أشهر قليلة تفصل الجزائريين عن الانتخابات التشريعية لبلادهم، التي تعرف هذه السّنة ولأوّل مرة وجود هيئة عليا مستقلّة لمراقبة الانتخابات عوضًا عن الجهازين السابقين لمتابعة العملية الانتخابية لتحقيق الشفافية والنزاهة، ومشاركة أحزاب عرفت بمقاطعتها العملية على رأسها الأحزاب الاسلامية التي تدخل موحّدة هذه المرّة، مع مواصلة قوى أخرى سياسة المقاطعة.
هيئة عليا للإشراف على الانتخابات على رأسها معارض إسلامي
على غير العادة، تقام الانتخابات التشريعية الجزائرية، المزمع تنظيمها في مايو القادم، تحت إشراف هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، استحدثت بموجب المادة 194 من الدستور المعدل في 7 فبراير 2016، لتنظيم العملية الانتخابية. وتحلّ الهيئة، محلّ اللّجنة الوطنية القضائية للإشراف على الانتخابات، واللجنة الوطنية السياسية لمراقبة الانتخابات، واللتين كانتا الجهازين المتابعين للعملية الانتخابية.
ونصّ التعديل الدستوري على تشكيل هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، ترأسها شخصية وطنية يعينها رئيس البلاد بعد استشارة الأحزاب السياسية، وتضم 410 أعضاء، نصفهم قضاة، يقترحهم المجلس الأعلى للقضاء، والنصف الآخر كفاءات مستقلة من المجتمع المدني.
تعدّ الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، التي انطلقت في أشغالها أوّل أمس الأحد، حسب عديد الأحزاب مكسباً في تاريخ الانتخابات في الجزائر
وكان الرئيس الجزائري قد عيّن المعارض الإسلامي عبد الوهاب دربال رئيسا لها بعد استشارة الأحزاب السياسية، ويعتبر القيادي السابق في حركة النهضة الإسلامية، وأحد مؤسسيها سنة 1989 عبد الوهاب دربال من الشخصيات المقربة من الرئيس بوتفليقة وكان عضوًا في قيادة حملة بوتفليقة في انتخابات 2004 و2009. وترأس مكتب جامعة الدول العربية لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل من 2005 إلى 2011. ثم سفيرا للجزائر لدى المملكة العربية السعودية وهي المهمة التي تقلدها حتى ربيع 2016.
عبد الوهاب دربال رئيس هيئة الانتخابات
الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، التي انطلقت في أشغالها أوّل أمس الأحد، تعدّ حسب عديد الأحزاب مكسباً في تاريخ الانتخابات في الجزائر، رغم التشكيك الذي يطالها من بعض الأحزاب المعارضة التي تطالب بهيئة لتنظيم الانتخابات وتضفي الشّفافية عليها لا مراقبتها فقط وتعتبر الهيئة الحاليّة جزءاً من الإدارة الجزائرية، ولا تتمتع بالاستقلالية ولا تملك أي مقومات تستطيع من خلالها ضمان نزاهة وشفافية الانتخابات.
وحددت مهام الهيئة في “السهر على شفافية ومصداقية الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية والاستفتاء، بدءا باستدعاء الهيئة الناخبة إلى غاية الإعلان عن النتائج المؤقتة للاقتراع”.
الأحزاب الاسلامية تتوحد
مع اقتراب الانتخابات التشريعية التي من المقرّر اجراؤها في مايو القادم، بدأت الأحزاب الاسلامية الجزائرية برص صفوفها سواء بالاندماج أو التحالف على أمل استرجاع موقع سياسي استمر في التراجع خلال الاعوام الماضية، خاصة بعد انتخابات سنة2012 التي حلّ فيها الاسلاميون المتحالفون في كتلة “تحالف الجزائر الخضراء” في المركز الثالث بعد الحزبين الحاكمين.
في هذا السّياق وقّعت كل من حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية وحركة البناء الوطني، في ديسمبر الماضي، على وثيقة أسمتها التحالف الاستراتيجي بين الحركات الثلاث تحت مسمى “الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء”، بحضور أبوعبد الله غلام الله رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر. وأعلن قادة الحركات الثلاثة المشكلة لهذا التحالف عن دخولهم الانتخابات التشريعية القادمة بقوائم موحدة عبر كل ولايات الجزائر. وتعد حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية، تاريخيا، تنظيما واحدا قبل حدوث أزمة داخلية عام 1998، أدت إلى انشقاق رئيسها عبد الله جاب الله.
سبق لحركة مجتمع السلم وحركة النهضة وحركة الإصلاح الوطني أن شكّلوا تحالفا خلال الانتخابات البرلمانية عام 2012
وكان كلاّ من “حركة مجتمع السلم” (أكبر حزب إسلامي في البلاد) و”جبهة التغيير”؛ قد قرّرا، في وقت سابق، الاندماج في حزب واحد وخوض الانتخابات القادمة بقائمات موحّدة في إطار حركة مجتمع السلم، ويعد قرار الوحدة بين الحزبين عودة إلى وضع قديم، حيث إن جبهة التغيير تأسست مطلع 2012 من رحم حركة مجتمع السلم بعد انشقاق قيادات من هذا الحزب إثر أزمة داخلية.
وتتشكّل خارطة التيار الإسلامي في الجزائر من 6 أحزاب رئيسية، تضمّ الخمسة السابقة (حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية وحركة البناء الوطني وحركة مجتمع السلم وجبهة التغيير)، بالإضافة إلى “حركة الإصلاح الوطني” التي تعد الحزب الإسلامي الوحيد الذي لم يدخل في هذه التحالفات الجديدة بسبب أزمة داخلية بين قياداته.
وسبق لحركة مجتمع السلم وحركة النهضة وحركة الإصلاح الوطني أن شكّلوا تحالفا خلال الانتخابات البرلمانية عام 2012، تحوّل فيما بعد إلى كتلة نيابية موحدة تضم 50 نائباً من أصل 462 في مجلس النواب الحالي.
تسعى الأحزاب الاسلامية إلى تحقيق نتائج إيجابية
وتسبّب انقسام الأحزاب الإسلامي الذي دام عقدين في إضعافها وتراجع نتائجها في الانتخابات التي جرت في السنوات الأخيرة وفقدانه الريادة الشعبية وهو ما دفعها إلى عدم تقديم مرشح في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 التي أسفرت عن فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بولاية رابعة بنسبة %82 من الأصوات.
“بن فليس” أبرز المقاطعين والدّاخلية تهدّد
خلافا لمواقف الأحزاب القوى الحزبية الموالية والمعارضة، قرر حزبا “جيل جديد” الذي يقوده سفيان جيلالي، وحزب “طلائع الحريات” بقيادة رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، أكبر أحزاب المعارضة في قطب التغيير ولجنة المتابعة والمشاورات، مقاطعتهما الانتخابات التشريعية، ووصفاها بأنها مسرحية سياسية جديدة تنظمها السلطة
من جهته برّر حزب طلائع الحريات المعارض قرار المقاطعة بكون الانتخابات لن تقدم شيئا للأزمة الجزائرية
وبرر حزب جيل جديد مقاطعته، بحسب بيان له، كون “البرلمان غطاء قانوني للحكومة”، وعليه، فإنه من الواضح أن “السلطة ستهدي لنفسها أغلبية مريحة، فضلا عن أنها ستحجز بعض المقاعد لمُعارضة مشاركتية من أجل اكتساب شرعية ديمقراطية مفقودة”.
من جهته برّر حزب طلائع الحريات المعارض قرار المقاطعة بكون الانتخابات لن تقدم شيئا للأزمة الجزائرية، في ظل التهديدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحدقة بالبلاد. وقال رئيس الحزب، علي بن فليس، في تصريحات صحفية تناقلتها وسائل الاعلام، إن “الانتخابات التشريعية المقبلة لن تحمل حلا للأزمة المتعددة الأوجه التي تواجهها البلاد، وأن التهديدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أكبر المخاطر التي تحدق بالجزائر، وأن التحول الديمقراطي في الجزائر لا بد أن يمر عبر الحوار والتوافق”.
يشكك “بن فليس” في جدوى الانتخابات القادمة
عقب قرار هذه الأحزاب مقاطعتها الانتخابات، هددت السلطات الجزائرية بإعادة النظر في قانون الأحزاب السياسية، بما يتيح سحب الاعتماد والترخيص القانوني من الأحزاب السياسية التي تقاطع الانتخابات. وأوضح وزير الداخلية الجزائري، نور الدين بدوي، في اجتماع مع لجنة برلمانية أن السلطات تفكر في تعديل قانون الأحزاب السياسية، وتشترط المشاركة في الانتخابات لمنح الاعتمادات للأحزاب، ومعاقبة التشكيلات التي لا تسهم في تنشيط الحياة السياسية، وتدفع بالمواطنين إلى اليأس.
وتساءل الوزير الجزائري عن مغزى حصول الأحزاب السياسية على الترخيص القانوني بالنشاط فيما هي تبادر إلى مقاطعة الانتخابات، وليست فاعلة في الميدان، وتحرم مناضليها من المشاركة في الانتخابات التشريعية. وخلفت تصريحات الوزير ردود فعل غاضبة من المعارضة التي قالت إن تحديد الموقف من الانتخابات مبدأ ديمقراطي وسيد للأحزاب، ولا دخل للحكومة فيه.
أحزاب السلطة تسعى لحصد أكبر عدد من المقاعد
يسعى الحزب الحاكم، جبهة التحرير الجزائرية، إلى حصد أكبر عدد من مقاعد البرلمان خلال الانتخابات التشريعية القادمة، بعد أن شارف الحزب على ضبط القوائم الانتخابية، واختيار رؤوس قوائم، يتمتعون بنفوذ قوى وشعبية عالية، فيما حسمت ثاني تشكيلة سياسية في الجزائر، التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده مدير ديوان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، أحمد أويحي، أمرها في أغلب المحافظات، وعادت رؤوس القوائم لرجال أعمال ونواب حاليون في البرلمان الجزائر وأيضا وزراء.
وينص قانون الانتخابات في مادته 84، على أن الانتخابات البرلمانية يجب أن تكون خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من انقضاء العهدة البرلمانية.