جاءت الاتفاقيات الاقتصادية التي أُبرمت بين إيران والنظام السوري، سريعةً وقبل أن يحين موعد موسم القطاف الذي كانت تنتظره إيران بعد مغامرتها العسكرية في سوريا، فقد وقعت إيران مع ممثل النظام السوري “عماد خميس” على خمسة اتفاقيات، نشرت وكالة (سانا) المحسوبة على النظام، بنودها، وأكدت أنها دخلت حيز التنفيذ بمجرد ما تم التوقيع عليها. وعلى ما يبدو إنها باكورة الاثمان التي يتوجب على النظام تسديدها لإيران نظير دعمها له في حربه على شعبه، وما يدرينا ما على نظام الأسد أن يدفعه في المستقبل القريب، فعمر النظام المتبقي، لا يشجع إيران على تأجيل جنيَّ ثمارها التي كانت تتوق إليها، فلربما تفوت الفرصة عليها قريباً.
ان السر الكامن في الرغبة الإيرانية بالاستعجال في الحصول على ثمن تدخُلِها في الأزمة السورية، من خلال عقد تِلكَ الاتفاقيات وبتوقيع رسمي من النظام السوري، هو لضمان حقوقها في تلك الاستثمارات قانونياً، تحسباً لاحتمالية تغير الشكل السياسي داخل سوريا مستقبلاً، وهذا الذي يُرجح حدوثه ربما قريباً.
شملت الاتفاقيات الخمس التي تم التوقيع عليها يوم الثلاثاء 17 يناير /كانون الثاني الماضي مجالات الزراعة والنفط والمعادن الطبيعية والاتصالات. كان القاسم المشترك بين كل تلك المشاريع، هو ان إيران لا يتوجب عليها أن تقوم بأي تعمير لبنية تحتية مدمرة بالبلد، أو إضافة منفعة اقتصادية أو مجتمعية ذات قيمة لهذا البلد. فهي ليست مشاريع تنموية أو إعماريه، إنما هي استثمارات مضمونة الأرباح بنسبة 100%، لا تصُبُ بخدمة المواطن السوري، بل لا توجد فيها خدمة حتى للنظام السوري، إلا إذا اعتبرنا حماية إيران للنظام من السقوط، هي الخدمة التي قدمتها إيران للنظام حسب تقديرات نظام بشار.
مَنَحَ النظام السوري إيران في إحدى هذه الاتفاقيات، مساحة من ساحل اللاذقية قدرها خمسة ألاف هكتار لتُقيم فيها ميناء نفطي، يتم من خلاله تصدير النفط، والسؤال هو، أي نفط تنوي إيران تصديره من هذا الميناء؟ أغلب الضن أن النفط المقصود هو النفط الإيراني والنفط العراقي بالإضافة الى الكميات المحدودة من النفط السوري بعد أن تسترجع إيران ابار النفط من تنظيم الدولة الذي يسيطر عليها جميعاً شرق سوريا.
وهذا يعني أنَّ النفط لثلاث دول سيمرُ بهذا الميناء الذي تسيطر إيران عليه بالكامل. كما ويؤمل أن خط نفطي سيربط الابار العراقية بالإيرانية اتجاه سوريا حيث الميناء النفطي الإيراني في اللاذقية. يذكر أن العراق وسوريا قد وقعّا في 22 أغسطس/أب 2007 اتفاقاً على اعادة تأهيل خط انابيب النفط الممتد بين كركوك وبانياس المغلق منذ الاحتلال الاميركي للعراق في 2003، كذلك هناك صفقة لتشغيل خط أنابيب الغاز الطبيعي من حقل بارس الجنوبي العملاق الإيراني عبر العراق وسوريا وصولاً لذلك الميناء الإيراني، مع إمكانية التمديد للبنان.
وهذا الأمر إذا ما تحقق فأنه يعني أن إيران بدأت تنافس روسيا كونها من اهم مصدري الغاز عالمياً، كما وسوف تنافسها على الساحل السوري أيضاً، حيث تمتلك روسيا قاعدتين عسكريتين مهمتين هناك. لكن روسيا تعتبر الساحل السوري منطقة خاصة بها لا ينبغي لأحد أن ينافسها عليه. فهل يا ترى ستغض روسيا طرفها عن هذه التطورات؟
وعلى ما يبدو أن العلاقة بين الروس والإيرانيين تتأزم يوماً بعد يوماً، وما الخلاف بينهما حالياً حول على دعوة الوفد الأمريكي لمحادثات “استانا”، إلا واحدة من معالم ذلك الخلاف القوية، ويمكننا القول إنَّ إيران بتصرفاتها المتسرعة تلك، بدأت تلف الحبل على عنقها تدريجياً من حيث لا تدري، فهي تناكف الروس بتصرفاتها، وهي بنفس الوقت على اعتاب حقبةٍ لرئيسٍ أمريكي جديد يجاهر بمعاداتها ليلاً نهاراً.
أما ما يخص اتفاقية استثمارها لمناجم الفوسفات في المناطق الموجودة تحت سيطرة النظام بجنوب مدينة تدمر فهو استثمار بدون تبعات على الجانب الإيراني، يَقرُب أن يكون هبة من النظام السوري لإيران. وخطورة هذا النوع من الاستثمارات، هو اعطاء الحق لإيران بحمايتها فيما إذا تم الاعتداء عليها أو محاولة
تأميمها من قبل أية حكومة سوريا قادمة، بمعنى ان لإيران الحق بالتدخل العسكري في سوريا بحجة حماية تلك الاستثمارات، وهو وجه ثاني للاحتلال وبطريقة قانونية.
أعطى النظام السوري الحق لإيران، بإنشاء شبكة خلوي جديدة في سوريا، لتكسر ولأول مرة احتكار “أل مخلوف” للاتصالات الخلوية في سوريا
وفيما يخص الاتصالات فقد أعطى النظام السوري الحق لإيران، بإنشاء شبكة خلوي جديدة في سوريا، لتكسر ولأول مرة احتكار “أل مخلوف” للاتصالات الخلوية في سوريا، وهي تضحية كبيرة من النظام السوري حينما يتنازل عن احتكاراته لأحد أخر. وسوف يتم ربط هذه الشبكة بشبكة الاتصالات التابعة لحزب الله في لبنان، لتصبح لإيران القدرة التحكم والتجسس على كل الاتصالات الخاصة بسوريا ولبنان.
ان كل الاتفاقيات التي وقّع عليها رئيس وزراء النظام السوري مع الإيرانيين، تأتي ضمن سياق بيع النظام لمؤسسات البلاد، ورهن مقدرات البلاد للنظام الإيراني، وهي خطوة استباقية من قبل إيران لفرض تلك الاتفاقيات على النظام السوري لبيع البلد لها، قبل أن يغادر السلطة، ليكون لها النفوذ الأقوى في سوريا حتى أذا ما تغير نظام الحكم، والذي من المرجح أن يتم الحديث عنه في مفاوضات جنيف الشهر القادم.
استحواذ إيران على أراضي زراعية سورية وبمساحات كبيرة، ستكون الاستفادة منها بشكل كامل لا خسارة فيها لإيران، ولا فائدة منها للسوريين، بل وستكون مقدمة لعمليات التغيير الديمغرافي التي سوف تباشر إيران بالعمل بها
وما يخص الجانب الزراعي من تلك الاتفاقيات، فأن الاتفاقيات تقضي استحواذ إيران على أراضي زراعية سورية وبمساحات كبيرة، ستكون الاستفادة منها بشكل كامل لا خسارة فيها لإيران، ولا فائدة منها للسوريين، بل وستكون مقدمة لعمليات التغيير الديمغرافي التي سوف تباشر إيران بالعمل بها، بل هي قد باشرت بالعمل بها، من خلال جلب العمالة الشيعية من إيران وباقي شيعة العالم، وزرعها في الأراضي السورية.
ان الذي نراه هو ما تعتزم عليه إيران بمخططاتها لسوريا، وربما الأيام القليلة القادمة ستكشف لنا عن خطط أخرى تعتزم إيران تنفيذها بسوريا وبالمنطقة بشكل عام، رغماً عن أنف الروس والأمريكان والعرب. وهنا يحق لنا أن نسأل، ماذا أعدَّ الحلف المنافس لإيران لِلَجْم جِماحها ووقف وقاحتها؟ لماذا يؤثر العرب اتخاذ موقف المتفرج أمامها؟ هل ينتظرون أن تُختطف سوريا كما خُطفت الاحواز من قبل، وكما خُطف العراق من بعد؟