تشهد العاصمة الكزاخية أستانة غدًا الإثنين المفاوضات الخاصة بالأزمة السورية والتي ستستمر لمدة يومين لتثبيت وقف إطلاق النار بين المتباحثين (المعارضة السورية – النظام)، على ألا يقوموا ببحث أي مبادرات أخرى، فبحسب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أكد أن المفاوضات السورية المرتقبة في أستانة تهدف لتعزيز نظام الهدنة في سوريا وضمان المشاركة كاملة الحقوق للقادة الميدانيين في التسوية السورية.
وحول جدول المباحثات أعلنت وكالة إنترفاكس الروسية أن خطة سير المفاوضات غدًا ستبدأ بجلسة مباحثات يفتتحها رئيس جمهورية كازخستان نور سلطان نزرباييف بكلمة ترحيب تتبعها كلمات رؤساء وفود روسيا وتركيا وإيران ومندوب الأمم المتحدة ستيفان ديمستورا ومندوب الولايات المتحدة الذي سيمثلها سفيرها لدى كازخستان جورج كرول.
ومن ثم تبدأ المباحثات السورية – السورية بين وفدي المعارضة والنظام وسيقوم بدور الوسيط بينهما ديمستورا وسيتم عرض ملخص النتائج الأولية التي تم التوصل إليها خلال اليوم الأول من المباحثات في نهاية اليوم، وفي اليوم الثاني ستستمر المباحثات بشكل ثنائي ومتعددة الأطراف وسيتم مناقشة النتائج واعتماد بيان مشترك من قبل المشاركين في الاجتماع لتنتهي المباحثات بعقد مؤتمر صحفي مشترك لرؤساء الوفود.
حضور واشنطن بصورة بروتوكولية
شكل حضور واشنطن في المفاوضات نقطة خلاف بين روسيا وإيران حيث رحبت موسكو بمشاركة الولايات المتحدة وشددت أنه لا يمكن حل الأزمة السورية من دون مشاركة واشنطن، سوى أن طهران عارضت حضور واشنطن ما أدى لترجمة الموقف الإيراني في الكرملين على أنه يساهم في تعقيد الاجتماعات المقررة.
وتذهب تحليلات أن الكرملين أراد إظهار الإرادة الطيبة لروسيا في إشراك إدارة ترامب الجديدة في المحادثات وإثبات روسيا أنها تريد فتح صفحة جديدة من التعاون مع واشنطن، إلا أن التعنت الإيراني صعب من تلك المهمة.
وقد أنهت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الخلاف عندما أعلنت أمس السبت أنها لن ترسل وفدًا للمشاركة في المحادثات السورية بسبب المتطلبات الملحة الخاصة بعملية انتقال السلطة في واشنطن، ويُذكر أيضًا أن منصب وزير الخارجية لا يزال شاغرًا بانتظار موافقة الكونغرس الأمريكي على وزير الخارجية المقترح من قبل الرئيس ترامب.
حضور واشنطن في محادثات أستانة شكل نقطة خلاف بين روسيا وإيران
بينما سيحضر سفير واشنطن في كازخستان بصفة مراقب لا أكثر ما يعني أنها “مشاركة دبلوماسية باهتة” من قبل واشنطن ولن تؤدي الحكومة الأمريكية أي دور في ترتيبات المفاوضات في أستانة، في الوقت الذي شدد فيه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر أن واشنطن ملتزمة بالحل السياسي للأزمة السورية من خلال عملية سورية خالصة.
الخلاف الإيراني – الروسي ظهر في أستانة ليكشف أن روسيا وإيران ليستا على توافق تام في الملف السوري وأن لكل منهما أجندة خاصة به بالرغم من محاولات التكتم طيلة السنوات الفائتة، حيث طفا الخلاف على السطح بعدما اقتربت مرحلة قطف ثمار التدخل في سوريا، وتحول نظام دمشق إلى طرف موقع للاتفاقيات والعهود لصالح كل من إيران وروسيا في محاولة منه لسداد الديون وإرضاء كل طرف بحصة من التركة.
كما ظهر الخلاف على الهدف طويل الأمد في تدخل كل دولة في سوريا فبحسب صحيفة روسية نقلت أن موسكو تسعى للخروج من الحرب السورية ووقف الأعمال العسكرية مقابل الإبقاء على حكومة موالية لها في دمشق تسيطر على المدن الرئيسية وتقبل بوجود مواقع عسكرية روسية في سوريا في إشارة إلى حميميم وقاعدة طرطوس وغيرها، بينما منطق إيران في سوريا يعتمد على المواجهة الطائفية حيث تهدف إلى تحرير كامل الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة.
من جانب آخر يغيب عن المؤتمر كل من قطر والسعودية بعدما ضغطت طهران لاستبعادهما عن المباحثات في محاولة منها لعدم إيجاد ثغرات قد تضعف من موقفها هناك، ومن جهة أخرى فإن الائتلاف السوري يخشى من هيمنة روسية على مسار المحادثات أو الإيقاع بها في “أفخاخ روسية – إيرانية” بالمؤتمر، وهو ما سيرغم المعارضة على تقديم تنازلات، وخصوصًا أن المؤتمر يعد الأول برعاية روسية تركية تحرص فيه تركيا على إرضاء الجانب الروسي.
علوش يترأس الوفد مرة أخرى وبوتين يرسل مبعوثه الخاص
فيما يخص الحضور، فقد اختارت المعارضة السورية أن يرأس وفد أستانة رئيس الجناح السياسي لجيش الإسلام محمد علوش الذي شارك في محادثات جنيف السابقة، وشغل منصب كبير مفاوضي وفد الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر المعارضة السورية في الرياض نهاية 2015 ويذكر أنه استقال من منصبه في الهيئة بعد حديثه عن فشل محادثات السلام في جنيف في الوقت الذي يستمر النظام في خرق الهدن، والتقدم في مناطق المعارضة كما كان موضع خلاف مع روسيا إلا أنها أعلنت عن عدم معارضتها لمشاركته في أستانة.
الخلاف الإيراني – الروسي في أستانة أظهر مدى خلاف كلا البلدين وأنهما ليستا على توافق تام في الملف السوري وأن لكل منهما أجندة خاصة به
أما النظام السوري فلا يزال يستعين بممثله في الأمم المتحدة بشار الجعفري وهو من الرافضين للتحاور مع المعارضة السورية ويعتبر كل من يطالب بتغيير النظام مجرد إرهابي يجب التعامل معه بقسوة، وسيرأس وفده المؤلف من مستشار وزير الخارجية أحمد عرنوس والسفير في موسكو رياض حداد وعضو مجلس الشعب المحامي أحمد الكزبري.
ويرأس الوفد الإيراني مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية، حسين جابري أنصاري، وهو المشرف على الملف السوري في وزارة الخارجية الإيرانية ويصنف في الوزارة بأنه من الأشخاص الذين لا يبدون أي مرونة في المباحثات وقد يقرأ في ثنايا إرساله نية طهران عدم إبداء أي مرونة من شأنها أن تضيق عليها أهدافها أو التوصل لمخرجات إيجابية.
مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية، ال
أما تركيا فأرسلت وفد يرأسه نائب مستشار وزارة الخارجية سادات أونال مع مسؤولين في جهاز الاستخبارات وهيئة الأركان العامة، وحسب مصادر إعلامية فإن فريق أنقرة يشير أن تركيا تحرص للتوصل لاتفاق وتريد تجنيب أي مطبات تفصيلية يقوم بها وفد النظام مع المعارضة.
بينما أرسلت موسكو ممثل بوتين الخاص ألكسندر لافرنتييف وهو ما من شأنه أن يكون بوتين حريص على إنجاح المؤتمر والخروج بنصر قبل دخول ترامب وإدارته إلى الساحة وسيصحبه مبعوث روسيا إلى الشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف.
النظام السوري يستمر في الحل العسكري
لم توقف قوات الأسد وحلفاءها أي محاولة لاقتحام منطقة بردى في ريف دمشق الشمالي رغم ذهاب ممثلين عن دمشق إلى أستانة ورغم اتفاق التهدئة الذي أقر في 19 يناير/كانون الثاني بين المعارضة وقوات الأسد، لكنه تعرض لخروقات فورية ولا تزال تستمر حتى اليوم إذ استأنفت قوات الأسد وحزب الله وميليشيا درع القلمون محاولات اقتحام عين الفيجة دون تحقيق أي تقدم وبقيت الدفعية تقصف والطيران يحلق في سماء المنطقة لفرض السيطرة عليها.
وفي النهاية فإن تحليلات ترى أن المؤتمر يبدو هزيلا قبل أن يبدأ حيث ظهرت الخلافات الروسية الإيرانية على السطح وجاء تمثيل الولايات المتحدة خجولا جدًا إلى جانب غياب عربي كامل عن المؤتمر، وعلاوة على كل هذا استمرار النظام في انتهاكاته الصارخة لأي اتفاق يمهد لوقف إطلاق النار.