في الوقت الذي تعزف فيه أجهزة الإعلام المصرية على أنغام مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان بمنطقة الفرافرة بمحافظة الوادي الجديد، جنوب غرب مصر، والذي يعد أحد الركائز القومية الرئيسية الثلاث الذي أعلن عنها عبدالفتاح السيسي منذ توليه الرئاسة في 2014، بجانب شبكة الطرق وتفريعة قناة السويس الجديدة، إذ بالإعلان عن توقف المشروع فجأةً، وفشل القدرة على استكماله لعدم توافر المياه الكافية له.
هذا الخبر الذي جاء بمثابة الصدمة للكثيرين، فرض العديد من التساؤلات حول دراسات الجدوى التي أجريت على هذا المشروع، والأموال التي تم إنفاقها عليه حتى الآن، وبات التخوف من “فنكوش” جديد يداعب أذهان المصريين، فهل يتحول مشروع الفرافرة إلى توشكى جديد؟ ومن المسئول؟
البداية
تعود بداية القصة إلى صبيحة الثلاثين من ديسمبر 2015، حين كشف التلفزيون المصري الستار عن إطلاق شارة البدء لمشروع استصلاح مليون ونصف المليون فدان بمنطقة الفرافرة، كخطوة أولى نحو مشروع استصلاح أربعة ملايين فدان في منطقة الصحراء الغربية.
المشروع تكفلت عدة جهات بتنفيذه كان في مقدمتها: سلاح المهندسين بالجيش، وزارة الزراعة، وزارة الري بالتعاون مع محافظة الوادي الجديد، وقد تم تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع باستصلاح عشرة آلاف فدان تمت زراعتها جميعها بمختلف المحاصيل، فضلا عن إقامة 3 قرى نموذجية للريف المصرى تستوعب ما يقرب من 2500 أسرة، وحفر عدد من الآبار الجوفية، ورصف طرق واستكمال البنية الأساسية من صرف ومياه وخدمات كهرباء للقرى التى تمت إقامتها، ومن هنا استبشر المصريون خيرًا بهذا المشروع.
العديد من الآمال عقدت على هذا المشروع، وهو ما تجسد في تصريحات اللواء محمود عشماوي، محافظ الوادى الجديد، والذي قال عقب انطلاق شارة البدء: إن دخول الفرافرة وزمامات أخرى من الوادى الجديد مشروعات التنمية سيغير ظروف المكان الحياتية والطبيعية والاقتصادية لخطوات متقدمة، ما سيجعل المحافظة متميزة زراعيًا وصناعيًا وخدميًا.
المشروع تكفلت عدة جهات بتنفيذه كان في مقدمتها: سلاح المهندسين بالجيش، وزارة الزراعة، وزارة الري بالتعاون مع محافظة الوادي الجديد، وقد تم تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع باستصلاح عشرة آلاف فدان تمت زراعتها جميعها بمختلف المحاصيل
المحافظ أشار إلى عدة مشروعات قد تم الانتهاء منها وتحمل بين ثناياها إرهاصات نجاح هذا المشروع القومي، منها حفر أول 40 بئرا جوفية في منطقة الفرافرة والمقامة على مساحة 10 آلاف فدان، فضلا عن تركيب أجهزة الري المحوري، كما تم الانتهاء من تسوية الأرض بالليزر وتسميد الأرض وتجهيزها، وافتتاح القرى الجديدة التي تم إنشاؤها والوحدات السكنية التي تم الانتهاء منها والتي تضم ما يقرب من 2500 وحدة سكنية، بالإضافة إلى المباني الحكومية والخدمية الكاملة المرافق ، كما سيتم افتتاح محطة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية ومحطة مياه الشرب ومحطة معالجة الصرف الصحي، وكذلك القرية الزراعية التي تخدم 2500 فدان سيتم طرحها للأسر المستفيدة في صورة شركات مساهمة.
السيسي خلال افتتاح المرحلة الأولى من المشروع
ادعاء الاستفادة من أخطاء توشكى
عقب انطلاق شارة البدء والإعلان عن استصلاح 10 الاف فدان كمرحلة أولى من المشروع، في احتفالية إعلامية كبيرة، سارع البعض إلى التأكيد على أن هذا المشروع هو الأمل للنهوض بمصر من أزمتها الغذائية بصورة خاصة، لاسيما وأن عددا من الباحثين بات يتحدث عن إمكانية زراعة القمح وبنجر السكر في تلك الأراضي المستصلحة مايعني تقليل المستورد من هذه السلع الإستراتيجية ومن ثم تحقيق الإكتفاء الذاتي إلى حد ما.
بينما أشار البعض الأخر إلى أن هذا المشروع نجح – بفضل الدراسات المعدة – في تجنب أخطاء المشروعات المشابهة السابقة، وهو ما أشار إليه الباحث الاقتصادي أحمد عبدالحفيظ، والذي أكد أن مشروع المليون ونصف فدان الذي أطلق من منطقة الفرافرة قابل للزيادة حتى 4 مليون فدان، مضيفًا أن الحكومة استفادت من تجربتها السابقة في مشروع توشكي, وأنها استوعبت الدرس جيدًا, ملفتًا أن المشروع لم يطرح إلا بعد دراسته بعناية.
أصوات معارضة “الفنكوش” غير مسموعة
في خضم العزف الإعلامي والسياسي على أوتار نجاح المشروع، وشمولية الدراسات المعدة، وأنها بنيت على أراء خبراء متخصصين في هذه المجالات، خرجت بعض الأصوات المحذرة من هذا المشروع في الوقت الحالي، إلا أن أحدًا لم يستمع إليها، كان في مقدمتهم الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الري الأسبق، والذي أشار إلى أن هناك أزمة ستواجه استمرارية المشروع تتمثل في نقص المياه الجوفية، خاصة وأنه يعتمد على 20 % على مياه نهر النيل، و80% على المياه الجوفية.
علام في تصريحات له قال: لدي شك كبير في أن المياه هناك تكفي لري هذا المشروع في ظل مساحته الكبيرة، ولمدة 100 عام كما تحدث عنها حسام مغازي وزير الري الأسبق، مطالبًا بإعادة النظر في الدراسة الخاصة بهذا المشروع والتي أثبتت توافر المياه لري كل هذه المساحات الكبيرة على حد قوله، مضيفا: “قلة المياه الجوفية بمنطقة الفرافرة لا تنذر بفشل المشروع وإنما تهدد استمراريته، ولا توفر له الاستدامة لسنوات طويلة.. سننتظر ونرى”.
وزير الري الأسبق أشار إلى أن المياه الجوفية في صحراء مصر الغربية كلها لا تكفي لاستصلاح أكثر من مليون فدان بتكاليف ضخمة للغاية، وأن الحديث عن اعتماد سياسة الترشيد في الوقت الحالي، غير علمي، إذ أن الترشيد يحتاج لسنوات عدة، مختتمًا حديثه بأن التصريحات التي وصفها بـ “المغلوطة” التي أطلقها المسئولون، والخاصة بالوفرة المائية والتوسعات الزراعية الخيالية لا تتناسب مع إمكانيات مصر المائية.
علام: قلة المياه الجوفية بمنطقة الفرافرة لا تنذر بفشل المشروع وإنما تهدد استمراريته، ولا توفر له الاستدامة لسنوات طويلة.. سننتظر ونرى
أما فيما يتعلق بتأثر المياه المخصصة لري المشروع بـ”سد النهضة” الإثيوبي، أشار علام إلى أن نسبة الاعتماد على مياه النيل لاتتجاوز 20% ومن ثم لن يتأثر المشروع – فيما يتعلق بمصدر مياه النيل- كثيرًا حال حدوث أي نقص في مياه النيل بعد إتمام بناء السد.
وبعد عام تقريبًا من إعلان شارة البدء لهذا المشروع، واستصلاح أول مرحلة منه، مابين فرحة عارمة، وترويج الأمل في المضي قدما نحو تحقيق حلم استصلاح 4 ملايين فدان، وبين أصوات معارضة له في الوقت الراهن، إذا بالإعلان عن توقف المشروع فجأة.. فماذا حدث؟
المشروع يتوقف فجأة
في تصريحات مفاجئة وصادمة في الوقت نفسه، أعلن الدكتور سامح عطية صقر رئيس قطاع المياه الجوفية في وزارة الري، بأن المياه الجوفية المتاحة في مصر كلها لا تكفي إلا لزراعة 26 %فقط من إجمالي المشروع، أي ما يقرب من 390 ألف فدان من إجمالي مليون ونصف المليون.
تصريحات رئيس قطاع المياه الجوفية بوزارة الري ألقت بظلالها القاتمة على المستثمرين المشاركين في المشروع، وهو ما دفع البعض منهم إلى الانسحاب، كما حدث مع مستثمري بنجر السكر، فبعد أن كان الاتفاق بينهم وبين الحكومة على زراعة محصول البنجر، وهو أحد المحاصيل التي أقرت وزارة الري زراعتها في الأراضي المستصلحة الجديدة؛ لتحملها الملوحة المرتفعة، فوجئ المستثمرون بأن المقرر المائي الذي رصدته الوزارة للفدان حوالي 1200 متر مكعب، بينما يحتاج البنجر إلى 4500 متر مكعب، ما يعني موت المحصول قبل زراعته، وهو ما دفع المستثمرين للانسحاب من المشاركة في هذا المشروع.
تخوفات من تحول المشروع إلى “توشكى”جديدة
من المسئول؟ “محاولات إبعاد المسؤولية عن السيسي”
(..حين قلت إن مشروع المليون ونصف فدان فيه تسرع ومبالغة في تقدير المخزون الجوفي للمياه، اتهموني بأني معارض.. ياناس كل عاشق للبلد لابد وأن يقول كلمة حق ورزقه على الله ، وهي ليست معارضة بل تبصير للمسئولين بحقيقة الأمر من متخصص أفني عمره في العلم والأراضي والمياه..) بهذه الكلمات أستهل الدكتور نادر نور الدين، خبير الموارد المائية تعليقه على الإعلان عن توقف مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان بالوادي الجديد، وذلك عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الإجتماعي”فيس بوك”.
نور الدين اتهم وزير المالية الأسبق حسام مغازي، بخداع السيسي في هذا المشروع، مشيرًا إلى أن منطقة الفرافرة من المناطق الصحراوية شديدة الحرارة، وتحتاج إلى 10.5 مليار متر مكعب من المياه سنويًا لري 1.5 مليون فدان، في حين إن الوزير أكد سابقًا أن الصحراء الغربية بكاملها لا يوجد بها سوى 8 مليار متر مكعب من المياه.
نور الدين: ارتفاع درجات الحرارة في تلك المناطق المعلن عنها لإقامة المشروع في الوادي الجديد تجعل من استصلاح المساحة المحددة أمرا شبه مستحيل
خبير الموارد المائية أشار إلى أن وزير الري عرض على الجهات المسئولة أن 1.5 مليون فدان تتطلب 2 مليار متر مكعب فقط من المياه الجوفية في السنة، أي أن معدل الري للفدان يستهلك أقل من 1400 متر مكعب فقط في السنة وهذا مستحيل زراعيًا وواقعيًا حتى لو كان في القطب الشمالي.
كما أوضح نور الدين أن قدرة مصر على استصلاح مليون ونصف مليون فدان في الوقت الراهن غير واقعي بالمرة، في ظل الندرة المائية التي تعاني منها في الفترة الأخيرة، لاسيما بعدما وصل تعداد السكان إلى 90 مليون نسمة، ومن ثم ينبغي أن يكون لدى الدولة 90 مليار متر مكعب من المياه ، حتى يكون نصيب الفرد 100 متر مكعب، لكن ومع انحسار حصة مصر من المياه إلى 60 مليار فقط، إجمالي حصتها من مياه النيل والمياه جوفية ، ما معناه أن هناك 30 مليار متر مكعب عجز مائي ، وهو ما يستحيل معه استصلاح هذه الكمية من الأراضي، مختتما بأن ارتفاع درجات الحرارة في تلك المناطق المعلن عنها لإقامة المشروع في الوادي الجديد تجعل من استصلاح المساحة المحددة أمرًا شبه مستحيل.
انسحاب الشركات الأجنبية
في تحقيق نشرته جريدة “النبأ” الخاصة المصرية، أشار إلى انسحاب خمس شركات أجنبية كان قد تم الاتفاق معها على تمويل المشروع، من بينها شركات فرنسية وفيتنامية، وعلى الفور تم سحب تمويل المشروع من وزارة الزراعة إلى وزارة الإسكان، وهو ما دفع الحكومة إلى الاتفاق مع بعض شركة صينية لتمويل المشروع بالكامل.
وبالرغم من عدم الإجابة عن التساؤل حول أسباب انسحاب تلك الشركات، وما إذا كان قد نما إلى علمها وفق ما لديها من معلومات، الفشل المبكر للمشروع، إلا أن الشروط التي وضعتها الشركة الصينية تجيب ضمنيا على جزء من هذا التساؤل.
الشركة الصينية رغم أنها وقعت على اتفاق تمويل المشروع مع الحكومة المصرية، إلا أنها أرجأت البدء في التنفيذ لحين المزيد من دراسة المشروع والدراسات الخاصة به، للتأكد من صحتها، وقدرة المشروع على تحقيق الأهداف المرجوة منه مستقبلاً