ترجمة وتحرير نون بوست
في الواقع، تتعرض المؤسسات الإسلامية غير المتعاقدة مع الحكومة الفرنسية إلى العديد من الممارسات التعسفية من قبل البلديات، بغض النظر عن نوعية التدريس في هذه المدارس. وفي الأثناء، هذه الممارسات ليست إلا صورة أخرى للعنصرية التي تغذي شعورنا بالعار.
وفي الوقت الراهن، إن المدارس الإسلامية تنمو وبصفة مكثفة، وتخل بالتوازن التقليدي للجمهورية العلمانية؛ مستفزة العديد من ردود الفعل التي لا تعد مفاجئة، وفي حين توجد مدارس خارج الإطار القانوني، وتعمل في الخفاء، إلا أن هناك العديد من المدارس المصرح عنها، التي يتم إغلاقها حتى قبل أن تفتح أبوابها، مما يدفعها للعمل بصورة غير قانونية.
وفي هذا السياق، قال رئيس “اتحاد مسلمي أورليان”، مصطفى التوزاني، البالغ من العمر 41 سنة، ومدير شركة نقل طبي صغيرة، “وصلنا لهذه الحال في هذه الجمهورية، فكيف لا يريدون أن يشعر المسلمون أنهم مستهدفون؟”.
وتجدر الإشارة إلى أن التوزاني قد دعي للمشاركة في بعث مدرسة فرنسية، مستوحاة أساسا من مبادئ الإسلام (لكن لم يتم تقديم ملفها على ذلك الأساس) في “لا شابيل سان ميسمين”، على مشارف “أورليان”، قبل سنتين. وفي هذا الإطار، صرح “التوزاني” متحدثا عن المجموعة التي كانت تريد فتح المدرسة “لقد فعلوا كل شيء، وحصلوا على ترخيص، وظنوا أن كل شيء سيسير على ما يرام”.
قرار الإغلاق
وللأسف، بعد اكتشاف البعد الديني للمؤسسة، من خلال الصحافة، تغير موقف رئيس بلدية “لا شابيل”، نيكولا بونو الاشتراكي، الذي أصبح أقل ميلا للموافقة، وهو الذي لم يبد أي معارضة عندما تقدم فريق التعليم بطلبه في البداية.
وفي هذا الصدد، أفاد التوزاني “بعد ثلاثة أيام من بدء الدراسة في أيلول/سبتمبر 2014، أتت لجنة أمن الإدارات، وتم اتخاذ قرار إغلاق المدرسة، ومنذ ذلك الوقت ونحن نحاول إيجاد حل، لكن دون جدوى”.
وإثر عدة طعون، خسرتها المدرسة، وبعد رفض عدة رخص من قبل البلدية؛ بدعوى عدم وجود عدد كاف من مواقف السيارات، ونتيجة لنقص في الأموال، فضلت المدرسة الاستسلام وتأجير مبناها.
سياسة الانفتاح
وعموما، أصبحت المشاريع التعليمية أولوية رؤساء البلديات، الذين عادة ما يقررون مصير مشاريع هذه المدارس. ومن مدينة إلى أخرى، قد يتلقى المشروع نفسه ردود فعل مختلفة. فعلى سبيل المثال، تم رفض مشروع “آل اقرأ” في “باينوليه”، في حين تم الترحيب به من قبل رئيس بلدية “بوبيني”، ستيفان دي باولي، الذي تم انتخابه في سنة 2014، بدعم من المجتمع المسلم.
رئيس البلدية الاشتراكي، فرانسيس شواط، المقرب من مانويل فالس، قد قرر الإبقاء على المدرسة ضمن المؤسسات غير القانونية، خوفا من أن يتم تدريس الأطفال “في ظروف غامضة”
في المقابل، وافق زميله رئيس بلدية “كوربيل إيسون”، جون بيير باشتير، الذي يعد الذراع اليمنى، لسارج داسول، على وجود مدرستين إسلاميتين في “كوربيل إيسون”؛ حيث تعتمد باشتير سياسة الانفتاح. وفي هذا السياق، قال باشتير “لا يتحدث الناس إلا بطريقة جيدة عن هذه المدارس. لا أرى أي سبب لكي أكون معارضا لهذه المؤسسات التعليمية. فعلاقاتنا مع كل المجتمعات المسلمة علاقة جيدة. وفي الحقيقة، انتخبني 87 في المائة من ساكني “تاغتيغي””،وفي الواقع، فإن سياسة الانغلاق هذه، ما هي إلا أسلوب مخادع حتى يتم التعامل مع هذه المدارس على أنها مصدر تهديد.
خلافا لذلك، وعلى بعد 60 كيلومترا من نهر “لوار”، فإن مدينة “بلوا” تعتمد نفس السياسة الاجتماعية التي تتبناها “أورليان”، حيث تتميز “بلوا” بمركزها البرجوازي القديم وبمنطقتها الحضرية. وفي الأثناء، أنشأت على حافة المنطقة الصناعية، “مدرسة المعرفة” التي تدرّس قرابة 40 طفلا. ويتم في هذه المدرسة تدريس ثلاث لغات؛ الفرنسية، الإنجليزية، والعربية.
علاوة على ذلك، أبدت هذه المدرسة استعدادها لاستقبال الصحفيين، الأمر الذي عادة ما ترفضه المدارس الإسلامية. وخلال زيارتنا للمدرسة، التقينا بفانيسا، أم لطفلة تدرس هناك، التي أتعبتها الحياة، إذ أنها عانت من التحرش عندما كانت تلميذة. وخلال سنوات مراهقتها، أصبحت فانيسا مهتمة بالتعليم الإيجابي، الذي روجت له الطبيبة النفسية، إيزابيل فيليوزات.
الدين أمر “ثانوي”
كورالي لديها تفكير فانيسا نفسه تقريبا، حيث تؤمن هي أيضا أن تعلم ثلاث لغات، والمتابعة الدقيقة للأطفال أمران مهمان للغاية،لكن ماذا عن الدين؟ أجابت كورالي وفانيسا عن هذا السؤال قائلتان “هذا أمر مهم، لكنه أمر ثانوي”، والجدير بالذكر أن كلا من كورالي وفانيسا، قد اعتنقتا الإسلام بعد زواجهما، إلا أن معرفتهما بالقرآن تعتبر محدودة.
وفي هذا الإطار، قالت فانيسا إن “الدروس الدينية في هذه المدارس لا تعني تعليم السور عن ظهر قلب، بل هي مجرد تذكير بالإيمان، من خلال تجارب بسيطة يعيشها الأطفال بشكل يومي”. وفي الحقيقة، إن البرامج التي يتم تدريسها في هذه المدرسة، هي برامج التعليم الوطني الفرنسي.
خلافا لذلك، أبدت مديرة المدرسة امتعاضها من لباس مدرّسة الإنجليزية، التي ترتدي الجلباب، حيث قالت “لم تكن ترتديه عندما قمنا بتعيينها، وهذا اللباس لا يتوافق مع قيمنا. لذلك، فإننا نحاول التحدث معها”.
شبهة التطرف
تعد منية السباعي إحدى المديرات المتطوعات، وهي أستاذة رياضيات في إحدى الكليات، وأوردت السباعي، أن ” نسبة 40 بالمائة من الأطفال الذين يتخرجون من المدارس الابتدائية، يعانون من عدة نقائص”. وفيما يتعلق بطرق التعليم الوطنية قالت السباعي، إن “هذه الأساليب تعد بيداغوجية تقليدية، أصبح من الواضح أنها لا تتماشى مع الأطفال الذين يعانون من مشاكل في الدراسة”. وقد حرصت السباعي وزوجها على التوجه إلى كل المؤسسات (رئاسة البلدية، رئاسة التعليم، والولاية) قبل عدة أشهر من انطلاق مشروع المدرسة.
أفادت السباعي: متحدثة عن مشروعها “في البداية، كان التلامذة مواظبين، وكنا نقوم بكل شيء في إطار القانون. وفي ظل الظروف الحالية، يجب أن نتحلى بالمزيد من الشفافية، خاصة أننا كمسلمين، قد نتهم بالتطرف وغيره من التهم الأخرى”
في مدينة “بلوا”، كان رئيس البلدية محايدا؛ حيث قال “يجب أن ندع الناس تثبت نفسها، وإن اتخذوا منحا خاطئا، فإن الدولة حرة في اتخاذ قرار الإغلاق”، وهذا هو الحياد الذي يحلم به مصطفى التوزاني، وفي الوقت الراهن، يعمل التوزاني على افتتاح مدرسة في بلدة أخرى في “أوليان”، وفقا للطريقة “الشفافة” التي اعتمدتها منية السباعي.
المصدر: نوفال أوبسرفاتور