تشهد الاحتجاجات السورية المطالبة برحيل نظام الأسد عن السلطة تطورات لافتة، عقب دخولها أسبوعها الثاني، لا سيما في محافظة السويداء جنوبي البلاد، والتي يعيش سكانها على وقع احتجاجات متواصلة، وتوجُّه نحو إنشاء إدارة عسكرية لحماية المحافظة ومدنية تهدف إلى تقديم الخدمات للسكان.
ويواصل أهالي المحافظة، ريفًا ومدينة، الاحتجاجات الشعبية في ساحة السير/ الكرامة وسط مدينة السويداء لليوم التاسع على التوالي، وسط قطع للطرقات الواصلة بين البلدات والقرى بالمنطقة، وإغلاق للدوائر والمؤسسات الحكومية ومقارّ فرق حزب البعث والمحال التجارية بشكل جزئي.
تطورات الاحتجاجات في السويداء
قدم عدد من الضباط المتقاعدين من أبناء محافظة السويداء جنوبي البلاد، مقترحات تدعو إلى تشكيل “مجلس إدارة مؤقت” يهدف إلى إدارة شؤون المحافظة وفتح معبر حدودي مع الأردن، خلال زيارة أجراها عدد من الضباط المتقاعدين للشيخ حكمت الهجري، قدموا خلالها مجموعة من المقترحات إيذاء تطورات الاحتجاجات.
وأكّد الضباط على دعمهم لمطالب الحراك الشعبي حتى تحقيق أهدافه كونهم جزءًا أساسيًّا منه، كما شددوا على وحدة الأراضي السورية، وحل كل القضايا عبر دعم الحل السياسي السلمي وفق القرار الأممي 2254.
وحمل البيان 8 بنود لتنظيم العمل وإدارة المحافظة، من بينها المطالبة بسحب الثقة من أعضاء مجلس الشعب وأعضاء الإدارة المحلية على مستوى المحافظة، كما قدم الضباط خلال مقترحهم تشكيل هيئة اختصاصية تضمّ جميع أطياف المجتمع السوري في المحافظة بهدف تسيير مختلف الأعمال الخدمية، فضلًا عن فتح معبر حدودي مع الأردن بغية تعزيز التنمية الاقتصادية في المحافظة.
وأكد العميد المتعاقد نايف العاقل، أحد الضباط الذين زاروا الهجري، خلال حديثه مع شبكة “السويداء 24″، أن زيارته رفقة مجموعة من الضباط المتقاعدين إلى دارة الرئيس الروحي الشيخ حكمت الهجري، كانت لتأييد الموقف الذي اتخذه في دعم مطالب أبناء السويداء خاصة وسوريا عامة للعيش الكريم، والخروج من هذه المحنة التي نعيشها اليوم.
وأضاف: “إن ما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي حول بيان منسوب إلى الضباط المتقاعدين ليس إعلانًا عن مشروع جديد، إنما هو اقتراحات فقط، وخطة عمل مستقبلية للخروج من الواقع الرهن”، مشيرًا إلى أن هذه المقترحات سيتم نقلها إلى كل الفعاليات الدينية والاجتماعية، ولا يمكن تبنّيها دون توافق عام من جميع الفئات في السويداء.
#شاهد: الحشود تتزايد في ساحة السير/الكرامة وسط مدينة السويداء، والهتافات تهز المدينة: الشعب السوري واحد.#إضراب_السويداء pic.twitter.com/5nTugTCnaU
— السويداء 24 (@suwayda24) August 28, 2023
يأتي ذلك تزامنًا مع إغلاق المؤسسات الحكومية الرسمية والحزبية في مختلف أنحاء المحافظة في إطار العصيان المدني، إلا أن بعض وجهاء ومشايخ العقل أكدوا على ضرورة فتح المؤسسات الخدمية بشكل جزئي بهدف تسيير معاملات الناس، حيث افتتحت بعض المؤسسات أبوابها بعدد محدود من الموظفين لا يتعدى موظفًا واحدًا، فيما رفض بعض المدراء افتتاح المؤسسات الخدمية بشكل جزئي لأسباب تتعلق بخضوعهم للاحتجاجات الشعبية في المحافظة.
وأعلن المهندس فراس البعيني، عضو مجلس المحافظة عن مدينة شهبا، استقالته من مهامه الأحد 27 أغسطس/ آب، بسبب تجاهل أصحاب المناصب وإدارة الظهر لكل مطلب محقّ من مطالب الناس، كما قدّم اعتذارًا من الأشخاص الذين يمثلهم.
وأكد البعيني أنه لن يتخلى عن واجبه ومسؤوليته، وسوف يسعى بكل ما استطاع إلى تغليب لغة الحوار على لغة التصعيد، مشيرًا أنه لا يمكن حل الأمور بالمحافظة، والتي هي اليوم على بركان ثائر، إلا بالحوار بين أشخاص أصحاب قرار ولديهم حس عالٍ بالمسؤولية ولا يتبعون لأحد.
ونصبت الفصائل المحلية في السويداء حاجزًا عند قرية حزم في ريف محافظة السويداء، بهدف حماية القادمين والعابرين من خلال التدقيق هويات المارّة والسماح لهم بالمرور، مع تفتيش السيارات التي يشتبهون بها، ذلك بعد التوافق بين الفصائل وبعض الجهات الدينية.
وبحسب مصادر محلية لموقع “الراصد”، هدف الحاجز ليس توقيف أحد أو ضد أي جهة كانت، وليس لمنع عناصر الجيش أو الأمن من دخول المحافظة كما أشيع عنه اليوم، إنما هو إجراء وقائي لإحباط أي تهديدات محتملة في ظل الظروف الحالية التي تعيشها البلاد.
واحتجز أهالي السويداء عددًا من عناصر قوات نظام الأسد بهدف المطالبة بالإفراج عن الناشط أيمن فارس، الذي اُعتقل أثناء توجهه إلى محافظة السويداء قادمًا من مدينة جرمانا خلال الأيام القليلة الماضية، إذ أعلن الشيخ سليمان عبد الباقي قائد “تجمع أحرار جبل العرب”، الأحد 27 أغسطس/ آب، عن احتجاز عدد من الضباط في الجيش السوري من أجل عملية تبادل أسرى.
الشيخ سليمان عبد الباقي يوضح مجريات اعتقال الناشط أيمن فارس ابن الساحل #السوري في أثناء محاولته الالتجاء إلى #السويداء، ويؤكد أنه لا يزال معتقلًا، وقد تم احتجاز ضباط للتفاوض وإطلاق سراحه.
الكلمة خلال وقفة في قرية داما بريف السويداء الغربي، شارك فيها العشرات. pic.twitter.com/cWg47ebWxg
— السويداء 24 (@suwayda24) August 27, 2023
جاء ذلك خلال كلمة ألقاها في قرية داما بريف السويداء الغربي، شارك فيها العشرات من أبناء القرية والقرى المجاورة، مؤكدًا أن اعتقال الناشط أيمن فارس ابن الساحل السوري أثناء محاولته الالتجاء إلى السويداء غير مقبول، وقد احتجز الأهالي ضباطًا للتفاوض وإطلاق سراحه.
شماعة داعش
إلى ذلك، خرج الإعلامي الموالي لـ”حزب الله” ونظام الأسد، حسين مرتضى، بمقطع مصور على صفحته الشخصية في فيسبوك، يتحدث فيه عن استغلال بعض الطرقات وإدخال عدد من الانتحاريين والإرهابيين لتنفيذ هجمات انتحارية تستهدف محافظة السويداء، بهدف إنهاء الاحتجاجات.
وقال: “إن بعض الإرهابيين والانتحاريين دخلوا إلى السويداء، وفي حال كان هناك نية للتهدئة فإن أمريكا تعمل على تأجيج الوضع مجددًا، حيث سيقوم بعض الانتحاريين بتفجير أنفسهم داخل الأحياء لاتهام الدولة السورية وتأجيج الشارع”.
في حين ذكرت مصادر محلية أن هناك أوامر من نظام الأسد صدرت إلى بعض الجماعات في ريف السويداء الشرقي، للتحرك والمشاركة في الاحتجاجات بهدف إثارة مخاوف المحتجين، إلا أن ثوار السويداء أعادوا هؤلاء الشباب ومنعوهم من دخول المدينة، وحسين مرتضى يريد استباق أي عملية يمكن أن تجري في المحافظة بأن نظام الأسد ليس له صلة بها.
وقبل أيام تحدث المعارض السوري ماهر شرف الدين، خلال متابعته لتطورات الاحتجاجات في الجنوب السوري، محذّرًا أهالي محافظة السويداء من شماعة نظام الأسد المعتادة “داعش”، لأن نظام الأسد يلجأ إلى هذه الأساليب كلما خرجت تظاهرات شعبية في محافظة السويداء.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان فرار عدد من سجناء “داعش” في سجن غويران في محافظة الحسكة شمال شرقي البلاد، في حين رجّح ناشطون أن توقيت فرار عناصر “داعش” يتزامن مع الحراك الشعبي في سوريا لا سيما في محافظة السويداء، ما يرجّح مساعي نظام الأسد في الالتفاف على الاحتجاجات بطريقة غير مباشرة، كونه عاجزًا عن قمع الاحتجاج في السويداء.
نظام الأسد يتجاهل الاحتجاجات
يتجاهل نظام الأسد الاحتقان الشعبي والاحتجاجات التي تشهدها البلاد نتيجة الحالة المزرية التي وصلت إليها في ظل حكمه، متابعًا إصدار القرارات والتشريعات التي من شأنها تأجيج الشارع السوري، حيث كان آخرها إصدار وزارة الداخلية وحماية المستهلك ليل الأحد/ الاثنين قرارًا يقضي بتحديد تسعيرة البنزين والمازوت والغاز والفيول السائل دوكما، للمرة الثانية خلال أسبوعَين.
وحددت الوزارة سعر مبيع ليتر البنزين من نوع أوكتان 95 بقيمة 14700 ليرة سورية بعدما كان 13500 ليرة سورية، وفقًا للتسعيرة التي حددتها في 15 أغسطس/ آب الجاري، بينما رفعت تسعيرة المازوت الحر من 11550 إلى 12800 ليرة سورية.
وفي السياق، ارتفع سعر طن الفيول إلى 8 ملايين و532 ألفًا و400 ليرة سورية، بعدما كان قبل أسبوعَين نحو 7 ملايين و887 ألفًا و500 ليرة، وطال الارتفاع تسعيرة طن الغاز السائل دوكما، والذي ارتفع من 9 ملايين و372 ألفًا و500 ليرة، إلى 10 ملايين و40 ألف ليرة.
يلقي ذلك الارتفاع في أسعار المحروقات التي كانت سببًا رئيسيًّا في حراك الشارع السوري، بتأثيرات سلبية على حياة الناس وتحركاتهم في مناطق سيطرة نظام الأسد، لا سيما ارتفاع أسعار الكهرباء “الأمبيرات” والمياه والمواصلات والمواد الغذائية والتجارية.
يأتي ذلك في وقت تعلو فيه الأصوات المناهضة لنظام الأسد في عموم مناطق سيطرته، التي تشهد احتقانًا شعبيًّا بشكل غير مسبوق وسط محاولات مستمرة من النظام في فرض قبضته الأمنية على الأحياء والمناطق، التي تشهد أشكال احتجاج وتضامن متنوعة مع احتجاجات الجنوب.
تتزامن تلك الاحتجاجات مع التطورات على الحدود السورية الأردنية التي تشهد عمليات تهريب متواصلة للمواد المخدرة والسلاح
وكان آخرها مهاجمة سعيد زياد فريح -يقيم خارج سوريا- نظام الأسد خلال بث مقطع مصور على صفحته الشخصية في موقع فيسبوك، الذي كان مرشحًا عام 2016 لعضوية مجلس الشعب عن فئة الشباب والمستقبل بدمشق، لكنه لم ينجح بالانتخابات بسبب المحسوبيات وفق تعبيره.
وقال: “إن دعاية نظام الأسد وترويجه للانتصار بعد أن شارك بقمة الجامعة العربية بالسعودية في مايو/ أيار الماضي، لا تتوافق نهائيًّا مع ما يجري على أرض الواقع، لأنه استمر في الكذب على الشعب منذ عام 2011″، وأضاف: “إن مشاركة بشار الأسد بقمة الجامعة العربية بعد موافقته على شروط الدول العربية، ومنها ما هو متعلق بالقرار الدولي 2254، كانت لمجرد إظهاره بهيئة المنتصر أمام الناس في الداخل الذين يعانون من التجويع”.
وأشار إلى أن البلاد وصلت إلى مرحلة لا يمكن لبشار الأسد أن يحكمها، ولن يتم تعويمه ولا بأي شكل بعد كمّ المجازر والسرقة والنهب، وتم حرق كرته من قبل الغرب، وأوضح فريح أن السوريين في الداخل همّهم تأمين مستلزمات الحياة الأساسية (خبز وكهرباء ومياه ومحروقات)، وهم مغيّبون عمّا يحصل من مجازر وجرائم وسرقة وفساد حتى يغادروا سوريا.
ويؤكد المحتجون في عموم الأراضي السورية، وعلى رأسها السويداء، على إسقاط نظام الأسد وتطبيق القرار الأممي 2254، إلا أن نظام الأسد يحاول زعزعة الحراك السلمي من خلال العبث بالملف الأمني في المحافظة، والتلويح بورقة “داعش” مجددًا، ما يدعوا إلى اتخاذ الفصائل المحلية في السويداء قرارًا في النزول إلى الشارع وحماية الأهالي، وهذا ما يسعى إليه نظام الأسد في تحويل الحراك إلى مسلح.
وتتزامن الاحتجاجات مع التطورات على الحدود السورية الأردنية التي تشهد عمليات تهريب متواصلة للمواد المخدرة والسلاح، آخرها إعلان القوات المسلحة الأردنية إسقاط طائرة مسيَّرة قادمة من الأراضي السورية ليل الأحد/ الاثنين.
وفي وقت سابق، نقلت صحيفة “اندبندت عربية” عن بعض المصادر الأردنية الحديث عن المطالبة بإقامة منطقة عازلة على الحدود مع سوريا، بعدما فشل نظام الأسد في ضبط الحدود، وهو ما يرجّح تحويل الحراك السلمي المطالب بوحدة الأراضي السورية إلى محور آخر، في ظل إصرار السوريين على إسقاط سلطة نظام الأسد والإبقاء على وحدة الأراضي السورية.