ترجمة وتحرير نون بوست
قد تتلخص أبرز جوانب دراما الأوبك في فصل واحد من الأوبرا الخفيفة. صرّح وزير النفط السعودي، خالد الفالح، أنه “من غير الضروري أن تمدد المملكة العربية السعودية في الاتفاق الذي توصلت إليه مع الدول المشاركة في منظمة الأوبك وبعض الدول الأخرى، والذي يقضي بقطع إمدادات النفط التي تبلغ حوالي 1.8 مليون برميل في اليوم طيلة الستة أشهر الأولى، وأن هذه الخطوة من شأنها إحداث نقص كبير.”
يبدو أن المملكة العربية السعودية قد تسرعت جداً في توصلها لهذا الحل الذي سيكون له تأثير بالغ على المشكلة الناتجة عن وفرة العرض، ما تسبب في تدهور سوق النفط على مدى السنتين الماضيتين، وجعل مصير عددا كبيرا من المنتجين على حافة الهاوية بينما القى بالآخرين فيها.
استغرقت المملكة العربية السعودية الكثير من الوقت للموافقة على هذه الصفقة في نوفمبر/تشرين الثاني، لكن قد يكون لقرارها معنى حقيقي إذا نظرنا إليه من زاوية المنطق. وقد تسببت وفرة العرض في صعوبات مالية للمملكة العربية السعودية وزيادة تعقيد عملية الطرح العام الأولي (ايبو) لفرع شركة “أرمكو”.
صادرات النفط الخام في المملكة العربية السعودية
بلغت صادرات النفط الخام أعلى مستوياتها، على مدى 13 سنة، في نوفمبر/تشرين الثاني، عندما وافقت الأوبك على الاتفاق الذي يقضي بخفض الإنتاج. وأظهرت الأرقام الحصرية الصادرة عن مبادرة بيانات المنظمات المشتركة وجهاً مختلفاً عما سبق ذكره.
فقد تبين أن المملكة العربية السعودية كانت تتمتع حجما كبيرا من صادرات النفط التي بلغت أعلى مستوياتها على مدى 35 سنة، في الوقت الذي وصل فيه الاتفاق إلى طريق مسدود. وقد ساعدها في ذلك الانخفاض الكبير الذي في حجم النفط الذي تحتاجه الدولة في توليد الكهرباء.
ساهمت هذه الظروف، التي تزامنت مع فصل الصيف، في تعزيز الطلب على الكهرباء، التي كانت تستعمل لتشغيل المكيفات، ما تولد عنه حرق مباشر لكمية كبيرة من النفط لتحويلها، مما أدى بدوره إلى ارتفاع ليصل إلى 900 ألف برميل في اليوم خلال تلك الفترة.
حرق النفط الخام
انخفض معدل استخدام النفط السعودي، بسبب استبداله بالغاز الطبيعي، الذي أصبح من أهم مولدات الطاقة وبديلا فعالا للنفط. لذلك سعت المملكة السعودية إلى تحسين الوضع، ونجحت من خلال محطة الغاز “الوسيط” في خفض معدل استخدامات النفط الخام في توليد الطاقة بنسبة وصلت إلى الثلث، وتمكنت من تصدير هذا النوع الجديد من مولدات الطاقة.
بالإضافة إلى ذلك، عملت المملكة السعودية على وقف الدعم الموجه للوقود، متسببة بذلك في تراجع استهلاك النفط بنسبة 2 بالمائة في الأشهر الأحد عشر الماضية من سنة 2016. ويُعتبر هذا الانخفاض الأول من نوعه منذ سنة 2003 مع بداية تحديث مبادرة بيانات الشركات المشتركة وفقا لهذه الإحصائيات. وقد تسبب ذلك أيضاً في إحراج كبير للمملكة العربية السعودية، حيث أنه تزامن مع بداية المحادثات داخل في الأوبك، في السنة الماضية.
كانت المملكة العربية السعودية ستبدأ في إغراق السوق بالنفط، مع بداية سنة 2017، لو لم تعمل على خفض إنتاجها. وكانت الأمر سيتواصل على هذه الحالة على مدى ستة أشهر. لكن المملكة العربية السعودية نجحت في إقناع شركائها بتقاسم هذا العبء بطريقة لم يسبق لنا أن رأينا مثلها منذ الأزمة المالية التي حدثت سنة 2008. واستطاعت، بالإضافة إلى ذلك، استعادة مكانتها القيادية في المنظمة.
نحن حقاً لا نعرف، ولا نستطيع معرفة، الدافع الذي أدى بالمملكة بالسعودية إلى الموافقة على قرار خفض الإنتاج. ولكن مكنتنا هذه القراءة الجديدة للدوافع الخفيّة، من معرفة غاية وزير النفط السعودي من طلب مهلة الأشهر الستة، وأسباب إقبال المملكة على خفض معدل إنتاجها إلى هذه المستويات. كان واضحا أن انتاجها سيتراجع في ذلك الوقت، وفي نقطة محددة سيتسنى لها البدء في زيادة الإنتاج مرة أخرى من أجل الحصول على الصادرات في المستوى الذي تريد تحقيقه.
كان من السهل أن تكون تشكّل خطوة مماثلة حافزاً سهلاً لإلغاء الاتفاق بحلول شهر يونيو/ حزيران. ولن تكون هناك طريقة ممكنة للتعامل مع المخزون العالمي المتراكم في ذلك الوقت. لكن يبدو أن هذه الوضعية كانت تهدف إلى إثارة غضب بقية الدول المنتجة، وتعكير الوضع.
إذا كانت المملكة العربية السعودية تهتم بالمحافظة على الصادرات أكثر من اهتمامها بتحقيق التوازن في السوق، ستكون لديها الرغبة في التراجع عن الاتفاق الذي سيكلّفها وشركائها الكثير من رأس المال السياسي لتحقيقه.
المصدر: بلومبرغ