاد العويصة وعلاج الأزمات المالية، بل على العكس -تؤكد غنيمات- ستجبي الحكومة إيرادات جديدة مقدارها 450 مليون دينار (ما يعادل 635 مليون دولار)، وبما يفيد في التوسع في الإنفاق غير الصحي.
حكومة الملقي فرضت ضرائب تصاعدية على حوالي 95 سلعة في محاولة لسد هذا العجز جزئيًا
ويعاني الأردن، الذي يستورد 98% من حاجاته من الطاقة من الخارج، ظروفًا اقتصادية صعبة وديونًا كبيرة، حيث يتأثر الاقتصاد الأردني بشدة بالأزمات المستمرة حوله في العراق وسوريا.
ويذكر أن الحكومة الاردنية قد انتظرت حتى نهاية العام الماضي على امل أن تجدد دول الخليج ما عرف بـ”المنحة الخمسية”، وتقدم للأردن خمسة مليارات دولار أخرى على مدى خمس سنوات، ولكن خاب هذا الأمل وأصبح الاردن يمر بظروف مالية صعبة، حيث بلغ الدين العام حوالي 37 مليار دولار، ووصل العجز في ميزانية العام الجديد حوالي 1.1 مليار دولار، مما دفع حكومة الملقي إلى فرض ضرائب تصاعدية على حوالي 95 سلعة على الأردنيين، في محاولة لسد هذا العجز جزئيًا.
ابار النفط الأردنية#كاريكاتير_اسامه_حجاج #الأردن #إرتفاع_الأسعار #عجز_الميزانية #osama_hajjaj_cartoons #amman #jo pic.twitter.com/m92e5SBD7A
— Osama Hajjaj (@osamacartoons) January 12, 2017
ويقول الخبير والمحلل الأردني فهد الخيطان في مقال نشرت له اليوم الأحد بصحيفة الغد: “لأسابيع مضت، سجلت أسعار بيض المائدة ارتفاعًا كبيرًا، ونقلت وسائل الإعلام شكوى المواطنين من هذا الارتفاع، باستثناء التصريحات المتضاربة، وحملات التلاوم بين حلقات الإنتاج والتسويق، لم تحرك الحكومة ساكنًا. لماذا؟ لأن أحدًا لا يدرك معنى أن يصبح ثمن البيضة الواحدة 15 قرشًا بالنسبة لمواطن يعيل أسرة ودخله لا يزيد على 400 دينار”.
ويضيف الخيطان: “وضع شاذ كهذا كان يكفي لكي ينتفض رئيس الوزراء في وجه وزير الصناعة والتجارة، عسى أن “يهز طوله” ويتدخل لحماية حق أصحاب الدخل المحدود في الحصول على مادة أساسية بالنسبة لأغلبية المواطنين بسعر منصف”.