ترجمة وتحرير نون بوست
في الواقع، تشهد إيران للمرة الأولى منذ نهاية “عهد الشاهات” في أوائل القرن العشرين، توسعا حقيقيا في نطاق سيطرتها السياسية والعسكرية على ما تسميه “المجال الشرعي لنفوذها”، أي بلاد مابين النهرين ومناطق شبه الجزيرة العربية وشرق البحر الأبيض المتوسط، مع المجتمعات الشيعية الكبيرة.
وبعد مرور حوالي 14 سنة من الغزو الأمريكي، وإثر المعاناة لسنوات من الحرب الطائفية، يبدو العراق اليوم وطنا مفككا يقوده الشيعة، وعلى مشارف أن تصبح دولة تابعة لإيران. وفي الوقت نفسه، ساهم الدعم الذي قدمته إيران لحزب الله؛ تلك الحركة الشيعية المسلحة، لأكثر من ثلاثة عقود، في جعل هذا الحزب القوة الأكثر نفوذا في لبنان.
وفي الوقت الراهن، تعتمد سوريا عسكريا بصفة نسبية على إيران، التي أرسلت مقاتليها لدعم نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، في الحرب الأهلية الوحشية التي يخوضها في بلاده. أما في اليمن، فقد سعت إيران إلى تقديم دعمها الضمني للطوائف الإسلامية التي تميل إلى التشيع؛ أي الحوثيين، الذين يخوضون حربا قبلية وطائفية ضد القوات المدعومة من المملكة العربية السعودية. وفي كل من هذه البلدان، تسعى إيران إلى ترسيخ نظم سياسية شيعية، تعمل طبقا لنموذجها الخاص.
ساهم التاريخ الذي عاشته إيران في الماضي، والرؤساء الذين تعاقبوا على حكمها، في تكريس رؤية طهران التي تسعى لاستعادة منصب “الزعيم الإقليمي” في الشرق الأوسط
ومن هذا المنطلق، ساعد انهيار النظام العربي القديم -بعد عقود من التآكل البطيء، والغزو الأمريكي للعراق، وانتفاضات ما يسمى “بالربيع العربي”- إيران على مواصلة فرض هيمنتها ونفوذها في كامل الشرق الأوسط. وفي الوقت ذاته، ساهم التاريخ الذي عاشته إيران في الماضي، والرؤساء الذين تعاقبوا على حكمها، في تكريس رؤية طهران التي تسعى لاستعادة منصب “الزعيم الإقليمي” في الشرق الأوسط.
وفي حين أن الإستراتيجية التوسعية التي تتبعها طهران في الوقت الحالي، ستقوض في نهاية المطاف كل هذه الطموحات، إلا أنه من الممكن أن تظفر طهران بدور قيادي في الشرق الأوسط، من خلال تأجيج نار المظالم الطائفية، وإلحاق أضرار بالهيبة الاجتماعية والثقافية، للعديد من البلدان التي ظلت تدعم تاريخيا موقف إيران الإقليمي.
لطالما، اعتبرت إيران مصر حضارة قديمة، تملك دورا بارزا في التاريخ الإسلامي، ونظيرة لها؛ سياسيا وثقافيا، من بين كل الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط. ونظرا لغياب مصر عن المشهد السياسي الإستراتيجي في الشرق الأوسط على مدى العقود الثلاثة الماضية؛ بسبب المشاكل الداخلية التي تعاني منها، فإنها لن تتمكن من منافسة إيران إقليميا وتاريخيا لسنوات قادمة.
النخب الإيرانية لم تستوعب فكرة أن بلادهم ينبغي أن تتقبَل الدول المجاورة على اعتبارها ندا سياسيا لها
كل هذه المعطيات جعلت من المملكة العربية السعودية البلد الوحيد القادر على مواجهة التوسع الإيراني المتنامي. ونظرا لأن ورثة “الإمبراطورية السعودية” لم يسعوا يوما إلى توطيد العلاقات بجيرانهم الإيرانيين، فإن النخب الإيرانية لم تستوعب فكرة أن بلادهم ينبغي أن تتقبَل الدول المجاورة على اعتبارها ندا سياسيا لها.
في الحقيقة، ساهمت الثروة النفطية الهائلة التي تملكها دول الخليج، على مدى السنوات الخمسين الماضية، في زيادة الطموحات القيادية لهذه البلدان. في المقابل، ولدت هذه الثروة فروقات شاسعة في أساليب الحياة لسكان دول الخليج الصغيرة، وفي مستوى معيشة عشرات الملايين من الإيرانيين.
ومنذ السبعينات، أظهرت إيران انعزالا وغطرسة، ونوعا من الحسد تجاه هذه البلدان، التي تعتبرها حديثة النعمة. وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، زادت نسبة تأزم هذه العلاقة المشحونة بالضغينة؛ حيث ساهمت ثورة إيران الإسلامية في سنة 1979، فضلا عن طموحات قادتها الرامية إلى تصدير الحماسة الدينية إلى نخب دول الخليج المعادية، التي كانت تعرف بأنظمتها السياسية العتيقة، في تأجيج لهيب الثورة الشعبية في العديد من البلدان العربية.
في الواقع، كان لتلك الأفكار وقع كبير في البلدان ذات الأغلبية الشيعية، مثل البحرين، وفي المناطق الشرقية للمملكة العربية السعودية، أكثر من تأثير الثوار الإيرانيين أنفسهم، الذين استطاعوا الجمع بين الشرعية الإسلامية والتمثيل الشعبي.
وإثر اندلاع الحرب بين إيران والعراق في سنة 1980، في عهد الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، حاولت أغلب دول الخليج المدعومة من بغداد إخماد الحماس الديني لطهران، ولغيرها من الدول؛ بهدف تحقيق التوازن بين هاتين القوتين، والتصدي للنفوذ العسكري الإيراني.
وبعد مرور ثماني سنوات من الحرب، خرجت إيران من هذا الصراع بخسارة مريرة وفادحة. وكانت النخب بطهران تعتقد أن الدول الأجنبية القوية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول الخليج الغنية، قد تآمرت لحرمانهم من النصر.
وفي السنوات التي أعقبت تلك الحرب، أصبحت إيران تعتقد بأنها الأحق بالحصول على الريادة في الشرق الأوسط، فضلا عن أنها كانت تشعر أنها ضحية، وهي السمة التي ميزت التشيع السياسي على مدى 12 قرنا الماضية.
وفي السنوات العشرين التي تلت حربها مع العراق، لم تتح لإيران الفرصة لاستعادة مكانها الذي ترنو إليه في المنطقة؛ نظرا لأن اقتصادها كان يعاني من العديد من الأزمات. وفي الوقت نفسه، اعتبر العالم العربي الذي هيمنت عليه سطوة دول الخليج في أوائل التسعينات، إيران عدوة يجب أن تتعاضد لكبح نفوذها، لا سيما في المناطق ذات الأغلبية الشيعية.
داخليا، استنفذت الصراعات السياسية بين الكتلة المحافظة والإصلاحية قوى إيران. وسرعان ما تمكنت طهران من تجاوز ذلك، إذ أن حالة الفوضى التي كانت تعيشها منطقة الشرق الأوسط على مدى العقد الماضي، أعطتها الفرصة لإلحاق الضرر بمصالح المملكة العربية السعودية ودول الخليج، مؤكدة من خلال ذلك رؤيتها القيادية الإقليمية.
عزيمة إيران
من وجهة نظر طهران، فإنها تعتبر نفسها البلد الوحيد المؤهل للإشراف على التحول الجاري في الشرق الأوسط، خاصة وأن النخبة السياسية الإيرانية تعتبر أن النظام الإيراني هو الأنسب دينيا، مقارنة بالنظم السياسية الديمقراطية التي تتبعها الممالك المجاورة، فضلا عن أنهم يعتقدون أن حكم إيران سيكون مستداما، نظرا لقدرتها على النجاة من الحرب مع العراق، والعقوبات الدولية، والمظاهرات المحلية الكبرى.
علاوة على ذلك، إن النخبة الإيرانية على قناعة بأن إيران تمتلك رؤية حضارية فريدة، مثل الصين وروسيا والغرب، التي تفتقر إليها بعض البلدان المجاورة لها.
ومن اللافت للانتباه، أن حكام إيران يعتقدون أيضا أن نظامهم يمتلك شرعية تاريخية وثقافية. فمنذ القرن السادس عشر، ومنذ فرض السلالة الصفوية الشيعية نظام الطائفية، اعتمدت الشرعية السياسية في إيران -إلى حد كبير- على تأييد السلطات الدينية الشيعية الأكثر احتراما في ذلك العصر.
وفي سنة 1979، استعادت الثورة الإسلامية الإيرانية الحكم الإسلامي، الذي شكل السياسة الإيرانية والمجتمع لأكثر من ألفية ماضية.
ومن وجهة نظر النخبة الإيرانية، فإن حكم الفقيه في إيران الحديثة، يتوافق مع تراث المجتمع الإيراني وهويته، ويعزز ثقة النخب في تمثيل حكومتهم للشعب، إلا أن التوسع الإيراني حوّل البلاد تدريجيا إلى غريب غير مرحب به.
تمكنت إيران في الوقت الحالي من تحقيق نمو نسبي، إذ أن الصفقة التي أبرمتها طهران مع القوى العالمية الست، لتنظيم برنامجها النووي، ساهمت في تخلصها من القيود الخارجية، التي عرقلت نمو إيران الاقتصادي منذ ما يقارب عقدا من الزمن
وعلى الصعيد الاقتصادي، تمكنت إيران في الوقت الحالي من تحقيق نمو نسبي، إذ أن الصفقة التي أبرمتها طهران مع القوى العالمية الست، لتنظيم برنامجها النووي، ساهمت في تخلصها من القيود الخارجية، التي عرقلت نمو إيران الاقتصادي منذ ما يقارب عقدا من الزمن. وبالإضافة إلى ذلك، ستسمح هذه الصفقة لإيران بالاستفادة من اقتصادها المتنوع، ومن عشرات الملايين من الشباب والمثقفين، الذين سوف يوفرون لها الأيدي العاملة التي يفتقر إليها جيرانها الخليجيون، الذين يعتمد اقتصادهم بدرجة أولى على عائدات النفط والعمال الأجانب.
ومع ذلك، يتفق كل من النخب الإيرانية ومنطقة الخليج على أن الآثار المترتبة على الاتفاق النووي، تمتد إلى ما هو أبعد من إعادة إيران إلى الساحة الاقتصادية الدولية. ومن وجهة نظر النخب الخليجية، يعكس هذا الاتفاق اعتراف الغرب بإيران كقوة إقليمية، يتشاركون معها العديد من المصالح التي تقتضي منهم الاعتراف بها، حتى لو لم ترضخ لهم.
ووفقا للعديد من المراقبين في إيران والخليج، فإن هذه الصفقة تمثل تحولا في محور اهتمام الولايات المتحدة من الشرق الأوسط نحو آسيا. وفي الأثناء، أعربت واشنطن عن رغبتها في تعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط، مما يتطلب منها التركيز على الثغرات الإقليمية الموجودة في الشرق الأوسط، التي تتميز بتواجد العديد من المجموعات المتطرفة التي تقدر على إثارة البلبلة في المنطقة ودفع العديد من اللاجئين للهرب نحو أوروبا والحدود الإسرائيلية، مما قد يزعزع استقرار تلك المناطق، ويجبر القوات المحلية على التدخل ومساعدتها للتصدي للمتطرفين.
وتجدر الإشارة إلى أن إيران تمثل المرشح الأبرز للعب مثل هذا الدور، على الأقل عندما يتعلق الأمر بكبح جماح نشاط هذه الحركات المتطرفة. وفي الحقيقة، دخل هذا التعاون الأمريكي الإيراني حيز التنفيذ، فعلى سبيل المثال، عملت كل من إيران والولايات المتحدة على وقف زحف الجماعات المتطرفة التابعة لتنظيم الدولة في غرب العراق.
ومن ناحية أخرى، يعترف القادة العسكريون الإيرانيون بأن مشروعهم “اللاهوتي” يتعارض مع النظرة العالمية التي تضعها الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنهم على دراية كاملة بأن إسرائيل تعتبر إيران وحلفائها عدوها اللدود، على الأقل للسنوات القليلة المقبلة.
ومما لا شك فيه، أن الإيرانيين تابعوا عن كثب تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الذي لم يُظهر ودا لهم. ورغم ذلك كله، لا يزال القادة الإيرانيون يعتقدون أن هناك العديد من الفرص حتى تبسط طهران نفوذها في الشرق الأوسط.
في المقابل، وبغض النظر عن تصريحات ترامب، فإن الهدف الرئيسي للإدارة الأمريكية الجديدة، هو الحد من الخطر، الذي تشكله المجموعات المتطرفة. ونظرا للوجود العسكري الكثيف لإيران، في المناطق المحيطة بتنظيم الدولة وغيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى، قد تصبح طهران ذات قيمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
الدخيل غير المرحب به
عموما، كل هذه العوامل تثبت أن إيران، ستواصل نشاطاتها التوسعية في السنوات المقبلة. وفي هذا الصدد، تعتقد النخبة الإيرانية أن نجاحهم منوط بتحقق ثلاثة شروط. أولا؛ يجب على إيران أن تردع إسرائيل، وتمنعها من مواجهة وكلائها في شرق البحر المتوسط، لكن مع تفادي تدعيم نفوذ حزب الله حتى لا تشعر إسرائيل بأنها مهددة وتشن هجوما استباقيا. وفي حال نُفذت هذه الخطوة المدروسة بإحكام ونجحت، ستُبرر تواجد إيران في تلك المنطقة.
ثانيا؛ يجب على إيران أن تُضعف المملكة العربية السعودية، أكثر خصومها العرب تشددا، لدرجة تجعل الرياض تفشل في التصدي لها ومواجهة توسعها الإقليمي.
وأخيرا؛ يجب أن تضمن طهران بقاء كل من لبنان، وسوريا، والعراق، مجزئين على أسس طائفية. وفي حال تحققت هذه المخططات، سيواجه النظام العربي العلماني، الذي كان يتحدى توسع نفوذ إيران في شرق البحر المتوسط على مرّ التاريخ، تحديا هائلا؛ بمجرد تمكن إيران من الخروج من هذا المأزق الحالي.
وفي الواقع، بإمكان إيران تحقيق الشرط الأول على الأقل، في المدى القريب، خاصة وأن دعم إيران لحزب الله ساهم في تغذية مخزونه من الصواريخ، منذ آخر حرب شنها لبنان ضد إسرائيل في سنة 2006.
فضلا عن ذلك، إن القادة الإسرائيليين على دراية كاملة، بأنهم إذا قرروا الدخول في حرب ضد هذه الجماعة، عليهم أن يقدّموا للرأي العام الإسرائيلي تقريرا مفصلا عن الخسائر والتكاليف التي سيتكبدونها، ومن المرجح أن يتم رفضه.
أما فيما يخص إضعاف المملكة العربية السعودية، فقد أقحمت إيران الرياض في حروب استنزفت كل قواها، خاصة حربها في اليمن، التي استنفدت جُل موارد المملكة. وعلى الرغم من أن القيادة السعودية تدرك مخاطر مشاركتها في هذه الصراعات الدامية، إلا أنها ما زالت غارقة فيها إلى حد الآن، من جانب آخر، تكمن المعضلة الكبرى في الشرط الأخير، إذ أن ضمان بقاء لبنان، وسوريا والعراق منقسمين، سوف يأتي بنتائج عكسيةفي نهاية المطاف.
في الواقع، تمكنت طهران من دس أنصارها، بغية إضعاف النظم العربية في كل من العراق وسوريا ولبنان، لكن المشكلة تكمن في أن تدخل إيران أجج عداوة المسلمين السنة، وأثارت مخاوف الأقليات الدينية في المنطقة، وخاصة المسيحيين “الموارنة” والدروز، الذين ساهموا في وضع الأسس السياسية لهذه الدول، وفي تقرير مصيرها
ساهم توسع طهران في المنطقة تدريجيا، على أنقاض حطام النظام العربي ، في جعل إيران قوة شيعية دخيلة وسط منطقة تعيش اضطرابات اجتماعية ودينية.
ومن جهة أخرى، الدور الذي تلعبه إيران في المنطقة يكتسي خطورة على المدى البعيد، إذ يتطلب منها ذلك تقديم دعمها لوكلاء، من شأنهم أن يبقوا على خلاف دائم مع جيرانهم. وبالتالي، ستضطر للتحالف مع أطراف مثيرة للجدل، على غرار الميليشيات الشيعية في العراق، التي تعادي العديد من المواطنين العراقيين، وتستنزف موارد بغداد.
قوة النموذج الإيراني
وفي الواقع، سيقضي تسليح إيران للطوائف المسلحة على سمعتها وتواجدها في المنطقة. خلافا لذلك، إن الإسلام السني لن يبقى دائما تحت رعاية الوهابيين السعوديين، أو يعاني من وجود جماعات ذات نفوذ، تدعي بأنها تمثله.
وفي العقود القادمة، سوف تتجاوز مناطق من العالم العربي الأزمات التي تمر بها في الوقت الراهن. وإذا تحقق ذلك، ستستفيد إيران من تنصيب نفسها كشريك محترم وقوة ثقافية، أكثر من كونها نصيرا استغلاليا ووصوليا. وفي الداخل، سيقلص هذا من المغامرات التي تخوض إيران غمارها.
وعموما، رفع العقوبات عن إيران قد يحفز نموها الاقتصادي، لكن اقتصادها لن يزدهر بين عشية وضحاها؛ فالبنية التحتية الإيرانية تحتاج لاستثمارات ضخمة، علاوة على ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل. ولذلك، كلما توسع هذا البلد أكثر، أثقل كاهل اقتصاده الذي ما زال في بداية الازدهار.
لعل أكثر ما يزعج مؤسسة الحكم الإيراني، هي الحملات الخارجية لطهران، لتقويض شرعية الحكومة، وذلك من خلال منح السلطة للقادة العسكريين، على حساب السلطات الدينية التقليدية. ومن هذا المنطلق، أصبحت النخب العسكرية تضطلع بدور مهم في السياسة الداخلية الإيرانية. وفي السنوات الأخيرة، تمكنوا من إيصال عدد من العلماء الموالين لهم إلى المؤسسات الدينية الإيرانية.
بادعائها لهذا الدور الجديد، لوثت النخبة العسكرية “الأسس الشرعية الشعبية” للنظام الإيراني؛ أي أولوية علماء الدين الأكثر تأهيلا، والذين تقوم عليهم المؤسسة الشيعية، لقيادة الجمهورية الإسلامية. علاوة على ذلك، فإن نظرة جزء كبير من الشباب الإيراني، الذين يفتقرون إلى الخبرة والمعرفة بالتجاوزات التي يرتكبها كل من “الشاه” أو “الخميني”، والحرب التي تدور رحاها في العراق، تبعد كل البعد عن التصور الذي وضعه قادة النظام الهرميين. وبالتالي، كلما صعد الجيش، تغيرت أسس شرعية النظام، وهو ما قد يثير قلق الشباب. مما يتطلب اهتمام إيران الكلي بكسب دعم الشباب.
وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على القادة الإيرانيين أن لا يسمحوا لأهدافهم التوسعية في الشرق الأوسط في أن تلهيهم عن بقية دول آسيا، أي السماح بصعود الصين، والنزاع الدائر في “ناغورني كاراباخ”، والتوتر في العلاقات بين الهند وباكستان. وكلما ساهمت هذه التحولات في تشكيل الشأن العالمي، اضطرت إيران للاهتمام بالجانب الشرقي على حساب الجانب الغربي.
الجار الأبدي
من بين أنقاض النظام الذي سيطر على السياسة في الشرق الأوسط، والذي امتد لأكثر من أربعين سنة، هناك جيلا جديدًا من الشباب العربي بصدد الظهور؛ بعضه يتبنى وجهة نظر تتضارب تماما مع وجهات نظر الجيل الذي سبقه.وبالنسبة للشريحة الواعدة من شباب العالم العربي المُطلع على العالم، والذي يفهم المآزق التي يمرون بها، فتطمح لإرساء عقد اجتماعي جديد، يتمحور حول الفرص الاقتصادية، وتمثيل سياسي حقيقي، واحترام كرامتها.
ونظرا لسيطرتها على الطائفية فضلا عن وكلائها المسلحين، نجحت إيران في الرّد على انهيار النظام القديم، في حين أنها فشلت في التكيف مع النظام الجديد الذي برز من تحت الأنقاض. وبالتالي، تسعى إيران لتحقيق أهداف لا يمكن أن تستمر من خلال وسائل غير مستدامة.
ومن جانب آخر، يوجد طريقة أكثر إيجابية لتتعامل بها إيران مع القوى الممثلة من قبل جيل الشباب في العالم العربي، إذ بمقدورها تجاوز الطائفية التي وُجدت منذ عقود، من خلال تذليل سياسات البلدان التي بنت عليها نفوذها.
أما في لبنان، فينبغي على إيران أن تدعم جهود الرئيس، ميشال عون، وذلك بغية تعزيز مؤسسات الدولة، وهذه الخطوة لن تضعف نفوذ إيران في البلاد، نظرا لقرب عون من حزب الله.
وفي سوريا، يجب على إيران مقاومة الإغراءات التي تولدها انتصاراتها العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، على طهران أن توقف عملية ترحيل السوريين السنة، خاصة بالقرب من حدودها مع لبنان، وهو ما كان العديد من حلفائها يقومون به لعدة أشهر.
لن تكون أي من هذه التدابير سهلة، حيث ستعارضها العديد من الدول، لكن على صناع القرار في إيران أن يدركوا، أن اليوم الذي سيمسك فيه الشباب العربي بزمام الأمور، ويفرضون سيطرتهم على الحكومات، سيتذكرون كيف كانت القوى الخارجية تعامل بلدانهم في لحظات الضعف. ولذلك من المستحسن لإيران أن تُنصب نفسها على أنها محور تجاري، ومركز ثقافي، ونموذج إقليمي، بدلا عن معارض لهم، وخطر يهدد باقي الدول. وفي الأثناء، تسعى إيران، الجار الأبدي للعالم العربي لاتخاذ قرارات تخدم مصلحتها على المدى البعيد.
المصدر: فورين أفيرز