الجمعة الماضية، وفي حفل التنصيب الأعلى تكلفة في تاريخ البلاد، أدى دونالد ترامب اليمين الدستوري، ليُصبح رسميا، الرئيس رقم 45 للولايات المتحدة الأمريكية منذ أن نالت البلاد استقلالها في عام 1776. وبالرغم من أن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، معلنة منذ ما يزيد عن شهرين، إلا أن الكثيرين داخل وخارج الولايات المتحدة، كانوا يُمنّون أنفسهم بوقوع معجزة ما -لا نعلم كُنهها- تمنع هذا المعتوه من اعتلاء كرسي الحكم. لكن شيئا لم يحدث، و هاهو رجل الأعمال العنصري المتطرف دونالد ترامب، يجلس خلف المكتب البيضاوي في البيت الأبيض على المقعد الأهم في أمريكا، وبات صاحب النفوذ الأقوى في العالم.
و بعد انتهاء مراسم التنصيب، كتب د. تميم البرغوثي، أستاذ العلوم السياسة، على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مُتنبئا بما سيحل بالعالم جراء اعتلاء دونالد ترامب سُدة الحكم، قائلا:
“ليستعد العالم للأسوأ: غزو إسرائيلي للبنان، وقصف إسرائيلي للمفاعلات الإيرانية، ودمشق يحكمها السفير الروسي، وابتزاز مال الخليج حتى يكاد يفلس، ومنح ليبيا للسيسي، وضم إسرائيل للمستوطنات ثم للضفة، وربما محاولة للطرد الجماعي للفلسطينيين من فلسطين التاريخية. هذا لا أقل هو ما يحتمل أن يكون تحت حكم الرئيس الأمريكي الجديد. من قالوا أنه لا فرق بينه وبين غيره ضلوا وضللوا الناس ورأوا العالم بعين حكام دمشق والقاهرة الضيقة لا غير.
وبالرغم من أن ما يتنبأ به “البرغوثي” ويتوقعه أمورًا تبدو تشاؤمية، ويصعب تحققها، إلا أن حُكّام العالم كله، والخبراء الاستراتيجين والسياسيين، وصنّاع القرار، وحتى رجال الصناعة والتجارة والأعمال، يحبسون أنفاسهم و يراقبون عن كثب، ما قد تتسبب فيه نتائج سياسات “ترامب” التي أوضحها علانية دون أي تجميل، في أثناء حملته الانتخابية، وتأثيرها على الداخل الأمريكي والعالم أجمع.
ترامب لا يُخلف الظنون بأول أمر تنفيذي له كرئيس للولايات المتحدة
كما سبق وأن أشرنا في تقرير سابق، بأنه من بإمكان الرئيس الأمريكي إصدار ما يُعرف بأمر تنفيذي Executive Order، لأي هيئة أو إدراة فيدرالية، ويُعتبر هذا الأمر التنفيذي مُلزِمًا قانونيًا وواجب النفاذ، دون انتظار موافقة الكونجرس.
ترامب لم يريد أن يخلف الظنون حول طريقة إدراته للبلاد، فقد صدّق عقب انتهاء مراسم تنصيبه و فور دخوله البيت الأبيض على أمر تنفيذي يتعلق بتخفيف الأعباء التنظيمية المتعلقة بقانون الرعاية الصحية، الذي سنه خلفه الرئيس أوباما في السابق، والمعروف باسم “أوباما كير” على أن يحدد أعضاء الكونغرس طريقة إلغاء ذلك القانون أو استبداله
وبالرغم من أن تعديل أو إبطال أي قانون تم تشريعه وتمريره عبر الكونجرس، يُعد خارج صلاحيات الرئيس الأمريكي كما سبق و أن وضحنا في هذا التقرير السابق، إلا أن هناك بعض الثغرات الدستورية التي يُمكن للرئيس استخدامها لتتوافق مع هواه الشخصي وسياساته، كإصدار أمر تنفيذي يقضي بتقليص الأعباء التنظيمية المتعلقة بهذا القانون، ومن ثم مطالبة أعضاء الكونجرس الذين يتبعون حزبه الجمهوري، بالعمل على تقديم مسودة قانون بديل. وهذا ما فعله ترامب فور تبوءه منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بالأمس، الأمر الذي يشي بأن كل ما سبق وأن قاله “ترامب” إبان حملته الانتخابية، لم يكن فرقعة إعلامية من أجل كسب الأصوات، بل إنها سياسته التي سيعمل على تطبيقها على أرض الواقع.
كما استخدم “ترامب” سلطته كرئيس أمريكي في إصدار أمر تنفيذي آخر، يسمح للجنرال “جيمس ماتيس” بتبوء منصب وزير الدفاع الأمريكي، حيث كان اختيار “ماتيس” لهذا المنصب محكوما بقانون أمريكي ينص على أن يترشح لتولي مثل هذا المنصب شخصيات خارج الخدمة العسكرية أو العامة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، ليتبع هذا الأمر التنفيذي الرئاسي، مصادقة الأغلبية من مجلس الشيوخ على تولي “الكلب المسعور” منصب وزير الدفاع والرجل الأول في البنتاجون.
و جيمس ماتيس ضابط سابق في سلاح مشاة البحرية الأمركية، ذو خبرة ميدانية واسعة، عُرف بانتقاداته الشديدة اللهجة لسياسة إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه الشرق الأوسط، وخاصة تجاه إيران، وعُرف ماتيس باسم “الكلب المسعور” نظرا لتلك المواقف.
وجدير بالذكر أن “ماتيس” قاد كتيبة هجومية خلال حرب الخليج الأولى عام 1991، كما كان قائدا لقوة خاصة عملت في جنوب أفغانستان في العام 2001، وشارك أيضا في غزو العراق في 2003 ، ولعب دورا رئيسيا في معارك الفلوجة المعروفة بشراستها.
ما القرارات التي يتوقع من ترامب أن ينفذها خلال السنوات الأربع القادمة؟
يرى بعض المحللين السياسيين، أن ترامب سيسعى حثيثا للتورط في أي حرب، فقط من أجل أن يُعاد انتخابه مرة أخرى، فهذه الحيلة مُجربة وسبق أن تم تنفيذها ولاقت نجاح. لكن بعيدا عن خوض الحروب من أجل البقاء على كرسي الحكم، يتوقع الخبراء السياسيون وأساتذة العلوم السياسية، والمهتمون بالشأن الأمريكي والسياسة العالمية، أن يتخذ “ترامب” بعض القرارات الهامة –التي تكفلها له صلاحياته الدستورية كرئيس أمريكا- والتي ستخدم توجهاته السياسية الشخصية، وتُعزز من بقاءه في هذا المنصب، حتى لو كانت هذه القرارات ستلحق الأذى بالعالم كله وبأمريكا التي يزعم أن فترته الانتخابية ستنصبّ حولها.
وفي هذا التقرير نستعرض معكم بعض هذه القرارات “الترامبية” المتوقع تنفيذها خلال فترة رئاسته التي بدأت بالفعل أمس.
تسمية أعضاء جُدد للمحكمة الدستورية العليا ذوي توجهات جمهوريةرابط الصورة
يتوقع المحللون السياسيون أن يقوم الرئيس دونالد ترامب، خلال السنوات الأربع القادمة، بطرح أسماء قضاة معروفين بتوجهاتهم الجمهورية، ليكونوا أعضاءً في المحكمة الدستورية العليا، وذلك من أجل أن يضمن توافق قرارات المحكمة التي تملك أعلى سلطة قضائية ودستورية في البلاد، مع توجهاته السياسية.
وبالرغم من أن الرئيس الأمريكي لا يُمكنه عزل أو إقالة رئيس وأعضاء المحكمة العليا من مناصبهم ما داموا على قيد الحياة ويتمتعون بسمعة شريفة وسلوك حسن، ولم يتقدموا بطلب تقاعد، إلا أن تسمية رئيس المحكمة ومعاونيه، تتتم عن طريق الرئيس الأمريكي عندما يخلو مقعد من مقاعد أعضاء المحكمة، ثم يتم الموافقة على هذه التسمية واعتمادها عبر مجلس الشيوخ الذي يجب أن يصوت بالموافقة عليهم بالأغلبية.
ويتوقع المحللون أن يخلو مقعد القاضية “روث بادر جينسبورج” قريبا، سواء بوفاتها أو بتقدمها بطلب تقاعد، حيث تبلغ القاضية من العمر 84 عاما، وسبق وأن طالبها بعض الديموقراطيين إبان فترة الرئيس أوباما بالتنحي، كي يتمكن من تسمية قاضِ ذو ميول ديموقراطية، كي تحتفظ المحكمة بتوازنها وبمقعد ليبرالي لعقود مقبلة، لكنها رفضت التنحي آنذاك، كما يُتوقع أن يخلو مقعدين آخرين –بخلاف مقعد جينسبورج- من مقاعد أعضاء المحكمة، سواء بالوفاة أو بطلب تقاعد.
إعادة إطلاق مشروع خط أنابيب كيستون XL رابط الصورة
من المتوقع بعد اعتلاء رجل الأعمال الجمهوري دونالد ترامب، سدة الحكم في أمريكا، أن يتم العمل على إطلاق مشروع خط أنابيب كيستون إكس إل، الذي سبق وأن خلق مواجهة حامية الوطيس بين الجمهوريين ومؤيديهم الذين قالوا أن هذا المشروع سيخلق فرص عمل جديدة، وبين العديد من الديمقراطيين وأنصار البيئة الذين حذروا من أن خط الأنابيب هذا سيضاعف الإنبعاثات الكربونية ويزيد ظاهرة الاحتباس الحراري سوءا، و عارضه الرئيس السابق باراك أوباما بكل ما أوتي من قوة، بل واستخدم “حق الفيتو” في تقويض إمرار هذا القانون الذي نجح الجمهوريون في تمريره إلى الكونجرس دون موافقة الرئيس.
تقارب أمريكي روسي
بعد حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، هنأ نواب “الدوما/البرلمان الروسي” بعضهم البعض بفوز “مرشحهم” دونالد ترامب، على حد تعبير فلاديمير جرينوفيسكي، نائب رئيس مجلس البرلمان الروسي. ويأتي هذا الترحيب الحار بفوز ترامب، بسبب خطاب العداء الواضح الذي كانت تتبناه هيلاري كلينتون ضد روسيا، ونتيجة لما صرّح به ترامب مرارا إبان حملته الانتخابية، من أنه يرغب في إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو، ووقف توسيع الناتو شرقا، وتجميد نشر منظومات جديدة للدرع الصاروخية في أوروبا، وتلميحاته بإمكانية رفع العقوبات المفروضة على روسيا منذ عام 2014 على خلفية ضم القرم والأزمة الأوكرانية.
إنشاء نظام فحص دقيق من أجل التضييق على اللاجئين من الدول الإسلامية
يتوقع المراقبون السياسيون أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتعديل نظام قبول اللاجئين، و إضافة شروط أخرى تعجيزية، من شأنها التضييق على طالبي اللجوء من الدول الإسلامية. كأن لا يتم السماح للرجال غير المصاحبين لأُسرهم، باللجوء لأمريكا كما هو الحال في كندا. فبالرغم من الترحاب الذي يُعامل به المسلمين في كندا مؤخرا، إلا أن نظام اللجوء الكندي، يسمح للنساء والأطفال والرجال المصاحبين لعائلاتهم فقط بالتقدم للجوء إلى كندا، أما الرجال أو الشباب من الدول الإسلامية، فلا يتم قبولهم أبدًا، في حين أن الشروط الأمريكية الحالية لا تستثني الشباب في سن القتال القادمون من دول إسلامية، من تقديم طلبات اللجوء لأمريكا بمفردهم دون عائلات.
بناء الجدار العازل بين الولايات المتحدة والمكسيك
أثناء حملته الانتخابية، هاجم الرئيس دونالد ترامب المكسيكين واصفا إياهم أنهم مغتصبون وقتلة ومهربو مخدرات، ويجب بناء جدار عازل على طول الحدود بين أمريكا والمكسيك لمنع المهاجرين المكسيكين من الدخول غير القانوني إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي لقى استحسان من مؤيديه، خاصة وأنه أكد على أن المكسيك هي من ستتحمل كلفة بناء هذا الجدار.
وبعيدا عمن سيتحمل تكفلة بناء هذا الجدار -الرئيس المكسيكي بينا نييتو أكد أن بلاده لن تدفع سنتا واحدا في تكلفة بناء هذا الجدار- فإنه ومن المتوقع، أن يمضي ترامب قدما في بناء هذا الجدار العازل خلال فترته الرئاسية، حيث يرى ترامب أن هذا الجدار سيعمل على إنهاء الهجرة السرية من المكسيك إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتأمين الحدود بين البلدين، وتفكيك عصابات المخدرات، ووقف تدفق الأموال والأسلحة إلى المناطق الحدودية.
إلغاء الأوامر التنفيذية التي أصدرها أوباما
لا نعلم على وجه التحديد أي أمر تنفيذي أصدره أوباما إبان فترتي حكمه للولايات المتحدة، قد يقوم دونالد ترامب بإسقاطه وكأنه لم يكن، لكننا نعلم أن هذه الصلاحية باتت واحدة من الصلاحيات التي صارت بيد ترامب، وأنه يُمكن أن يقوم في أي وقت الآن، بإصدار أمر تنفيذي يلغي به ما سبق وأن أصدره سلفه السابق من أوامر تنفيذية ليست على هوى ترامب وحزبه الجمهوري.
تأشيرة الـ H-1B هي تأشيرة عمل تسمح للشركات باستجلاب عمالة من الخارج للعمل في مهن متخصصة مثل العلوم والهندسة وبرمجة الحاسوب، وهي تُشبه إلى حد ما نظام الكفيل المعمول به في دول الخليج، حث يجب على صاحب العمل الموجود في الولايات المتحدة أن يثبت أن المتقدم للحصول على التأشيرة يفي بكافة متطلبات تأشيرة الـ H-1B .
وخلال حملته الانتخابية، هاجم “ترامب” سياسة الشركات الأمريكية التي تقوم على استجلاب عمال ومهنيين من الخارج، يقومون بتحويل رواتبهم إلى ذويهم في أوطانهم مما يؤدي إلى مغادرة الكثير من الأموال إلى خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالرغم من التعديلات التي تم إقرارها على هذه التأشيرة مؤخرا، و وضع حدا أعلى على عدد طلبات تأشيرة H-1B التي يتم الموافقة عليها كل عام بحيث لا تزيد عن 65,000 طلب، و منح تأشيرات الـ H-1B على أساس أسبقية التقدم، وأن يقر صاحب العمل بأنه سيدفع للعامل الأجنبي أقل من الأجر السائد لنظيره الأمريكي، وبأن استجلاب عمالة أجنبية لن تتسبب في تسريح أي عمالة أمريكية موظفة، فإنه من المتوقع أن تزيد هذه القيود أكثر خلال السنوات الأربع القادمة، و ربما يقوم ترامب بتعليق هذه التأشيرة من أجل الضغط على الشركات الأمريكية للاستعانة بالعمال والمهنيين الأمريكين من أجل دعم الاقتصاد وإحياء مبدأ “أمريكا أولا” الذي يتبناه.