نصف سجين.. أسلوب نظام السيسي الجديد لتضييق الخناق على معارضيه

ahmed

ليس كل إفراج أو إخلاء سبيل يعني الحرية الكاملة، خاصة إن كان المفرج عنه أو المُخلى سبيله ينتمي إلى المعارضة المصرية أو متورط في قضايا سياسية، فهنا ربما كان الحبس داخل زنازين السجون وخلف جدران المعتقلات أفضل مما عليه حال من وضع تحت المراقبة عقب قضاءه لفترة حبسه.

استبشر البعض خيرًا خلال الأيام الماضية حين تم إخلاء سبيل أحمد ماهر مؤسس حركة 6 إبريل، ومحمد عادل عضو الحركة، بعد قضاء فترة الحبس ثلاث سنوات، تنفيذًا لحكم محكمة جنح عابدين، الصادر في ديسمبر 2013 بحبسهما 3 سنوات، وتغريم كل منهما 50 ألف جنيه، على خلفية خرق قانون التظاهر، في قضية “أحداث محكمة عابدين”، والتي وقعت في 2013،  لكن وضعهما تحت المراقبة طيلة 12 ساعة كل يوم ولمدة مماثلة لفترة حبسهما كان بمثابة الصدمة للكثيرين.

ردود فعل – مصرية وعربية ودولية – استنكرت هذه المراقبة بآلياتها المختلفة، متهمة الحكومة بمحاولة التنكيل بالمخلى سبيلهم من المحبوسين، خاصة نشطاء الرأي، ليبقى السؤال قائمًا: هل باتت الحرية المشروطة أو المقيدة عبر المراقبة وسيلة النظام الجديدة لتقييد حرية معارضيه؟

“المراقبة”.. مادة قانونية ولكن!

يستند حكم القضاء لعقوبة المراقبة بعد انقضاء فترة الحبس إلى المادة (375) من قانون العقوبات المصري والتي جاء في آخر نصها: علي أن يقضي في جميع الأحوال بوضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها”، ماجعلها عقوبة مرافقة للحكم  القضائي الأصلي، حسبما جاء على لسان نائب مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة اللواء خالد شلبي، والذي قال إن المراقبة عقوبة تكميلية أقرها القانون، خاصة في الجرائم التي ينص القانون فيها علي تغليظ العقوبة عند العود، وهي عقوبة ينص عليها الحكم.

وأضاف شلبي أن أغلب الأحكام القضائية تصدر متضمنة هذه العقوبة التبعية بالنص علي أن المتهم يوضع تحت مراقبة الشرطة مدة تساوي مدة حكم السجن أو الحبس أي مدة مماثلة لمدة العقوبة، فمن حكم عليه بخمس سنوات، فرض عليه أن يوضع تحت المراقبة خمس سنوات أيضا بعد إخلاء سبيله.

بحسب ما أكده مصدر أمني فهناك سلبيات لهذه المراقبة، حيث يستغل بعض رجال الشرطة هذه الخاصية القانونية للتنكيل بالمتهمين، وتعذيبهم، وفرض الحصار والتضييق عليهم بصورة مهينة

أما المقصود بالمراقبة في القانون فهي أن يمضي المتهم عقوبة تكميلية عقب خروجه من السجن تحت مراقبة الشرطة، مشيرًا إلى نوعين من المراقبة، الأول: المراقبة داخل ديوان المركز أو قسم الشرطة وتبدأ من غروب الشمس وحتي شروقها أي مراقبة ليلية، أما النوع الثاني فهو المراقبة في المنزل حيث يقوم ضابط الشرطة بالمرور عليه في محل إقامنه، وهنا لابد أن يخرج لإظهار نفسه ومعه الدفتر الخاص بمرور المراقبة لإثبات تواجده، وفي الحالتين عندما لا يوجد المتهم يقوم ضابط الشرطة الذي خول له القانون سلطة الضبطية القضائية بعمل محضر بكسر المفرج عنه شروط المراقبة ويحرر له محضرًا برقم جنحة ويعرض علي النيابة، وتثبت هذه الجنحة في صحيفة الحالة الجنائية.

لكن.. وبحسب ما أكده مصدر أمني فهناك سلبيات لهذه المراقبة، حيث يستغل بعض رجال الشرطة هذه الخاصية القانونية للتنكيل بالمتهمين، وتعذيبهم، وفرض الحصار والتضييق عليهم بصورة مهينة، ما يدفع بعض المخلى سبيلهم إما للهرب بعيدًا عن أيدي أجهزة الأمن، وهو ما يعرضه لعقوبات مستقبلية كما ورد في نص المادة.

المئات من المعارضين خلف القضبان بسبب قانون التظاهر

ماهر وعادل..التنكيل باسم القانون

(الحالة النفسية لموكله بعد الإفراج عنه سيئة للغاية بعد إلزامه بقضاء فترة مراقبة يوميًا داخل القسم لمدة 12 ساعة على مدار 3 سنوات..) بهذه الكلمات استهل محمد عيسى الصروي، عضو لجنة الدفاع عن أحمد ماهر، حديثه معلقا على الإخلاء المشروط لمؤسس حركة 6 إبريل.

الصروي في مداخلة هاتفية له أشار إلى أن المادة التي استند إليها القاضي في حكمه وهي (375) غير دستورية بالمرة، وأنه سيتقدم بطعن عليها أمام القضاء، مضيفًا أن ماهر يتعرض لأنواع من التنكيل والتعذيب النفسي والجسدي باسم القانون، ملفتًا إلى أن هناك نوعين من المراقبة، نوع يصدر مع العقوبة ويسمى  بالمراقبة الحتمية، وفيه يقضي المتهم 12 ساعة يوميًا داخل السجن التابع لسكنه، أما النوع الآخر فهو المراقبة الشرطية، وتعني متابعة المتهم للقسم التابع له مسكنه يوم أو يومين في الأسبوع، منوهًا أن الأمر يتوقف حسب هوى قسم الشرطة، وكينونة المتهم، فلو كان من النشطاء السياسيين والمعارضين سيطبق عليه النوع الأول الذي يلزمه الحضور يوميًا وهو ما تم مع ماهر حتى الآن.

دفاع أحمد ماهر: موكلي يتعرض لأنواع من التنكيل والتعذيب النفسي والجسدي باسم القانون

محامي ماهر أشار إلى أن موكله يتواجد في القسم يوميا من 6 مساء إلى 6 صباحا، حيث أن الحكم الصادر ضده جعل المراقبة  حتمية، مضيفًا أن ماهر يقضي فترة المراقبة بالقسم في ممر ضيق للغاية ،وعلى الرغم من انخفاض درجات الحرارة إلا أنه غير مسموح له باقتناء أكثر من بطانية واحدة  مشيرا على أن هذا النمط من المراقبة، وسيلة لتعذيب أحمد ماهر بعد الإفراج عنه، ومؤكدًا على أنه سيتقدم بتظلم للنائب العام لتغيير شكل المراقبة المفروض على موكله، حيث أنه ليس مطلوبًا على ذمة أي قضايا حاليا، ولا يتبقى لها سوى تنفيذ المراقبة   

وفي نفس القضية أشار كريم عزت، عضو لجنة الدفاع عن عضو حركة 6 إبريل، محمد عادل، إلى أن موكله سيقضي مدة المراقبة عن طريق تسليم نفسه يوميا لمركز أجا بمحافظة الدقهلية لمدة 12 ساعة في اليوم، تبدأ من الساعة 6 مساءً، وتنتهي 6 صباحا، خلال الـ3 سنوات القادمة.

ماهر وعادل ليسوا وحدهم في هذه الظاهرة، هناك العديد من الحالات التي تم إخلاء سبيلها وتم وضعها تحت المراقبة الشرطية، فهناك العديد من الأسماء الأخرى، لكنهما عنوان لتلك الشريحة التي خرجت من السجن بعض قضاء ما عليها من أحكام، إلا أنها في الوقت نفسه لازالت تحت الحصار والسيطرة الأمنية، وأسيرة لممارسات التنكيل والتعذيب باسم المراقبة.

العدالة تحت المراقبة 

شنت المنظمات الحقوقية والمدافعون عن حقوق الإنسان في مصر والعالم هجومًا على النظام المصري عقب إخلاء السبيل المشروط بمراقبة حتمية لعضوي حركة 6 إبريل، منوهين أن هذه المادة غير دستورية، وأنه يجب إعادة النظر في أسلوب المراقبة، وضرورة التفرقة بين المتهمين في قضايا جنائية وسياسية، حيث أعرب المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان عن قلقه من انتهاك القانون المنظم لشروط المراقبة الشرطية عن الأفراد المفرج عنهم ( م8 من القانون 99 لسنه 45 ) بما يمثل عقوبة إضافية بعد استيفاء مدة العقوبة الأصلية، مناشدًا النظام بإعادة النظر فيها.

من جانبه، ندد المحامي والحقوقي نجاد البرعي، بعقوبة المراقبة التي سيقضيها أحمد ماهر، ومحمد عادل، حيث قال في تدوينة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: “يسألني الناس لماذا لم أعد أكتب في الصحف أو حتى هنا أو في أي مكان وأقول لهم لم يعد للكتابة معنى، لا أحد يسمع، لا أحد يتحرك”.

وتابع: “يسألونني عن أشياء لماذا لا أبدي رأيًا في حبس مهدي عاكف والخضيري وقد تعدى الأول التسعين عامًا والثاني على أبواب الثمانين؟، وماذا يفيد ما أقول وقد نزع الله الرحمه من القلوب، يسألونني لماذا لا أتكلم عن خضوع الشاب أحمد ماهر إلى ٣ سنوات مراقبة حيث يتعين عليه أن يكون في قسم الشرطة من السادسة مساءً إلى السادسة صباحًا بلا مكان ينام فيه ولا أمل في أن يعمل ليعيل أسرته؟ وما يفيد الكلام عن العدالة في بلد أصبحت العدالة فيه غريبة لقيطة لا تجد من يأويها”.

نجاد البرعي:  العدالة مثل ماهر بالضبط هي أيضًا تحت المراقبة، تنام في العراء في أحد مقرات الأجهزة السيادية ليس ١٢ ساعة ولكن على مدار الساعة، وما يفيد الكلام عن العدالة في بلد أصبحت العدالة فيه غريبة لقيطة لا تجد من يأويها.

وأضاف: “العدالة مثل ماهر بالضبط هي أيضًا تحت المراقبة، تنام في العراء في أحد مقرات الأجهزة السيادية ليس ١٢ ساعة ولكن على مدار الساعة، يسألونني عن رأيي في منع إبراهيم عيسى من الظهور على التلفاز، وفي احتكار الطفل المعجزة لوسائل الإعلام المرئية؟ فأقول أما إبراهيم فلم تكن تلك هي مرته الأولي ولكنه شخص متفرد في آرائه يغضب الجميع في وقت لا يتوقع أحد أنه سيغضب أحد، ثم إن كثيرين منعوا قبله هو ليس الأول ولن يكون الأخير فالسلطة المستبدة تحطم الكوبري الذي تعبر عليه، هذا قانون الاستبداد”.

محمد عادل وأحمد دومه داخل قفص الاتهام بالمحكمة

تنديد بالتنكيل المتعمد 

“في زمن السيسي، الاشتراك في مظاهرة يلزمه عقوبة 3سنوات سجن و3 سنوات مراقبة في سجون الشرطة، شىء لم يحدث في أي عهد، ولا حتى في عهد إسماعيل صدقي جلاد الشعب”…بهذه الكلمات استهل الناشط السياسي كمال خليل، تعليقه على وضع ماهر وعادل تحت المراقبة لمدة ثلاث سنوات.

خليل على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي، قال: “إنها الخسة بعينها، حكم الخسيس سيأتي يومًا لاقتلاعه، ولابد من يوم معلوم تترد فيه المظالم، الحرية لأحمد ماهر، فلتسقط عقوبة المراقبة الخسيسة التي يتعرض لها أحمد ماهر والعديد من شباب الثورة، شباب الثورة أصحاب رأي وقضيتهم قضية سياسية عادلة وليست قضية جنائية”.

هيثم الحريري: نتصالح مع الفاسدين وينعمون بما نهبوه داخل مصر وخارجها، ومن سجن بسبب التظاهر يقضى من 6م : 6ص في قسم الشرطة لمدة 3 سنوات، بالعدل.. تحيا مصر

بينما وصف <a href="


“>بريان دولي مدير منظمة “هيومن رايتس فرست” الاشتراطات التي وضعتها السلطات المصرية مقابل الإفراج الناشط المصري أحمد ماهر بالسخيفة، مغردا على حسابه الشخصي على “تويتر”: “علمت أن مصر تعتزم فرض عقوبة سخيفة على أحمد ماهر من خلال إلزامه بالمكوث في قسم الشرطة من السادسة مساء حتى السادسة صباحا، خلال السنوات الثلاث المقبلة”.

بينما تعجب النائب <a href="


“>هيثم الحريري عضو مجلس النواب، من طريقة تعامل النظام مع المتهمين، ففي الوقت الذي يتصالح فيه مع الفاسدين ممن نهبوا خيرات الوطن، نجده يصدر أحكامًا قاسية على المتظاهرين، قائلا في  تغريدة عبر حسابه على موقع “تويتر”: “نتصالح مع الفاسدين وينعمون بما نهبوه داخل مصر وخارجها، ومن سجن بسبب التظاهر يقضى من 6م : 6ص في قسم الشرطة لمدة 3 سنوات، بالعدل.. تحيا مصر”.

وفي المقابل أعتبر المحلل السياسي الأردني، ياسر الزعاترة، خروج ماهر وعادل بالأمر الجيد، مطالبًا بخروج جميع سجناء الرأي من المتظاهرين والمعارضين، كما جاء في تدوينة له على “تويتر”: “الإفراج عن أحمد ماهر أمر جيد، ولكن تجاهل عشرات الآلاف من الشرفاء في سجون السيسي بسبب خلفيتهم السياسية جريمة”.

المراقبة ومنهجية التضييق على المعارضة

نصف سجين ونصف حر، يبدو أن هذا هو المنهج الجديد للنظام الحالي في التعامل مع المعارضين خلال الفترة المقبلة،  فبعد الحملات الحقوقية الإقليمية والدولية التي تم شنها ضد السياسات القمعية للسلطة في التعامل مع السياسيين ونشطاء الرأي والمعارضين، واستنكار منهج الحبس والاعتقال وعدم الإفراج عن السجناء بعد انقضاء فترة عقوبتهم، ما عاد أمام القائمين على أمور هذا النظام سوى البحث عن سبل وآليات جديدة لتضييق الخناق على كل من يغرد خارج السرب، ومن ثم جاءت فكرة المراقبة ذات الشق القانوني لتكون هي العصا الجديدة التي تعاقب بها الحكومة معارضيها، من خلال المعاملة السيئة، والتنكيل، كما جاء على لسان عضو لجنة الدفاع عن أحمد ماهر.

وبالرغم من الإدانات الحقوقية لفكرة المراقبة والمطالبة بوضعها في إطارها الصحيح بعيدًا عن القضايا المتعلقة بالحريات والتعبير عن الرأي، إلا أن أحدًا من النظام لم يعر لتلك المطالبات أي إهتمام، ويظل هذا الأسلوب ذو البعد القانوني في شكله، محل تخوف وقلق من قبل المعارضين، بشأن آلية تنفيذه، وما قد يحمله من ممارسات تفوق ماقد يتعرض لها المتهمون داخل محبسهم الأصلي.